كيف تدعم مكانة سلطنة عُمان في المؤشرات الدولية؟
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
تعزيز مستمر للحوكمة والشفافية
تحسُّن بعض المؤشرات نتاج جهود ملموسة في التحوُّل الرقمي ودعم قطاعات التنويع الاقتصادي وتعزيز الشفافية
من ملامح التقدم المهمة إصدار العديد من الجهات تقارير دورية ترصد الأداء وتُطلع المجتمع على التطورات وتعزز الشفافية والحوكمة والمساءلة
تمضي المتغيرات متسارعة في سلطنة عمان، و إحراز مزيد من التقدم في المؤشرات الدولية يتطلب ضرورات مهمة:
- تطوير قواعد البيانات والإحصائيات بما يعكس المتغيرات
- تعزيز التواصل مع الجهات الدولية المعنية للتحديث المستمر للتطورات ونتائجها
منذ عام 2020 وحتى الآن، تغيرت بشكل كبير ملامح المشهد في بيئة الاقتصاد العالمي، وكان عديد من هذه التغيرات سلبيا وسط تفشّي الأزمات وتصاعد التحديات والتوترات السياسية والنزاعات التجارية، لكن على الرغم من ذلك مازال عدد من الدول والمناطق في العالم قادرة على زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسين الأداء في جوانب شتى متعلقة بالاقتصاد وبيئة الأعمال، وتعد منطقة دول مجلس التعاون من بين هذه المناطق التي تحقق أداءً اقتصاديًا جيدًا، حيث ركزت جهودها خلال السنوات الأخيرة على تنفيذ المستهدفات الطموحة لما تتبناه من رؤى استراتيجية لخفض الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد.
وكانت سلطنة عمان من أبرز الدول التي نجحت في التحول الجذري في مسارها المالي والاقتصادي محققة العديد من النتائج الإيجابية التي أسفرت عن تراجع حاد في حجم الدين العام ووضع الاقتصاد على مسار التنويع والنمو المستدام.
في طريقها للوصول إلى هذه النتائج الإيجابية، اتخذت سلطنة عمان حزمة واسعة من الإجراءات والمبادرات التي تستهدف تغييرا شاملا في بيئة الأعمال وبناء الثقة بين الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص ونشر الشفافية والحوكمة والالتزام برفع كفاءة الأداء الحكومي والهيكلة الشاملة للجهاز الإداري واتّباع منهجية واضحة للرقابة والمساءلة وتحسين مختلف جوانب العمل الاقتصادي وتشجيع وتسهيل الاستثمار وتعزيز التوجه نحو الابتكار والبحث العلمي والتحول الرقمي، كما شهدت سلطنة عمان تقدما كبيرا في سعيها نحو الاستدامة بأبعادها المالية والاقتصادية والبيئية من خلال برامج وطنية للوصول للحياد الصفري بحلول عام 2050 ووضع الاقتصاد على مسار النمو المستدام والوصول بالوضع المالي للاستقرار.
وتأتي جملة هذه التطورات بانعكاسات إيجابية على مكانة سلطنة عمان في بعض المؤشرات الدولية، فيما يتواصل العمل على تحسين مؤشرات أخرى خاصة تلك التي تراجعَ فيها تصنيف سلطنة عمان، ويندرج ذلك ضمن مستهدفات سلطنة عمان؛ لرفع وتحسين مكانتها في كافة المؤشرات الدولية.
عند الحديث عن المؤشرات الدولية، فإن هناك العديد من العوامل التي تحدد وضع كل دولة في هذه المؤشرات، أهمها ما تسفر عنه الجهود الوطنية من تقدُّم أو تراجع في الأداء المالي والاقتصادي بشكل عام، ومدى الانفتاح على العالم في بيئة الأعمال والتجارة الدولية والقدرة على تعزيز الحوكمة والشفافية ومواكبة المتغيرات خاصة في جوانب التقنية والابتكار والتقدم في جهود التنمية المستدامة والتنمية البشرية ومساعي العالم للحد من متغيرات المناخ، وإلى جانب ذلك ثمة أهمية لعوامل أخرى منها: انتشار الحوكمة والشفافية في كافة القطاعات الحكومية والخاصة، وأيضا وفرة المصادر الموثوقة للبيانات القابلة للقياس دوليا مع بقية الدول، حيث تعد هذه البيانات وسيلة أساسية لقياس وضع الدولة في المؤشرات الدولية إضافة إلى بعض المسوحات والاستطلاعات التي تجريها الجهات والمعاهد الدولية في كل دولة ضمن عملية رصد التوجهات والتطورات من وجهة نظر الجهات المعنية والخبراء والقطاع الخاص والتي يتحدد بناءً عليها التصنيف في كل مؤشر دولي.
وفيما يتعلق بسلطنة عمان، كان التقدم في عدد من المؤشرات الدولية نتاجًا لجهود ملموسة في عدد من الجوانب لعل من أهمها: التحول الرقمي والتركيز على دعم قطاعات التنويع الاقتصادي خاصة قطاع الصناعة، حيث سرّعت سلطنة عمان من وتيرة تحوُّلها الرقمي تحقيقا لمستهدفات رؤية عُمان2040، واستفادت من استقرار الوضع المالي للدولة في رفع المخصصات التي تسرّع من جهود ومبادرات التحول الرقمي الحكومي وعزز تقدم جهود التنويع من تشجيع الاستثمار الرقمي، وقاد ذلك إلى تحسُّن كبير في مرتبة سلطنة عمان في مؤشر الابتكار، حيث يتقدم العمل بشكل مستمر في البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي الذي يشمل عدة برامج تنفيذية وهي: التجارة الإلكترونية، الأمن السيبراني، والتحول الرقمي الحكومي، وقطاع الفضاء، والصناعة الرقمية، والبنى الأساسية التقنية، والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وبرنامج التكنومالية، ومازال العمل جاريا على تحقيق مزيد من التحسُّن في مكانة سلطنة عمان في مؤشر الابتكار خاصة مع الاهتمام بمجال حقوق الملكية الفكرية كأحد معايير مؤشر الابتكار، حيث قامت سلطنة عمان بإجراءات عديدة منها: خفض رسوم المعاملات المرتبطة بالملكيات الفكرية، وتسهيل إجراءات تسجيل الملكيات الفكرية عبر منظومة جديدة، كما تم إصدار قانون حماية البيانات الشخصية.
وفي أحدث تقرير حول الابتكار العالمي تقدمت سلطنة عُمان (10) مراتب بحسب تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2023م الذي أصدرته المنظمة العالمية للملكية الفكرية، كما ظهرت ثمار جهود التنويع في حصول سلطنة عُمان على المرتبة الـ 56 عالميا والخامسة عربيا في تقرير الأداء الصناعي التنافسي للعام 2023م، الصادر من قبل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو).
وضمن جهودها لتعزيز تنافسيتها في كافة المؤشرات، أبدت التوجهات الحكومية جدية في الالتزام بمعايير الشفافية والحوكمة، وفيما يتعلق بالوضع التنافسي، يتولى المكتب الوطني للتنافسية متابعة وتحسين المؤشرات الدولية بالتنسيق مع الجهات المعنية؛ بهدف الوصول إلى مراتب متقدمة في التقارير الدولية بما يسهم في رفع تصنيف السلطنة إقليميًا وعالميًا، وقد أصدر المكتب الوطني للتنافسية نهاية العام الماضي تقريره الأول "تنافسية عُمان" حيث يرصد وضع سلطنة عمان التنافسي خلال عام 2022، وأداء سلطنة عُمان في خارطة المؤشرات الدولية التي يتابعها المكتب وتتضمن 15مؤشرا من المؤشرات الدولية التي تهتم بها سلطنة عمان، ومن بينها مؤشرات رئيسية مدرجة في وثيقة رؤية عُمان 2040 تم تحليلها ومتابعة الجهات المعنية بضرورة تحسينها وتشمل مؤشر الحرية الاقتصادية، ومؤشرات الحوكمة العالمية، ومؤشر مدركات الفساد، ومؤشر الأداء البيئي، ومؤشر الابتكار العالمي، ومؤشر جاهزية الشبكات)، و8 مؤشرات فرعية يتم تحليل أداء سلطنة عمان فيها، وإحالة التحليل إلى الجهات ذات الاختصاص.
وإلى جانب هذا التقرير المهم، تقدمت سلطنة عمان في جهودها نحو تعزيز الشفافية والحوكمة بمبادرات وإجراءات مهمة تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تحسين مكانتها في كافة المؤشرات.
وبشكل دوري، أصدرت العديد من الجهات الحكومية تقارير ترصد تقدُّم الأداء وتعزز الشفافية والحوكمة، من بينها وزارة المالية وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وجهاز الاستثمار العماني الذي أصدر خلال العام الماضي أول تقرير له بعد تأسيسه كمظلة موحدة للاستثمارات الحكومية، وتضمّن التقرير شفافية كبيرة حول مؤشرات الأداء وحجم الأصول والاستثمارات، كما تم إصدار ميثاق الحوكمة المنظم لشركاته التابعة والتزام هذه الشركات بتقارير دورية ترصد الأداء، ويستهدف ميثاق حوكمة المؤسسات المرتبطة بجهاز الاستثمار العماني تنظيم أعمالها، وتحسين أدائها ومواءمة خططها مع خطط التنمية المستدامة، بما يحقق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية التي أنشئت من أجلها، وتشجيع الاستخدام الكفء للموارد المالية والبشرية، إلى جانب تعزيز مبدأ المحاسبة والمساءلة فيها، حيث تضمّن الميثاق سياسات ومبادئ توجيهية لعمليات الشركات.
وفي ظل هذا التوجه نحو الحوكمة والشفافية، جاء جهاز الاستثمار العُماني في المرتبة الثانية عالميا في مؤشر تطور أداء الحوكمة والاستدامة بين عامي 2022 و2023 بنسبة تحسُّن في التصنيف بلغت 28 بالمائة، وذلك مقارنة مع 200 صندوق سيادي عالمي، وفقا لمنصة "جلوبال إس دبليو إف".
وفي إطار بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار، تضمنت جهود سلطنة عمان تنفيذ برنامج لتخصيص بعض الاستثمارات الحكومية بهدف تقليص الدور الحكومي في الاقتصاد وإفساح الطريق للقطاع الخاص، وتم خفض رسوم عدد كبير من الخدمات الحكومية وإطلاق منصة إجادة؛ لرفع كفاءة الأداء الحكومي، وإعادة هيكلة مجلس المناقصات وحزمة واسعة من الإجراءات لتسهيل وتبسيط الأعمال، مع تطوير مستمر للخدمات وإجراءات المستثمرين والتوسع في طرحها رقميا مما يعد عاملا مهما للغاية في شفافية بيئة الأعمال.
فيما يتعلق بالتصيف الدولي للتنافسية، فقد غاب للعام الرابع على التوالي عن المشهد العالمي تقرير التنافسية الدولية الذي كان يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، فمنذ تفشّي الجائحة في عام 2020 لم يصدر التقرير، كما توقف البنك الدولي في نفس التوقيت عن إصدار تقريره الشهير عن "أداء الأعمال"، وقد ترك توقف صدور التقريرين فراغًا كبيرًا في قياس ورصد تقدُّم الدول في تعزيز تنافسيتها أو تراجعها في ذلك، وعلى الرغم من أن قواعد ومصادر البيانات التي اعتمد عليها التقريران ما زالت موجودة ومتاحة إلا أن أيا من الجهات والمعاهد الدولية لم تبادر حتى الآن بإصدار مؤشر للتنافسية يشمل كافة أو غالبية دول العالم، وربما يعد سببا رئيسا في ذلك التأثيرات السلبية لتفشي الجائحة والضبابية وعدم اليقين الذي يسود في المشهد الاقتصادي العالمي.
وكان مؤشر التنافسية العالمية ينشر في تقرير سنوي صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي خلال الفترة بين عامي 2004 و2020، وقبل صدور هذا التقرير، كانت تصنيفات الاقتصاد الكلي تعتمد على مؤشرين أكاديميين يقيس أولهما تقدُّم معدل النمو الكلي للاقتصاد والثاني نمو الاقتصاد الجزئي باعتباره مؤشرا لتطور بيئة الأعمال، وبدءًا من عام 2004 جاء مؤشر التنافسية العالمية ليدمج بين جوانب الاقتصاد الكلي والجوانب القدرة التنافسية في بيئة الأعمال في مؤشر واحد، ومن هنا كانت الأهمية الكبيرة للمؤشر الذي كان الجميع يترقب صدوره في كل عام؛ لتقييم تطور قدرة الدول على توفير مستويات عالية من الرخاء لمواطنيها وتأثير السياسات والعوامل التي تحدد مستويات الرخاء، وكانت نتائج التصنيف ذات تأثير كبير في الإبقاء على سياسات النمو أو مراجعتها في العديد من الدول.
في الوقت الحالي يعد التقرير الدولي الأهم حول التنافسية هو التقرير السنوي الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية "آي أم دي"، ورغم أهمية التقرير لكنه لا يشمل في تصنيفه إلا 64 دولة فقط من دول العالم، ويعتمد تصنيفه على معايير الأداء الاقتصادي وكفاءة الحوكمة وكفاءة بيئة الأعمال والبنية الأساسية، ويتم اختيار الدول التي يتم تصنيفها بناءً على توفر إحصاءات دولية قابلة للمقارنة وتعاون المعهد مع معاهد شريكة محلية في بعض الدول، والتي تساهم في جمع بيانات المسح والتأكد من موثوقية البيانات بقدر الإمكان.
كما يصدر صندوق النقد العربي تقريرا عن التنافسية في الدول العربية، ويعتمد في تقييمه على جانبين أساسيين هما: مؤشر الاقتصاد الكلي ومؤشر بيئة وجاذبية الاستثمار باعتبار أن هذين المؤشرين بمثابة حجر الزاوية في صياغة السياسات، وقد أشار آخر تقرير له إلى أن الإصلاحات في مجالات الاقتصاد الكلي وبيئة الأعمال، وتطوير البنية الأساسية هي عوامل ساهمت في تحسن مؤشرات التنافسية في عدد من الدول العربية.
كما تصدر معاهد بحثية ومؤسسات دولية مؤشرات ذات علاقة بالتنافسية منها:
معهد فريزر الذي يصدر مؤشرا سنويا حول الحرية الاقتصادية في العالم، والذي يُصنف بلدان العالم وفقاً لدرجة حريتها الاقتصادية، ومؤسسة هيرتاج فاونديشن التي تصدر أيضا مؤشرا حول الحرية الاقتصادية، وقد تقدمت سلطنة عمان 13 مرتبة وجاءت في المرتبة السادسة إقليميا وفي المرتبة 95 عالميا في مؤشر الحرية الاقتصادية في العالم لعام 2023، الذي أصدرته مؤسسة هيرتاج فاونديشن الأمريكية، ويغطي مؤشر الحرية الاقتصادية 184 دولة، ويهدف إلى قياس الحرية الاقتصادية بناء على 12 مؤشرا فرعيا يتمثل في 4 جوانب رئيسية للحرية الاقتصادية وهي سيادة القانون وحجم الحكومة والكفاءة التنظيمية والأسواق المفتوحة.
وفي جانب المؤشرات الوطنية، حددت "رؤية عُمان 2040" مجموعة من المؤشرات الدولية والوطنية ضمن كل أولوية من أولوياتها، وتُعنى هذه المؤشرات بقياس مدى تحقيق رؤية "عُمان 2040" من خلال الجهود المبذولة في تحقيق التوجهات والأهداف الاستراتيجية لأولويات الرؤية، وتستهدف سلطنة عُمان تحقيق تصنيفات أعلى في المؤشرات خلال الأعوام المقبلة وصولًا إلى عام 2040.
وفيما تمضي المتغيرات والتطورات الإيجابية متسارعة في سلطنة عمان، ويتواصل العمل على تحسين كافة المؤشرات، يظل التحديث المستمر لنتائج هذه التطورات في قواعد البيانات والإحصائيات الوطنية وتعزيز التواصل مع الجهات الدولية المعنية بوضع المؤشرات وإجراء استطلاعات الرأي والمسوحات ضرورات مهمة لحصد مزيد من الثمار لما يتم من جهود وللوصول إلى مزيد من التقدم في المؤشرات الدولية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المؤشرات الدولیة الحریة الاقتصادیة الاقتصاد الکلی مؤشر الابتکار سلطنة عمان فی بیئة الأعمال الدولیة ا التقدم فی العدید من فی مؤشر فی بیئة مزید من فی کافة عدد من مان فی
إقرأ أيضاً:
السيسي يهنئ سلطنة عمان بالعيد الوطني الـ54
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعث الرئيس عبد الفتاح السيسي برقية تهنئة إلى السلطان هيثم بن طارق، سلطان سلطنة عمان، بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الـ54.
كما أوفد الرئيس السيسي، محمد رضا السيد، الأمين برئاسة الجمهورية، إلى سفارة سلطنة عمان في القاهرة لنقل تهانيه وتأكيد عمق العلاقات بين البلدين.