على ضفاف بحر العرب تتربع مدينة المستقبل، حاملة لواء التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان، ففي كل يوم يولد على أرضها مشروع وتنبت فكرة.. تجتذب رؤوس الأموال والأعمال بعد أن ذاع صيتها على مستوى العالم كأفضل بيئة استثمارية آمنة، مزدهرة بمفردات الحياة العصرية، وتحولت في فترة قياسية وبجدارة إلى أيقونة الشرق.
إنها الدقم، الشاهد الأبرز على التحول الاقتصادي والتنموي الكبير في سلطنة عمان، المدينة التي شيدت من الصفر حيث لم تكن سوى استراحة للصيادين لتتحول إلى وجهة للاستثمار العالمي وركيزة اقتصادية تربط خطوط الملاحة بين الشرق والغرب.
بقوة الإرادة والتصميم ونجاعة التخطيط تتحول الدقم تدريجيا إلى شريان عالمي للطاقة، وتجتذب المزيد من المشروعات التي تخدم هذا القطاع الحيوي وتتكامل معه، ما يؤكد ويرسخ مكانتها وتأثيرها في الأسواق العالمية. فضلا عما يتوفر فيها من مقومات وبنية أساسية متطورة ومرافق وخدمات تضمن لسكانها جودة الحياة والاستقرار والعمل المنتج والعيش المطمئن.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية توالت المشروعات الاستراتيجية في الدقم التي أكسبتها ميزتها التنافسية على المستوى العالمي، وهو ثمار ما ضخته الحكومة من استثمارات ضخمة في إنشاء وتطوير المرافق والخدمات، وما تم تبنيه من توجهات ناجحة نحو تشجيع وجذب الاستثمارات التي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد تمكنه من النمو المستدام وترسم ملامح مشرقة لمستقبل الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار.
ويأتي في طليعة تلك المشروعات ميناء الدقم بإمكانياته الكبيرة لاستقبال السفن العملاقة، وقدراته المتطورة ليكون مركزا عالميا للتجارة واللوجستيات، والحوض الجاف أحد أكبر مجمعات إصلاح السفن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وميناء الصيد متعدد الاستخدامات الذي يمثل نقلة نوعية في قطاع الصيد وما يرتبط به من أنشطة وصناعات، إلى جانب المطار الذي يتطور باستمرار ويسهم في تنشيط وجذب السياحة ودعم الجاذبية الاستثمارية للمنطقة.
واليوم تتوج الدقم مسيرتها بأكبر الاستحقاقات عندما يتفضل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخوه الشيخ مشعل الأحمد الصباح أمير الكويت ـ حفظهما الله ورعاهما ـ بافتتاح مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية. وذاكرة المكان تعود بجلالة السلطان، قبل خمسة أعوام، يوم أن قام بوضع حجر الأساس لهذا المشروع ليحظى باهتمامه الشخصي، كما هو الحال مع سائر مشروعات المنطقة الاقتصادية.
ومصفاة الدقم ترجمة ناجحة لعمق العلاقات الاقتصادية بين سلطنة عمان والكويت، كونها أكبر مشروع استثماري مشترك بين بلدين خليجيين. وبافتتاحه تعزز عُمان قدراتها في صناعة البتروكيماويات، وترفع طاقتها التكريرية الإجمالية لتتجاوز 500 ألف برميل يوميا بإضافة 230 ألف برميل من المنتجات المكررة عبر هذه المصفاة، التي تتكامل مع محطة تخزين النفط في رأس مركز، لترسخ مكانة البلاد على خريطة الطاقة العالمية.
مع هذه المشروعات الاستراتيجية تتشكل ملامح هيكل النمو والتنويع الاقتصادي الجديد من خلال صناعات ريادية ومشروعات كبرى للبتروكيماويات والخدمات اللوجستية وصناعات الغذاء.
وترسي الدقم مكانتها كمدينة المستقبل العصرية ومركز صناعي قادر على تطويع الابتكار وجذب الاستثمارات الجديدة التي تقدم الحلول المتجددة للتنمية والتنويع، وتبدي توجها نشطا نحو التحول لمدينة ذكية ومستدامة للعمل والحياة.
وانسجاما مع هذا التوجه تتبنى المنطقة الاقتصادية مشروعات المستقبل التي يقود دفتها الشباب بأفكارهم الفذة وإبداعاتهم، بين مبتكر ومستثمر، حيث خصصت أول منطقة لتجارب الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة وتقنيات المستقبل، وبها استثمارات طموحة منها مركز مستوطنة الفضاء ليخدم الأبحاث والتجارب العلمية والعملية لمحاكاة رواد الفضاء وأبحاث العلوم والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
وفي ظل التوجه العالمي نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة، تقود الدقم التحولات المهمة في الصناعات الخضراء، بعد التوقيع على اتفاقيات صناعات الهيدروجين الأخضر، التي تمثل في حد ذاتها إضافة نوعية غير مسبوقة للتنويع، وتمهد لجذب استثمارات تعتمد على الوقود الصديق للبيئة كما هو مصنع الحديد الأخضر، مخصصة مساحات واسعة لتطوير هذا التوجه الصناعي المستدام.
إن الوضع التنموي الذي وصلت إليه سلطنة عمان يدعو إلى التفاؤل بالدور الرائد الذي تؤديه المناطق الصناعية والحرة والخاصة بوصفها محركات مهمة للتنويع الاقتصادي، وقد استفادت عمان من تجارب الدول الرائدة في هذا القطاع التي حولت مسارها نحو الازدهار.. ففي ميادين العمل والبناء تشكل الأمم ملامح مستقبلها، وتواصل طريقها نحو المجد.
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، حققت سلطنة عمان الكثير من النتائج الإيجابية والملموسة في الجوانب المالية والاقتصادية، لتكون منطلقا إلى مزيد من الحصاد، وتأكيدا على نجاعة وجدية توجهات التنمية في رؤية عمان المستقبلية وخطة التنمية العاشرة وارتكازهما على منهجيات مدروسة وبرامج تحدد المستهدفات وآليات التنفيذ. وما تحقق يعطي أفقا واسعا للتنويع، وإرساء قاعدة إنتاجية متنوعة ومتطورة للنمو.
إن عمان بطموحاتها وقفزاتها التاريخية لا يمكن أن يقف بها الزمن؛ لذلك ظلت وتظل مشرئبة إلى مستقبلها، متكئة على ثوابتها، مراهنة على ذخيرتها الدائمة عقول شبابها، وإيمانهم بأدوارهم، منطلقة من يقينها بمكانتها العظيمة التي حباها الله منذ الأزل. وتبقى الدقم أحد المسارات التي تبناها فكر جلالة السلطان ـ حفظه الله ـ للوصول بعمان إلى المكان الذي تستحق.
حمود المحرزي – جريدة عمان
https://www.omandaily.om/أعمدة/na/الدقم-أيقونة-الشرق
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
المنتدى الاقتصادي العماني القطري يناقش استغلال الفرص الاستثمارية وتوسيع نطاق التعاون
ناقش المنتدى الاقتصادي العماني القطري اليوم الأربعاء فرص الاستثمار المشتركة بين سلطنة عُمان ودولة قطر في عدد من القطاعات الواعدة مثل البنية التحتية، واللوجستيات، والطاقة، والصناعات التحويلية، إضافة إلى مناقشة تطوير شراكات تخدم الأسواق المحلية والإقليمية، ودعم النمو الاقتصادي المستدام.
حضر المنتدى الاقتصادي معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وسعادة الشيخ فيصل بن ثاني آل ثاني وزير التجارة وصناعة بدولة قطر، بحضور أصحاب السعادة ورجال الأعمال من البلدين. ويأتي المنتدى على هامش زيارة دولة يقوم بها صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تلبيةً للدعوة الكريمة من أخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-. ويعكس المنتدى التعاون المتزايد بين سلطنة عمان ودولة قطر، حيث يُركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيع نطاق التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، مع بحث تطوير شراكات بين الشركات العمانية والقطرية في قطاعات البنية التحتية، اللوجستيات، والطاقة.
توطيد العلاقات الاقتصادية
وأكد معالي قيس بن محمد اليوسف في كلمته الافتتاحية على أهمية المنتدى كمنصة لتوطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مشيراً إلى عمق العلاقة ومتانتها، وسعي البلدين لاستكشاف مزيد من الفرص الاستثمارية التي تلبي تطلعات القيادتين الحكيمتين. مؤكداً حرص الجانب العُماني ممثلا في الجهات الحكوميّة والقطاع الخاص على مناقشة كافة مجالات التعاون الممكنة بين البلدين إلى جانب الرغبة الجادة في تبادل المعارف والتجارب والخبرات مع الجانب القطري، وأن تحقق أعمال هذا المنتدى تطلعات الجانبين على مختلف الأصعدة.
وأشار معاليه إلى أن السنوات الأخيرة شهدت نمواً ملحوظاً في حجم الاستثمارات المتبادلة بين سلطنة عُمان ودولة قطر الشقيقة، حيث بلغت قيمة الاستثمارات القطرية في سلطنة عُمان حوالي 2 مليار ريال عُماني (19 مليار ريال قطري)، تركزت في قطاعات حيوية مثل القطاع المصرفي وفي الطاقة، والفنادق، والسياحة، والنقل، واللوجستيات، والعقارات، وقطاعات الصناعات التحويلية والصناعات الدوائية والبناء والتشييد وقطاع تجارة التجزئة وقطاع الاتصالات.
استكشاف فرص التعاون
من جانبه، قال معالي الشيخ فيصل بن ثاني آل ثاني، وزير التجارة والصناعة بدولة قطر: إن هذه المحطة نقطة انطلاق مهمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين بلدينا الشقيقين، كما أنها تمثل منصة مثالية لاستكشاف فرص التعاون وتطوير شراكات استراتيجية تلبي تطلعاتنا المشتركة. وقد شهدت العلاقات بين دولة قطر وسلطنة عمان تطورًا ملحوظًا بفضل الإرادة المشتركة للقيادتين الحكيمتين، مما يفتح آفاقًا واسعة لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية وتعزيز الاستثمارات الثنائية.
وأشار معاليه إلى أن المنتدى يهدف إلى تعزيز التعاون في القطاعات الحيوية التي تضيف قيمة لاقتصادات البلدين، مثل الصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والأمن الغذائي. كما دعا المستثمرين ورجال الأعمال من الجانبين للاستفادة من الفرص الواعدة التي توفرها البيئة الاستثمارية في كلا البلدين، والعمل معًا لتحقيق أهدافنا التنموية المشتركة.
وأكد على أهمية الدور المحوري للقطاع الخاص في تطوير الشراكات وتحقيق التنوع الاقتصادي، معربًا عن تطلعه لتحقيق المزيد من النجاحات المشتركة التي تدعم مسيرة النمو والازدهار لبلدينا.
وخرج المنتدى ببحث في تنمية الاستثمارات المتبادلة عبر مناقشة توصيات الملتقى الاستثماري القطري العماني الذي أقيم في دولة قطر ومتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم. إضافةً إلى البحث في سبل زيادة حجم التبادل التجاري من خلال إقامة معارض تجارية مشتركة لترويج المنتجات الوطنية لكلا البلدين.
التعاون وتعزيز الشراكة
وأشار عبدالله بن أحمد العمادي مسؤول علاقات المستثمرين في وكالة ترويج الاستثمار في قطر حول تطلعهم إلى المزيد من التعاون بين الشركات القطرية والشركات العمانية، ومثل هذه المنتديات تتيح الفرصة لمعرفة الفرص الاستثمارية لكلا البلدين، وأضاف: نتطلع أن نرى المزيد من الشركات العمانية في قطر والعكس كذلك. وأضاف العمادي أن تبادل المعرفة والخبرات الاقتصادية بين الدولتين يعتبر جانبا مهما ومشاركتنا اليوم أيضا تأتي لتسلط الضوء أكثر على مزايا الاستثمار في قطر وتعريف الشركات العمانية بمهام وأدوار وكالة ترويج الاستثمار بقطر. ومن خلال عرضنا اليوم خلال المنتدى رأينا اهتمام الشركات العمانية ونأمل أن نرى في الفترة القادمة اجتماعات تناقش تسهيل الاستثمار كوننا نستقطب الاستثمارات الدولية والأجنبية في قطر.
من جانبه أوضح رجل الأعمال سامي زيتون من دولة قطر: أن سلطنة عمان نجحت في إثبات نفسها في جانب جذب الاستثمار في القطاع اللوجستي وقطاع السياحة وقطاع الاستثمار الفندقي وذلك يتضح من حجم الشركات العمانية التي توجد في قطر وتصل لحوالي ٣٠٠ شركة ونتطلع لزيادة هذه النسبة مستقبلاً. كما أن تعاون رواد الأعمال مع القطاع العام بين البلدين الشقيقين يسهم في امتداد المخرجات التي تسهم في تعزيز علاقات الدولتين.
وأضاف عبدالله بن غانم العلي المعاضيد، مدير إدارة التنمية الصناعية: إن التبادل الاقتصادي والاستثماري بين سلطنة عُمان ودولة قطر تأصل حول مشاريع موجودة على أرض الواقع يلمسها كل مواطن قطري وعماني وإنه توجد مشاريع مشتركة بين البلدين وهذا ما يفتح آفاقا لفرص مستقبلية جديدة.
وأكد عبدالله المعاضيد أن هذا المنتدى له فعالية عالية بوجود متخذي القرار ورجال الأعمال من الطرفين للخروج بمخرجات تتحول لمشاريع ملموسة تفيد البلدين.