عربي21:
2024-11-22@13:53:59 GMT

أي مستقبل للحركات الإسلامية بعد طوفان الأقصى؟

تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT

(إهداء: إلى المرحومة أمي ساسيّة التي أجابت داعيَ ربها يوم الأحد الماضي، والتي علمتني -وهي الأمّية التي لا تعرف تلبيسات الحرف والمحروف- أن الانحياز إلى الحق وإلى المقهورين هو خير الزاد في الدينا وخير شفيع يوم كشف الغطاء)

مهما كان موقفنا من الحركات الإسلامية السنّية أو من الالتقاء الموضوعي بين جناحي الأمّة في مشروع المقاومة، فإن الدور المركزي الذي لعبته بعض تنظيمات "الإسلام السياسي" في عملية "طوفان الأقصى"، ومن قبل ذلك في مقاومة مشروع التطبيع وأبواقه المتصهينة، أو في محاولة التأسيس لديمقراطية بعيدة عن منطق الانقلابات أو النفي المتبادل بين الإسلاميين والعلمانيين، وكذلك دور بعض الحركات الأخرى (خاصة الحركات السلفية بجناحيها "الجهادي" و"العلمي") في خدمة محور الثورات المضادة وصفقة القرن أو في تخريب "الربيع العربي"، وبعض مشاريع المواطنة المتجاوزة للاستبداد الحداثوي وللطائفية المُعلمنة.

. كل ذلك يدفعنا إلى التساؤل عن مستقبل الحركات الإسلامية بمختلف مرجعياتها وأجنداتها وارتباطاتها الإقليمية في ضوء ما يمكن أن يستقر عليه أمر "الطوفان"، أي في ضوء الواقع الإقليمي والدولي الجديد الذي سيفرضه محور المقاومة أو ستُملي شروطَه الامبرياليةُ العالمية في لحظتها المتصهينة (باعتبار الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية).

رغم أن هذا المقال ليس موضع تفصيلات نظرية، فإننا -انطلاقا من مشروع "الاستبدال العظيم" الذي نرى فيه الإطار "المتعالي" أو الميتافيزيقي الذي ينتظم الأحداث كلها- نجد أنفسنا مضطرين إلى بيان اعتراضنا على مصطلح "الإسلام السياسي" من جهتين: أولا، من جهة تأسس المصطلح على افتراض نظري مفاده وجود إسلام "غير سياسي" أو افتراض أن "الإسلام الرسمي" ليس هو ذاته إسلاما سياسيا، ثانيا من جهة المطابقة المتخيلة بين "الإسلام السياسي" وبين الإسلام ذاته.

جاء طوفان الأقصى ليؤكد أن معيار "الأسلمة" القائم على الموقف الاحتجاجي من "الحداثة الزائفة" أو من "المفاهيم الكفرية" (على حد تعبير السلفية في قراءتها للعقل السياسي الحديث ومفاهيمه الأساسية كالديمقراطية والحريات الفردية والجماعية)، هو معيار متهافت، بل هو أساسا معيار طائفي يلتقي موضوعيا مع متصهينة العرب والمسلمين ومشاريع التطبيع الخادمة لـ"إسرائيل الكبرى"
فالحركات الإسلامية ليست هي الوحيدة التي تعطي للإسلام بعدا "سياسيا" (أي بعدا يتجاوز المستوى الشخصي إلى المستوى الجماعي)، فهذا دأب كل الأنظمة وأشكال المعارضة في الفضاء العربي الإسلامي بمختلف مراحله التاريخية، أي منذ "الخلافة الراشدة" مرورا بـ"الملك العضوض"، وصولا إلى "الدولة-الأمة". كما أن الحركات الإسلامية لم تكن يوما -قبل ما يُبشر به الالتقاء الاستراتيجي بين جناحي الأمة في مشروع المقاومة- تمثّل "الإسلام" بل كانت تمثل "الطائفة-الأمة" باعتبارها تختزل "الأمة الإسلامية" أو "الفرقة الناجية" أو "الصراط المستقيم"، وباعتبار ما عداها من الطوائف كفارا أو في ضلال أو حتى "أشد كفرا من اليهود والنصارى".

انطلاقا من هذا التأسيس النظري المستأنف، فإن حديثنا عن مستقبل "الحركات الإسلامية" لا يجب أن يُفهم على أنه مقابلة بين "إسلام سياسي" (وهو إسلام تتبناه الحركات الاحتجاجية أو المقاومة داخل غزة وخارجها) وبين "إسلام غير سياسي" تتبناه سرديات الدولة-الأمة بمختلف أيديولوجياتها وأذرعها المسلحة (كالحركات التكفيرية الطائفية التي أصبح أغلبها الأعم ملحقا وظيفيا بالمشروع الصهيوني في الإقليم، أي أداة في أيدي محور التطبيع والثورات المضادة). ولمّا كنا نؤمن بأنه لا وجود لإسلام غير مسيّس، فإن مدار الصراع أو معيار الفرز بين مختلف الأطروحات لن يكون هو تمثيل "الإسلام في ذاته" (كما يدعي سدنة الدولة-الأمة أو الطائفة-الأمة)، بل سيكون المعيار هو دور التمثلات المختلفة للإسلام في مشروع "المقاومة" و"التحرير" أو دورها في ترسيخ واقع الخضوع للمشروع الامبريالي في لحظته الصهيونية.

لقد جاء طوفان الأقصى ليؤكد أن معيار "الأسلمة" القائم على الموقف الاحتجاجي من "الحداثة الزائفة" أو من "المفاهيم الكفرية" (على حد تعبير السلفية في قراءتها للعقل السياسي الحديث ومفاهيمه الأساسية كالديمقراطية والحريات الفردية والجماعية)، هو معيار متهافت، بل هو أساسا معيار طائفي يلتقي موضوعيا مع متصهينة العرب والمسلمين ومشاريع التطبيع الخادمة لـ"إسرائيل الكبرى". بل إننا نستطيع القول إن "إسرائيل الكبرى" لم تعد ذلك المشروع "الإحلالي" (القائم على احتلال الأرض)، بل أصبحت مشروعا يقوم على احتلال "الوعي" وصهينته باعتماد حليفين استراتيجيين؛ أما الحليف الأول فهو النخب الحداثية الوظيفية التي وضعت أنفسها في خدمة أنظمة "الإذلال المزدوج" (إذلال الأنظمة للمواطنين وتذلل تلك الأنظمة للامبريالية المتصهينة)، وجعلت تناقضها الأساسي مع "الهوية" ومع "الإسلاميين" وتناقضها الثانوي مع الأنظمة التابعة والعميلة، وأما الحليف الثاني فهو "الحركات الطائفية" التي تسمي أنفسها مجازا بـ"الحركات الإسلامية"، والتي شوهت معنى الجهاد وكل المعاني التحررية الكبرى التي جاءت بها النبوة الخاتمة.

لا شك عندنا في أن الإجماع العربي الإسلامي (في المستوى الشعبي وليس في مستوى النخب أو الأنظمة) على نصرة المقاومة الإسلامية (بجناحيها السني والشيعي) راجع في جزء كبير منه إلى تعديل بوصلة الجهاد وإلى كسر سياج المذهبية التي رأينا آثارها المدمرة في سوريا والعراق واليمن، كما أن هذا الإجماع يعكس حقيقة أخرى وهي أن التوجس خيفة من "الحركات الإسلامية" لا يرجع إلى "إسلاميتها"، بل إلى مضمون تلك الإسلامية التي كانت قبل الطوفان موجهة ضد "المسلمين" (باعتبارهم "العدو الأقرب" عقديا وفقهيا) فأصبحت -قصديا أو بصورة غير مقصودة- أداة في أيدي متصهينة العرب واستخباراتهم.

طوفان الأقصى قد أكّد أن مستقبل الحركات الإسلامية هو في تجاوز مذهبيتها وفي فك ارتباطها بمشاريع تكريس الاستعمار غير المباشر، سواء في ذلك تلك المشاريع الرسمية التي ترعاها أعين الدولة-الأمة وكياناتها "القومية" (مثل جامعة الدول العربية) أو الدينية (مثل المؤتمر الإسلامي)، أو تلك المشاريع الاحتجاجية التي يرعاها سدنة "الطائفة-الأمة" والتي أثبتت الأحداث -خاصة بعد الربيع العربي- أنها مجرد أدوات في خدمة الأنظمة العميلة والدول العميقة
ورغم أننا لا نرى نهاية "الإسلام الطائفي" قريبة، فإننا نزعم أن طوفان الأقصى قد مثّل ضربة كبيرة لأصحاب هذا الفكر وأفقدهم الكثير من مصداقيتهم ومن قواعدهم الشعبية (بحكم أن ضحايا السلفية "الجهادية" هم أساسا من المسلمين السنة أو من الطوائف غير السنية أو من الكتابيين غير اليهود، وبحكم أن من يسمون أنفسهم "جهاديين" لم يطلقوا يوما رصاصة واحدة ضد الكيان الصهيوني). ونحن لا نشكّ لحظةً في أن الأنظمة المتصهينة -ومن ورائها المخابرات الغربية- ستحاول إحياء تلك التنظيمات وتسفيه التقارب السني-الشيعي الذي يهدد الإسلام الرسمي المهادن للصهيونية، بل يهدد كل منظومات الاستعمار الداخلي وأبواقها/ أذرعها الأيديولوجية المتأسلمة والمتعلمنة على حد سواء.

ختاما، فإن طوفان الأقصى قد أكّد أن مستقبل الحركات الإسلامية هو في تجاوز مذهبيتها وفي فك ارتباطها بمشاريع تكريس الاستعمار غير المباشر، سواء في ذلك تلك المشاريع الرسمية التي ترعاها أعين الدولة-الأمة وكياناتها "القومية" (مثل جامعة الدول العربية) أو الدينية (مثل المؤتمر الإسلامي)، أو تلك المشاريع الاحتجاجية التي يرعاها سدنة "الطائفة-الأمة" والتي أثبتت الأحداث -خاصة بعد الربيع العربي- أنها مجرد أدوات في خدمة الأنظمة العميلة والدول العميقة في مختلف أرجاء الوطن العربي.

ونحن لا نزعم أن جناحي المقاومة قد تخلصا من أغلال المذهبية أو من الارتباطات الإقليمية، ولكننا نؤمن بأن مشروع المقاومة وحده هو القادر على تفكيك الطائفية في المستوى الاستراتيجي، أو على الأقل هو القادر على إحراج الإسلام الرسمي والإسلام الطائفي والدفع به إلى خلفية المشهد ولو بعد حين، وذلك بصرف النظر عن مآلات طوفان الأقصى في المستوى المنظور.

twitter.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الإسلاميين إسرائيل المذهبية إسرائيل المقاومة الإسلاميين المذهبية طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکات الإسلامیة طوفان الأقصى الدولة الأمة تلک المشاریع فی خدمة

إقرأ أيضاً:

"طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة

الضفة الغربية - خاص صفا

عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، دخلت "إسرائيل" منعطفاً لم تسلكه منذ عام 1948، وباتت الدولة التي كان يروج ساستها أنها المكان الأكثر أماناً، تحت نار صواريخ المقاومة وضغط الحرب.

وأفادت تقارير بمغادرة نحو نصف مليون "إسرائيلي" بعد بدء الحرب على قطاع غزة، وتجاوز عدد "الإسرائيليين" الذين قرروا العيش خارج حدود دولة الاحتلال أعداد العائدين بنسبة 44%.

وأظهرت البيانات انخفاضاً بنسبة 7% في عدد العائدين إلى "إسرائيل" بعد العيش في الخارج، حيث عاد 11 ألفاً و300 إسرائيلي فقط خلال عام 2023، مقارنة بمتوسط 12 ألفاً و214 في العقد الماضي.

وتتصاعد الهجرة العكسية في "إسرائيل" لأسباب أمنية واقتصادية، ما يضع الاحتلال أمام انعطافة ديموغرافية تهدد مستقل الدولة اليهودية.

وأفاد المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش، بأن اتجاهات الهجرة بدأت ترتفع مع وجود حكومة اليمين ومحاولات تغيير النظام السياسي "الإسرائيلي" من خلال مشروع الانقلاب القضائي.

وقال في حديثه لوكالة "صفا"، إن ارتفاع مؤشرات الهجرة بشكل ملحوظ بعد طوفان الأقصى، يأتي بسبب زعزعت فكرة الوطن القومي الآمن لليهود، التي كان يروج لها الاحتلال على مدار عقود لاستقطاب يهود العالم.

أن صواريخ ومسيرات المقاومة وصلت كافة الأراضي المحتلة، وخلقت واقعاً يتنافى مع العقيدة الأمنية للاحتلال، التي ترتكز على تحقيق الأمن والاستقرار للمستوطنين.

وأشار أبو غوش إلى أن الأزمة الاقتصادية والخسائر التي يتكبدها الاحتلال في انفاقه على الحرب، والضغط على جنود الاحتياط واستمرار خدمتهم لفترات طويلة، فضلاً عن تغلغل اليمين المتطرف في مفاصل الحكومة، عوامل ساهمت مجتمعة في تشجيع الهجرة العكسية لليهود.

وبيّن أن الهجرة الداخلية من القدس إلى تل أبيب، كانت دائماً موجودة من قبل الفئات الليبرالية بسبب القيود التي يفرضها اليهود المتدينين "الحريديم" على الحياة اليومية.

وتتركز الهجرة في أوساط الليبراليين العلمانيين، والمهنيين الذين يديرون عجلة اقتصاد الاحتلال، بحسب أبو غوش، مرجحاً الأسباب إلى اتساع سيطرة اليمين المتطرف على الحكومة، وكلفة الحرب وتبيعاتها الاقتصادية التي يدفع فاتورتها المستوطنين.

وأكد على أن الهجرة العكسية هي الكابوس الأكبر الذي من شأنه أن ينهي حلم الدولة للكيان الصهيوني، إذ تتحول "إسرائيل" تدريجياً إلى دولة متطرفة لا ديموقراطية فيها، بعدما كان نظامها الليبرالي الديموقراطي أبرز عناصر قوتها وجذبها ليهود العالم.

وأضاف "إن هيمنة اليهود المتدينين وتغلغلهم في الحكم، وهم فئة غير منتجة ومساهمتها صفرية في الاقتصاد، إلى جانب رفضها الانضمام إلى الجيش، ستحول إسرائيل إلى دولة عالم ثالث تعتمد على المساعدات".

وهدمت الحرب أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأظهرت ضعف "إسرائيل" واعتمادها التام على الدعم الأمريكي، وكشفت حقيقة الاحتلال المجرم للعالم، وفق أبو غوش، مبيّناً أن كل هذه العوامل أسقطت ثقة المستوطنين في حكومتهم ودفعتهم إلى الهجرة إلى أماكن أكثر أماناً واستقراراً.

ويتكتم الاحتلال على حقيقة الأرقام المتعلقة بالهجرة العكسية أو عودة اليهود إلى أوطانهم الحقيقية، إلا أن الأرقام التي تتضح في مفاصل أخرى للدولة مثل مؤسسات التأمين الصحي تظهر عزوفاً وتراجعاً في الرغبة بالعيش داخل "إسرائيل".

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 10 آلاف "إسرائيلي" هاجروا إلى كندا هذا العام، في حين حصل حوالي 8 آلاف إسرائيلي على تأشيرات عمل، وهي زيادة كبيرة عن أعداد العام الماضي، كما تقدم أكثر من 18000 "إسرائيلي" بطلب جنسية ألمانية في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.

وأفاد تقرير لـ "هآرتس" بأن من يغادرون هم رأس مال بشري نوعي، ومغادرتهم تعرض استمرار النمو الاقتصادي في "إسرائيل" للخطر، إذ بلغت الزيادة في نسبة الأثرياء الباحثين عن الهجرة نحو 250%، ليتراجع أعداد أصحاب الملايين في "إسرائيل" من 11 ألف إلى 200 مليونير فقط.

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ413 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ412 من "طوفان الأقصى"
  • كيف يمكن تقييم عملية طوفان الأقصى بعد مرور عام عليها؟
  • تطورات اليوم الـ412 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ411 من "طوفان الأقصى"
  • بصراحة
  • "طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة
  • المقاومة.. المكاسب والانتصارات منذ «طوفان الأقصى»
  • تطورات اليوم الـ411 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • تخرج دفعة من دورات طوفان الأقصى في مديرية الزهرة بالحديدة