حينما واجه جيروم باول رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الصحفيين يوم الأربعاء 31 يناير عقب أول اجتماع حول سياسات البنك لعام 2024 كان يبدو واثقا. احتفى رئيس البنك بأوضاع التضخم الإيجابية على مدى 6 أشهر وتنبّأ بالمزيد من التحسن وقال: "دعونا نكن صادقين هذا الاقتصاد جيد." ربما هو جيد بأكثر مما يلزم بعض الشيء. ففي يوم الجمعة 2 فبراير صعقت الأسواق بتقرير صدر عن مكتب إحصائيات العمل الأمريكي أوضح فيه أن اقتصاد الولايات المتحدة أضاف 353 ألف وظيفة في يناير.

وهذا تقريبا ضعف الرقم المتوقع. في وول ستريت تمّ على الفور استبعاد خفض أسعار الفائدة في شهر مارس (والذي سبق أن استبعده في أول) نتيجة للزيادة الكبيرة وغير المتوقعة في عدد الوظائف الجديدة. شرع مسؤولو البنوك المركزية حول العالم في الإعداد لخفض أسعار الفائدة بناء على الانحسار المنتظم للتضخم. لكن وكما أوضحت أعداد الوظائف الأمريكية تشكل أسواق العمل الساخنة (التي يتزايد فيها الطلب على الوظائف) أكبر حاجز محتمل أمام بلوغ أهداف هؤلاء المسؤولين والمتمثلة في تحقيق معدل تضخم يبلغ 2%.

الموقف الآن

يقول أسوار براساد الاقتصادي بجامعة كورنل: إن بيانات يوم الجمعة جعلت إعلان الانتصار على التضخم قرارا أكثر تعقيدا بالنسبة للبنوك المركزية. ويضيف: "الحقيقة هي أنه سيكون من الصعب جدا مع هذه الضغوطات الاستمرار في احتواء التضخم ما لم يظل نمو الإنتاجية قويا." هذا لا يعني إنكار التحسن المثير في صورة التضخم. فقبل عام كانت البنوك المركزية بما فيها بنك الاحتياط منهمكة في إجراء سلسلة قاسية من الزيادات في أسعار الفائدة خشي البعض من أن تدفع الاقتصادات نحو الانكماش. وكان باول قد حذر في فبراير 2023 من أن المسؤولين لا يزال أمامهم "شوط طويل" في محاولتهم التخفيف من وطأة الصعوبات الكبيرة التي فرضها أعلى معدل للتضخم خلال 40 عاما. لكن منذ ذلك التاريخ تراجع التضخم باتجاه 2%. وهو المعدل الذي يستهدفه بنك الاحتياط الفيدرالي بناء على حزمة من المعايير المختلفة.

وفي فرانكفورت عبرت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي عن موقف إيجابي مماثل يوم 25 يناير بشأن صورة التضخم في منطقة اليورو حين أعلنت عن انكماش في الأسعار. فمعدل التضخم الكلي في كتلة اليورو الآن عند 2.8%. وهو ليس بعيدا عن معدل 2% الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي أيضا. من جانبه أبلغ أندرو بيلي محافظ بنك إنجلترا الصحفيين يوم الخميس الفائت أنه يرى" أخبارا جيدة عن التضخم" بعد تراجع نمو الأسعار بأكثر من النصف في بريطانيا خلال فترة 6 شهور إلى 4%. فاجأت السرعة التي تراجع بها التضخم خلال الشهور الأخيرة المسؤولين عن وضع معدلاته المستهدفة. فنمو أسعار المستهلك في الاقتصادات المتقدمة هبط من أكثر من 7% في عام 2022 إلى 4.6% في عام 2023، وفقا لصندوق النقد الدولي. وأشارت توقعات الصندوق في الأسبوع الماضي إلى المزيد من التراجع إلى 2.6% فقط هذا العام (وهو أقل كثيرا من توقعه السابق بمعدل يبلغ 3%.) ومن المتوقع أن تشهد 80% من الاقتصادات التي يرصدها الصندوق معدلا سنويا أقل للتضخمين الرئيسي والأساسي في عام 2024. يعتقد محمود برادان رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي بمعهد أموندي للاستثمار أن التضخم يتجه الآن "بشكل حاسم نحو الهبوط. وهي مجرد مسألة وقت فقط قبل أن نرى تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة هذا العام." وأضاف "البنوك المركزية تريد من باب الحذر الانتظار لفترة أطول قليلا. لكني أعتقد أن بنك الاحتياط الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا كلها ستخفض سعر الفائدة في منتصف هذا العام. "استمرار انكماش الأسعار سيرتكز بشدة على مصير أسواق العمل. ففي حين كانت التراجعات المبكرة في وتيرة التضخم مدفوعة بعوامل خارجية يعتمد التقدم في خفضه الآن على مهمة أكثر صعوبة وهي تقليل ارتفاع الأسعار لأسباب محلية. وهذا سيكون أصعب منالا إذا استمر الوضع القوي جدا للوظائف ونمو الأجور. وفقا لخبراء الاقتصاد قد يتطلب التخلص من آخر بقايا الزيادة المفرطة في الأسعار من واضعي السياسات الإبقاء على سياسة متشددة تقود إلى المزيد من تقليص الطلب. كل هذا يعكس مخاوف ظلت تشكل هاجسا للبنوك المركزية على مدى شهور وتتمثل في السؤال التالي: هل سيتضح أن "الميل الأخير" لجهود خفض نمو الأسعار إلى معدل 2% هو الأكثر صعوبة؟ إذا كان ذلك كذلك سيتوجب على البنوك المركزية الصبر قبل خفض أسعار الفائدة.

خصوصية التضخم الأمريكي

من بين البنوك المركزية الرئيسية يبدو المسؤولون ببنك الاحتياط الفيدرالي باستمرار أقل اهتماما بمصاعب قطع المرحلة الأخيرة في رحلة محاربة التضخم. بدا باول نفسه متشككا بشأن فكرة هذه المصاعب في ديسمبر الماضي. فهو كان يقول:" التضخم يستمر في الانخفاض. حتى الآن الوضع جيد على الرغم من أننا نفترض، نوعا ما، إنه سيكون أكثر صعوبة ابتداء من الآن. لكن لم يحدث ذلك بعد." تعود ثقة بنك الاحتياط في جزء منها إلى طبيعة التضخم الأمريكي وإيقاع تراجعه. ففي حين قاست الولايات المتحدة من اختلال سلاسل التوريد المرتبط بجائحة كوفيد إلا أنها لم تشهد ذلك النوع من الارتفاع في تكاليف الطاقة والذي دفع بالأسعار إلى أعلى في أرجاء أوروبا عقب اندلاع حرب أوكرانيا. نتيجة لذلك لم يرتفع التضخم في الولايات المتحدة أبدا إلى رقمين عشريين (أكثر من 9%.) فقد وصل إلى ذروته عند معدل 9.1% في عام 2022. أيضا طبيعة صدمة تضخم اقتصادها سرَّعت من خفضه. فمعدل التضخم الأمريكي الآن أقل من 2%، وفقا لبعض المقاييس (بما في ذلك مقياس إنفاق الاستهلاك الشخصي الأساسي لمدة 6 أشهر وهو المقياس الذي يقول مسؤولو بنك الاحتياط عنه: إنه يعطي أفضل إشارة على ضغوطات الأسعار الضمنية.) لكن المخاوف من الارتفاع الشديد للطلب في سوق العمل طفت إلى السطح بشدة يوم الجمعة. فبالإضافة إلى الأرقام القوية في يناير شهدت ارتفعت الأرقام الخاصة لشهري نوفمبر وديسمبر بعد مراجعتها. وارتفع متوسط الأجور بالساعة بنسبة 4.5%، حسب مكتب العمل. تقول دايان سوانك كبيرة الاقتصاديين المختصين بشؤون الولايات المتحدة في شركة كيه بي أم جي في العادة تشير المستويات المتدنية لإنهاء خدمة العاملين وانخفاض ساعات العمل إلى نوع من القوة في سوق العمل. ويعود ذلك إلى تخزين أو الاحتفاظ بالعمالة من جانب أصحاب العمل. وأوضحت أن أولئك الذين واجهوا مصاعب في توظيف العاملين بعد إغلاقات كوفيد انتهى بهم الأمر إلى عدم الرغبة في أن يجدوا أنفسهم عند نفس الموقف عندما ينشط الطلب على العمالة. وتضيف سوانك إلى أنه لا يزال هنالك أكثر مما هو معتاد من فرص العمل في بداية العام مما يشير بالإضافة إلى ارتفاع عدد الوظائف بعد مراجعتها في الشهرين المنصرمين ونمو الأجور الذي فاق التوقعات إلى أن سوق العمل ربما يتسارع مجددا. يقول كيرت كوفينجتون وهو مدير أول بمؤسسة إقراض المزارعين "أجاميركا ليندنج" أن ضغوطات الأجور لا تزال مرتفعة في ولايات مثل كاليفورنيا التي ارتفع فيها الحد الأدنى للأجور بحوالي 50% أخرى إلى 16 دولارا للساعة هذا العام من 12 دولارا للساعة عندما حلت الجائحة. ويقول أيضا: "هنالك سلع معينة تحرك إنتاجها العمالة خصوصا المحاصيل الخاصة. أنت لا ترى زيادة كبيرة في تكاليف العمل بالنسبة لمحاصيل ولايات الغرب الأوسط كالذرة والفاصوليا لكن فيما يتعلق بالمحاصيل الخاصة كالفواكه والخضار ستجد أن تكلفة العمل ارتفعت كثيرا."

ويخشى بعض الاقتصاديين من أن انكماش أسعار السلع الذي نتج عن انفراج ضغوطات سلسلة التوريد سينتهي قريبا مما يزيد من صعوبة كبح الارتفاع العام للأسعار. هذا مهم خصوصا بالنظر إالى قوة الطلب الأمريكي مع توسُّع الاقتصاد عند معدل يبلغ 3.3% على أساس سنوي في الربع الرابع من العام. يقول برادان: استمرار ارتفاع مستوى الأجور يشكّل علامة الاستفهام الرئيسية لمسؤولي البنوك فيما يتأهبون "لميل الأخير" في رحلة انكماش الأسعار. لكنه يظل متفائلا. فهو يعتقد بوجوب أن يكون نمو الأجور في الولايات المتحدة حميدا؛ لأنه مدعوم بنمو قوي للإنتاجية. وفي أوروبا يلزم أن يقود الطلب الاقتصادي الضعيف إلى "اعتدال مستمر." يذكر آخرون أن الوضع الذي يواجه بنك الاحتياط الفيدرالي مختلف جدا عن دوامة الأجور والأسعار المخيفة التي شهدتها سنوات السبعينيات وأوائل الثمانينيات. تقول كلوديا سام الخبيرة الاقتصادية السابقة بالبنك ومؤسسة شركة سام للاستشارات: "هذه النوبة من التضخم لم تكن أساسا متعلقة بالطلب بل بالاختلالات في سلاسل التوريد وأسواق العمل وفي الإنفاق الذي تسبب فيه كوفيد19." وتضيف "الإنتاجية كما يبدو لا تزال جيدة حقا والاقتصاد الأمريكي يمكنه تحمُّل ارتفاع الأجور."

التضخم في أوروبا

أوضح واضعو أسعار الفائدة في البنك المركزي أن تركيزهم في الشهور القادمة سينصبّ أساسا على تسويات الأجور وتحديد ما إذا كانت تتوافق مع معدل التضخم المستهدف وهو 2%. في ديسمبر الماضي حذّر رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناجل من أن التضخم "حيوان عنيد وجشع" وأن خفضه سيتطلب تشمير السواعد وعدم التراجع. ومؤخرا جدا بدا ناجل أكثر تفاؤلا نوعا ما. فقد قال في مناسبة ببرلين أن الوحش "تم ترويضه." لكن لاجارد تقول محذرة "من السابق لأوانه" حتى مناقشة احتمال خفض أسعار الفائدة في هذه المرحلة وذلك أساسا بسبب تصاعد الأجور. ما يثير القلق في البنك المركزي الأوروبي وغيره أن العاملين سيطالبون بزيادات كبيرة في الأجور لاستعادة القوة الشرائية التي يفقدونها في البداية أثناء ارتفاعات الأسعار. وعندما تجد تلك الزيادة في القوة الشرائية طريقها إلى الاقتصاد ستطلق ارتفاعا جديدا في الأسعار. لقد ارتفعت الأجور في منطقة اليورو بأكثر من 5% في العام الماضي وقريبا من المعدل السنوي للتضخم. وفي حين تظهر البيانات الجديدة "انحسار" ضغوطات الأجور قالت لاجارد: إن البنك المركزي الأوروبي يريد أن يتأكد من امتصاص الشركات "بقدر كاف" تكاليف العمل المرتفعة باختيار خفض هوامش أرباحها وليس رفع أسعارها. هبط التضخم في منطقة اليورو باطّراد من معدل قياسي بلغ 10.6% في أواخر 2022 إالى أقل من 3%. لكن لاجارد عبرت عن مخاوف من أن الأسعار تبدو أكثر ثباتا في قطاع الخدمات حيث يشكل العمل حصة كبيرة من إجمالي التكاليف. فأسعار الخدمات ارتفعت في منطقة اليورو بنسبة 4% في فترة العام المنتهية في يناير وذلك للشهر الثالث على التوالي. وكما هي الحال في الولايات المتحدة ترتكز تلك المخاوف على مرونة غير متوقعة لسوق العمل في المنطقة. فالبطالة في منطقة اليورو ظلت عند معدل قياسي في انخفاضه بلغ 6.4% في ديسمبر. ولا تزال العديد من الشركات خصوصا في قطاع الخدمات تشكو من أن شحّ العمالة يشكل العائق الرئيسي للإنتاج. لكن وكما هي الحال في الولايات المتحدة يستبعد الاقتصاديون المتفائلون فكرة أن أوروبا على وشك الدخول في دوامة أجور- أسعار، مشيرين إلى أن الربط التلقائي للراتب بمؤشر الأسعار اختفى إلى حد كبير فيما عدا في بلدان قليلة كبلجيكا. ثمة اختلاف أساسي مع الفترات السابقة لارتفاع التضخم وهو أن الأجور كما يبدو تتبع الأسعار بدلا من أن تقودها، بحسب سفين جاري ستين كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي ببنك جولدمان ساكس. يقول ستين "من الطبيعي عندما تكون هنالك صدمة إمداد تقود إلى ارتفاع الأسعار أن يتأخر تأثيرها على الأجور. لكن الخطر هنا ليس كبيرا." وعلى الرغم من ارتفاع الطلب في أسواق العمل قد يكون من الصعب على شركات عديدة رفع الأجور في بلدانها (على خلاف الولايات المتحدة) وذلك لركود اقتصاداتها. لذلك على الرغم من أن النقابات في الأسبوع الماضي طالبت برفع أجور العمال الألمان في الصناعات الكيماوية بنسبة تتراوح بين 6% إلى 7% يبدو من المستبعد أن يقود ذلك إلى ارتفاع الأسعار في قطاع عانى هبوطا بنسبة 11% في الإنتاج العام الماضي. يقول مارسيل فراتزشر المسؤول سابقا بالبنك المركزي الأوروبي والمدير الحالي للمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين: "ارتفاع الأجور لمرة واحدة مختلف جدا عن دوامة ارتفاعها." على البنك المركزي الأوروبي ألا يبالغ في رد فعله على تعديلها لمرة واحدة." في السر، يقول واضعو أسعار الفائدة في البنك المركزي الأوروبي: إنهم يشعرون بالثقة. ويقول أحد أعضاء المجلس الحاكم للبنك: "نحن نرى أن المؤشرات تتحرك في الاتجاه الصحيح. السياسة النقدية تفعل فعلها. التضخم يهبط." المسؤولون في بنك إنجلترا لا يبدو عليهم الاطمئنان. أو على الأقل لم يحن الوقت لذلك بعد. ففي حين فتح أندرو بيلي الباب أخيرا لخفض أسعار الفائدة في الأسبوع الماضي بعد تثبيت لجنة سياساته معدلاتها عند 5.25% بدا محافظ بنك إنجلترا متحفظا في الحديث عن خفض أسعار الفائدة كأنما رفع الصوت بذلك سيقود إلى ارتياح غير مبرر في الأسواق. وفي حين هدأت سوق العمل في بريطانيا حذر البنك من أن الطلب "لا يزال مرتفعا بالمقاييس التاريخية" فيما استمر في تسليط الضوء على مؤشرات ضغوطات الأسعار المتواصلة بما في ذلك نمو الأجور وتضخم الخدمات. لقد أوضح مسح أجراه الوكلاء الإقليميون لبنك إنجلترا أن نسبة تسويات الأجور ستتراجع إلى 5.4% في العام الحالي. وهذا رقم لا يقل كثيرا عن نسبة 6% التي رصدت في العام الماضي.

أثر أحداث البحر الأحمر

أضافت المخاوف من مخاطر ارتفاع التضخم إلى حذر مسؤولي البنوك المركزية. مصدر أحد هذه المخاطر الواضحة الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط. فتعطيل النقل البحري على السفن في البحر الأحمر يشار إليه على نطاق واسع كعامل يمكن أن يرفع معدل التضخم بأعلى من المتوقع. وتبدو أوروبا خصوصا عرضة لذلك بالنظر إلى أهمية هذا الطريق التجاري لوارداتها من الصين. لكن على أية حال يميل واضعو أسعار الفائدة بمن فيهم لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي إلى التقليل من أهمية هذا العامل مشيرين إلى أن النقل البحري شكل 1.5% فقط من إجمالي تكلفة السلع. ويبدو أن خبراء الاقتصاد يوافقونهم الرأي. فوفقا لتقديرات بنك جولدمان ساكس سيضيف الارتفاع في أسعار الشحن البحري 0.1% فقط للتضخم العالمي.

الميل الأخير

حتى النموذج الجديد المدار بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه البنك المركزي الأوروبي للتنبؤ بالتضخم يتوقع تراجعه إلى معدل قريب جدا من 2% في هذا الصيف خلافا لتوقعات البنك قبل أسابيع قليلة فقط. مع ذلك ربما ستظل البنوك حذرة من المسارعة إلى خفض أسعار الفائدة فقط لكي تضطر إلى رفعها دون استعداد إذا انفلت التضخم مرة أخرى. في العام الماضي حذر صندوق النقد من أن البنوك المركزية لديها تاريخ غني جدا بتجارب إعلان الانتصار على التضخم قبل الأوان. وهذا يشمل الولايات المتحدة نفسها حيث سبق أن اتهم رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي آرثر بيرنز بالإفراط في التساهل مع ارتفاع الأسعار في أوائل السبعينات والفشل في احتواء بلوى أضرت بالاقتصاد الأمريكي على مدار عقد كامل. يقول كريشنا جوها المسؤول السابق ببنك الاحتياط الفيدرالي ونائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار ايفيركور- آي إس آي أن مسؤولي البنوك المركزية يواجهون وضعا يتطلب الموازنة الدقيقة بين التغير المتسارع للتضخم المدفوع بالعرض والزيادات المستمرة في الأسعار المحلية. يشرح ذلك بقوله: "أنت ترغب في ضمان عدم تعريض الهبوط الناعم للخطر بالإبقاء على التشديد المفرط للسياسة (النقدية) لفترة أطول مما يلزم. المهمة لم تستكمل بعد. لكنهم قريبون من ذلك بقدر معقول. وفي بعض الحالات قريبون جدا من إكمالها."

كلوديا سام أكثر ثقة إذ تقول: "السوق لديها بيانات جيدة عن الأسعار على مدى شهور." وتضيف: "تقارير الوظائف في يناير الحالي لا تغير حقيقة أن الميل الأول (في رحلة محاربة التضخم) سيكون الأصعب وليس الميل الأخير".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البنک المرکزی الأوروبی فی الولایات المتحدة خفض أسعار الفائدة أسعار الفائدة فی البنوک المرکزیة فی منطقة الیورو ارتفاع الأسعار العام الماضی معدل التضخم بنک إنجلترا نمو الأجور فی الأسعار سوق العمل التضخم فی هذا العام فی العام فی ینایر أکثر من إلى أن فی عام

إقرأ أيضاً:

التضخم يلتهم موائد رمضان في الدول العربية وسط أزمات الاقتصادية

عواصم عربية – بدأ شهر رمضان المبارك وسط حالة اقتصادية لا توصف بأنها الأفضل بطبيعة حال المنطقة العربية فثمة أزمات أمنية وتغيرات سياسية أتبعتها أزمات اقتصادية في عدد من البلدان كما أن التضخم هو الضيف الأثقل على موائد الصائمين هذا العام.

في هذا التقرير تستعرض الجزيرة نت حال المائدة الرمضانية في المنطقة العربية وكيف صارت كلفة موائد إفطار الصائمين في عدة بلدان عربية وفق معدلات التضخم والأصناف الشائعة عليها من الطعام.

مصر

تلقي الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر خلال السنوات الأخيرة بظلالها على موائد إفطار المصريين خلال شهر رمضان، وتشهد أسواقها استمرار ارتفاع أسعار السلع مع تراجع معدلات الشراء من قبل المستهلكين.

وتباطأ التضخم السنوي (معدل ارتفاع الأسعار) في مصر قليلًا إلى 23.2% في يناير/ كانون الثاني الماضي مقابل 23.4% لديسمبر/ كانون الأول عام 2024.

ورغم ما تظهره المؤشرات الرسمية من تراجع معدلات التضخم، تعلو أصوات المعاناة داخل الأسواق من كلا الطرفين؛ البائع والمشتري.

يقول فايز محمد، بائع لحوم حمراء لمراسلة الجزيرة نت إن نسبة المبيعات بمتجره تراجعت بشكل كبير مقارنة بسنوات فائتة، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم.

تدبير الإنفاق حل الأسر المصرية خلال رمضان (الجزيرة)

ويتراوح سعر كيلو غرام اللحم بين 420 إلى 500 جنيه (8.30 دولار إلى 9.88 دولار) ، بزيادة أكثر من 50% مقارنة بعام 2022.

إعلان

ويضيف البائع أن كثير من زبائنه لجأوا إلى تقليل الكميات التي اعتادوا على شرائها استعدادا لشهر رمضان، وبالتالي تراجعت مبيعاته.

وتقول لبنى السيد، وهي زوجة وأم لثلاثة أبناء، إنها ومنذ رمضان قبل الماضي تلجأ لكثير من الحيل لتقليل الإنفاق على الطعام خلال شهر الصوم، موضحة أن مائدة إفطار أسرتها تخلت بشكل كبير عن أنواع البروتين المختلفة، واختصرت الياميش في التمر والزبيب فقط.

وتضيف السيدة لمراسل الجزيرة نت دعاء عبد اللطيف، إن أزمتها في تدبير النفقات، قائلة: "راتب زوجي الشهري لا يتجاوز 7 آلاف جنيه (138.26 دولار)، ما يجعل بند الإنفاق على الطعام يزيد قليلا عن 3 آلاف جنيه (59.25 دولار) أي ما يعادل 7 كيلوغرام من اللحم فقط".

وبسؤال تجار وأرباب أسر، وبالنظر إلى ما أعلنته الجمعيات الخيرية عن تكلفة إفطار الصائم، فإن متوسط إنفاق الفرد الواحد على إفطار متكامل العناصر الغذائية من بروتين وخضار وياميش وحلوى وعصائر، يتراوح بين 90 إلى 130 جنيها (1.78 دولار إلى 2.57 دولار) يوميا، ذلك يعني أن متوسط تكلفة الإنفاق للفرد خلال شهر رمضان تتراوح بين 2700 إلى 3900 جنيه (53.33 دولار إلى 77.03 دولار)، بينما تقل التكلفة إلى النصف تقريبا حال استثناء اللحوم من المائدة.

بيع العصائر والحلويات في شهر رمضان في أحد الأسواق الشعبية في العراق (الجزيرة) العراق

في العراق، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، إن ثمة تضخم معلن وآخر غير معلن، أما المعلن فهو يصدر عن وزارة التخطيط للعامين 2023 و2024 ويتراوح بين 3.5% و4%، ويشمل السلع الأساسية مثل الخضروات والفواكه والبقوليات.

ويضيف لـمراسل الجزيرة نت فارس الخيام، أن ثمة تضخم غير معلن يؤثر على سلع أخرى مثل الذهب والعقارات، وقد ارتفعت أسعار العقارات 120% بين عامي 2021 و2023، بينما تجاوز التضخم في أسعار الذهب 30% إلى 40%.

إعلان

يقول تاجر المواد الغذائية، منير محمد، أن الأسعار تشهد تباينًا ملحوظًا بين مواسم رمضان المتعاقبة نتيجة تقلبات أسعار السلع المستوردة المرتبطة بسعر صرف الدولار، مضيفًا أن قناعة التاجر تلعب دورًا محوريًا في تحديد الأسعار، حيث يستغل بعض التجار هذا الموسم لزيادة الأرباح.

وفي حديثه لـمراسل الجزيرة نت، يؤكد محمد أن القدرة الشرائية للمستهلكين تؤثر بشكل مباشر على الأسعار، ومع ذلك، فإن الزيادة تتركز في المواد الغذائية الأساسية التي لا تستغني عنها موائد الإفطار، مثل التمور والألبان والأسماك واللحوم وبعض أنواع الحبوب والحلويات، حيث تشهد هذه المواد ارتفاعا في الأسعار.

ويشير إلى أن استهلاك المواطنين يزداد خلال شهر رمضان، ما يؤدي إلى ارتفاع معدل الإنفاق اليومي، موضحًا أن متوسط الإنفاق اليومي للأسرة المتوسطة، المكونة من 5 أفراد أو أقل، يتراوح بين 10 إلى 30 دولارًا.

من جانبه، يقول التاجر محمود الطائي إن أسعار السلع ترتفع بصورة "طفيفة"، إذ يزيد سعر كيس الأرز الفاخر من 50 دولارًا إلى 55 دولارًا، وكيس السكر من 30 دولارًا إلى 33 دولارًا.

ويشير إلى أن الأسعار لم تشهد تغييرات كبيرة وهو تكرار لسيناريو العامين الماضيين، وذلك بفضل استقرار السوق.

ويؤكد المواطن جاسم أبو سما أن بعض المواد الغذائية والألبان وعصائر التمر الهندي واللومي بصرة (شاي الليمون المجفف) والتمور والعدس والأرز والحلويات تحظى بحضور دائم على موائد رمضان، بالتالي ترتفع أسعارها لكن بشكل بسيط.

ويقول إن المائدة الرمضانية تختلف من أسرة إلى أخرى حسب الوضع المادي، فثمة موائد بسيطة وأخرى فاخرة، مضيفا أن وجبة الإفطار لأسرة متوسطة الدخل مكونة من 4 أفراد، مثل أسرته، تكلف حوالي 15 إلى 25 ألف دينار عراقي (ما يعادل 10 إلى 17 دولارًا).

افطار في القدس (مواقع التواصل) فلسطين

في فلسطين، أقرت وزارة الاقتصاد الوطني الحد الأقصى لأسعار 15 سلعة أساسية بعملة الشيكل، منها:

إعلان الخبز: 4.5 شيكل (1.25 دولار). الأرز: بين 6 و8 شواكل. (1.7 إلى 2.25 دولار) لتر الزيت النباتي: بين 1.67 دولار و2.22 دولار. كيلو لحم العجل الطازج 60 شيكلا ( 17.7 دولار) كيلو لحم الخروف الطازج: 90 شيكلا (25 دولار). كيلو الدجاج المذبوح: 17 شيكلا (4.72 دولار).

ويتكون الطبق الرئيسي لمائدة إفطار أسرة فلسطينية متوسطة الدخل غالبا من الأرز والدجاج، إضافة إلى المحاشي وورق العنب، مع المشروبات الغازية والعصائر الطبيعية كالخروب والسوس (العرق سوس) والليمون واللوز، وحلوى القطايف.

وحسب جمعية حماية المستهلك الفلسطينية تصل كلفة مائدة الإفطار لأسرة متوسطة الدخل مكونة من 4 أفراد إلى 30 دولارا، وترتفع التكلفة لتصل إلى 50 دولارا في حال استبدال الدجاج بلحم الضأن.

وإجمالا تتراوح كلفة موائد شهر رمضان كاملا بين 900 و 1500 دولار لأسرة متوسطة الدخل والعدد.

ونقل مراسل الجزيرة نت عوض رجوب، عن أيمن، رب الأسرة مكونة من 8 أفراد، إنه ثاني رمضان يحل عليه في الحرب، وسط ضنك شديد، لدرجة أنه ظل يعتمد في قوت عياله على الديْن من متجر قريب له، الذي قرر أخيرا التوقف عن البيع بالدين.

ويقول أيمن الذي لا يجد عملًا منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول بعد أن كان يعمل داخل الخط الأخضر، إن "اللحوم والدجاج سعرها مرتفع، بينما الكثير من الأصناف الأساسية مثل الزيوت والطحين والطماطم والبطاطا والزهرة (القرنبيط) والخيار، سعرها معقول أو في تراجع، لكن أمثالي ليس لديهم المال للشراء".

من جهته، يقول حسام محمد، وهو تاجر جملة من منطقة رام الله إن بعض  الأسعار التي تراجعت في الشهور الأخيرة كالزيت والطحين والسكر بنسبة تصل إلى 20%، لكن ذلك لم يؤثر على الحركة الشرائية نظرا لانعدام السيولة.

وتقول رئيسة جمعية حماية المستهلك شمالي الضفة فيحاء البحش لـ (الجزيرة نت) إن الدجاج مثلا ارتفع إلى 17 شيكلا (4.72 دولار) مقارنة مع 13 (3.61 دولار) قبل نحو أسبوع، لكنه قريب من أسعار العام الماضي.

إعلان

أما سعر لحوم الخراف فوصل الكيلو إلى 120 شيكل (33.34 دولار) مع أن وزارة الاقتصاد حددت سقفه بـ 90 شيكلا (25.01 دولار)، فيما وصل سعر كيلو لحم العجل إلى 60 شيكلا (16.7دولار) مقارن مع 50 شيكلا (13.9 دولار) العام الماضي.

ووفق معطيات سلطة النقد الفلسطينية سجل التضخم في فلسطين ما نسبته 46.7% خلال 2024 مقارنة مع 5.6% خلال 2023.

وأشار موقع المؤشرات الاقتصادية إلى انخفاض معدل التضخم السنوي إلى 22.77% في يناير/ كانون الثاني 2025 من 87.99% في ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وقد سجل هذا أدنى معدل تضخم منذ يناير/ كانون الثاني 2024، وكانت الأسباب الرئيسية وراء ذلك هي إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

إفطار شمل المئات في أحد أحياء العاصمة الجزائر في رمضان ساب (الفرنسية) الجزائر

تتميز مائدة الإفطار الجزائرية بتنوع كبير يضم عدد من الأطباق المشهورة في البلاد على اختلاف مناطقها وتتشكل من أطباق تقليدية أساسية تتواجد على مائدة الإفطار طيلة الشهر الفضيل وهي شوربة الفريك أو الحريرة والبوراك (رقائق عجينة محشوة باللحوم والاجبان) وطبق اللحم الحلو (تشكيلة من الفواكه المجففة تطهى مع اللحم) والسلطات إلى جانب طبق آخر رئيسي يختلف من منطقة إلى اخرى وتتنوع مكوناته بين اللحوم والأسماك والدواجن.

يقول المنسق الوطني لمنظمة حماية المستهلك، فادي تميم تميم لـ (الجزيرة نت) إن متوسط 70 ألف دينار (517.54 دولار) يكفي لقضاء شهر رمضان لعائلة مكونة من 4 إلى 5 أشخاص، فإذا زاد دخل في إطار البذخ، وكلٌّ حسب إمكانياته.

أما عن أقل ثمن لوجبة، فمن الممكن في الجزائر أن يفطر الشخص وعائلته مجانا على مدار 30 يوما نتيجة انتشار موائد الإفطار الجماعي في كل أحياء البلاد وتوفير المتطوعين والجمعيات وجبات مجانية طيلة الشهر.

وأشار إلى أن وفرة المنتجات والتحضيرات المسبقة إلى جانب عدم تسجيل أي اختلال في السوق يجعل الوضع رمضان الحالي أفضل من الوضع في سابقه.

إعلان

وقال لمراسلة الجزيرة نت  إلهام محمد  إن أسعار الخضر تعد أفضل هذا العام مقارنة بالعام الماضي رغم ارتفاعها في الأيام الماضية بـ 20 إلى 40 دينار (0.15 دولار إلى 0.30 دولار) نتيجة زيادة اقبال المواطنين عليها.

ونوه بأن الارتفاع الوحيد سجل في أسعار البطاطا والتمور، إلى جانب اللحوم الحمراء خاصة المستوردة التي سجلت أسعارها ثبات العام الماضي كون هوامش ربحها مسقفة، خاصة لحم الخروف الإسباني المستورد الذي بلغ 2200 دينار للكيلو (16.27 دولار) بدل 1500 أو 1800 (11.09 أو 13.31 دولار)، محملا التجار سبب هذا الارتفاع .

من جانبه يقول محمد، رب أسرة، إنه لاحظ هذا العام وفرة وتنوع في المنتجات والأسعار ما جعله يشتري ما يريد في حدود ميزانيته المخصصة لهذا الشهر، مؤكدا أن المتجول في السوق خلال الأيام الماضية يستشعر من الإقبال الكبير أن الأسعار هذا العام في المتناول.

تراجع معدل التضخّم في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إلى 4.9%، من 5.2% في سبتمبر/ أيلول، وفق حسب أرقام الديوان الوطني للإحصائيات.

وبلغ معدل التضخم في الجزائر مع نهاية سنة 2023 حدود 9.32%، قريبا من المستوى المسجّل في 2022 والبالغ 9.27%.

إفطار جماعي في أحد الأحياء المغربية في رمضان سابق (مواقع التواصل) المغرب

استقبل المغاربة شهر رمضان وسط موجة غلاء شملت العديد من المواد الغذائية التي تعد أساسية في المائدة الرمضانية.

واستعد محمد الميساوي، رب أسرة من 4 أفراد لرمضان منذ أسبوع، إذ اشترى المواد الغذائية وحاجته من اللحوم والأسماك والخضر وغيرها من مواد البقالة تجنبا للازدحام الذي يميز الأسبوع الأخير من شعبان تهيئا لاستقبال رمضان.

يقول الميساوي لمراسلة الجزيرة نت سناء القويطي، إن مستلزمات رمضان هذا العام أنهكت جيبه وهو العامل في إحدى شركات النقل ولا يتجاوز أجره 6 آلاف درهم (600 دولار) شهريا.

إعلان

لم يستطع محمد تغيير عاداته الرمضانية في الاستهلاك رغم أنه في قرارة نفسه يرى ضرورة الاستغناء عن كثير من المواد لإنقاذ جيبه من الإفلاس، لكنه كما يقول يريد أن تعيش أسرته أجواء رمضان الغذائية كما تعودوا في السنوات الماضية.

وقال رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك بوعزة الخراطي إن ما يسميه "تسونامي الأسعار" بدأ في المغرب أواخر عام 2022.

وأضاف أن رمضان هذه السنة يختلف عن سابقه بكون ارتفاع الأسعار شمل المنتجات البروتينية مثل اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض إلى جانب الأسماك وهي مواد أساسية في المائدة الرمضانية ما سيجعل تكلفتها مرتفعة.

وتقصت الجامعة عبر فروعها في مدن الرباط والقنيطرة والدار البيضاء ومراكش وأكادير وواد زم وكلميم وآيت باها تكلفة مائدة الإفطار في رمضان هذا العام.

ووفق الخراطي، فإن هذه التكلفة تتراوح بين 150 و400 درهما (15 دولارا إلى 40 دولارا) في اليوم الواحد وفي الشهر ما بين 4 آلاف و12 ألف درهم (أي ما بين 400 و1200 دولار).

ويرتفع استهلاك الأسر في شهر رمضان مقارنة بباقي الأشهر، وتضم مائدة الإفطار المغربية حساء الحريرة، والتمر، والفطائر، وحلوى الشباكية، والسفوف، والسمك أو اللحم أو الدجاج، والسلطات، والعصائر والحليب، والشاي، والمملحات.

كانت المندوبية السامية للتخطيط (جهاز حكومي مكلف بالإحصاء) أصدرت في مارس/آذار من العام الماضي تقريرا حول ميزانية الأسر في رمضان أظهر أن متوسط نفقات الأسر في رمضان يتزايد بنسبة 18.2 % مقارنة بالشهور الأخرى من السنة، وأن الميزانية المخصصة للتغذية ترتفع بنسبة 17.8%.

أما المنتجات الغذائية التي تعرف زيادة في نفقات استهلاكها في رمضان فهي الأسماك بنسبة 57.7% (تستهلك في رمضان 6.8 كلغ مقابل 5.2 في باقي الأشهر) والفواكه بنسبة 43.3% (54.3 كلغ مقابل 22.9 كلغ) والبيض بنسبة 35.7% (52.2 وحدة مقابل 39.4 وحدة) والمنتجات الحليبية بنسبة 34.8% ( 35.8 لتر مقابل 23.7 لتر) واللحوم بنسبة 26% (15.1 كيلوغرام مقابل 11.3 كلغ).

إعلان

وكانت المندوبية قد أعلنت أن التضخم السنوي مقاسا بمؤشر أسعار المستهلكين، قد بلغ 2.4% في 2024 مقابل 6.1% عام 2023.

سلع رمضانية في أحد أسواق العاصمة عمان (الجزيرة) الأردن

ارتفع معدل التضخم السنوي في الأردن خلال يناير/ كانون الأول إلى 2.29%، بعد أن زاد 1.67% في عام 2024 مقارنة بعام 2023.

وذكرت جمعية حماية المستهلك الأردنية في اتصال مع مراسل الجزيرة نت حبيب ابو محفوظ، أن كلفة الحد الأدنى لإفطار الأسرة الأردنية برمضان يوميًا بلغت 35 دولارا والحد الأعلى 653 دولارا بالتالي تبلغ كلفة الحد الأدنى شهريا 1000 دولار والحد الأعلى 1950 دولارًا.

وتتكون مائدة الإفطار الأردنية غالبا من طبق الأرز مع الدجاج الذي يعتبر وجبة رئيسية، واللحوم الحمراء فالأسماك بدرجات متفاوتة، بالنظر لارتفاع أسعارها بالإضافة إلى سلطة الخضروات بصورة دائمة (البندورة والخيار والخس)، والخبز والحساء الساخن.

وعادة يبدأ الأردنيون استعداداتهم لشهر رمضان قبل أسبوع من حلوله، ليبدأ التزاحم على الأسواق، لشراء ما يعرف بـ"مونة رمضان"، والتي غالباً ما تقتصر على المواد الغذائية، وتقول هند بني هذيل، ربة منزل مكون من 5 أفراد إن أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية بدأت تشهد ارتفاعًا حادًا قبل حلول شهر رمضان المبارك.

وشكت بني هذيل في حديثها لمراسل الجزيرة نت حبيب أبو محفوظ من ارتفاع أسعار الدجاج – كمادة أساسية على موائد الأردنيين – وكذلك الخضار والمواد التموينية التي يحتاجها المواطن الأردني في شهر رمضان والتي دائماً ما تشهد ارتفاعات حادة وغير مفهومة في مثل هذا الوقت من كل عام.

ودعت بني هذيل الجهات المعنية لتشديد الرقابة على الأسواق لضمان توفر السلع بأسعار مناسبة "حتى لا نبقى تحت رحمة التجار الذين يستغل بعضهم الظروف الاقتصادية الحالية"، مضيفة نجد أن ثمة وفرة في المواد التموينية، إلا أن التهافت على الشراء يدفع التجار لرفع أسعارها.

إعلان

وتابعت: "تبقى مشكلتنا ومخاوفنا متكررة كل عام مع بداية شهر رمضان من ارتفاع أسعار المواد التموينية والغذائية، خصوصاً السلع التي تحتاجها كل أسرة أردنية، كالسلع الطازجة كالدجاج واللحوم، والأرز والزيوت، وأصناف من الخضار المختلفة.

من جانبه، يؤكد مؤيد غنيم، مدير أحد الأسواق التجارية في الأردن لـ (الجزيرة نت) أن ثمة وفرة في السلع والمواد التموينية قبيل حلول شهر رمضان، مبينًا وجود فروقات في الأسعار ما بين رمضان العام الماضي، والعام الحالي.

وأرجع غنيم الأسباب لارتفاع الأسعار إلى الاضطرابات الأمنية والتوترات الجيوسياسية التي تأثر بها الشحن في البحر الأحمر نتيجة الحرب على قطاع غزة.

إقبال على أحد الأسواق اللبنانية استعدادا لشهر رمضان  (الجزيرة) لبنان

يواجه لبنان تحديات اقتصادية جسيمة تؤثر بشكل مباشر على تكاليف المعيشة، خاصة في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير، وتتفاقم هذه الأعباء خلال شهر رمضان المبارك إذ تزداد الضغوط المالية على الأسر اللبنانية وسط الارتفاع المستمر في الأسعار.

ووفقا لإدارة الإحصاء المركزي في لبنان، بلغ معدل التضخم السنوي لعام 2024 نحو 45.24% مقارنة بـ221.3% في عام 2023، ما يعكس تراجعا ملحوظا في وتيرة ارتفاع الأسعار، وإن كانت الضغوط التضخمية لا تزال قائمة.

أما على صعيد التضخم الشهري، فقد سجل مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعا بنسبة 1.10% في يناير/ كانون الثاني 2025 مقارنة بالشهر السابق، وهو أدنى مستوى خلال 4 أشهر، بعد أن بلغ معدل الزيادة 2.39% في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وفقا لبيانات إدارة الإحصاء المركزي في لبنان.

وبالرغم من التحديات الاقتصادية الخانقة، لا تزال مائدة الإفطار الرمضاني في لبنان تحافظ على مكوناتها التقليدية التي تتنوع بين التمر، والشوربة، والفتوش، والأطباق الرئيسية، غير أن تأمينها أصبح أكثر صعوبة مع الارتفاع المستمر في الأسعار ما يضع الأسر اللبنانية أمام اختبار لقدرتها على التكيف مع الظروف المعيشية المتدهورة، وهكذا يغدو الشهر الفضيل مناسبة تمتزج فيها روحانية الصيام بتحديات الواقع الاقتصادي.

إعلان

ويقول وليد النميري، صاحب مؤسسة للمواد الغذائية لمراسلة الجزيرة نت نجية دهيشة، إن أسعار المواد الغذائية في رمضان الحالي لم تشهد تغيرًا كبيرًا مقارنة برمضان السابق، باستثناء بعض السلع التي يرتفع سعرها خلال الشهر الكريم، مثل الأرز والسكر.

ويشير إلى أن الإقبال على الشراء لا يزال متواضعا، مرجعا ذلك إلى التوزيعات والتقديمات التي تقدمها الجمعيات الأممية والأهلية والتي تسهم في تغطية جزء من الاحتياجات الغذائية.

أما أكثر المنتجات طلبا، فتشمل السكر، الأرز، التمر، الجلاب، الشوربات، والمعكرونة، وفيما يلي أبرز أسعار المواد في رمضان:

سعر كيلوغرام الأرز 1.5 دولار ليتر الزيت 1.5 دولار سعر كيس الشوربة 50 سنتا التمر فيصل سعر 3 كيلوغرامات منه إلى 8 دولارات بينما يتراوح سعر الجلاب بين 5 و5.5 دولارات حسب النوعية أسعار المعكرونة في متناول الجميع حيث تباع 3 عبوات بدولار واحد.

يقول زياد الأحمد، مواطن لبناني لـ (الجزيرة نت): "بصراحة، راتبي لا يكفي لتغطية احتياجاتنا الأساسية بسبب الأوضاع الصعبة في البلد، كنا ننتظر شهر رمضان لنعيش أجواء الخير لكن اليوم أصبح تأمين الطعام اليومي تحديا كبيرا، كل شيء أصبح غاليًا، من الخضار واللحوم إلى الأرز والزيت، إذ ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ، كرب أسرة مكونة من 5 أفراد يجبرنا على تقليل الكميات أو الاستغناء عن بعض الأصناف تماما".

إعداد موائد الإفطار للصائمين في شهر رمضان في السودان  (مواقع التواصل) السودان

يستقبل السودانيون شهر رمضان للعام الثاني وسط ظروف اقتصادية صعبة بعدما فقد قطاعاً واسعاً منهم مصادر رزقهم ووظائفهم ونهب ممتلكاتهم وتباطؤ الاقتصاد وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وتآكل القيمة الشرائية للعملة الوطنية.

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن معدل التضخم تراجع في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 145.14% مقارنة مع 187.83% سُجلت في ديسمبر/كانون الأول 2024، بعدما كان 198.2% و 211.4% في الشهرين السابقين لهما.

إعلان

وتوقف جهاز الإحصاء عن إعلان معدلات التضخم بعد إندلاع الحرب في منتصف أبريل/ نيسان 2023، وقال الجهاز في أول تقير بعد الحرب إن معدل التضخم في البلاد قفز إلى 136.6 % في النصف الأول من عام 2024.

ويقول الناشط في منظمة حماية المستهلك، عصام عبد الرحيم أن السلع الغذائية متوفرة لكن غالبيتها يصعب على قطاع عريض من المواطنين شرائها لارتفاع أسعارها بسبب فقد الطبقة الوسطى مصادر رزقها وتوقف الأنشطة الاقتصادية لأصحاب الحرف وتآكل القيمة الشرائية للجنيه السوداني.

ويقدر الناشط في حديث لمراسل الجزيرة نت النور أحمد، أن قيمة إفطار رمضان للشخص الواحد في اليوم تتراوح بين 10 ألف جنيه حوالي (4 دولارات) إلى 20 ألف جنيه (8 دولارات)، وتنقص قليلاً في حال كان للمجموعة.

ويفيد بأن قطاع من المواطنين لا يستطيعون توفير ما يفطرون به وخصوصًا النازحين ويعتمدون على المطابخ الطوعية "التكايا" في دور الإيواء المؤقتة التي تنشط فيها جمعيات ومنظمات خيرية ومتطوعون يدعمهم رجال أعمال ومؤسسات اقتصادية.

ويضيف الناشط أن غالبية المواطنين يعتمدون على سلع محلية في الإفطار، فيعتمد مواطنو شمال البلاد وشرقها ووسطها على (القراصة) التي تصنع من طحين القمح وفي غرب البلاد على (العصيدة) التي تصنع من الذرة الرفيعة أو الدخن، بجانب البليلة من الحمص أو الدخن المحمص أو العدسية.

ويفضل السواد الأعظم من المواطنين عصائر من الكركدي والتبلدي والبرتقال أو "الحلو مر" من الذرة "النابتة" أو المخمرة.

من جانبه، يقول التاجر سليمان دفع الله لـ (الجزيرة نت) إن ثمة استقرار نسبي في أسعار السلع الغذائية ورغم ذلك يوجد ضعف في القوة الشرائية بسبب أوضاع المواطنين الاقتصادية.

ويوضح أن سعر كيلو السكر نحو 3 آلاف جنيه  (1.2 دولار)، وكيلو طحين القمح 2500 جنيه (1 دولار)، ورطل زيت السمسم نحو 3 آلاف جنيه (1.2 دولار)، ورطل زيت الفول 2500 جنيه (1 دولار)، وربع الذرة الأبيض 12 ألف جنيه (4.8 دولار) وربع الدخن 16 ألف جنيه (6.4 دولار).

إعلان

بدوره توقع الناشط الإجتماعي حسن الأمير أن اللحوم ستكون الغائب الأبرز عن المائدة الرمضانية لعدم استطاعة قطاع كبير من المواطنين شرائها لتصاعد أسعار حيث يبلغ متوسط سعر كيلو اللحم البقري 16 ألف جنيه (6.5 دولار) والضأن 20 ألف جنيه (8 دولار) واللحوم البيضاء 12 ألف جنيه لكيلو الفراخ (4.5 دولار).

مقالات مشابهة

  • بيزشكيان بين كماشة المتشددين وظلال خامنئي.. فشل في كبح التضخم المتصاعد وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية سبب رئيسي.. وانهيار استراتيجية المصالحة أمر وارد
  • بنوك تركيا تترقب قرار الفائدة من البنك المركزي
  • تركيا الأولى في التضخم بمنظمة التعاون الاقتصادي
  • مسؤولون سابقون يحذرون من حاجة بنك إنجلترا إلى وقف تخفيضات أسعار الفائدة
  • التضخم في تركيا عند أدنى مستوى في عامين
  • تباطؤ التضخم في منطقة اليورو إلى 2.4%
  • التضخم ينخفض في منطقة اليورو إلى 2.4% في فبراير
  • سكرتير بني سويف يتفقد منظومة العمل بمشروعات الدواجن المركزية
  • التضخم يلتهم موائد رمضان في الدول العربية وسط أزمات الاقتصادية
  • الأمريكيون يتوقعون استمرار ارتفاع الأسعار.. خطر جديد يهدد الاقتصاد