المساس بـ”الحدود والسلام” مع مصر.. ماذا لو اجتاحت إسرائيل رفح بريا؟
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
بعد يوم واحد من تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بمواصلة الحرب ضد حركة حماس المصنفة إرهابية لدى الولايات المتحدة ودول أخرى، حتى “النصر الكامل” في قطاع غزة، قصفت القوات الإسرائيلية مدينة رفح على الحدود المصرية، ما أثار المخاوف من هجوم بري وشيك.
ويكشف مسؤولون ومختصون تحدث معهم موقع “الحرة” مدى إمكانية توسيع إسرائيل لعمليتها العسكرية البرية لتشمل رفح، ويتحدثون عن تداعيات ذلك على العلاقات المصرية الإسرائيلية.
وخلال الفترة الماضية، ركزت إسرائيل عملياتها على خان يونس، المدينة الرئيسية في جنوب قطاع غزة، لكنها قالت الأسبوع الماضي إنها ستوسعها لتشمل رفح، حيث نزح نحو نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
والخميس، قصفت القوات الإسرائيلية مناطق في مدينة رفح الحدودية، بعد يوم من رفض نتانياهو، اقتراحا لإنهاء الحرب في القطاع.
والأربعاء، قال نتانياهو إن الشروط التي طرحتها حماس من أجل وقف لإطلاق النار سيشمل أيضا الإفراج عن المحتجزين لدى الحركة “مضللة”.
وتعهد بمواصلة القتال، وقال إن “النصر بات قريبا وعلى بعد أشهر فقط”.
وقال سكان لوكالة “رويترز”، إن طائرات إسرائيلية قصفت مناطق في رفح صباح الخميس، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 11 شخصا بسبب غارات على منزلين، كما قصفت دبابات بعض المناطق شرق رفح، فيما لم يعلن الجيش الإسرائيلي ذلك.
في تصريحات لموقع “الحرة”، يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي: “لا نتحدث عن المرحلة المقبلة ولا عن المناطق الأخرى التي سوف نعمل فيها وطريقة العمل”.
وفي سياق متصل، تشير وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، إلى أن القوات الإسرائيلية “مستمرة في تفكيك منظمة حماس الإرهابية”.
وحول الاستعدادات لعملية مرتقبة في رفح وكيفية تجنب الأضرار بين المدنيين، تقول وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي في تصريحات لموقع “الحرة”: “الحرب مستمرة، ونحن غير قادرين على الإجابة على أسئلة عملية محددة في هذا الوقت”.
وقامت حماس بـ”دمج نفسها في البنية التحتية المدنية وتعمل في جميع أنحاء قطاع غزة، والجيش الإسرائيلي عازم على إنهاء هذه الهجمات، وعلى هذا النحو سنضرب حماس حيثما كان ذلك ضروريا”، وفق الوحدة.
وتشير وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي إلى أن “حماس تواصل مهاجمة إسرائيل من مختلف أنحاء قطاع غزة”.
ويشير الخبير الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي، آفي ميلاميد، إلى عدم وجود “معلومات دقيقة حول توسيع العملية العسكرية البرية الإسرائيلية تجاه رفح”.
لكن في حال وجود “عملية عسكرية واسعة النطاق تجاه رفح”، فسيكون هناك ترتيبات إسرائيلية مسبقة للحفاظ قدر الإمكان على حياة المواطنين المدنيين المقيمين بالمنطقة، وفق حديث ميلاميد لموقع “الحرة”.
وعن تبعات ذلك، يصف المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، العملية العسكرية البرية الإسرائيلية المرتقبة في رفح بـ”الموضوع الحساس الذي يحتاج التصرف بحكمة”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي أن “إسرائيل تنوي التقدم بريا نحو رفح، لكن سيتم ذلك بعلم السلطات المصرية”.
وهناك اتصالات بين السلطات الإسرائيلية ونظيرتها المصرية وزيارات متبادلة للنقاش حول الموضوع، في ظل موقف القاهرة الرسمي “المعارض لدخول الجيش الإسرائيلي لمسافة قريبة من الحدود المصرية حسب اتفاقية السلام بين البلدين”، وفق شتيرن.
ويتحدث عن “قيود على تحركات إسرائيل على المنطقة الحدودية”، ما يتطلب “التنسيق مع الجانب المصري في حال أي تحركات موسعة”.
ويشدد المحلل السياسي الإسرائيلي على أن “إسرائيل تحترم المصالح القومية المصرية، ولا تهدف لتأزم العلاقات مع مصر، لكنها لن تسمح بوجود مناطق أمنة لحماس فقط لكونها قريبة من الحدود المصرية”، ولذلك “يجب حل هذه المعضلة”.
كيف ترى مصر” العملية البرية المرتقبة”؟
مصر هي أول دولة عربية وقعت معاهدة سلام مع اسرائيل في العام 1979، بعد عام من توقيع معاهدة كامب ديفيد.
وتمكنت القاهرة بموجب معاهدة السلام من استرداد شبه جزيرة سيناء وخاضت مصر حربا لاستعادتها في 1973.
ويشير الخبير العسكري المصري، اللواء السيد الجابري، إلى توقيع مصر وإسرائيل 3 اتفاقات مشتركة وهي “معاهدة كامب ديفيد، معاهدة السلام، معاهدة المعابر”.
وقسمت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، سيناء لثلاث مناطق هي “أ – ب- ج”، وتضمنت وجود منطقة “د” بعمق 4 كيلو مترا على الجانب الأخر، وفق حديث اللواء السابق بالجيش المصري لموقع “الحرة”.
ويؤكد الجابري أنه “لا يمكن تواجد أكثر من 4 آلاف جندي إسرائيلي بالمنطقة (د) وبتسليح مشاه ميكانيكي فقط، دون وجود مدرعات أو مدفعية أو طيران”.
ولذلك فأن أي دخول لقوات “مدرعة أو مدفعيات أو مجنزرات للمنطقة هو اختراق إسرائيلي واضح لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ومعاهدة كامب ديفيد، واتفاقية المعابر”، وفق الخبير العسكري.
ويرى أن “وقتها يحق لمصر اتخاذ كافة الإجراءات لحماية الأمن القومي المصري”.
وفي سياق متصل، يؤكد الخبير الاستراتيجي المصري، سعد الزنط، أن “مصر ترفض المساس بحدودها أو إشعال الحرائق وإثارة الأزمات بالقرب منها خاصة إذا تعلق الأمر بواحد من أهم اتجاهاتها الاستراتيجية وأخطر ملفات الأمن القومي العربي”.
ويشير في حديثه لموقع “الحرة” إلى أن “إسرائيل في معضلة بين الثأر من حماس بعد هجوم 7 أكتوبر من جانب، وبين خرق الاتفاقية التي وقعتها للسلام مع مصر عام 1979 من جانب آخر”.
ويرى أن تصريحات نتانياهو وإصراره على توسيع نطاق العملية العسكرية إلى رفح يعني “إزاحة أهل غزة إلى داخل الأراضي المصرية عنوة”.
ويتحدث عن “اتخاذ الجيش المصري تدابير مبكرة منذ 7 أكتوبر، لحماية الاتجاه الاستراتيجي الشرقي كاملا والاستعداد التام للتعامل مع أي خطر يحيق بالأمن القومي لمصر”.
أزمة دبلوماسية مرتقبة؟
تواصل موقع “الحرة” مع المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، لتوضيح سبل التعامل الدبلوماسي الإسرائيلي مع الجانب المصري بخصوص العملية الممكنة برفح، لكنه رفض التعليق.
ومن جانبه، يتحدث ميلاميد عن “نقطة توتر بين مصر وإسرائيل حول العملية العسكرية الممكنة في رفح”، ولكنه يعتقد أن هناك “وساطة أميركية بين الجانبين لتحقيق تفاهمات مسبقة حول الموضوع”.
ويؤكد الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي، أن الانتشار العسكري لإسرائيل في رفح سيكون حسب الحاجة، لكن ذلك لا يعني “التواجد الدائم” والجانب المصري يفهم ذلك.
وإذا جرت العملية في رفح سيكون هناك “حوار بين إسرائيل ومصر بوساطة أميركية لتشكيل تفاهمات واضحة حول حجم التواجد الإسرائيلي والفترة التي سوف تنتشر خلالها القوات الإسرائيلية في رفح”، وفق ميلاميد.
ويتحدث عن “مسالك للحوار تضمن عدم الانزلاق لأزمة حادة أو قطع العلاقات بين الجانبين”.
ولا يعتقد الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي أن العملية الممكنة في رفح ستكون “سبب في نزاع إسرائيلي مصري علني” حتى في ظل “اختلاف الآراء وتناقض المواقف بين الجانبين”.
وليس بالضروري أن تؤدي العملية لـ”قطع العلاقات بين إسرائيل ومصر أو أزمة حادة بين الجانبين”، وفق ميلاميد.
لكن شتيرن يعتقد أن مصر سوف تحتج وتدين وتقوم بخطوات “عملية تجاه إسرائيل”، لكن على المدى البعيد سوف تعود العلاقات لطبيعتها.
وستتمثل الخطوات العملية في خفض التمثيل الدبلوماسي بين الجانبين، وإصدار “إدانات” للتحركات الإسرائيلية، وتصعيد بخطاب السلطات المصرية تجاه نظيرتها الإسرائيلية، وفق تحليل شتيرن.
ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي إن مصر تعرف أن “إسرائيل لا تريد الإضرار بالمصالح المصرية أو المس بالأمن القومي للبلاد”.
وهناك مصلحة مصرية لـ”احتواء الأزمة في غزة، والعودة للحياة الطبيعية نظرا للتأثرات السلبية لما يحدث في قطاع غزة على القاهرة”، حسبما يشير شتيرن.
ويؤكد أن ما تقوم به السلطات الإسرائيلية ليس موجهة ضد مصر ويقول “الهدف ليس مصر، وإسرائيل ليست معنية بأي أمر يمس المصالح المصرية”.
وعلى جانب آخر، تواصل موقع “الحرة” مع المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير أحمد أبوزيد، لتوضيح الخطوات الدبلوماسية المصرية في حال توسيع إسرائيل عمليتها تجاه رفح، لكنه قال إنه “منشغل”، ولم يعلق.
ومن جانبه، يشير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، إلى أن العملية الإسرائيلية البرية المرتقبة في رفح، “سوف تؤثر سلبا على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل”.
ويؤكد لموقع “الحرة”، أن “إسرائيل ومصر ملتزمتان بعدم وجود قوات عسكرية على الحدود بينهما، لكن قوات بوليسية فقط”.
ويتساءل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق “هل ستغامر إسرائيل بمخالفة اتفاقية السلام؟”.
لكنه يعتقد أن هناك “اتصالات مصرية مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية لمنع أي تصعيد محتمل”.
ومن جانبه، يرى الزنط أن العملية الإسرائيلية الممكنة في رفح تعني “الإطاحة بالأعراف والقوانين الدولية وتقويض اتفاقية السلام مع مصر”، ولذلك “ترفض السلطات المصرية تلك الخطوة تماما”.
ويقول:” إذا وسعت إسرائيل العملية العسكرية لتشمل رفح، فستكون مصر في موقف صعب، ولكنها لن تتردد في اتخاذ كافة التدابير التي تؤمن حدود الأمن القومي، ولن تسمح بإذابة جغرافيا الدولة الفلسطينية كما فعلت دائما بالحرص على تاريخها”.
ماذا عن “النازحين”؟
هناك جهود دبلوماسية مكثفة لإنهاء الصراع الدائر منذ أربعة أشهر ونصف الشهر قبل هجوم إسرائيلي محتمل على رفح التي يقيم فيها أكثر من مليون شخص حاليا، ويعيش العديد منهم في خيام مؤقتة ويفتقرون إلى الغذاء والدواء.
والأربعاء، دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إسرائيل إلى “إعطاء الأولوية للمدنيين في مدينة رفح”.
وقال بلينكن للصحفيين إن أي “عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل يجب أن تأخذ المدنيين في الاعتبار، أولا وقبل كل شيء”.
وحذرت وكالات إغاثة من وقوع كارثة إنسانية إذا نفّذت إسرائيل تهديدها باقتحام إحدى آخر المناطق المتبقية التي لم تدخلها قواتها خلال هجومها البري على قطاع غزة.
والأربعاء، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنه يشعر بقلق شديد إزاء التقارير التي تفيد بأن الجيش الإسرائيلي يعتزم التركيز على رفح في جنوب غزة في المرحلة التالية من هجومه على القطاع الفلسطيني.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد وزير شؤون الأسرى الفلسطينيين السابق، أشرف العجرمي، أن دخول الجيش الإسرائيلي لرفح سوف يتسبب في “مجزرة بين المدنيين”.
ومن الواضح أن إسرائيل تريد الوصول لكل مكان بقطاع غزة، وسط أحاديث عن وجود 4 كتائب تابعة للقسام برفح، ويريد الجيش الإسرائيلي القضاء عليها، حسبما يشير العجرمي.
ويقول:” إذا دخل الجيش الإسرائيلي رفح في ظل وجود مليون و400 ألف مواطن فهناك احتمالية كبيرة لوقوع (مجزة كبيرة ودامية)”.
ويشير وزير شؤون الأسرى الفلسطينيين السابق، إلى أن الضغوط الأميركية بعدم المساس بالمواطنين الفلسطينيين سوف تدفع إسرائيل لـ”إخلاء مدينة رفح وإجلاء السكان نحو شمال القطاع”.
وقد تلجأ إسرائيل لنقل المواطنين الفلسطينيين من رفح إلى شمال غزة، لتخفيف حدة التوتر والمواجهات بالمنطقة، وفق العجرمي.
ويرى أن الجيش الإسرائيلي قد يضع بوابات إلكترونية تفحص كل شخص يمر من الجنوب نحو الشمال للتأكد من “عدم اندماج مقاتلي حماس مع المدنيين”، ثم القيام بعملية عسكرية برية في رفح.
ومن جانبه، يتوقع ميلاميد “إخلاء الجيش الإسرائيلي لسكان رفح ونقلهم لمناطق آمنة”.
ويقول:” إذا كان هناك عملية عسكرية واسعة النطاق فقد يتم تجهيز أماكن آمنة لاستيعاب المدنيين الذين سيتم نقلهم من رفح لمناطق أخرى”.
وسيتم نقل المدنيين لمناطق آمنة محتملة في شمال أو وسط أو شرق غزة، وكذلك كل الساحل وخاصة المواصي بجنوب غرب القطاع، وفق الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي.
وقد يكون هناك “ممرات آمنة” لمصلحة المدنيين كما حدث سابقا في المراحل السابقة من الحرب.
ويتفق معه شتيرن الذي يتوقع نقل المواطنين الفلسطينيين إلى “نقاط أخرى”، في ظل مخاوف مصر من تواجدهم ما بعد الحدود المصرية إلى سيناء.
ويؤكد أن “هناك إمكانية لنقل المواطنين الفلسطينيين من رفح إلى الغرب أو الشمال بعيدا عن الحدود المصرية”، واصفا ذلك بـ” تحدي كبير أمام إسرائيل”.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في إسرائيل في السابع من أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1200 شخصا، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على الحركة”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 27840 فلسطينيا، وإصابة 67317، وفق ما ذكرته وزارة الصحة التابعة لحماس، الخميس.
وائل الغول – الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المحلل السیاسی الإسرائیلی الاستراتیجی الإسرائیلی المواطنین الفلسطینیین باسم الجیش الإسرائیلی القوات الإسرائیلیة الخبیر الاستراتیجی العملیة العسکریة اتفاقیة السلام الحدود المصریة معاهدة السلام عملیة عسکریة بین الجانبین مصر وإسرائیل مدینة رفح ومن جانبه قطاع غزة فی رفح مع مصر إلى أن
إقرأ أيضاً:
من التهجير إلى التأجير.. ماذا تعرف عن خطط الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع سيناء؟
قدّمت عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود٬ تالي غوتليب٬ الخميس، اقتراحًا بشأن مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير أهالي قطاع غزة.
قالت غوتليب: "أقترح أن تستأجر الولايات المتحدة أرضًا من مصر لاستيعاب سكان غزة"، مضيفةً أن هذا الحل يعتبر ممتازًا من وجهة نظرها.
وكان الرئيس الأمريكي قد كرر تصريحاته بشأن تهجير أهالي قطاع غزة إلى عدة بلدان عربية، من بينها مصر والأردن، بزعم أن المنطقة لم تعد صالحة للحياة.
ومن جانبه، أكد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أن "تهجير الفلسطينيين ظلم لن نشارك فيه"، مشددًا على أن بلاده لن تتنازل "أبدًا وبأي شكل كان" عن ثوابت موقفها تجاه القضية الفلسطينية القائم على حل الدولتين.
وفي وقت لاحق، أعلنت مصر عن تصورها لإعادة إعمار قطاع غزة يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وأكدت على ضرورة "السعي للتعامل مع مسببات وجذور الصراع من خلال إنهاء احتلال الأرض الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين".
بيجن أول من فتح الباب
وفي مقابلة تلفزيونية صرّح عضو اللجنة القومية لاسترداد طابا، مفيد شهاب، خلال حوار في برنامج "على مسئوليتي" المذاع على قناة "صدى البلد"، بأن الاحتلال الإسرائيلي عرض على الرئيس الراحل أنور السادات تأجير أرض سيناء، إلا أنه رفض ذلك بشكل قاطع. وأكد شهاب أن مصر حريصة على تنمية سيناء وتعزيز استقرارها من خلال تعميرها بالسكان.
وأضاف شهاب أن مصر أكدت رفضها المطلق لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء أكان ذلك قسريًا أو طوعيًا، مشددًا على أن الحدود المصرية تُعتبر خطًا أحمر لا يُسمح بالاقتراب منه أو المساس به.
وتأكيدا على حديث عضو اللجنة القومية لاسترداد طابا٬ صرح اللواء محسن حمدي٬ رئيس اللجنة العسكرية للإشراف على انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من سيناء٬ في حوار صحفي٬ بأن رئيس وزراء الاحتلال الأسبق آنذاك٬ مناحيم بيجن٬ طلب تأجير مطارات وقواعد عسكرية ومناطق بترول ومدينة شرم الشيخ لمدة 90 عامًا.
وأكد حمدي أن هذا الطلب قد قوبل بالرفض التام من الجانب المصري، وساند الرئيس الراحل أنور السادات هذا الرفض بقوة، حيث أعرب عن اعتراضه الصريح على هذه المطالب الإسرائيلية.
تأجير أراضي زراعية
ولم تقتصر خطط التأجير على تهجير الفلسطينيين فقط٬ ففي عام 2006 رفضت وزارة الزراعة المصرية طلباً من الاحتلال الإسرائيلي لتأجير أراضٍ صالحة للزراعة في سيناء، لاستخدامها في زراعة محاصيل الخضراوات والفاكهة وتصديرها إلى أوروبا.
وذكرت مصادر في وزارة الزراعة أن الاحتلال الإسرائيلي تقدم بمثل هذا الطلب عدة مرات من قبل، ولكن جميع هذه الطلبات قوبلت بالرفض التام.
كما ذكرت مصادر في الوزارة إلى أن الاحتلال طلب منih إرسال 200 مزارعا مصرية إلى مزارع "نتانيا" الإسرائيلية لزراعة الطماطم بدلاً من المزارعين التايلانديين، بسبب كون الأجور التي يتقاضاها المصريون أقل من تلك التي يتقاضاها التايلانديون.
"صفقة القرن" تداعب أحلام الاحتلال
وبعد نشر ترامب في فترة رئاسته الأولى خطة ما أطلق عليها "صفقة القرن" لحل الصراع في الشرق الأوسط وفق الرؤية الأمريكية والإسرائيلية.
نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية عبر موقعها الإليكتروني٬ أن مصر ستؤجر لفلسطين الجديدة أراضٍ لإقامة مطار، ومصانع، ولأغراض التجارة والزراعة، بدون مناطق للسكن. يتم تحديد حجم هذه المساحات والثمن بين الأطراف بوساطة الدول المانحة، بالإضافة إلى شق طريق سريع بين غزة والضفة الغربية، وإقامة خط لنقل المياه المحلاة تحت الأرض من غزة إلى الضفة الغربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التفاصيل تأتي ضمن وثيقة يتم تداولها بين موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، دون أن يكون مصدرها معروف أو تكون موقعة بشكل رسمي من أي طرف.
وتضمن الوثيقة بنودًا شبيهة بما نشر عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القضية الفلسطينية، مما أثار جدلًا كبيرًا كونها مفصلة وتصف البنود السرية لـ"صفقة القرن".
يمكن التوقف عند البند الرابع الخاص بقطاع غزة في الوثيقة، إذ يبدأ النص بـ"تؤجر مصر لفلسطين الجديدة أراضٍ... بدون مناطق للسكن"، مما يعني حدوث عملية استبدال من التوطين وتبادل الأراضي بين مصر والاحتلال الإسرائيلي وفق ما أعلن عنه سابقًا، إلى استئجار أراضٍ، على أن تقوم الدول المانحة بدفع قيمة الإيجار لمصر.
وتشير الوثيقة إلى أن مصطلح "تؤجر" يتقاطع مع ما قاله المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات في 20 نيسان/ أبريل 2019 بشأن عدم تضمين خطة ترامب للسلام منح أرض من شبه جزيرة سيناء للفلسطينيين.
يأتي مصطلح "تؤجر" كمحاولة استشعار مسبقة أو عملية التفاف على ما قد يحدث من رفض شعبي مصري وفلسطيني قد يعطل صفقة القرن، خاصة إذا ما قيل بأنه تبادل أراض.
تكتفي الوثيقة بذكر "تؤجر" دون التطرق لمناطق سكن أو توطين، وتضيف أن الاستئجار سيكون من أجل إقامة مطار ومصانع وتجارة وزراعة، دون ذكر قيمة أو مدة الإيجار.
يمكن فهم هذا الإسقاط على أنه استئجار مدى الحياة، مما يعني عمليا تمدد قطاع غزة في سيناء دون ذكر لمن تكون السيادة على هذه الأرض المؤجرة. الأهم أن المخطط إقامته ليس مشروعاً زراعياً أو ميناء محدداً، بل بنية استراتيجية تتضمن مطارًا وميناءً ومشاريع اقتصادية ومصانع ومناطق تجارية لصالح قطاع غزة أو فلسطين الجديدة.
هل ينجح مشروع "ريفيرا الجديدة"؟
في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، وبعد أيامٍ قليلة من تنصيبه رسميًا، كشف الرئيس الأمريكي عن رؤية مثيرة للجدل لمعالجة الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، الذي دُمِّر بشكل كبير بعد 15 شهرًا من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة.
واقترح ترامب تهجير سكان غزة من أراضيهم، بحجة أن القطاع أصبح مدمرًا وغير قابلٍ للحياة، ونقلهم إلى مناطق أكثر ملاءمة في دول عربية مجاورة، وعلى رأسها مصر والأردن. وزعم أن خطته ستلقى ترحيبًا من سكان غزة، الذين سيكونون "سعداء للغاية" بمغادرة القطاع المحاصر والمدمَّر إذا وُفِّرت لهم فرصة مناسبة للانتقال.
وتجاهل ترامب اعتراضات كل من مصر والأردن على هذه الخطة، ملوحًا بأنه سيستخدم نفوذه للضغط على الدولتين لقبولها. كما أكد أن الولايات المتحدة لن تتحمل أي تكاليف مالية لتنفيذ الخطة، مشيرًا إلى أن التمويل سيأتي من الدول العربية الثرية في المنطقة، التي تمتلك "الكثير من المال"، على حد تعبيره.
وأوضح ترامب أن الفلسطينيين الذين سيغادرون غزة لن يتمكنوا من العودة إليها مرة أخرى، وأن الولايات المتحدة ستستولي على القطاع لتحويله إلى منطقة عقارية فاخرة، أشبه بـ"ريفيرا جديدة" في الشرق الأوسط.
كما أشار إلى أنه لا يمانع إرسال جنود أمريكيين إذا لزم الأمر، قبل أن يتراجع عن هذا التصريح ويؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي ستتولى الجانب الأمني المتعلق بتنفيذ الخطة.