بوابة الوفد:
2024-09-16@21:02:51 GMT

ﻗﺮارات اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ أﺑﺎﻃﺮة اﻷﺳﻮاق

تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT

وجوه مقطبة.. ملامح رسمت خطوطها الحسرة.. أجساد منهكة تسير بخطى متعثرة.. عيون غائرة تترقب الأسعار يميناً ويساراً.. داخل الأسواق يتدبرون الأمر يتوقفون دقائق لحساب «الحسبة» بعد الصدمة التى تلقوها، كيف لنا أن نعود فارغى الأيدى؟، وماذا نتناول على الغداء؟ سؤال يتردد على ألسنة كثير من المواطنين الذين صدمتهم الأسعار الملتهبة، والتى تحرق جيوبهم ونفوسهم كل لحظة.

فكلما خرجوا للأسواق يفاجئون بأسعار متغيرة، ليس بين ليلة وضحاها، بل بين كل ساعة وأخرى، البعض يعود لمنازلهم ودموعهم حبيسة الأعين، ينظرون إلى أبنائهم بعين الحسرة، حى أصابتهم الأمراض، وآخرون يحاولون شراء عينات من «الأكلة» المخطط لها.

صعوبة شديدة فى الحديث معهم خاصة مع حالة الاكتئاب الشديدة التى تعم قلوب الجميع، حاولنا جاهدين التقرب منهم لكى يخرجوا ما بدواخلهم، البعض منهم أبى تماماً، وآخرون تعالت صرخاتهم وخرجت الآهات المحبوسة داخل قلوبهم وظهرت على ملامحهم، حتى شعر المارة بأنها مشاجرة بيننا.

«عايشين بستر ربنا».. جملة أجمع عليها الكثير من المواطنين الذين فتحوا قلوبهم لنا وتحدثوا عن سيناريو يومهم المرير مع الأسعار.

تقلب يميناً ويساراً فى الخضراوات.. وتنتقى بعض حبات البطاطس والطماطم على مضض، حديث حاد بينها وبين بائع الخضراوات الذى يخبرها برفع الأسعار مجدداً، ليرتفع صوتها قائلة: «هو فيه إيه مفيش رحمة؟».

اشتدت حدة الصراع بين السيدة وبائع الخضراوات، كلاهما يحاول أن يقنع الآخر بكونه ضحية للأسعار، البائع يقول إن كبار التجار هم الذين يتلاعبون بالأسعار، وهو مجبر على البيع بالسعر الجديد، بينما تؤكد له السيدة أنها مثل غيرها من السيدات اللائى عجزن عن شراء متطلبات منازلهن بسبب ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه.

 

الجميع يراقبون تفاصيل الحوار الدائر بين السيدة والبائع، ويتدخل البعض موجهين حديثهم للتاجر قائلين: «ارحم ياللى بترحم.. عيب عليك هو مفيش أخلاق.. ارحموا من فى الأرض».

تستكمل «الوفد» جولتها داخل السوق، وأمام أحد محال الجزارة وقفنا بضع دقائق لنرصد أحوال المواطنين، لنجد أحد المارة يقف وينظر إلى لافته المحل المعلق عليها سعر كيلو اللحمة الكندوز بـ400 جنيه، قائلاً: «أمال فى رمضان هتبقى بكام؟».

 

يقول أحمد فتحى إنه أب لـ3 أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة، ودخله لا يتجاوز الـ 4 آلاف جنيه، ويحاول أن يجد فرصة عمل فى فترة مسائية لكى يستطيع سد احتياجات منزله.

«بالمنطق والعقل أنا محتاج 14 ألف جنيه فى الشهر مصاريف».. يستكمل الأب حديثه حزيناً على حاله، قائلًا إن سنه 60 عاماً، وبالرغم من ذلك يحاول أن يجد عملاً إضافياً ملائماً لسنه حتى يستطيع العيش وسط غلاء الأسعار.

وبسؤاله كيف يتعايش مع راتبه الضعيف مقابل متطلبات منزله، رد قائلاً: «كله بستر ربنا وفضله علينا والبركة بتحل علينا علشان عالم بيا».

يستكمل صاحب الستين عاماً حديثه ويقول إنه حظر بعض المأكولات على منزله، منها الجبنة الرومى واللانشون وغيرهما من المأكولات التى لا يقدر على شرائها إلا الأغنياء.

الهروب

التقط أطراف الحديث، خليل العوضى، الذى قال إنه يجلس على القهوة لساعات طويلة هرباً من نظرات أبنائه وزوجته له، مشيراً إلى أنه كثيراً ما يدخل فى مشاجرات مع زوجته بسبب عجزه عن سد احتياجات منزله وأبنائه، وقال: «أعمل إيه سنى ما يسمحش إنى اشتغل زى الشباب أكتر من شغلانة»، يشير إلى أن أبناءه يكافحون لتوفير مصروفاتهم الخاصة لكنه يعجز عن توفير التزامات المنزل.

لما الأكل بس عايز 7 آلاف جنيه شهرياً.. أمال باقى الالتزامات عايزة كام؟ يستكمل العوضى حديثه غاضباً، وقال إن قهر الرجال فى هذا الزمن تلمحه على وجوه المارة، فالجميع لا يشعرون ولا يدرون ماذا يفعلون ويسيرون وهم شاردو الأذهان، وتابع: «أنت ممكن تكلم حد وتلاقيه بياخد فترة علشان يشوفك ويرد عليك».

يصمت الرجل الأربعينى قليلاً ويتذكر سيناريو يوماً مر عليه، حينما ذهب لشراء مستلزمات منزله من خضراوات ولحوم، قائلاً: «طلعت ومعايا 1000 جنيه.. ورجعت بنص كيلو لحمة ونص المستلزمات اللى كنت رايح أشتريها».

يقول الرجل الأربعينى: «تسوى إيه لما ابنك يقولك جعان وأنت واقف قدامه مش قادر تعمل له حاجة.. ولا يقلك عاوز آخد درس خصوصى ومش معاك فلوس وتحس بتأنيب الضمير علشان لو فشل».

«أنت جيت على الجرح».. قالها شريف على، أب لـ3 أبناء فى المرحلة الثانوية، يعانى من غول أسعار الدروس الخصوصية التى تنهش جيوب المواطنين وهو واحد منهم، يشعر بالعجز أمام أبنائه الذين يحتاجون آلاف الجنيهات شهرياً لاستكمال مصاريف الدروس الخصوصية خاصة فى فترة الامتحانات والمراجعات النهائية.

الدروس الخصوصية واحدة من أخطر الأزمات التى تحاصر أولياء الأمور، فجميعهم لديهم استعداد للعزوف عن الطعام والشراب لدفع مصروفات الدروس الخصوصية خوفاً على مستقبل أبنائهم.

المبالغ الطائلة التى تدفع للدروس الخصوصية بجانب مصروفات المدارس خاصة إذا كانت مدارس خاصة عربى أو لغات، لكن مع تدهور الحالة التعليمية فى المدارس الحكومية، يشعر الآباء بأن المستقبل للأبناء فى المدارس الخاصة.

وخلال السنوات الماضية كانت المدارس التجريبية طوق النجاة لكثير من أولياء الأمور، هرباً من نار أسعار المدارس الخاصة، نظراً لنظامها الذى يعتمد على الدراسة باللغة الإنجليزية ومصروفاتها القليلة مقارنة بمصروفات المدارس الخاصة، إلا أنه خلال الفترة الأخيرة أصبحت المدارس التجريبية لا تختلف كثيراً عن الحكومية العادية، خاصة بسبب الكثافة العددية داخل الفصول، ما أثر على تحصيل الطلاب.

«فى الأول كنت بدفع ألفين جنيه وفرحان إن عيالى بيتعلموا لغات فى مدارس تجريبية».. قالها حمدى جمال، مشيراً إلى أن المصروفات الدراسية حالياً تمثل عبئاً كبيراً على أولياء الأمور بعد تدهور أحوال الدراسة حتى فى المدارس التجريبية.

يستكمل جمال، حديثه قائلا: إن أزمات الدروس الخصوصية، جعلت أولياء الأمور يوفرون كثيراً فى متطلبات منازلهم من مأكل وملبس، وتابع: «ممكن أستخسر فى نفسى الفطار علشان أدى ابنى فلوس يروح الدرس».

«أعيش إزاى وأنا مطالب شهرياً بدفع 8 آلاف جنيه للدروس الخصوصية».. قالها راشد السيد، ليستكمل قصص أزمات أولياء الأمور مع الدروس الخصوصية.

راشد، مثل غيره من أولياء الأمور، يحاول أن يعمل ليلاً ونهاراً لتوفير المال سواء للدروس الخصوصية أو لشراء الطعام والملابس لأبنائه، قائلاً: «فى سنى ده وأنا داخل على الخمسين سنة شغال صبح وليل علشان أجيب لقمة لعيالى».

تستكمل «الوفد» جولتها، ونجد رجلاً أربعينياً، انزوى بجانب الرصيف، واضعاً يديه على خديه، للحصول على قسط من الراحة لبعض دقائق حتى يستطيع استكمال يومه الشاق.

اقتربنا منه، وبالحديث معه قال، إنه يعمل منذ الساعة الثامنة صباحاً حتى التاسعة مساءً حتى يستطيع أن يوفر مصاريف أبنائه الثلاثة، فى المراحل التعليمية المختلفة، وتابع: حتى لو بموت ومش قادر أمشى لازم اكمل مشوار حياتى علشان عيالى.

صاحب الثلاثين عاماً، تركت سنوات شقائه علاماتها على وجهه المجهد، لتعطيه عمراً فوق عمره الحقيقى، نبرات صوت حزينة تنم عن الكسرة والضيق كادت تفجر قلبه حزناً.

حكايات الكادحين فى الشوارع تحتاج لكتب ومجلدات ترصد متاعبهم اليومية، ومأساتهم مع الحياة التى تنهش صحتهم وأعمارهم.

نساء فى مهمة شاقة

دائماً ما تكون السيدات فى الصفوف الأولى فى معركة الأسعار، فهن أول من يصعق بمفاجآت الأسعار داخل الأسواق، خاصة وهن المسئولات عن تدبير أحوال المنازل، وعليهن الادخار من دخل المنزل سواء كان راتب الزوج أو راتبها أو منهما معاً، وتبقى المعادلة الصعبة أمام كل واحدة منهن: كيف يمكنها ببضع جنيهات شراء مستلزمات المنزل.

ملامح بعض السيدات فى الأسواق شكلتها علامات الدهشة، وأخريات سيطرت عليهن حالة من الغضب الشديد، وقالت إحداهن بصوت عالٍ خلال مشاجرتها مع أحد الباعة: «فيه إيه كل شوية بسعر؟!.. هو انتوا بتبيعوا بأسعار على مزاجكم؟».

«ساعات بروح السوق علشان اشترى 3 طلبات وبرجع بطلب واحد».. قالتها السيدة شادية، وهى واقفة أمام بائعة الخضار

تصمت السيدة لحظات وتعود قائلة إن معدل شراء مستلزمات البيت لإعداد الطعام ليوم واحد لأسرة من 4 أفراد يتكلف 600 جنيه، وتستكمل: «المبلغ ده كنت بجيب بيه مسلزمات البيت لشهر كامل.. دلوقتى مش بيجيب إلا أقل القليل».

يرد عليها بائع الخضار قائلاً: «ده اللى عندنا لو مش عاجبك امشى»، تجمع عدد كبير من المواطنين حول الواقعة وحاولوا تهدئة الحديث بين السيدة والبائع.

خلال الشهور الماضية دفعت الظروف الاقتصادية الملايين من الأسر إلى الاستغناء عن تناول اللحوم البلدية بعد ارتفاع أسعارها، ولجأوا إلى تناول الدواجن والأسماك، وبعد مرور عدة أشهر ارتفعت قيمة الدواجن أضعاف لتدفع ملايين آخرين من متوسطى الدخل إلى الاستغناء عنها.

واستكمل مسلسل غول الأسعار حلقاته ليصل إلى مشهد سوق السمك الذى وصل سعره قيمة كيلو الدواجن البلدى، ليصبح الكثير فى حيرة من أمرهم ويتساءلون: «ماذا نتناول بعد ارتفاع أسعار جميع أنواع اللحوم؟».

وحينما قرر الكثير من الأسر اللجوء إلى تناول البيض لكونه مصدر البروتين الرخيص بعيداً عن تناول اللحوم والدواجن والأسماك، وصل سعر البيضة الواحدة إلى 5 جنيهات ونصف، فماذا تفعل الأسرة المكونة من 3 أفراد حال رغبتها فى تناول وجبة الغداء من البيض، فستحتاج لما يقرب من 50 جنيهاً على الأقل لهذه الوجبة بعيداً عن المستلزمات الأخرى.

كما طال كابوس الغلاء الذى يطل علينا يومياً كل المأكولات الأساسية التى لا غنى عنها على المائدة المصرية، إذ وصل سعر كيلو الفاصوليا إلى 150 جنيهاً وفى بعض المناطق 160 جنيهاً، وكذلك الطماطم والبطاطس ارتفعت أسعارها بشكل خيالى، وتشير توقعات بائعى الخضراوات إلى ارتفاعها خلال شهر رمضان لتفوق وجبة الغداء «القرديحى» قدرات الكثير من الأسر المصرية.

دموع حارقة تغطى عينيها الزائغتين فى وجه شاحب رسمت سنوات شقائها ملامحها، وأمام قفص من الجريد وضعت عليه أرغفة الخبز التى تبيعها، جلست واضعة يديها على خديها فى انتظار الزبون الذى يمنحها بعض الجنيهات لتمسك به رمقها مع آخر يوم العمل الشاق الذى يمتد لـ10 ساعات.

تقول السيدة إن الأسعار المرتفعة بشكل مستمر، زادت من عنائها، فعدد ساعات العمل اليومى لها لا تكفى لشراء بعض اللقيمات التى تحتاجها، وتابعت: «أنا كنت عاملة حساب 100 جنيه خضار للأسبوع دلوقتى مش بيكفى، وبقيت بوفر من أكلى علشان أعرف أوفى احتياجاتى».

 

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ﻗﺮارات اﻟﺮﺋﻴﺲ أﺑﺎﻃﺮة اﻷﺳﻮاق قضية الأسعار الدروس الخصوصیة أولیاء الأمور

إقرأ أيضاً:

النائبة فيبى فوزى تكتب: مفهوم المواطنة.. «مشاهد وتجليات»

يصل الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة ليلة عيد الميلاد، لتقديم التهنئة لقداسة البابا تواضروس الثانى وجموع الأقباط المحتفلين بالعيد، فتسود أجواء من البهجة والسعادة غير المسبوقة، وتعلو أصوات الزغاريد معبرة عن حالة عارمة من الفرح والترحيب، وسط هتافات مؤيدة للرئيس.

فى مشهد مختلف، وفى حدث لم يشهده مجلس الدولة منذ إنشائه عام 1946، تؤدى 98 قاضية ممن التحقن بالمجلس اليمين القانونية أمام رئيس مجلس الدولة إيذاناً بانضمام المرأة المصرية لأول مرة إلى جانب زملائها من القضاة، لينهض الجميع بالمسئوليات الملقاة على عاتقهم.

على صعيد آخر، ينص أول دستور مصرى صادر عقب ثورة الثلاثين من يونيو، بشكل صريح، وللمرة الأولى على اشتراط تمثيل ذوى الاحتياجات الخاصة فى أول مجلس للنواب يتم تشكيله وانتخابه بعد العمل بأحكام الدستور، ليتبنى قضايا هذه الفئة الغالية وينقل الاهتمام بها إلى آفاق جديدة، وتتواصل المبادرات الرئاسية لدعم وتمكين ذوى الهمم إلى أن يأتى عام 2018 ليعلن الرئيس السيسى أنه عام خاص بذوى الاحتياجات الخاصة.

أما عن الشباب فحدث ولا حرج، إذ تطول قائمة المشاركة التى حظى بها شباب وفتيات مصر فى المواقع التشريعية والتنفيذية كافة، بما لم يحدث على مدار عشرات السنوات السابقة، ولا يسمح المجال بذكر تفاصيل أرقام مشاركة الشباب فى البرلمان وفى مواقع نواب المحافظين، والإدارة المحلية وغيرها من المواقع بمختلف أنحاء المحروسة.

آثرت أن أبدأ مقالى بهذه المشاهد التى تمثل نموذجاً للكثير وما لا يحصى مما جاءت به الجمهورية الجديدة برئاسة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى من مفهوم واسع وجامع للمواطنة، حيث يحرص الرئيس على تعزيز روح المواطنة وإعادة ترسيخ الهوية الوطنية التى تمثل الروح الحقيقية للمصريين. فمنذ توليه المسئولية كان هدف الرئيس هو منح الإنسان المصرى كل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باعتباره مواطناً كامل الأهلية وباعتباره الثروة الحقيقية لهذا البلد، وقد راهن سيادته دائماً على الإنسان المصرى، وتجلى ذلك بوضوح من خلال العديد من الاستراتيجيات الوطنية، التى تستهدف تمكين المرأة والشباب وتنمية الوعى، والتى من بينها وربما يكون أبرزها بالنسبة لما نحن بصدده، تلك الاستراتيجية الخاصة بحقوق الإنسان. راهن الرئيس على ضروره تكامل مفهوم المواطنة بحيث لا يتعلق فقط بالحقوق السياسية والمدنية، وهو المفهوم الضيق الذى تحاول أن تفرضه العديد من المؤسسات الدولية، وإنما بشكل واسع يستوعب كل أبعاد الإنسان ويبلور عمق رؤية الجمهورية الجديدة للمواطنة، بحيث تتحول إلى برنامج وطنى متكامل يهتم بكل فئات المصريين دون تمييز بسبب الجنس أو العقيدة أو الانتماء المناطقى، وقد حرصت الجمهورية الجديدة على ترجمة ذلك فى خطط التنمية التى استهدفت العديد من المشكلات التى كانت تنتقص بشكل لافت من مفهوم المواطنة، لعل من أبرزها على سبيل المثال مشكلة العشوائيات، التى كانت بمثابة طعنة غائرة فى المفهوم الحقيقى للمواطنة، إذ تجرد ساكنوها من حقوقهم الوطنية كمصريين ينتمون لبلد حضارته تتخطى الآلاف السبعة من الأعوام، فكان اقتحام الجمهورية الجديدة لهذه المشكلة والقضاء عليها من أبرز المنجزات التى من وجهة نظرى تجسد مفهوماً واسعاً وشاملاً للمواطنة.

فى هذا الإطار يأتى أيضاً القضاء على فيروس «سى»، الآفة التى أهلكت أكباد المصريين لعشرات السنوات، وكانت مصر الدولة الأولى فى نسبة الإصابة، الأمر الذى كان يمثل وصمة واضحة، وانتقاصاً من حقوق الإنسان المصرى فى مستوى لائق من الصحة. المواطنة إذن وفق مفهوم الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، هى تعبير عن المساواة فى كافة الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الشعب المصرى أياً كانت انتماءاتهم الفئوية أو الجغرافية أو الطبقية، وأياً كانت عقيدتهم وانتماؤهم الدينى. ما أود التأكيد عليه فى هذا الشأن هو أن الرئيس السيسى هو أكثر الزعماء المصريين فى التاريخ المصرى الحديث تحقيقاً لقيم المواطنة بكل ما تحمله من دلالات وما تستدعيه من برامج وخطط وآليات يجب تنفيذها لوضع المفهوم موضع التطبيق، حتى بتنا نرى كافة الفئات والعناصر المكونة للمجتمع المصرى مشاركة بقوة وفاعلية فى كل ما يجرى من جهود للتنمية والتطوير فى ربوع مصر.

ولا يسعنى أن أتحدث عن المواطنة فى الجمهورية الجديدة دون ذكر أحد أبرز تجلياتها، وأعنى به الحوار الوطنى، فقد جاءت دعوة الرئيس للحوار الوطنى باعتبارها خطوة فى مشهد يبرهن على مدى ما وصلت إليه الدولة المصرية من استقرار ورسوخ، تماماً مثلما كرست لفكرة الإعلان عن توجهات الجمهورية الجديدة، فكانت مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالدعوة لحوار وطنى شامل، إيذاناً بالانطلاق إلى مرحلة أكثر تطوراً من العمل السياسى والاقتصادى والاجتماعى، يبلور مفهوم المواطنة وأهمية مشاركة الجميع فى صنع القرار. ويلفت النظر بشدة فى هذه المبادرة الملهمة تأكيد الرئيس على إقامة حوار سياسى مع كل القوى بدون استثناء ولا تمييز، وتشديده على إعداد تقرير واف حول مخرجات الحوار وهو ما حدث بالفعل، وتمت ترجمته إلى قرارات وتشريعات لعل آخرها ما يتعلق بتعديل إجراءات الحبس الاحتياطى، الأمر الذى يشى بعمق ما تحمله المرحلة من الانفتاح على مختلف القوى السياسية، وتكريس مفهوم المواطنة الذى يشمل الجميع، إذ تستمد الجمهورية الجديدة ثباتها وقوة مواقفها من وجود زعامة رشيدة يلتف حولها شعب يعى جيداً ما يدور حوله ومن يتربص به، وهو عازم على مساندة قيادته ودعمها فى سعيها الحثيث لتأمين مصر أرضاً وشعباً ومصالح. وللمتابع أن يرصد كيف تحولت حالة الحوار التى تحرص عليها الجمهورية الجديدة إلى مكسب كبير للجميع.

يتكامل مع مفهوم المواطنة الذى أولته الجمهورية الجديدة جل اهتمامها، هذا المشروع الوطنى العملاق الذى يقوده الرئيس السيسى، والذى يُعنى بالأساس بتمكين الفئات المهمشة على مختلف الأصعدة، بما يعزز قدرتها على الحصول على حقوقها كافة ربما لأول مرة فى التاريخ. وقد يصعب الحديث بالشمول الواجب عن ملامح وأوجه التنمية الاقتصادية والصناعية والزراعية والخدمية التى تم تنفيذها خلال السنوات العشر الماضية، والتى استهدفت فئات لم يلتفت إليها أحد من قبل -مع ملاحظة أنها بدأت والبلاد على شفير الانهيار- فكان الأبرز فى المشروع الوطنى التنموى الشامل هو اهتمامه بالعنصر البشرى، إذ وضع فى مقدمة أولوياته الإنسان المصرى من كل الفئات والطبقات، حتى ليُمكن القول بكل ثقة إن ما تم من تنمية بشرية كان شعاره الأساسى هو العدالة فى التوزيع الجغرافى والعمرى والفئوى، لتغطى مظلة اهتمام الدولة جميع مواطنيها لأول مرة فى تاريخ مشروعات التنمية المصرية، وليس مشروع حياة كريمة سوى أحد التجليات المبهرة لهذا المشروع. واليوم ونحن نتطلع لمرحلة جديدة من عمر مصر، نؤكد أن الوطن ينتظر المزيد، ويثق فى أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى يمتلك من الرؤية ومن الجسارة والقدرة على العبور إلى آفاق هى بمثابة الحلم الذى يراود المصريين، ما يجعلنا مطمئنين إلى المستقبل بقيادته، فالجميع يقف صفاً واحداً خلف قيادته المخلصة الرشيدة، متطلعين إلى ما يجرى من تطوير وتحديث فى ربوع مصر كافة ليتغير وجه الحياة على هذه الأرض، التى طالما كانت مهد الحضارة الإنسانية

مقالات مشابهة

  • سينما المؤلف التى غابت
  • كوارث عمر أفندى!
  • الكفيفة التى أبصرت بعيون القلب
  • أشرف غريب يكتب: أعظم ما في تجربة سيد درويش
  • خالد ميري يكتب: أرض الألغام.. واحة للأحلام
  • فى ظل المناخ الصحى للرئيس: الوفد ونقابة المحامين حصن الحقوق والحريات
  • على هامش المناظرة
  • توافق المشاعر العربية
  • الليلة.. افتتاح معرض الفنان علي حبيش بجاليري ضي الزمالك
  • النائبة فيبى فوزى تكتب: مفهوم المواطنة.. «مشاهد وتجليات»