أي مستقبل للحركات الإسلامية بعد طوفان الأقصى؟
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
(إهداء: إلى المرحومة أمي ساسيّة التي أجابت داعيَ ربها يوم الأحد الماضي، والتي علمتني -وهي الأمّية التي لا تعرف تلبيسات الحرف والمحروف- أن الانحياز إلى الحق وإلى المقهورين هو خير الزاد في الدينا وخير شفيع يوم كشف الغطاء)
مهما كان موقفنا من الحركات الإسلامية السنّية أو من الالتقاء الموضوعي بين جناحي الأمّة في مشروع المقاومة، فإن الدور المركزي الذي لعبته بعض تنظيمات "الإسلام السياسي" في عملية "طوفان الأقصى"، ومن قبل ذلك في مقاومة مشروع التطبيع وأبواقه المتصهينة، أو في محاولة التأسيس لديمقراطية بعيدة عن منطق الانقلابات أو النفي المتبادل بين الإسلاميين والعلمانيين، وكذلك دور بعض الحركات الأخرى (خاصة الحركات السلفية بجناحيها "الجهادي" و"العلمي") في خدمة محور الثورات المضادة وصفقة القرن أو في تخريب "الربيع العربي"، وبعض مشاريع المواطنة المتجاوزة للاستبداد الحداثوي وللطائفية المُعلمنة.
رغم أن هذا المقال ليس موضع تفصيلات نظرية، فإننا -انطلاقا من مشروع "الاستبدال العظيم" الذي نرى فيه الإطار "المتعالي" أو الميتافيزيقي الذي ينتظم الأحداث كلها- نجد أنفسنا مضطرين إلى بيان اعتراضنا على مصطلح "الإسلام السياسي" من جهتين: أولا، من جهة تأسس المصطلح على افتراض نظري مفاده وجود إسلام "غير سياسي" أو افتراض أن "الإسلام الرسمي" ليس هو ذاته إسلاما سياسيا، ثانيا من جهة المطابقة المتخيلة بين "الإسلام السياسي" وبين الإسلام ذاته.
جاء طوفان الأقصى ليؤكد أن معيار "الأسلمة" القائم على الموقف الاحتجاجي من "الحداثة الزائفة" أو من "المفاهيم الكفرية" (على حد تعبير السلفية في قراءتها للعقل السياسي الحديث ومفاهيمه الأساسية كالديمقراطية والحريات الفردية والجماعية)، هو معيار متهافت، بل هو أساسا معيار طائفي يلتقي موضوعيا مع متصهينة العرب والمسلمين ومشاريع التطبيع الخادمة لـ"إسرائيل الكبرى"
فالحركات الإسلامية ليست هي الوحيدة التي تعطي للإسلام بعدا "سياسيا" (أي بعدا يتجاوز المستوى الشخصي إلى المستوى الجماعي)، فهذا دأب كل الأنظمة وأشكال المعارضة في الفضاء العربي الإسلامي بمختلف مراحله التاريخية، أي منذ "الخلافة الراشدة" مرورا بـ"الملك العضوض"، وصولا إلى "الدولة-الأمة". كما أن الحركات الإسلامية لم تكن يوما -قبل ما يُبشر به الالتقاء الاستراتيجي بين جناحي الأمة في مشروع المقاومة- تمثّل "الإسلام" بل كانت تمثل "الطائفة-الأمة" باعتبارها تختزل "الأمة الإسلامية" أو "الفرقة الناجية" أو "الصراط المستقيم"، وباعتبار ما عداها من الطوائف كفارا أو في ضلال أو حتى "أشد كفرا من اليهود والنصارى".
انطلاقا من هذا التأسيس النظري المستأنف، فإن حديثنا عن مستقبل "الحركات الإسلامية" لا يجب أن يُفهم على أنه مقابلة بين "إسلام سياسي" (وهو إسلام تتبناه الحركات الاحتجاجية أو المقاومة داخل غزة وخارجها) وبين "إسلام غير سياسي" تتبناه سرديات الدولة-الأمة بمختلف أيديولوجياتها وأذرعها المسلحة (كالحركات التكفيرية الطائفية التي أصبح أغلبها الأعم ملحقا وظيفيا بالمشروع الصهيوني في الإقليم، أي أداة في أيدي محور التطبيع والثورات المضادة). ولمّا كنا نؤمن بأنه لا وجود لإسلام غير مسيّس، فإن مدار الصراع أو معيار الفرز بين مختلف الأطروحات لن يكون هو تمثيل "الإسلام في ذاته" (كما يدعي سدنة الدولة-الأمة أو الطائفة-الأمة)، بل سيكون المعيار هو دور التمثلات المختلفة للإسلام في مشروع "المقاومة" و"التحرير" أو دورها في ترسيخ واقع الخضوع للمشروع الامبريالي في لحظته الصهيونية.
لقد جاء طوفان الأقصى ليؤكد أن معيار "الأسلمة" القائم على الموقف الاحتجاجي من "الحداثة الزائفة" أو من "المفاهيم الكفرية" (على حد تعبير السلفية في قراءتها للعقل السياسي الحديث ومفاهيمه الأساسية كالديمقراطية والحريات الفردية والجماعية)، هو معيار متهافت، بل هو أساسا معيار طائفي يلتقي موضوعيا مع متصهينة العرب والمسلمين ومشاريع التطبيع الخادمة لـ"إسرائيل الكبرى". بل إننا نستطيع القول إن "إسرائيل الكبرى" لم تعد ذلك المشروع "الإحلالي" (القائم على احتلال الأرض)، بل أصبحت مشروعا يقوم على احتلال "الوعي" وصهينته باعتماد حليفين استراتيجيين؛ أما الحليف الأول فهو النخب الحداثية الوظيفية التي وضعت أنفسها في خدمة أنظمة "الإذلال المزدوج" (إذلال الأنظمة للمواطنين وتذلل تلك الأنظمة للامبريالية المتصهينة)، وجعلت تناقضها الأساسي مع "الهوية" ومع "الإسلاميين" وتناقضها الثانوي مع الأنظمة التابعة والعميلة، وأما الحليف الثاني فهو "الحركات الطائفية" التي تسمي أنفسها مجازا بـ"الحركات الإسلامية"، والتي شوهت معنى الجهاد وكل المعاني التحررية الكبرى التي جاءت بها النبوة الخاتمة.
لا شك عندنا في أن الإجماع العربي الإسلامي (في المستوى الشعبي وليس في مستوى النخب أو الأنظمة) على نصرة المقاومة الإسلامية (بجناحيها السني والشيعي) راجع في جزء كبير منه إلى تعديل بوصلة الجهاد وإلى كسر سياج المذهبية التي رأينا آثارها المدمرة في سوريا والعراق واليمن، كما أن هذا الإجماع يعكس حقيقة أخرى وهي أن التوجس خيفة من "الحركات الإسلامية" لا يرجع إلى "إسلاميتها"، بل إلى مضمون تلك الإسلامية التي كانت قبل الطوفان موجهة ضد "المسلمين" (باعتبارهم "العدو الأقرب" عقديا وفقهيا) فأصبحت -قصديا أو بصورة غير مقصودة- أداة في أيدي متصهينة العرب واستخباراتهم.
طوفان الأقصى قد أكّد أن مستقبل الحركات الإسلامية هو في تجاوز مذهبيتها وفي فك ارتباطها بمشاريع تكريس الاستعمار غير المباشر، سواء في ذلك تلك المشاريع الرسمية التي ترعاها أعين الدولة-الأمة وكياناتها "القومية" (مثل جامعة الدول العربية) أو الدينية (مثل المؤتمر الإسلامي)، أو تلك المشاريع الاحتجاجية التي يرعاها سدنة "الطائفة-الأمة" والتي أثبتت الأحداث -خاصة بعد الربيع العربي- أنها مجرد أدوات في خدمة الأنظمة العميلة والدول العميقة
ورغم أننا لا نرى نهاية "الإسلام الطائفي" قريبة، فإننا نزعم أن طوفان الأقصى قد مثّل ضربة كبيرة لأصحاب هذا الفكر وأفقدهم الكثير من مصداقيتهم ومن قواعدهم الشعبية (بحكم أن ضحايا السلفية "الجهادية" هم أساسا من المسلمين السنة أو من الطوائف غير السنية أو من الكتابيين غير اليهود، وبحكم أن من يسمون أنفسهم "جهاديين" لم يطلقوا يوما رصاصة واحدة ضد الكيان الصهيوني). ونحن لا نشكّ لحظةً في أن الأنظمة المتصهينة -ومن ورائها المخابرات الغربية- ستحاول إحياء تلك التنظيمات وتسفيه التقارب السني-الشيعي الذي يهدد الإسلام الرسمي المهادن للصهيونية، بل يهدد كل منظومات الاستعمار الداخلي وأبواقها/ أذرعها الأيديولوجية المتأسلمة والمتعلمنة على حد سواء.
ختاما، فإن طوفان الأقصى قد أكّد أن مستقبل الحركات الإسلامية هو في تجاوز مذهبيتها وفي فك ارتباطها بمشاريع تكريس الاستعمار غير المباشر، سواء في ذلك تلك المشاريع الرسمية التي ترعاها أعين الدولة-الأمة وكياناتها "القومية" (مثل جامعة الدول العربية) أو الدينية (مثل المؤتمر الإسلامي)، أو تلك المشاريع الاحتجاجية التي يرعاها سدنة "الطائفة-الأمة" والتي أثبتت الأحداث -خاصة بعد الربيع العربي- أنها مجرد أدوات في خدمة الأنظمة العميلة والدول العميقة في مختلف أرجاء الوطن العربي.
ونحن لا نزعم أن جناحي المقاومة قد تخلصا من أغلال المذهبية أو من الارتباطات الإقليمية، ولكننا نؤمن بأن مشروع المقاومة وحده هو القادر على تفكيك الطائفية في المستوى الاستراتيجي، أو على الأقل هو القادر على إحراج الإسلام الرسمي والإسلام الطائفي والدفع به إلى خلفية المشهد ولو بعد حين، وذلك بصرف النظر عن مآلات طوفان الأقصى في المستوى المنظور.
twitter.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الإسلاميين إسرائيل المذهبية إسرائيل المقاومة الإسلاميين المذهبية طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکات الإسلامیة طوفان الأقصى الدولة الأمة تلک المشاریع فی خدمة
إقرأ أيضاً:
حماس: طوفان الأقصى كسر أسطورة الاحتلال
سرايا - أكد محمد درويش رئيس المجلس القيادي لحركة حماس، أن معركة طوفان الأقصى "كسرت أسطورة الاحتلال الإسرائيلي التي استمرت 76 عاماً، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي".
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها درويش في حفل استقبال الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية، المبعدين إلى خارج فلسطين والمتواجدين حالياً في العاصمة المصرية القاهرة.
وقال: "خلال 15 شهراً من النزوح والتشرد والويلات وأطنان من القنابل.. برزت بطولات كتائب القسام التي قادت الشعب الفلسطيني نحو النصر والتحرير".
وأكد أن المعركة "أثبتت أن الاحتلال فشل في كسر عزيمة الفلسطينيين وإيمانهم"، مشيراً إلى أن "المقاومة في الأشهر الأخيرة أذاقت العدو مقاومة عنيدة".
وزاد: "المعركة كشفت زيف القوة الإسرائيلية، إذ انهارت منظومة رعاية دولة الاحتلال في ساعة واحدة يوم 7 أكتوبر، ثم هرعت أمريكا بحاملات طائراتها، وترسانتها لتوقف الاحتلال على قدميه".
كما لفت إلى أن المعركة أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية، "حيث أصبحت فلسطين القضية الأولى في العالم".
وأوضح أن السلطة الفلسطينية ترفض تشكيل حكومة وحدة وطنية أو لجنة إغاثة لغزة، داعياً إلى توحيد الجهود والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة، دون مزيد من التفاصيل.
إلا أن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى أعلن في 19 يناير/كانون ثاني الجاري، تشكيل غرفة عمليات طارئة لقطاع غزة، والعمل على تقديم خطة لإنشاء الهيئة المستقلة لإعادة إعمار غزة.
ودعا درويش الدول العربية "إلى دعم غزة في مرحلة الإغاثة والتعافي"
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1229
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 29-01-2025 05:33 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...