غربان لا تأكل الموتى.. رواية ترثي الانتصار
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
صدرت مؤخرا رواية "غربان لا تأكل الموتى"، للكاتبة المصرية دعاء جمال البادي، وتسرد فصولها سيرة عائلة المنسي التي استقرت بمدينة السويس، خلال القرن الـ19، ومآل الحفيد الذي ولد إبان هزيمة يونيو/حزيران 1967.
تتناول الرواية -عبر 219 صفحة- تبعات الحروب على البشر سواء انتهت بالهزيمة أو الانتصار.
ولدى بطل "غربان لا تأكل الموتى" قناعات نحو الحروب والغربان تؤثر على مسيرته كلها، وتضطره خيبات متتالية إلى مغادرة مدينته، ليبدأ رحلة جديدة من المعاناة بمدن عدة؛ ومع تصاعد الأحداث يتكشف له الماضي تباعا؛ وهو ما يجعله أمام واقع حقيقي وآخر مختلق.
ودعاء البادي، صحفية مصرية، فازت بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عن رواية "زهرة الأندلس" عام 2019، وحاصلة على جائزة المجلس الأعلى للثقافة عن مسرحية "الرماد" عام 2023، صدر لها متتالية قصصية بعنوان "إنهم يثورون في دُرج الكومودينو" عام 2019.
وتقول البادي إن "هناك علاقة قوية بين الصحافة والأدب، فكلاهما يتكلم عن البشر ويستهدف البشر، وهناك أيضا اختلاف بينهما، فالكتابة الصحافية محكومة بقيود ما يمكن تسميته بـ"التقريرية"؛ حيث تكون اللغة جافة تجتهد نحو الحياد أما في الأدب فالكتابة حرة بلا قيود".
وتكمل: "وهناك كثير من الأدباء الذين عملوا بالصحافة أمثال غسان كنفاني وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس".
وتعتبر البادي أن القصة الصحفية تسعى نحو المعلومة وتغطية كافة أطراف القضية، أما القصة الروائية فتطرح مشاعر كاتبها فقط حيال الحدث، فضلا عن الاختلاف في طبيعة السرد، وتكمل: "الصحفي والروائي لا يصلحان للتأريخ، فالأول تحركه سياسات المؤسسة الصحفية التي يعمل بها، والروائي تقوده مشاعره".
وعن مكان الرواية ونقلاتها الزمنية تعتبر البادي أن الرواية تتناول أثر الحرب على الناس -سواء انتهت تلك الحرب بالهزيمة أو الانتصار- "ولا توجد مدينة مصرية تأثرت بالحروب، التي خاضتها مصر خلال القرن الماضي، كما السويس".
وتعتبر الروائية المصرية أن التنقل بين الأزمة حدث من خلال البطل نفسه الذي حكى سيرة العائلة قبل أن يستطرد في حكي سيرته.
قصة حربينوعن دافعها لكتابة الرواية تقول: "لدي قناعة أن المصريين لم يتجاوزوا حتى الآن هزيمة يونيو/حزيران 1967 رغم الانتصار بعد 6 سنوات في 1973، ورغم البعد الزمني للحربين. من ذلك انطلقت.. جميع أبطال الرواية يحملون هذه الهزيمة فوق أكتافهم ويسيرون مع الحياة، ويتأكد لهم مع كل حدث أنهم لم ينتصروا".
ومن نصوص الرواية التي تبدو كأنها أجزاء من قصيدة شعرية، تقول إحدى شخصياتها: "إنني أتعالى، والباقون مرضى بالأرض، يُعاهدون التراب ويمضغون أجسادهم، وهناك في البعيد ظلٌّ يُخمد أعواد كبريت ويتقلَّب فوق جمر المهزلة. ثمّ ها هم الشجعان أسرى كبقايا مقتلة! إنني أتجلّى، وهُم يسكبون الدماء على ثيابي، ويضحكون، من يُهدي العيدان المنتصبة الرماد، ومن يدفع إلى المحرقة؟!".
ويكمل النص: "ثم تصعد أصواتُهم المنجرحة بالهزيمة:
– انزل.
– ستموت.
وأزعق فيهم:
– أنتم جبناء وأنا كل الندم.
يتأسفون ويضربون كفوفهم، وأقول أيضا:
– إنني لن أعود.
لسبب ملتبس يتكورون حول نقطة غير مرئية، ويتأهبون للانفجار، في حين أنتظر مجيء الغربان لتحل المسألة".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
"اسمه الأسمر".. رواية جديدة تفتح أفقاً جديداً في الأدب العُماني
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
صدر مؤخرًا عن دار الآداب العمل الروائي الثالث للكاتب والروائي العماني محمد الشحري، بعنوان "اسمه الأسمر"، وتأتي هذه الرواية استكمالًا لمسيرة أدبية حافلة، سبق أن قدم خلالها الشحري رواية "موشكا" التي حققت انتشارًا واسعًا، وتحولت لاحقًا إلى عملٍ مسرحي عرض داخل سلطنة عُمان وخارجها، إلى جانب روايته الثانية "الأحقافي الأخير"، وعدد من الأعمال في أدب الرحلات.
الرواية الجديدة تمثل نقلة نوعية في تجربة الشحري، ليس على مستوى إنتاجه الأدبي فحسب، بل أيضًا على صعيد الرواية العمانية عمومًا. إذ تنفتح على عوالم وأماكن ومسارات متعددة، لا من الناحية الجغرافية فحسب؛ بل فكريًا وسياسيًا؛ حيث تسلط الضوء على رؤى أبطالها، وتقدم مقارباتهم الخاصة للواقع الاجتماعي في ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله.
وتبرز الرواية بشجاعتها في ملامسة الجوانب الخفية من التجربة الإنسانية، وتفكك تراكمات اجتماعية وثقافية غابت طويلًا عن الخطاب الأدبي المحلي. كما تكشف عن زيف اجتماعي سرعان ما يتبدد عند أول مواجهة حقيقية، لتطرح بذلك تساؤلات وجودية حول العلاقات، والهوية، وموقع الإنسان ودوره داخل مجتمعه.
وينتمي هذا العمل إلى ما يعرف بـ"الأدب المُلتزِم"، الذي يحمل همًّا وطنيًا وإنسانيًا، وهو ما يُميِّز الرواية عن كثير من الأعمال التي تفتقر إلى رسالة واضحة؛ فالأدب بكافة أجناسه لا يكتمل إلّا بتحديد موقف من المعضلات الإنسانية واشكالياتها، وليس هناك إنتاج أدبي محايد، بل إن كل عمل أدبي يحمل في طياته نظرة مكتملة أو جزئية تجاه الواقع، ومحاولة فنية لتمجيده أو لتفسيره أو نقده.
ومن أبرز ملامح الرواية تناولها العميق للهوة بين الأجيال، كما في العلاقة الملتبسة بين الابن وخاله، يغلفها أسلوب رمزي وإيحائي. والتي تطرح بشكلٍ غير مباشر تساؤلات جدية: لماذا هذا الانفصام الجذري بين الأجيال؟ ولماذا تشوه أدوار السابقين في نظر اللاحقين؟ تلك الأسئلة لا تبحث فقط عن إجابات؛ بل تفتح بابًا نحو تأمل اجتماعي أوسع. وفي جانب آخر، تنتقد الرواية فئة اجتماعية بعينها، اعتادت التفاخر بإنجازات منقوصة، كانت جزءًا صغيرًا من مرحلة أكبر، فتقدم نقدًا أخلاقيًا حادًا.
"اسمه الأسمر" ليست فقط رواية جديدة تضاف إلى مكتبة الأدب العُماني؛ بل عمل يستحق التوقف أمامه، لما يطرحه من رؤى، ويثيره من أسئلة، ويقدمه من تجربة إنسانية خصبة وعميقة.
رابط مختصر