كنان محمد الحسين
بعد انتصار ثورة ديسمبر المجيدة ظن العسكر انه بامكانهم استبدال البشير ببشير آخر وممكن يضحكوا على الشعب السوداني بتغيير الوجوه بأناس يعني يقولوا انهم مع الثورة وشباب وعليهم حمايتها من الفلول ، وصدقهم البعض ، لكن الاغلبية لم تصدق لكنهم لايملكون السلاح بالاضافة إلى الوساطات الملغومة من بعض الدول المجاورة التي تعمل لمصالحها بحجة حقن الدماء.
وبعد ذلك تم تشكيل حكومة كفاءات لتسيير الامور بالبلاد ، وقد نجحت الحكومة بامتياز في الكثير من الملفات التي قامت من اجلها الثورة ، من خلال شعار ( حرية ، سلام وعدالة) بالاضافة إلى الملفات الاقتصادية والامنية وازالة اسم السودان من الدول الراعية للارهاب. والامور سارت على مايرام وظن الناس خيرا. كما تم توقيع اتفاقية سلام جوبا مع حركات دارفور التي لم تكن حركات تحرر من اجل دارفور بل كانوا مجموعة من قطاع الطرق الطامحين في الحكم. وسرعان ما ظهرت نواياهم الخبيثة.
وبقيام الثورة تأثرت مصالح الكثير من الدول المجاورة التي كانت تعتمد على تزييف العملة السودانية لشراء منتجاتنا وتدخل وتخرج دون ضابط او رابط لاتدفع ضرائب او جمارك او حتى عملة صعبة، مما جعل د. حمدوك ويسافر إلى مصر ولم يطلب اكثر من علاقات متوازنة بين بلدين متجاورين بينهما مصالح مشتركة. مما اغاظ السلطات المصرية ، حتى حضر اللواء عباس كامل مدير المخابرات المصرية الذي ظن في لحظة من اللحظات انه حاكم السودان وكان يملي للعسكريين بما يجب ان يقوموا به، حتى قالها بوضوح شديد قال حمدوك لازم يمشي. ويعجبك برهان الذي ظن ان المصريين سيحموه من الشعب السوداني وقام بعملية انقلابية غبية اضرت بالبلاد والعباد وقام بقتل شباب الثورة بصورة ممنهجة ، واعلن نفسه حاكما متسلطا بدعم من ارزقية دارفور والدعم السريع. وقال أنا ربكم الاعلى. لكن العقاب الالهي اتي لعباس كامل وجماعته ، وقام الحوثي باغلاق قناة السويس. والدولار وصل السماء السابعة.
اما الانقلابيين فقد تشتت شملهم والثوار كل يوم في الشارع مما جعل برهان ومن شايعه من قرود الموز والفلول في حالة يرثى لها ، وقد حل بهم العقاب الالهي ، وزين لهم شيطانهم مثلما تخلصوا من الشق المدني بالامكان التخلص من حميدتي، لكنه كان ثعلب مثلهم وفهم اساليبهم استعد لهم ، ودارت بينهم حرب ضروس استمرت قرابة العام وقضت على الاخضر واليابس.
والبرهان منذ انقلاب 25 اكتوبر إلى يومنا هذا لم يذق طعم النوم والهدوء والسكينة ، من حرب إلى حرب ومن مظاهرة إلى مظاهرة ، ولم يترك طريقا الا وسلكه من اجل ايقاف الحرب والعودة إلى السلطة في القصر الجمهوري مقر الحكم في البلاد. وحتى تصريحاته صارت غير متوازنة ، ولم يجتمع مع شخص الا ونصحه بالعمل على ايقاف الحرب ، لكنه لم يسمع الا كلام الفلول الذين يحلمون بالعودة للسلط التي كانت بين ايديهم وفقدوها بسبب الطمع وحب الذات وعدم الاعتراف بحق الشعب السوداني في العيش في بلاده باستقرار ورفاهية وهدوء وسلام مثل بقية شعوب العالم.
ومن ينظر إلى كل ذلك ما هو الا بسبب الظلم الذي تعرض له د. حمدوك الحاكم الشرعي الذي اختاره الشعب ليدير الفترة الانتقالية للخروج من المحنة التي تمر بالبلاد. لكن لعن الله الشياطين الذين قتلتهم الغيرة بسبب نجاحات حمدوك. الذين اتهموه بالماسوني والشيوعي والعلماني وانه لايصلي ، تهم ليس لها اي علاقة بالعمل الذي يجب ان يقوم به وهو انقاذ البلاد من الهوة التي رماها فيها الاوغاد اللصوص تجار الدين ، ورغم قصر المدة الا انه خرج بالبلاد إلى بر الأمان مما اغضب الكثير من اعداء النجاح.
ولجنة التمكين بدات تكشف لصوصية تجار الدين بالوثائق في سرقة المال العام وتهريب خيرات البلاد وغيرها من اوجه الفساد. مما ادى إلى انقلاب الموز في 25 اكنوبر . الانقلاب الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير ، واوصلت البلاد إلى حافة الهوية وارجاع البلاد إلى العصر الحجري ، وقد فشل البرهان ومن معه من جماعة الموز وخلفهم فلول النظام البائد. وقد جعل كيدهم نحورهم ، حيث ادخلوا في حرب عبثية قضت على البلاد والعباد ، والحقت الهزيمة بالفلول عسكر وكيزان ، عقابا من السماء لأنهم ظلموا الرجل الرائع د. حمدوك.
بركاتك يا شيخ حمدوك
kannanhussain@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
(مناوي) الذي لا يتعلم الدرس
الخطاب السياسي لمناوي هو خطاب مرتجل وعشوائي، لكنه يظل عينة مناسبة لفحص المرض، فخطاب مناوي نموذج مكشوف لمستتر مكنون خطاب السودان الجديد، وهو في حالته العارية بلا رتوش المثقفين وفي ذات الوقت بدون حس التعبئة والحشد، وسبب ذلك أن مناوي يرجو منه أن يكون خطابا سياسيا لحركته لكن الخطاب يأتي متفجرا وخطيرا، وخصوصا حين تضيف له حس الهزل والهذر عنده. أن صفة التفجر والعنف هي أصل الخطاب وحقيقته، وأظن مناوي جاهل بذلك ولكن يجب في كل الحالات أخذه بجدية.
فيما يخص مناوي نفسه فليس المقام مناسب لتحليل تام وطويل لحالته، ولكنه اختصارا عبارة عن رجل أعمال سياسي مسلح، يتحرك وفق منطق براغماتي نحو الدولة، حركته حركة عرقية تلبست لباس السودان الجديد وبذلك فهي تحالف مصالح نخبوي هدفه تحقيق العوائد من السياسة، وهذه الحالة يطول شرحها لأنها تختلف في صيغة مناوي البراغماتية عنها في صيغ الحلو وعبدالواحد، ومهما كان فصيغة مناوي قابلة للتسوية وهناك بعيدا ستجد ثوابت معقولة، وربما ارتباط أكثر بعناصر محلية. لكن في كل الحالات تظل هي ظاهرة تحالف مصالح عرقي مسلح لا يحمل أي صفة شرعية للحديث عن دارفور وتحتاج لإصلاح.
المهم بالنسبة لي هو مضمون الخطاب الذي قدمه، ولي فيه ثلاث نقاط، ثم ختام بخلاصة نهائية ونصيحة للرجل وحركته وأتباعه:
أولا: تفسير الصراع:
ثمة خلط مفاهيم كبير يحدث في عقل مناوي لأنه لا يملك فرصة للفهم، ولا يوجد من حوله من يساعده في ذلك، إن مفاهيم مثل لعبة الأمم والتدخل الخارجي واستغلال التناقضات الداخلية هي مفاهيم صحيحة، لكن من يقولها لا يمكن منطقيا أن يردد دعايات الآخرين حول وجود سياسات متعمدة عرقيا ويربطها بالشمال ضمنيا في حديثه، ولو فرضنا جدلا صحة الحديث المبتور عن زمن الإنقاذ، فما معنى ذلك سوى رغبة في ابتزاز الدولة من جديد. دعك عن أن حركة مناوي نفسها تقوم على علة قديمة، فهي حركة عرقية صرفة وارتكبت انتهاكات كثيرة أيضا بل وكانت تصنف جزء من الجنجويد أنفسهم كما أشارت الصحفية جولي فلينت في ورقتها الشهيرة، أيضا فإن اتفاق أبوجا الذي تحدث عنه مناوي ظلم عرب دارفور ومطالبته بنزع سلاح الجنجويد كانت جزء من دعاية غربية، وظفت مناوي ودعته لزيارة أمريكا ووقتها وكان هو قطعة في رقعة شطرنج أو (كلبا في لعبة الضالة) كما قال، كان مطلوبا نزع السلاح من الجميع وفهم مخاوف مجتمعات العرب هناك، وقد كان مناوي يتغاضى عن ذلك ويفكر في قسمة سريعة للسلطة والثروة فالنفظ وقتها كان وعدا بثمن غال وكان مدفوعا بمنظمات وجهات خارجية تساعده فنيا وسياسيا. إن مسألة العمالة لم يكن بعيدا عنها وهي كانت في نوع من التحالف مع مشروع غير وطني، على مناوي أن يعيد القراءة والنظر في تفسير الصراع والتواضع أكثر فمن كان بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بحجر، وهذا الفهم سيمنحه قدرة لتشخيص الأبعاد المركبة وفهم كيف أنه قبل يوما أن يكون أداة في يد الآخرين.
ثانيا:خريطة دارفور.
خريطة دارفور التي ظهرت في خطابه أيضا تثير استفزازا كان في غير محله، ومناوي يخدم بذلك خطوطا تقسيمية خطيرة، وحتى لو فرضنا أنه ظنها مسألة خلافية فما معنى بعثها اليوم؟ في الحقيقة فإن خريطة دارفور حدودها شمالا حتى خط ١٦ عرض وتبدأ جنوبا من خط ١٠ عرض، وشرقا حدودها خط ٢٧ ثم غربا حتى خط ٢٢. وأدناه صورة من كتاب موسى المبارك عن دارفور يعود بمصدره لبحث مهم عن تاريخ دارفور للبريطاني لامبن. G.D.Lampen بعنوان تاريخ دارفور. لكن المهم أن مناوي أن مناوي يظن أنه يتحدث بذكاء حين يقول أن أهل دارفور هم وكلوه بهذا الحديث، وهذا ابتزاز وتذاكي خبيث فمناوي لم يفوضه أحد ومن المهم له أن يكون أكثر تواضعا أيضا في هذا الأمر، لا يمكن له أن يتحدث عن السودان ككل وحين يأتي لدارفور يتحدث كأنه الصوت الوحيد.
ثالثا:مراجعات مطلوبة.
ما سبق هو مناقشة لماورد في خطابه لكن القصة أكبر من ذلك، مطلوب من مناوي وحركته مراجعات أعمق كنت قد طالبتهم بها من قبل، إن مسألة تحرير السودان، والأبعاد العرقية في التفسير، وابتزاز السلطة وعدم الوعي بالمخطط الخارجي كل ذلك يمنع تحول مناوي من براغماتي ذو بوصلة وطنية إلى وطني حقيقي، فالحالة الأولى قابلة للانتكاس في أي لحظة.
الختام:
على مناوي وحركته ضبط الخطاب جيدا، ويجب أن يترك طريقة الهذر والسخرية والارتجال والعشوائية وإدعاء الخفة والمرح، ليكون مسؤولا عن أفعاله وخطابه، المسألة ليست هذرا ولعبا بل مسؤولية وجد، وعلى أعضاء حركته ألا يكونوا مجرد حراس لمصالح وموظفين برواتب أمام مديرهم التنفيدي، بل عليهم مراجعة هذا المدير التنفيذي وتطوير وعيهم بهذه الأمور.
نقول ما سبق لأننا نؤمن إيمانا قاطعا، بأن ما يوحد السودان أعظم وما يجعل المصير مشتركا أكبر بكثير وأن كل مداخل التفكيك متشابهة كيفما كانت، سواء من الشمال أو الغرب أو الشرق، فإنها ستتوسل مفاهيم مضللة في تفسير الواقع، ثم وةتغذي هذه الحالات بعضها البعض بردود فعل ومتتالية هندسية تصاعدية تفكك البلد وتخدم الغير. مناوي إذا لم يتطور فهو جزء من هذه المتتالية وفي كل الحالات فإن مجتمع دارفور ومعنى وجودها في التاريخ السوداني كل ذلك أكبر من مناوي ومن حركته.
هشام عثمان الشواني
الشواني