الإعدامات الطائفيّة ومستقبل العراق!
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
عقوبة الإعدام ليست من العقوبات الجديدة في القوانين الإنسانيّة، بل هي قديمة قدم الإنسان على كوكب الأرض، وقد عَرفت الشرائع السماويّة والأنظمة الأرضيّة عقوبة الإعدام للعابثين بأرواح الناس وأمنهم وسلامتهم!
وبعد احتلال العراق في العام 2003 عَلّقت "سلطة الائتلاف المؤقتة" العمل بعقوبة الإعدام، وبتاريخ 8 آب/ أغسطس 2004 أُعيد العمل بالعقوبة!
ومن يومها، وبالذات بعد العام 2011، صِرنا نسمع بتنفيذ لعقوبات إعدام جماعيّة في السجون العراقية، الرسمية وغير الرسمية!
وسبق للمفوّضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، نافي بيلاي، أن أعربت يوم 19 نيسان/ أبريل 2013 عن إدانتها الشديدة لتفشي استخدام عقوبة الإعدام في العراق، وأكّدت أنّ"عمليّات إعدام الأشخاص، وعلى دفعات، هو عمل فاحش وأصبح يجري كما يجري العمل في مجازر الحيوانات"!
وهنالك سجون عراقية مُخيفة، وأبرزها سجن الناصرية الجنوبيّ المشهور بظروفه المزرية، وقد أُعدم يوم 27 كانون الثاني/ يناير الماضي 13 سجينا عراقيّا محكوما عليهم بالإعدام، داخل سجن الناصرية!
مع هذا الواقع المُرْبَك والضربات الجوّيّة الأمريكيّة الساحقة لسيادة العراق الخارجيّة والمُحطّمة لسيادته الداخليّة، يفترض أن تكون سياسات الحكومة بعيدة عن تحريك الشارع، وتأجيج الفتن المجتمعيّة! وينبغي على الدولة العادلة ألا تُطبّق عقوبة الإعدام إلا على المجرمين الحقيقيين، وليس المُفْترضين المظلومين بوشايات المخبر السرّيّ، أو باعترافات نُزِعت بالظلم والإكراه
ويقال بأنّ عمليات الإعدام الأخيرة نُفّذت دون إشعار مُسبق، حيث أُذيعت أسماء المحكوم عليهم بشكل مفاجئ عبر مكبرات الصوت في اليوم السابق للإعدام، ونُفّذت الأحكام دون أن يتّصل المحكوم بأهله!
وهذه الطريقة غريبة ومريبة، وقد بيّنت المادّة 291 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة العراقي رقم 23 لسنة 1971 أنّه "لأقارب المحكوم عليه أن يزوروه في اليوم السابق ليوم تنفيذ عقوبة الإعدام، وعلى إدارة السجن إخبارهم بذلك"! وهذا ما لم يحصل!
وبعد تنفيذ الإعدام بأيّام أعرب خبراء الأمم المتّحدة عن قلقهم العميق إزاء التقارير التي تُفيد بأنّ العراق قد بدأ تنفيذ عمليّات إعدام جماعية في السجون، وأشاروا، بفَزَع، إلى أنّ" 250 شخصا قد يكونون معرضين لخطر الإعدام الوشيك"!
ومع هذا الواقع المُرْبَك والضربات الجوّيّة الأمريكيّة الساحقة لسيادة العراق الخارجيّة والمُحطّمة لسيادته الداخليّة، يفترض أن تكون سياسات الحكومة بعيدة عن تحريك الشارع، وتأجيج الفتن المجتمعيّة! وينبغي على الدولة العادلة ألا تُطبّق عقوبة الإعدام إلا على المجرمين الحقيقيين، وليس المُفْترضين المظلومين بوشايات المخبر السرّيّ، أو باعترافات نُزِعت بالظلم والإكراه والتعذيب القاتل!
ومصلحة العراق، الحاليّة والمستقبليّة، توجب على القوى الفاعلة نشر السلام والعدل والمحبّة في أرجاء الوطن، ورفع المستوى الإنسانيّ بين المواطنين لبداية مرحلة جديدة خالية من القتل والإرهاب!
إنّ زراعة الشرّ والكراهية في الإنسان والأُسر المظلومة سيُثمر في يوم ما جيلا ناقما على الدولة الظالمة؛ وبالتالي ستُهْدَم الدولة من حيث تظنّ أنّها تَسير في طريق البناء!
والعدل من الفضائل الساميَة في الأمم النبيلة، وعليه ينبغي العمل على صيانة سلامة المجتمع، والابتعاد عن الظلم وتهديد كيان الإنسان بسحق القوانين الناظمة والضابطة للعدالة.
هنالك في العراق الآن ثُلّة من المفكّرين والأطباء والمهندسين والمدرسين والمعلّمين والعلماء بمختلف الاختصاصات؛ يَقبعون في ظلمات السجون ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقّهم، أو هم بلا محاكمات واضحة وحاسمة لقضاياهم، أو حُكِمَ عليهم بأحكام مؤبّدة أو طويلة. ويفترض أن تُحسم هذه القضايا إما بإعادة المحاكمات، أو بعفوّ عامّ شامل باستثناء مَنْ ثَبُت تورّطهم، حقيقة، بجرائم قتل عَمد للعراقيّين
وهنالك في العراق الآن ثُلّة من المفكّرين والأطباء والمهندسين والمدرسين والمعلّمين والعلماء بمختلف الاختصاصات؛ يَقبعون في ظلمات السجون ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقّهم، أو هم بلا محاكمات واضحة وحاسمة لقضاياهم، أو حُكِمَ عليهم بأحكام مؤبّدة أو طويلة. ويفترض أن تُحسم هذه القضايا إما بإعادة المحاكمات، أو بعفوّ عامّ شامل باستثناء مَنْ ثَبُت تورّطهم، حقيقة، بجرائم قتل عَمد للعراقيّين!
ويفترض أن يُنقى القضاء من التفرقة العنصريّة والطائفيّة والقوميّة، ويبتعد عن شتى أنواع الظلم، ويُفترض بالأحكام القضائيّة ألا تدور في الدوّامات الطائفية بكافّة أنواعها الدينيّة والقوميّة والفكريّة.
وعقوبة الإعدام لا تقف تبعاتها عند لحظة إعدام المتّهم (أو البريء) بل تمتد لعائلته وعشيرته؛ ولهذا يُفترض التأنّي والتدقيق بأحكام الإعدام قبل تنفيذها وفوات فرصة النجاة.
إنّ البلدان التي تقتل شبابها ورجالها قتلا مادّيّا بالإعدام والأحكام القضائيّة القاسية والظالمة، أو مَعنويّا بالاتّهامات الكيديّة التي تضرب مكانة الإنسان وسمعته أمام أهله والمجتمع، لا يمكنها النهوض والعمران!
وستُطارد صيحات المظلومين الظَلمة، وعليه يفترض أن تكون الغلبة للعدالة، والنصر للمظلوم على الظالم، والفوز للدولة بتطبيق العدالة في أرجاء الوطن، وعبر العمل الجاد الساعي للحفاظ على الحرّيّات الشخصيّة، وإنهاء وباء الظلم، وحماية الحقوق العامّة والخاصّة للمواطنين.
إنّ تَسلّل الأحكام القضائية الظالمة لأيّ مجتمع ستكون له تداعياته الآنيّة والمستقبليّة، الكبيرة والقاتلة.
إنّ القضاء العادل هو الأداة لنهوض الأمم العليلة من كبوتها، والتغلّب على واقعها المرير، والتأسيس لمجتمع متماسك، ودولة متراصة تحافظ على السيادتين الداخليّة والخارجيّة، وإلا فإنّ سياسات الانتقام الطائفيّ هي الأساس لانهيار الدولة والتماسك المجتمعيّ.
لنجعل من القضاء البوّابة الأبرز لبناء الدولة والإنسان، ولا نجعله بوابة للانتقام وزراعة الأحقاد والكراهية في مجتمعاتنا التي تعاني أصلا من مشاكل إنسانيّة عميقة.
سياسات التغليس والتجاهل للإعدامات وتنفيذها بصمت، وكذلك استمرار اعتقال آلاف الرجال، هذه السياسات لا يمكن أن تُخفَى لأنّنا نتحدّث عن كيانات بشريّة متعلّقة ومرتبطة بالمجتمع العراقيّ!
البلدان الساعية لبناء مستقبلها تزدهر فيها الجامعات والمدارس والمعامل والمصانع، والبلدان التي تكثر فيها السجون والمعتقلات لا يمكنها أن تجاري التطوّر العلميّ والتقنيّ الهائل في العالم.
عَمّروا العراق بالعلوم وليس بالسجون، وعَمّروا العراق بالعدل والإنصاف وليس بالظلم والطائفيّة!
twitter.com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق القضاء العراق حقوق الإنسان انتهاكات الاعدام القضاء مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عقوبة الإعدام التی ت
إقرأ أيضاً:
في السجون وأدبها
اقترنت كلمة السجن بالخطيئة والذنب، وعلى مرّ التاريخ أصبحت السجون مرادفًا للعقاب والقمع والتعذيب فـي كثير من دول العالم لا سيما الدول التي تحوي أنظمتها السياسية القليل من الحريات والكثير من القمع والتعذيب والوحشية، وللفت انتباه القارئ هنا فإنني لن أتحدث عن السجون الطبيعية التي يحاكم فـيها المجرمون والخارجون عن القانون حتى وإن كانت قسوتها قد بلغت حدًّا بعيدًا، لكنني هنا سأسلّط بعض الضوء على السجون التي شهدت الكثير من الأحداث العسكرية والسياسية وعرفها الناس من خلال ما كُتب عن هذه السجون من كتابات وثّقت لشناعة وفظاعة تلك السجون، وأصبحت مثالًا للوحشية التي تنتهجها الحكومات الديكتاتورية فـي سبيل قمعها لخصومها من السياسيين والعسكريين وممن يشتبه بهم فـي الوقوف فـي وجه تلك الأنظمة الديكتاتورية.
سأبدأ بالحديث من نهاية السلسلة وتحديدا من السجون السورية التي باتت اليوم حديث العالم ومثالا على القسوة والشناعة وارتبطت بسمعتها السيئة فـي الوحشية وانتهاك حقوق الإنسان من خلال شهادات قدمها بعض المعتقلين السياسيين ممن كُتبت لهم النجاة والخروج من تلك السجون فأصبحت شهاداتهم شاهدًا على المجازر الوحشية التي ارتكبها النظام الراحل من قتل وتعذيب لا إنساني للمعتقلين وعائلاتهم وارتكاب لجرائم قتل متعمد وإعدامات للمعتقلين بسبب كثرة التعذيب أو لأسباب كما ذكرها بعض الناجين إنما هي لمجرد إقامة حفلات للإعدام يتسلى بها السجان نفسه.
«القوقعة، يوميات متلصص» تعَد من أشهر الروايات التي كُتبت عن السجون السورية وتحديدا سجنَي تدمر وصيدنايا، ويتحدث فـيها كاتبها مصطفى خليفة وهو الناجي من الموت المحقق قصته مع تلك السجون بعد أن قضى ما يربو على الـ13 عامًا سجينًا فـي تلك السجون بتهمة انتمائه لتنظيم إسلامي محظور رغم أنه مسيحي ولا يمتُّ للإسلام بصلة.
الرواية تدور حول شاب درس السينما فـي فرنسا، وحين قرَّر العودة إلى وطنه اعتُقل فـي المطار ليقضي ثلاثة عشر عاما من عمره فـي سجن تدمر الصحراوي وتعرض الرواية تفاصيل التعذيب فـي سجون النظام السوري فـي ذلك الوقت ما بين الضرب والكهرباء إلى إجبار السجناء على ابتلاع الفئران والحشرات والسحالي، والشرب من مياه الصرف الصحي، وغيرها من الوسائل المهينة التي تكسر الأرواح.
لست بصدد سرد كثير من تفاصيل الرواية وأحداثها المؤلمة ويمكن الرجوع إليها وقراءتها كبرهان على دموية ووحشية التعذيب الذي تعرّض له الكاتب وباقي المعتقلين، وهذا أيضا ما يتقاسمه معه زميله الكاتب والروائي محمد برو فـي كتابه الرائع «ناجٍ من المقصلة: ثمانية أعوام فـي سجن تدمر» والذي سطر فـيه تجربته فـي ذلك السجن حين دخله وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة بتهمة اطّلاعه على منشور إسلامي كما يقول فـي كتابه. ويوثق برو فـي كتابه بعضًا من الحكايات المخفـية أو المسكوت عنها عن أهوال التعذيب فـي السجون السورية وتجربته الشخصية فـي الاعتقال والظروف السيئة التي عاشها فـي سجن تدمر وأساليب التعذيب الوحشي التي كانت تمارَس ضدهم وحتى مع كونهم أطفالا صغارًا لم يشفع لهم ذلك فـي تخفـيف بعضٍ من العذاب عليهم. ومن الكتب التي وثّقت أدب السجون رواية «قضبان الربيع» لعبدالله اليبرودي والصادرة مؤخرا عن الدار العربية للعلوم يستعرض فـيها رحلته فـي المعتقلات السورية، حيث تنقّل خلالها بين فروع سجون المخابرات والأمن إلى سجن صيدنايا بعد أن ألقي القبض عليه عائدًا إلى بلاده من الخارج وتوجيه تهم المشاركة فـي التظاهر ضد النظام القائم وهو ما أودى به إلى السجن بتهم الخيانة وتعرّضه للكثير من أنواع التعذيب تتشابه مع ما ذكره الكاتبان السابقان فـي روايتيهما من حيث الفظاعة والقسوة وعدم احترام للإنسانية.
الحديث عن السجون وآدابها يحتاج إلى مؤلفات كثيرة وقد كتب عنها الكثير خصوصًا فـي عالمنا العربي فهنالك الكثير من الأدباء والشعراء والروائيين ممن كتبوا فـي أدب السجون نذكر منهم رواية شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف تناول فـيها الكاتب السعودي الأثر النفسي لتجربة السجن السياسي من خلال حكاية رجب إسماعيل المحبوس الذي تعرّض للسجن والتعذيب على مدار خمس سنوات تحطَّمت فـيها روحه. كذلك أيضا هنالك كتاب «مذكراتي فـي سجن النساء» للدكتورة نوال السعداوي حيث تروي تجربتها فـي سجن القناطر المصري بعد إلقاء القبض عليها فـي موجة اعتقالات واسعة فـيما عُرف بقرار التحفُّظ الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات فـي الشهور الأخيرة من حكمه.
فـي الأدب العالمي يبرز سجن الباستيل كرمز على القمع الوحشي الملكي فـي فرنسا قبل أن يتحول إلى أيقونة للثورة الفرنسية وسجّل الفـيلسوف الفرنسي فولتير تجربته فـي ذلك السجن حين كان أحد نزلائه ووصفه بأنه رمز لطغيان النظام الملكي الفرنسي.
هنالك سجون اكتسبت شهرة سيئة بفعل ممارساتها الوحشية ضد السجناء أبرزها فـي العصر الحديث «سجن أبو غريب» فـي العراق حيث أصبح رمزًا عالميًّا للوحشية والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، خاصة خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق بعد عام 2003. وأيضا سجن جوانتنامو الواقع فـي خليج جوانتنامو بكوبا، هو واحد من أكثر السجون إثارة للجدل فـي العصر الحديث. أُنشئ السجن عام 2002 فـي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، كجزء من «الحرب على الإرهاب» التي أطلقتها الولايات المتحدة. أصبح السجن رمزًا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
تعداد السجون سيئة السمعة يحتاج إلى مجلدات وما يرويه من خرجوا منها أحياء ما هي إلا غيض من فيض من الممارسات الوحشية التي يمارسها الإنسان ضد أخيه الإنسان، وتبقى التدوينات الإنسانية فـي أدب السجون شاهدًا على فظاعة ما تقوم به الدول من انتهاكات لحرم الإنسان الذي كرمه الله.