عربي21:
2025-02-07@01:15:01 GMT

المسكّنات السامة لآلام المصريين

تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT

انتشرت في الأسابيع الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمصريين كثر، نساء ورجال، كبار وصغار، يشكون الفقر والجوع وقلة الحيلة نتيجة تسونامي الغلاء الذي يجتاح مصر إثر أزمة اقتصادية ومالية عنيفة لم يعد يجدي معها مفعول المسكّنات "المستوردة" ولا الإسعافات "الخليجية"، بل وحتى جراحات التجميل عجزت عن إخفاء ملامحها.



قبل 7 سنوات اطلعت على دراسة علمية أجريت في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية (نشرها موقع "ساينس ديلي" المعني بالأبحاث العلمية)، اكتشفت أن العلاج ببعض المسكنات التي من المفترض أن تخفف الألم، قد تتسبب في إطالة الشعور بالألم، لأنها تصيب خلايا أخرى بآلام مزمنة يشعر بها الإنسان لفترات طويلة (وقبل هذه الدراسة كان الأطباء ينصحون بتجنب الاستخدام المفرط للمسكنات لأنه يؤذي الكلى والمعدة).

مصر أفرطت، على مدار السنوات العشر الماضية، في استخدام المسكنات لعلاج أزمتها الاقتصادية والمالية، فأدمنت القروض، واستساغت الإسعافات الخليجية، وركنت إلى الحلول السهلة بزيادة الضرائب وبيع الأصول المغرية ورفع الدعم وزيادة أسعار الخدمات، إلى أن دخلت فيما يسميها خبراء الاقتصاد بالدائرة الجهنمية
نتائج هذه الدراسة -وإن كانت في مجال الطب- فإنها ليست ببعيدة عما يحدث في مجال الاقتصاد، فاستخدام بعض الأدوات لمعالجة أزمة في قطاع ما قد يتسبب في حدوث أزمة بقطاعات أخرى، وأبسط مثال على ذلك هو أن زيادة أسعار الفائدة كأداة رئيسية وحيدة لتسكين جموح التضخم يتسبب بطبيعة الحال في آلام أخرى، ومنها على سبيل المثال ارتفاع تكاليف الاقتراض، وتراجع حجم الاستثمارات الجديدة، وهبوط معدلات التوظيف، وارتفاع نسبة البطالة، وفي بعض البلدان يصاحب زيادة الفائدة هبوط قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية وعودة معدلات التضخم للارتفاع مجددا على المدى الطويل.

والحقيقة أن مصر أفرطت، على مدار السنوات العشر الماضية، في استخدام المسكنات لعلاج أزمتها الاقتصادية والمالية، فأدمنت القروض، واستساغت الإسعافات الخليجية، وركنت إلى الحلول السهلة بزيادة الضرائب وبيع الأصول المغرية ورفع الدعم وزيادة أسعار الخدمات، إلى أن دخلت فيما يسميها خبراء الاقتصاد بالدائرة الجهنمية، وهي دائرة متصلة الحلقات من الأزمات المتداخلة يتعذر الخلاص منها. وقد يكون مصطلح الدائرة الجهنمية أقرب في التشبيه للمثل الشعبي "يطلع من نُقرة يقع في دُحديرة".

لو نظرنا -على سبيل المثال- إلى حلقة الديون الخارجية داخل هذه الدائرة الجهنمية، سنجد أن مصر اقترضت في العقد الأخير نحو ثلاثة أضعاف ونصف حجم دينها الخارجي في 2014، ومع ذلك لا تزال تعاني من فجوة تمويلية ضخمة، نتيجة لزيادة أقساط وفوائد الديونالاقتصاد المصري الآن يرقد في العناية المركزة بسبب مجموعة من القرارات غير المدروسة طوال عشر سنوات أنهكت جسده واستنفذت مقدراته وضيعت أصوله، ويحتاج بشكل عاجل وسريع إلى علاج فعال وبرامج إصلاح حقيقية لضبط الأوضاع المالية وإعادة التوازن واستعادة الثقة في الاقتصاد قبل أن يزداد الوضع سوءا وتدهورا. والواقع أن العقبة الكبرى التي تحول دون التعافي الاقتصادي هي الاستمرار على نفس السياسيات التي اقترضتها من مؤسسات التمويل الدولية وأسواق الدين العالمية، وتتفاوض حاليا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بشروط ربما تكون أكثر قسوة وإجحافا من اتفاقيات القروض السابقة، والتي سيتجرع مرارتها ويتحمل الجزء الأكبر من أعبائها ملايين المصريين من الفقراء ومحدودي ومتوسطي الدخل.

وبحسب البنك المركزي فإن إجمالي الالتزامات الخارجية المطلوب من مصر سدادها خلال العام 2024 يبلغ 42.3 مليار دولار (32.8 مليار دولار ديون متوسطة وطويلة الأجل، و9.5 مليار دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل). أي أن حلقة الديون الخارجية وحدها ستبتلع هذا العام أكثر من نصف إيرادات الدولة، وستساهم مع عوامل أخرى في اتساع وتزايد الحلقات المتصلة داخل الدائرة الجهنمية، مثل تفاقم عجز الموازنة العامة، وارتفاع فاتورة النفقات العامة (مصروفات الدولة)، وهبوط قيمة الجنيه، وزيادة الأسعار، وفرض ضرائب جديدة، وهكذا.

إن الاقتصاد المصري الآن يرقد في العناية المركزة بسبب مجموعة من القرارات غير المدروسة طوال عشر سنوات أنهكت جسده واستنفذت مقدراته وضيعت أصوله، ويحتاج بشكل عاجل وسريع إلى علاج فعال وبرامج إصلاح حقيقية لضبط الأوضاع المالية وإعادة التوازن واستعادة الثقة في الاقتصاد قبل أن يزداد الوضع سوءا وتدهورا. والواقع أن العقبة الكبرى التي تحول دون التعافي الاقتصادي هي الاستمرار على نفس السياسيات والاعتماد على علاج صندوق النقد الدولي ومسكناته "السامة" التي قد تؤدي إلى الموت البطيء للاقتصاد المصري.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر اقتصادية القروض الأزمات مصر اقتصاد قروض أزمات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الاقتصاد

إقرأ أيضاً:

مدبولي يشهد توقيع اتفاقية البنك الأوروبي لتعزيز نمو القطاع الخاص في الاقتصاد المصري

شهد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، مراسم توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة المالية، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية «EBRD»، والتي تأتي بمبادرة للوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية لإنشاء «حساب مصر» لتمويل دراسات الجدوى ومستشاري الطرح لمشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» برأس مال 10 ملايين يورو؛ على نحو يسهم في دعم جهود الدولة المصرية الهادفة لتمكين القطاع الخاص وتعزيز نمو أنشطته ومساهماته في الاقتصاد المصري.

وقع اتفاقية التعاون  أحمد كجوك، وزير المالية، والدكتور مارك ديفيس، المدير الإقليمي لمنطقة جنوب وشرق المتوسط بالبنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية.

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن هذه الاتفاقية تسهم في توفير الدعم اللازم لتعظيم مشاركة القطاع الخاص المصري والأجنبي في مشروعات البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة، وفق أولويات الدولة المصرية.

من جانبه، أوضح أحمد كجوك، أن إنشاء «حساب مصر» بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية «EBRD»، يساعد في توفير التمويلات المحفزة لتدفق استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي في مصر، حيث يسهم في إتاحة دراسة وطرح عدة مشروعات بنظام «المشاركة مع القطاع الخاص» في نفس الوقت، ويضمن سرعة التعاقد مع الاستشاريين الدوليين والوطنيين لمشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» خلال مدة لا تتجاوز ٦ أسابيع، كما يحقق خفض مدة الحصول على تمويل دراسات الجدوى لمشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» من شركاء التنمية من سنة إلى شهرين فقط.

وأعرب وزير المالية، عن تقديره لجهود «الوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص» والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية «EBRD» في وضع هذه المبادرة حيز التنفيذ من أجل توفير التمويلات الإنمائية اللازمة لدفع المسار المصري نحو توسيع نطاق مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص «P.P.P» وزيادة دور واستثمارات ومساهمات القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي؛ على نحو يضمن تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة ترتكز على الأنشطة الإنتاجية والتصديرية وتعزز تنافسية الاقتصاد المصري.

وأوضحأحمد كجوك أنه تم خلال عام ٢٠٢٤، توقيع ١٠ مشروعات بنظام «المشاركة مع القطاع الخاص» بتكلفة استثمارية إجمالية بنحو ١٩,٨ مليار جنيه في قطاعات: تحويل المخلفات الصلبة، والموانئ الجافة، والصرف الصحي، ومحطات المحولات، وشبكات توزيع الكهرباء، والتعليم الفني، ومستودعات السلع الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن هناك ٩ مشروعات أخرى جديدة تحت الطرح بتكلفة استثمارية بنحو ٥٣,٩ مليار جنيه في قطاعات: محطات المحولات، وشبكات توزيع الكهرباء، ومحطة تحلية المياه، ومعالجة الصرف الصحي، والمدارس الفنية والمدارس المتميزة للغات، ومراكز الخدمات.

وأضاف الوزير، أن هناك ١٠ مشروعات أخرى يجري إعدادها للطرح، بعد موافقة اللجنة العليا لشئون المشاركة مع القطاع الخاص، بتكلفة استثمارية بنحو ٣٧ مليار جنيه في قطاعات: محطات المحولات، وشبكات توزيع الكهرباء، والصرف الصناعي، لافتًا إلى أن مشروعات «المشاركة مع القطاع الخاص» تخلق مسارًا جيدًا لتحقيق النمو في مختلف الأنشطة الاقتصادية والإسهام الفعال في تحقيق التنمية المستدامة الشاملة.

مقالات مشابهة

  • بعد تهديدات ترامب بإرسال قواته لقطاع غزة.. ما هي أبرز التفويضات التي أقرها الكونجرس؟
  • مدبولي: فرض رسوم جمركية على بعض الدول قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع عالميا
  • رئيس لجنة التصدير بالجامعة العربية: قوة الاقتصاد المصري قوة للعرب جميعا
  • غني بالفيتامينات والكالسيوم.. «الثوم» مسكن طبيعي لآلام الظهر والعظام
  • مدبولي يشهد توقيع اتفاقية البنك الأوروبي لتعزيز نمو القطاع الخاص في الاقتصاد المصري
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • رئيس شعبة الذهب: تصريحات ترامب تغير بوصلة الأسعار العالمية
  • وكيل اقتصادية النواب: نثمن دور المصريين بالخارج في رفع الاحتياطي النقدي
  • الحكومة: الدولة اتخذت إجراءات استباقية ساهمت في جذب العملة الصعبة.. نواب: الإصلاحات الاقتصادية حققت نموا مستداما.. وتحويلات المصريين بالخارج تدعم الاحتياطى النقدى
  • العلاقة التوكسيك.. متى يكون الانفصال هو السبيل الوحيد لإنقاذ صحتك النفسية؟