المقاومة لا تفنى ولا تُستحدَث من عدم
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
المقاومة لا تفنى ولا تُستحدَث من عدم
ينبئنا التاريخ بيقين أنّه حيثما وُجِد الاحتلال وجدت المقاومة، إذ هي مثل الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم.
طرح أميركي إسرائيلي عربي ينزع سلاح المقاومة، وينهي وجودها في غزّة مقابل دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة: صيغة أقرب لنسخة من الضفة الغربية.
لا يمكن تصوّر بعد حرب تدخل الشهر الخامس، هي الأشرس في تاريخ الحروب العربية ضد الاحتلال، أن يهبط السقف لما دون المحدّدات الفلسطينية في حرب 2014.
عارٌ تاريخيٌّ أن يذهب السلاح العربي إلى فلسطين لضمان عدم المقاومة، بعد أن تخاذل عن الذهاب، أو حتى التلويح في الهواء وقتما كانت غزّة تذبح، والشعب الشقيق يُباد.
* * *
الثقة بالمقاومة الفلسطينية وهي تفاوض، عبر الوسطاء، لا تقلّ عن الثقة بها وهي تحارب عدوًا يعيش في وهمِ القضاء عليها منذ عقود، غير أنّها، في هذه المرّة، تبدو تحت الحصارين، العسكري الإسرائيلي والدبلوماسي من أطرافٍ تنشط في صفقة التهدئة أو الهدن الطويلة والممتدة، وتتعاطى الوهم ذاته بأنّ بالإمكان التوّصل إلى معادلاتٍ جديدةٍ تتخلّى فيها غزّة عن سلاحها ومقاومتها.
الطرح الأميركي الإسرائيلي، المدعوم من أطرافٍ إقليمية، مبنيٌّ على فكرة نزع سلاح المقاومة، وبالتالي، إنهاء وجودها في غزّة، مقابل دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، وهي صيغة أقرب إلى تحويل غزّة إلى نسخة أخرى من الضفة الغربية، لتمتد سلطة حاكم المقاطعة في رام الله، أيًّا كان اسمُه، إلى غزّة، حاملًا معه المعايير والأدوات ذاتها: لا للمقاومة المسلحة، نعم للتنسيق الأمني، وللمفاوضات التي تتحوّل مع الوقت من وسيلةٍ إلى غاية.
ليس ثمّة شك في أنّ المقاومة، بمختلف فصائلها، واعية تماماً لهذا الفخّ، لكن معطيات اللحظة الراهنة عربيًا، وعلى مستوى الداخل الفلسطيني، أسوأ بكثير مما كانت عليه في حرب 2014 وما بعدها من جولات مواجهة سريعة، إذ كان النظام الرسمي العربي لا يزال قادرًا على إنتاج خطابات لا تخجل من التذكير بحقّ الشعوب في مقاومة الاحتلال، وتسمية الاحتلال بالاحتلال، وعدم الدخول معه في شراكاتٍ اقتصادية وتحالفات استثمارية، بما تتضمنه من صفقات الغاز الطبيعي، وصولًا إلى الزمالة العسكرية تحت القيادة المركزية الأميركية.
والحال كذلك، فإنّ القبول بوضع قضايا مثل الخروج الآمن للقيادات ونزع سلاح المقاومة على موائد الوساطة التفاوضية سيكون بمثابة الانتحار للفلسطينيين، والوصول بالخذلان العربي لدماء نحو 28 ألف شهيد في العدوان الحالي على غزّة إلى مستوى التآمر والخيانة.
وإذا كان الطرف الصهيوني ممثلاً في مجرم الحرب بنيامين نتنياهو يرفع سقف مطالبه وشروطه للهدنة إلى الذروة، فإنّ على الطرف الفلسطيني المقاوم ألا ينزل عن السقف الأعلى للشروط والمطالب.
إذ لا يمكن تصوّر بعد حرب تتواصل للشهر الخامس تواليًا، هي الأقوى والأشرس في تاريخ الحروب العربية ضد الاحتلال، أن يهبط السقف إلى ما دون المحدّدات الفلسطينية في حرب العام 2014، والتي كانت المطالب في مباحثات القاهرة لوقف إطلاق النار وقتها تتضمن إنهاء الحصار المفروض على غزّة والحصول على ميناء بحري ومطار، بحيث لا تعيش غزّة معزولة عن العالم.
وأن يتمتّع نحو مليون و800 ألف إنسان بالحياة كما يعيش البشر، وينالوا حقوقهم الوطنية، وأن يسافروا برًا وبحرًا وجوًا، كما روى لي في ذلك الوقت رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل إبان مفاوضات 2014.
على أنّ العنصر الأهم في أيّة تفاهمات أو مفاوضات يبقى عدم الرضوخ للمساومة بنسخة أخرى من الضفة الغربية وإعادة إعمار غزّة في مقابل نزع السلاح، كما يريد نتنياهو وبلينكن وتوابعهما، وهي المساومة الممتدّة طوال مراحل الصراع كما في حروب 2008، 2009 و2012، فهذا هو الخط الأحمر قبل أيّة خطوط أخرى، ذلك أنّ التنازل عن حق المقاومة لن يُجهز على القضية الفلسطينية فقط، بل سيجعل النظام العربي ذاته بلا قيمة.
والحال كذلك، فإنّ أي تفكير، أو اقتراح بذهاب قوات من أيّة دولة عربية إلى غزّة ضمن ترتيبات ما بعد توّقف القتال، هو مشاركة فعلية في تلبية مطالب الاحتلال وتحقيق أحلامه، ناهيك أن يضع شعبًا فقد عشرات الآلاف من الشهداء ويعيش في العراء بمواجهة السلاح العربي.
وهذا عارٌ تاريخيٌّ آخر أن يذهب السلاح العربي إلى فلسطين لضمان عدم قدرتها على المقاومة، بعد أن جبن وتخاذل عن الذهاب، أو حتى التلويح في الهواء وقتما كانت غزّة تذبح، والشعب الشقيق يُباد.
مرّة أخرى، ينبئنا التاريخ بيقين أنّه حيثما وُجِد الاحتلال وجدت المقاومة، إذ هي مثل الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم.
*وائل قنديل كاتب صحفي مصري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين المقاومة الاحتلال غزة نتنياهو بلينكن التنسيق الأمني دولة فلسطينية
إقرأ أيضاً:
مدحت العدل: مساندة المقاومة الفلسطينية واجب أخلاقي وديني.. ولهذا السبب مصر مستهدفة
أكد السيناريست مدحت العدل، أن أحداث عملية 'طوفان الأقصى' أعادت إحياء القضية الفلسطينية مرة أخرى، مشيرًا إلى أن البعض في الخارج يلوم الفلسطينيين على تصعيد الموقف مع الاحتلال.
مدحت العدل: المجتمع أصبح يعاني من جمود في مشاعره وعقله.. فيديو مدحت العدل: الاستسهال آفة المجتمع ولابد من الجهد والإبداع للنجاح.. فيديووتساءل مدحت العدل، في لقاء له مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج 'نظرة' على قناة صدى البلد: كيف يحدث ذلك.. العالم يسكت أمام جرائم الاحتلال بمجرد صاحب الحق يدافع عن نفسه نلومه؟.
وأوضح مدحت العدل قائلاً: أنا مع كل عربي يقاوم الاحتلال، ومع أي مقاومة عربية تدافع عن أرضها، أخلاقيًا ودينيًا وإنسانيًا، ويجب علينا أن نساند المقاومة، ويجب أن نضع العقائد الدينية جانبًا وندعم هؤلاء المقاومين في دفاعهم عن أرضهم.
وأضاف مدحت العدل أن ما يزعجه أكثر هو تأييد بعض الأشخاص للعدو على حساب دعم المقاومة الفلسطينية.
وتابع العدل مستنكرًا: "ما يُحزنني هو دعم بعض المثقفين في العالم العربي للكيان الصهيوني، نحن لا نريد أن تتحول الحرب إلى صراع ديني، ولكننا مطالبون بدعم المقاومة، خصوصًا من أجل الأطفال والنساء الذين يُقتلون يوميًا ويُعانون من الجوع".
مصر مستهدفة بسبب قوتها الإقليميةوأشار إلى أن مصر مستهدفة بسبب قوتها الإقليمية، ولولا الصراعات الإقليمية لكانت في وضع أفضل مما هي عليه الآن، وهناك العديد من الأعداء سواء في الداخل أو الخارج، محذرًا من خطورة انتشار الشائعات والمعلومات المضللة.
واختتم حديثه قائلاً:" هل كنا سعداء عندما كانت السعودية تُصدر لنا الفكر المتطرف؟ بالطبع لا، نحن الآن نحتفل بالانفتاح الذي تشهده السعودية وعمليات التنوير التي تحدث هناك، وكل دولة حرة في عملية التنوير التي تقوم بها، كما أنه لا يجب علينا مقارنة الفعاليات أو المهرجانات في مصر بتلك التي تُقام في السعودية"