الشهيد سليم النفّار.. آخر شعراء المناهج المدرسية الفلسطينية
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
شاعر فلسطيني رحّال بين موانئ اللجوء، استقرّ به المقام في غزة، وارتبط بها، وعاش وبنى نشاطه الثقافي والوظيفي في وزارة الثقافة فيها، ولم يتركها.. وحين اندلعت هذه الحرب، أطلق نداءه الأخير قبيل استشهاده:
"نداء نداء، لمن يسمع أو يرى، من أمّة فقدت مكونات الكرامة والرجولة والإباء. نداء نداء، إن إسرائيل الدخيلة على مكوّنات أرضنا وتاريخنا، تستبيح دمنا، وتهتك سكون ليلنا بوقاحة قلَّ نظيرها، بينما الصمت العربي والدولي يمارس رياضة صمت مريب، معبّراً عن خيانة القِيَم الإنسانية والقومية.
إن غزّة اليوم وجنوب لبنان يشكّلان متراس الدفاع الأول عن كرامة الأمة وصدّ أحلام الغزاة بالتوسّع، وهذا مُحال.
ستؤكلون تِباعاً تِباعاً، وغزة لا تطلب منكم تحريك الجيوش، فقط أوقفوا نفطكم، لتأتي أوروبا الوقحة صاغرة لكم.
نداء نداء، هل تفعلون قبل فوات الأوان؟!".
إنه الشاعر سليم مصطفى النفّار الذي أرسل هذه الرسالة إلى صديقنا المشترك حمزة البشتاوي في لبنان، وأكد له بمعنويات عالية: باقٍ في مكاني، لا أخاف المجرمين الهمج.
وبعد أيام، وبالتحديد في 7 كانون الأول (ديسمبر) 2023، استشهد الشاعر والكاتب سليم النفّار، واستشهد معه زوجته وبناته وابنه الوحيد مصطفى وأخته وزوجها وأولادها في غارة على بيتهم في حي النصر، مختتماً ترحاله على أرض فلسطين، وتحديداً غزة.
وهذا عهد فلسطين به، ناشط متشبث بأرضه ومكانه.. وهو كما أخبرني البشتاوي رداً على سؤالي عن شاعرنا: إنهما كأصدقاء قدامى منذ الثمانينيات شكلا في مخيم الرمل باللاذقية لجنة مع عدد من المثقفين الفلسطينيين أقامت الفعاليات الوطنية الثقافية، والندوات وجلسات المثاقفة. كانوا خمسة يجمعون حولهم المهتمّين، فيقرأون ويحللون كل أسبوع كتاباً يلخصونه ويناقشونه.. فيختلفون ويتباعدون وتتباين آراؤهم.. إلا أنهم جميعاً كانوا متفقين على مبدأ المقاومة، مهما جنح الوضع السياسي إلى "السلام".
من هو سليم النفار؟
هو كاتب وشاعر تعود جذوره إلى حي العجمي في مدينة يافا، لجأ أهله إلى قطاع غزة بعد النكبة عام 1948، وولد سليم في غزة، وتحديداً في مخيم الشاطئ للاجئين في عام 1963.
في عام 1967 اعتقل الاحتلال والده مصطفى النفّار بسبب نشاطه في مساعدة ضباطٍ مصريين على الانسحاب بحراً بعد احتلال غزة، وأَبعده إلى الأردن عام 1968. وما لبث أن غادر الأردن بسبب أحداث أيلول (سبتمبر) 1970 إلى سورية ملتحقاً بالقوات البحرية الفلسطينية، واستقرّ بهم المقام في مخيم الرمل في محافظة اللاذقية السورية، حيث عاش الشاعر سليم النفار هناك.
في مخيم الرمل، تلقّى تعليمه من المراحل الابتدائية والإعدادية، ثم انتقل ليدرس الأدب العربي في جامعة تشرين في سورية. وهناك شكّل ملتقى «أبو سلمى» السنوي للمبدعين الشباب في الجامعة عام 1986.
لم تمهل الحياة والده الذي استشهد في العام 1973 في لبنان، في مواجهة بحرية مع الاحتلال، وكان أثر ذلك واضحاً في حياة الشاعر وكتاباته لاحقاً.
كتب الشعر مبكّراً، ونشط ثقافياً وسياسياً في المؤسسات الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. فعمل محرراً أدبياً في مجلة "نضال الشعب"، ومحرراً في مجلة "الزيتونة"، وكذلك مجلة "الأفق".
قبل العدوان على غزة، كان الشاعر الوحيد الباقي على قيد الحياة من الذين تُدرَّس أشعارُهم في المدارس الفلسطينية، حيث اعتُمدت قصيدته الشهيرة "يا أحبائي" في منهاج التعليم للصف التاسع الأساسي الجديد ابتداءً من العام الدراسي 2017 ـ 2018..
عاد إلى غزة بعد اتفاق أوسلو، وعمل مديراً في وزارة الثقافة الفلسطينيية حتى استشهاده. في غزة، كان عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وساهم في تأسيس جماعة "الإبداع الثقافي" عام 1997. شارك في عدد من المهرجانات الشعرية الفلسطينية والعربية والعالمية في الشرق والغرب.
مؤلفاته:
في الشعر، له سبعة إصدارات شعرية:
ـ "تداعيات على شرفة الماء"، القدس، 1996.
ـ "سور لها"، غزة، 1997.
ـ "بياض الأسئلة"، رام الله، 2001.
ـ "شرف على ذلك المطر"، القدس، 2004.
ـ "حالة وطن"، الأردن، 2014.
ـ "الأعمال الشعرية الناجزة"، رام الله، 2016.
ـ "حارس الانتظار"، غزة، 2021.
في النثر:
ـ "هذا ما أعنيه.. سيرة ذاتية"، رام الله، 2004.
ـ "غزة 2014"، حيفا، 2017
ـ "فوانيس المخيم"، حيفا، 2018.
ـ "ذاكرة ضيقة على الفرح - سيرة ذاتية"، حيفا، 2020.
ـ "ليالي اللاذقية"، حيفا، 2022.
نماذج من شعره:
يا أَحبَّائي (هذه القصيدة تدرَّس في المنهاج التعليمي الفلسطيني)
يا أَحبَّائي
سنأتي ذات يومٍ يا أَحبّائي
إلى أشيائنا الأولى
فلا قتلٌ يُبَاعِدُنا
ولا زمنٌ سيُنسينا
هنا في غامضِ الأَوقات
وضوحُ الحقّ يُعلينا
ويُعطي حلمنا سنداً
لتاريخ..
بأيام تؤاخينا
سنأتي ذات يومٍ يا أَحبّائي
فإنَّ الوجدَ مُلْتَهبٌ
ونارُ القهرِ تُدْمينا
هنا كمْ ساقني دربٌ
بعينِ الطفلِ يحكينا
رواياتٍ..
عَنِ التشريد للمنفى
وعن أحزانِ حادينا؟!
ولكنْ: وعدُه باقٍ
بأَنْ نأتي
ولو طالت ليالينا
هنا حيفا وناصرةٌ
هنا يافا
تمس القلبَ في سحرٍ
ونهرُ العينِ يُعطينا:
مراراتٍ، وأَنَّاتٍ،
لأيامٍ تناجينا
هنا كمْ هزّنيْ شوقٌ
لأصحابٍ
وألعابٍ
وحاراتٍ تنادينا؟!
سنأتي ذات يومٍ يا أحبائي
على مهلٍ يقولُ الحقُّ قولتهُ
فلا تستأخروا حُلْماً
ولا تستعجلوا حينا
فكم في دارنا ركناً
على الأيام،
مرهوناً بماضينا؟!
هنا لم يُقصهِ زمنُ
وآلتهمْ:
جنونُ الشرّ، لم تسحقْ مرامينا
فَعِطْرُ الحقّ، في أرواحنا باق
ولو طالت مسالكنا
ولو جُنّتْ مآسينا
على مهلٍ سيأتينا
غـــــزة
وعلى خيامٍ في الطريقْ
عَلَّقتُ وشمكِ نجمةً
ورسمتُ للحادي،
مسالكَ من عقيقْ
فعلى رقيقِ القلب أحرفكِ التي...
دلّتْ غريقاً في الغريقْ
إنَّ الذي بيني، وبينكِ بائنٌ
مهما تداعتْ في ثنايانا الحريقْ
إنّ الذي بيني وبينكِ:
رملُ ألعابي، وظلّ أبٍ هنا
ما زال يطلعُ لو مضى
فهُنا على نعشِ المكانِ نما،
كأعشابِ الطريقْ.
*كاتب وشاعر فلسطيني
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير شاعر فلسطيني فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مخیم
إقرأ أيضاً:
نداء للمساعدات الصحية والإنسانية لعلاج أطفال ونساء وجرحى فلسطين
قدمت الرابطة الطبية الأوروبية اميم و جالية العالم العربي في إيطاليا-كوماي و ايسك، نداء للمساعدات الصحية والإنسانية لعلاج أطفال ونساء وجرحى فلسطين بعد وقف إطلاق النار.
وكشف ممثلو UMEM وAISC عن أحدث الإحصائيات من غزة حصيلة الحرب، قائلين: “الأزمة الإنسانية لا تزال هائلة ومع مقتل ما يقرب من 46,900 شخص، ربعهم من الاطفال ، وأكثر من 110,550 جريحًا، من بينهم 10,550 إصابة خطيرة، فإن الوضع في غزة لا يزال حرجًا بشكل مأساوي. ونزح نحو 1.9 مليون شخص، ويعاني أكثر من 500 ألف شخص من الجوع”.
وتابعوا: “بينما أصبحت المستشفيات خارج الخدمة إلى حد كبير، هناك ما يقدر بنحو 12,000 جريح في حاجة ماسة للعلاج خارج القطاع”.
وقال فؤاد عودة رئيس الرابطة الطبية الأوروبية وجالية العالم العربي بايطاليا: “ يأتي الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ اعتبارا من يوم الأحد 19 يناير 2025، بعد 468 يوما من حرب وحشية ودموية، أسفرت عن مقتل ما يقرب من 46.900 شخص.. 1 من كل 4 حالات وفاة طفيفة”.
وتابع: " الهدنة لا تعني اليقين بأن كل شيء سينتهي بطريقة دائمة. إن وقف إطلاق النار الذي طالبنا به منذ بداية النزاع، مع جمعياتنا، هو بالتأكيد خطوة أساسية لإنقاذ الأطفال والنساء والمدنيين والمهنيين الصحيين والصحفيين على الجبهة ومع ذلك، فإن السلام الحقيقي يتطلب التزاما مستمرا ومشاركة جميع الأطراف المعنية. فقط من خلال الاحترام المتبادل والتعاون الدولي يمكننا بناء مستقبل يسوده الهدوء الدائم".
واختتم، نتأمل ان تكون خطوة أساسية نحو السلام الدائم وأمل في الاستقرار لملايين الأشخاص الذين يعيشون تحت وطأة الحرب منذ فترة طويلة. طويلة ومعاناة إنسانية. ومع انتهاء الأعمال العدائية، ترى المنظمات التي تروج للبيان فرصة ملموسة لإعطاء مستقبل أفضل للأشخاص المتضررين من النزاع، من خلال استعادة الظروف المعيشية والحصول على الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والصحة والأمن.
يذكر أنه بعد ساعات من عدم تنفيذ اتفاق الهدنة فى قطاع غزة، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دخول وقف إطلاق النار للمرحلة الأولى حيز التنفيذ.