النهضة في قفص الاتهام مجدّدا
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
"النهضة" في قفص الاتهام مجدّداً
هل دخلت مسألة الاغتيالات السياسية مسارا قضائيا جدّيا يمكن أن يغلق القوس وينهي الجدل المستمر منذ 11 عاما؟
وهل يمكن تحديد مصلحة حركة النهضة في تلك الاغتيالات، لأن وراء كل جريمة طرفا مستفيدا؟
قضية الاغتيالات قُتلت بحثا، وأن جهة التنفيذ هي نفسها التي اتخذت قرارا بالاغتيال، في إشارة إلى "جماعة أنصار الشريعة".
بقدر قوة الأدلة وانتفاء التوظيف السياسي للمعطيات والوقائع، تتوفر للمحكمة شروط المحاكمة العادلة الضامنة للعدل والمنحازة فقط للحقيقة.
المسألة الجوهرية أن قرار ختم البحث الذي عقدت جلسة الاستماع على أساسه لم يتهم الحركة بالوقوف وراء جريمة الاغتيالات، ولم يتعرّض لرئيسها.
* * *
تزداد الخصومة عمقا واتساعا بين نظام الرئيس قيس سعيّد وحركة النهضة، فالحكم بثلاث سنوات سجنا ضد زعيم الحركة راشد الغنوشي (82 عاما) وصهره وزير الخارجية الأسبق، رفيق عبد السلام، دليل آخر على تعميق القطيعة بين الطرفين في ظرف يخضع فيه المعارضون لمزيد الحصار والتضييق.
فبعد الحكم بسنة وثلاثة أشهر بتهمة تمجيد الإرهاب، يتهم هذه المرة بـ"تلقي تمويل أجنبي" لمصلحة حزبه (حركة النهضة). ولن يقف الأمر عند هذا الحد، فالقضايا المرفوعة ضده عديدة، لعل أهمها وأخطرها المتعلقة باغتيال شكري بلعيد ومحمّد البراهمي.
في هذه الأجواء السياسية المحتقنة، والتي تعتبرها المعارضة "قاتمة"، في إشارة إلى وضع الحريات، انطلقت الجلسة التي عينتها دائرة مكافحة الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة، والمتعلقة بالنظر في ملابسات تصفية الرجلين.
واعتبر عميد المحامين حاتم المزيو هذه الجلسة منطلقا لدخول "مرحلة حاسمة" من أطوار القضية، داعيا إلى "ضرورة الكشف عن الطرف الذي أمر بالتنفيذ ومن كان وراء التخطيط وعدم الاقتصار على جهة التنفيذ".
وما جاء على لسان العميد متطابقٌ مع وجهة نظر هيئة الدفاع عن الشهيدين، وكذلك قيادة حزب الديمقراطيين الموحد، وهي رواية تعتبر أن المُحالين على المحاكمة عناصر تنفيذية، وأن المطلوب هو الكشف عمّن خطط لهذا الاغتيال. ويتهمون حركة النهضة، ورئيسها راشد الغنوشي بالتحديد، بالوقوف وراء ذلك.
لكن المسألة الجوهرية في هذا السياق أن قرار ختم البحث الذي عقدت جلسة الاستماع على أساسه لم يتهم الحركة بالوقوف وراء الجريمة، ولم يتعرّض لرئيسها.
كما أن القاضي الموقع على قرار ختم البحث هو البشير العكرمي وكيل الجمهورية الذي يوجد حاليا في السجن، والمتّهم بالقرب من حركة النهضة رغم مطالبته منذ أشهر بالاستماع إلى أقواله!
هل يمكن القول إن مسألة الاغتيالات السياسية قد دخلت مسارا قضائيا جدّيا من شأنه أن يغلق القوس وينهي الجدل المستمر في تونس منذ 11 عاما؟ وهل يمكن تحديد مصلحة حركة النهضة في تلك الاغتيالات، لأن وراء كل جريمة طرفا مستفيدا؟
لا أحد يمكن أن يجزم بذلك، لكن المؤكّد أن المناخ العام أصبح يساعد على كشف الجوانب التي ربما لا تزال خفية، رغم أن الأطراف التي تناولت ملفّ الاغتيالات من قبل أكّدت، في مناسبات عديدة، أن القضية قُتلت بحثا، وأن جهة التنفيذ هي نفسها التي اتخذت قرارا بالاغتيال، في إشارة إلى "جماعة أنصار الشريعة".
وأن هيئة الدفاع عن الشهيدين هي التي أجلت البتّ في الملفّ، بحجة اتهام خصومها بالتلاعب بالمعطيات ومحاولة طمس الأدلة.
تم التخلص اليوم من هؤلاء الخصوم. منحت رئاسة الجمهورية فرصة للقضاء لكشف الحقيقة. أبعدت "النهضة" عن دوائر الحكم. تغيرت هيكلية القضاء وصلاحيات القضاة. كل مراكز القوى التي تشكلت بعد الثورة أطيحت، والتي اتهم العديد منها بـ "طمس الأدلة المؤدية إلى الحقيقة".
لم يبق سوى أن يجتهد المدافعون عن دم الشهيدين في استعراض الأدلة القاطعة والقطعية والكاشفة عن "تورّط النهضة" في تصفية خصومها. وأن تكون المحاكمة علنية، ولمَ لا تنقل تفاصيلها عبر وسائل الإعلام، نظراً إلى أهميتها وخطورتها.
وبقدر قوة الأدلة وانتفاء التوظيف السياسي للمعطيات والوقائع، تتوفر للمحكمة شروط المحاكمة العادلة الضامنة للعدل والمنحازة فقط للحقيقة.
عندها، يصبح الرأي العام قادرا على التمييز بين الخيطين، الأسود والأبيض. وسيتأكّد يومها من تورّط "النهضة" وقيادتها في هذه الجريمة البشعة، وأنها كانت توهمه بأنها حزب مدني لا يعتمد العنف، ويحتكم للقوانين والانتخابات، أم أنها اتُهمت باطلا من أعدائها الأيديولوجيين.
وبالتالي لا ناقة لها ولا جمل في هذه الجريمة السياسية التي غيّرت مجرى الأحداث في تونس. عندها على خصومها التسليم بحكم المحكمة، ولمَ لا تقديم الاعتذار سياسيا وأخلاقيا لمن اتهموهم ظلما. للقصة فصول أخرى.
*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تونس الثورة النهضة قيس سعيد الاغتيالات شكري بلعيد راشد الغنوشي حرکة النهضة
إقرأ أيضاً:
السلطة الإنقلابية والتمادي في إضاعة حقوق الوطن
بقلم السفير/ عادل إبراهيم مصطفي *
جاء في الأنباء أن وزارة الخارجية الإثيوبية إستدعت السفير السوداني في يوم 13 نوفمبر الجاري لإبلاغه رفضها لتصريح ادلي به وزير خارجية السودان لإحدي قنوات التلفزة المصرية، تضمن تأكيد وقوف السودان إلي جانب مصر ، والتهديد "بخيار الحرب في حال فشل المحادثات حول سد النهضة الإثيوبي وعدم التوصل لإتفاق يضمن حقوق الدول الثلاث ، مصر والسودان وإثيوبيا"...
لعل أول ما يسترعي الإنتباه في تصريح وزير الخارجية السوداني هو أنه يقتفي أثر الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي في التهديد بزعزعة الأمن والإستقرار في الإقليم في حال المساس بحصة مصر المائية ، وذلك في حديث لسيادته بتاريخ 30/ مارس/2021 ، قال فيه بالحرف الواحد : " ما حدِّش يأدَرْ ياخُد من مصر نؤطَة ميَّة وَحْدَة ، واللِي عَائز يجرِّب" ...
جاء تصريح وزير خارجية السودان في مستهل تسنمه المنصب ليقدم برهاناً جديداً يؤكد تبعية سلطة بورتسودان الإنقلابية لمصر ، وتفانيها في رعاية وخدمة مصالحها فيما يخص قضية مياه النيل ، حتي وإن كانت علي الضد من مصالح السودان . ولإقامة الدليل علي هذه الحجة نتساءل حول عما إذا كان لسد النهضة أي تأثير سالب علي كمية المياه المتدفقة نحو مصر !؟ ونجيب بناءً علي أراءالخبراء والمختصون ، بعدم وجود أي تأثير سالب يذكر بسبب أن إثيوبيا شيدت سد النهضة لإنتاج الكهرباء ، وليس لغرض الزراعة ، بدليل أن المنطقة حول بحيرة السد جبلية ولا تضم أراضي صالحة للزراعة . هذا ، فضلاً عن أن عملية إستخدام المياه المخزنة ببحيرة السد لتوليد الكهرباء ثم إطلاقها ، لا ينقص من كمية المياه المتدفقة نحو مصر ...
وتأسيساً علي أعلاه نتساءل مجدداً حول ماهية المبررات والدوافع التي وقفت وراء تهديد الرئيس المصري بزعزعة إستقرار المنطقة في حال نقصت حصة مصر من المياه قطرة واحدة ، !! !؟ ونجيب بأن دوافعه ، في تقديرنا ، هي المحافظة علي ما تعتبرها مصر حقوقها التاريخية في الهيمنة علي مياه النيل ، وبخاصة حق الفيتو الذي يمنع دول الحوض من إقامة السدود والمشروعات الزراعية علي جانبي النيل قبل الحصول علي موافقة مصر . وعليه ، فإن قضية سد النهضة ما هي إلا جزءً من الخلاف بين مصر وإثيوبيا من جهة ، ومصر وبقية دول حوض النيل عدا السودان ، من جهة ثانية ، حول هذه الحقوق التاريخية التي حصلت عليها مصر بموجب إتفاقيات تم توقيعها في اثناء الحقبة الإستعمارية للقارة الافريقية ، ولم تكن إثيوبيا وبقية دول حوض النيل اطرافاً فيها. وهذا ما دفع هذه الدول لتوقيع إتفاق عنتبي الذي دخل حيز التنفيذ مؤخراً ، كمعاهدة وإطار قانوني جديد لفتح الباب أمام إعادة تقسيم حصص المياه ، وتحقيق الإنتفاع العادل والمنصف من المياه لجميع دول حوض النيل ...
وأما سؤآلنا الذي يعني السودان أكثر من غيره ، فهو كيف يمكن أن يترتب علي إنشاء سد النهضة نقص في كمية المياه المتدفقة نحو مصر !؟ والإجابة هي أن سد النهضة سيكون سبباً في تنظيم إنسياب المياه في النيل الأزرق والمحافظة علي معدل الإنسياب طوال العام ، الشئ الذي سيتيح الفرصة للسودان لإستغلال كامل حصته من المياه البالغة 18.5 مليار متر مكعب بموجب إتفاقية مياه النيل الموقعة بين السودان ومصر في عام 1959 . وهذه هي مشكلة مصر مع سد النهضة ، لأن إستغلال السودان لحصته من المياه بالكامل يعني أنه سيتمكن من إسترداد نصيبه من هذه الحصة ، الذي ظل يذهب لمصر سنوياً منذ إكثر من 60 عاماً بلا مقابل ، وهو ليس " نؤطَة مَيَّة وَحْدَة " ، بل قدره خبراء المياه بحوالي 6 إلي 7 مليار متر مكعب من المياه في العام . وليس مستبعداً أن تكون مصر قد اضافته إلي حقوقها التاريخية من مياه النيل .. !!! .. وكان شاهداً من أهل مصر قد شهد بهذا الأمر ، وهو ليس من عامة الناس ، بل وزير الري والموارد المائية الأسبق المهندس محمد نصر الدين علام الذي قال في تسجيل بالصورة والصوت ، مبذول في السوشيال ميديا " إن المشكلة الأكبر لمصر إذا إنتظمت مياه النيل علي مدي العام ، هي أنها ستشجع السودان لزراعة موسمين زراعيين بدلاً عن موسم واحد اثناء الفيضان ، الشئ الذي يؤثر في حصة مصر المائية."
وأخيراً لابد من أن نقول إننا إن وجدنا العذر للرئيس المصري علي تهديده أمن وإستقرار الإقليم إن نقصت حصتهم من المياه ، علي إعتبار أنه يدافع عن مكاسب بلده ومصالحها ( بالعديل واللعوج ) كما يقول اهلنا .. فكيف نفسر مواقف وزير خارجية السودان وسلطة الأمر الواقع الإنقلابية في بورتسودان وهم يقفون ضد مصالح بلدهم بالإنحياز الاعمي لمصر ، في الوقت الذي تطالب فيه الحكمة ومصلحة الوطن بالوقوف علي مسافة واحدة بين مصر وإثيوبيا ، والاعتراف بحقوق دول حوض النيل بما فيها إثيوبيا ، في الإستفادة من مواردها المائية ، الأمر الذي يمكن ان يساعد في بناء الثقة ، والدفع في إتجاه التعاون المشترك الذي يرجي أن تكون ثماره تعظيم إستفادة السودان من إيجابيات سد النهضة الذي صار حقيقة ماثلة ، علاوة علي مراعاة حاجة مصر من المياه علي إعتبار أنها ، بعكس دول الحوض الاخري ، لا تتوفر لديها مصادر اخري للمياه بخلاف نهر النيل ، إلي جانب توقف إثيوبيا عن الإجراءات الأحادية في عمليات ملء بحيرة وتشغيل سد النهضة ، التي قد تعود بالضرر علي السودان دون غيره لقرب المسافة بين خزان الروصيرص وبحيرة سد النهضة ..
aaddil.im@gmail.com
------------------
*سفير السودان فى تركيا المُقال من سلطة الانقلاب العسكرى بعد رفضه له