ف.تايمز: هكذا كشفت زيارة بلينكن لإسرائيل عن فجوة عميقة بين واشنطن وتل أبيب
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
سلطت صحيفة "فايننشال تايمز" الضوء على زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الأخيرة لإسرائيل، مشيرة إلى أنها كشفت عن خلافات عميقة بين واشنطن وتل أبيب حول قضايا تشمل المرحلة التالية من الحرب في غزة وكيفية تأمين إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة.
وذكرت الصحيفة البريطانية، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن مؤتمرين صحفيين عقدهما بلينكن ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد يوم من الاجتماعات بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، كشفا عن خلافاتهما بوضوح، إذ طرح كل منهما رؤية مختلفة عن الآخر.
ونقلت الصحيفة عن الزميل البارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، آرون ديفيد ميلر، قوله: "تعكس هذه الزيارة مدى صعوبة العملية [الدبلوماسية] برمتها".
وأضاف: "المتحاربان (إسرائيل والمقاومة الفلسطينية) هما اللذان يحددان قوس هذه الأزمة. وبينما كانت الولايات المتحدة تلعب، ولا تزال، دورًا مهمًا، أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون يقظين جدًا بشأن تقييم الدرجة التي يمكن لواشنطن أن تغير بها مسار هذه الأزمة بشكل أساسي".
وفي علامة أخرى على الفجوة بين الحليفين، وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، السلوك العسكري الإسرائيلي في غزة بأنه "تجاوز الحد"، الخميس، في تصريح عبر عن أحد أشد انتقاداته للعدوان الإسرائيلي حتى الآن.
وقال بايدن للصحفيين في البيت الأبيض: "هناك الكثير من الأبرياء الذين يتضورون جوعا، والكثير من الأبرياء الذين يواجهون مشاكل ويموتون، ويجب أن يتوقف ذلك".
ويتمثل الاختلاف الصارخ بين بلينكن ونتنياهو في تقييمهما للشروط الأخيرة التي عرضتها حماس لإطلاق سراح ما يقرب من 130 أسيرا إسرائيليا ما زالوا في أيديها، وليس جميعهم على قيد الحياة، إذ اعتبرها بلينكن تنطوي على بعض "البدايات" للوصول إلى "مساحة للتوصل إلى اتفاق"، بينما رفض نتنياهو هذه المصطلحات ووصفها بأنها "وهمية".
وأصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن الطريقة الوحيدة لتحرير الأسرى هي "النصر الكامل" على حماس، وأضاف أن جيش الاحتلال سيوسع عملياته العسكرية لتشمل مدينة رفح في جنوب غزة، حيث يعيش أكثر من مليون نازح من غزة في ظروف مزرية.
اقرأ أيضاً
جولة جديدة لبلينكن بالشرق الأوسط.. وواشنطن تبحث خيارات الاعتراف بدولة فلسطينية
ويتعارض إعلان نتنياهو مع الجهود التي بذلها المسؤولون الأمريكيون خلال الأشهر القليلة الماضية لإقناع إسرائيل بتخفيض حدة القتال في غزة.
وكرر بلينكن مخاوفه بشأن عدد القتلى المدنيين في غزة مساء الأربعاء، وحذر بصراحة من أن تجريد حماس من إنسانيتها "لا يمكن أن يكون بمثابة ترخيص لتجريد الآخرين من إنسانيتهم"، على حد تعبيره.
وفي إشارة إلى الإحباط المتزايد لدى إدارة بايدن تجاه نتنياهو وأعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه، مثل الوزيرين: إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، قال بلينكن إنه أثار "تصرفات وخطابات مسؤولين حكوميين (في إسرائيل) أثارت مخاوفنا العميقة"، ما يؤجج التوترات التي تقوض الدعم الدولي لإسرائيل، بحسب الصحيفة البريطانية.
موقف السعودية
ولم تكن إسرائيل هي المحطة الوحيدة في جولة بلينكن، التي شملت 4 دول في الشرق الأوسط وسلطت الضوء على التحديات التي تواجه الدبلوماسية الأمريكية، فقد أشارت الدلائل أيضا على أن المملكة العربية السعودية، التي زارها بلينكن يوم الإثنين الماضي، أرادت التحقق من الرسائل الإيجابية للولايات المتحدة حول فرص تطبيع المملكة لعلاقاتها مع إسرائيل.
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن إدارة بايدن تستخدم طموح إسرائيل طويل الأمد للتطبيع مع السعودية كجزء من جهودها للتوسط في "سلام عادل ودائم" يتضمن في نهاية المطاف إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وهو أمر قاومه نتنياهو منذ فترة طويلة.
لكن الرياض أصدرت، يوم الأربعاء، بيانا ذكرت فيه أنه "لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967"، ردا على تعليقات أمريكية مفادها أن واشنطن "تلقت ردود فعل إيجابية من الجانبين" بشأن صفقة التطبيع.
اقرأ أيضاً
إعلام عبري: نتنياهو تعهد لبلينكن بعدم التحرك نحو رفح دون التنسيق مع مصر
وفي رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، دعت السعودية أيضًا جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى "التعجيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية".
وصدر البيان بعد أن أجرى بلينكن محادثات مع ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، وشددت على أنه في حين أن الرياض مستعدة لمناقشة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كجزء من خطة سلام أوسع، فإنها تريد أيضا أن توضح أنه سيتعين على إسرائيل والقوى الغربية تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين.
وفي السياق، اعتبرت رئيسة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية، سانام فاكيل، أن "زيارة وزير الخارجية الأمريكي تظهر أن الولايات المتحدة لم تمارس بعد ضغوطا كافية على نتنياهو، و[توضح] حدود دبلوماسية بلينكن، لأنه سيخرج خالي الوفاض". وأضافت: "ربما يجب أن تكون الاستراتيجية (الخاصة بدبلوماسية حل القضية الفلسطينية) أكثر دولية ومتعددة الأطراف".
ومع ذلك، يرى مسؤولون أمريكيون أن دبلوماسية واشنطن كان لها بعض التأثير، إذ أصر بلينكن يوم الأربعاء على أن الضغوط الأمريكية دفعت إسرائيل إلى السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، على الرغم من أن منظمات الإغاثة تقول إن حجم تلك المساعدات لا تزال أقل بكثير مما يحتاجه السكان المدنيون في المنطقة المحاصرة.
باب الصفقة
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصدر وصفته بالمطلع أن نتنياهو رفض شروط حماس "لكن المسؤولين الإسرائيليين يواصلون المشاركة في الاجتماعات حول الخطوات التالية نحو التوصل إلى اتفاق محتمل".
وأضاف: "ربما يكون نتنياهو قد أغلق الباب أمام الفكرة التي طرحتها حماس. لكن هذا لا يعني أنه يغلق الباب أمام صفقة من أي نوع".
وفي السياق اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، جوناثان رينهولد، أن الولايات المتحدة نجحت أيضًا في إثناء إسرائيل عن الانجرار إلى صراع أوسع مع أعداء آخرين في المنطقة، مثل حزب الله اللبناني، الذي يتبادل مقاتلوه إطلاق نار عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن آخرين حذروا من أن نافذة تحقيق اختراقات بشأن صفقة الأسرى بين إسرائيل وحماس، فضلا عن التوصل إلى حل أوسع للصراع، آخذة في التراجع في ظل اقتراب بدء حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وفي هذا الإطار، قال ميلر: "بمجرد أن تبدأ الحملة الانتخابية بشكل جدي، فإن شهية إدارة بايدن لاستثمار رأسمالها السياسي في محاولات طويلة الأمد للتوسط في اتفاق سلام ستتضاءل".
وأردف: "خلال تلك الفترة لا يُظهر الرؤساء عادةً قدرًا كبيرًا من المخاطرة عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط. الساعة الإسرائيلية وساعة حماس لا تدقان بهذه السرعة. ساعة الإدارة (الأمريكية) تدق بشكل أسرع بكثير. وهنا تكمن المشكلة".
اقرأ أيضاً
نتنياهو يرفض طلب بلينكن الاجتماع منفردا مع رئيس الأركان الإسرائيلي
المصدر | فايننشال تايمز/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أنتوني بلينكن إسرائيل حماس غزة نتنياهو إيتمار بن غفير بتسلئيل سموتريتش جو بايدن الولایات المتحدة على أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو: سياسة الهروب إلى الأمام
للمرة الرابعة طيلة ثمانية أعوام، يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام القضاء بتهم فساد واستغلال للسلطة، وسط حرب مفتوحة تشنها قواته على فلسطين المحتلة وسورية ولبنان وإيران واليمن، وخلاف في الداخل الإسرائيلي لم يحسم الموقف منه.
نتنياهو الذي أخفقت دولته البوليسية في صد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول 2023، وفشلت كل أجهزته الأمنية في التعامل المبكر مع ترتيبات العملية، تمكن من إدارة أزمة الخلاف الداخلي التي كادت تطيح به وانتصر على جميع معارضيه في رؤيته السياسية والدموية للحرب على غزة.
العديد من المتابعين للشأن السياسي كانوا يعتقدون أن رئيس الحكومة الإسرائيلية لن يكمل وظيفته بعد تعالي الأصوات التي تطالبه بالذهاب الفوري لإتمام صفقة مع «حماس» تتضمن إعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة، غير أن نتنياهو تمكن من تغيير الموجة لصالحه ومضى في الحرب.
لقد ساعده أن خصومه السياسيين ضعفاء وصوت المعارضة غير موحد، ما أتاح له المناورة السياسية بتبني مواقف متشددة تضمن له التحصن خلف قاعدته اليمينية المتطرفة، والمتعارف عليه أن نتنياهو حين يقع في أزمات داخلية أو خارجية يتبنى سياسة الهروب إلى الأمام.
في حربه مع خصومه في المعارضة وقت محاكماته بالفساد، لجأ نتنياهو إلى افتعال أزمات مع الفلسطينيين لحرف الأنظار عن مسار محاكمته، ونجح في ذلك وكسب الوقت لدعم تأييد معسكر اليمين المتطرف الذي ينتمي إليه.
كذلك حينما طالبته المعارضة بالاستقالة والاستجابة لمطالبها بشأن إخفاقات التعامل مع ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة، تعمد الهروب إلى الأمام بصب الزيت على النار في غزة وشيطنتها، واعتبار الحرب ضدها حرب تحرر وطني وقومي وديني.
خلال محاكمته الأخيرة قبل أيام، خرج نتنياهو إلى وسائل الإعلام يعدد إنجازاته في تحقيق الأمن والهدوء على الجبهة الشمالية بعد إتمام الهدنة مع لبنان، وبطولاته في محور سورية وتوسيع المنطقة العازلة واستهداف معظم ترسانتها الحربية.
تحدث كثيراً عن ملامح الشرق الأوسط الجديد والسعي لترسيخه على أرض الواقع، بتحييد سورية والتركيز على إيران وفلسطين المحتلة. وقال: إن هذا التغيير مقبل لا محالة، وبالطبع هذه رسالة موجهة للداخل الإسرائيلي قبل الخارج.
هو يريد أن يقول للجمهور الإسرائيلي، إنه الوحيد القادر على تحقيق الإنجازات وجلب السلام الإستراتيجي للدولة العبرية، وأنه الأقدر عن غيره من السياسيين في التعامل مع الملفات الحسّاسة، وليس هناك أدنى شك أنه سيستخدم كل أسلحته ويقدم مسرحية ترجئ أو تفشل محاكمته.
بعد أن تمكن من تحييد جبهتَي لبنان وسورية، يبقى على نتنياهو أن يتعامل مع الملف الفلسطيني وهو الملف الأسخن والأهم لاعتبارات الجغرافيا والديموغرافيا وكذلك لاعتبارات سياسية تتعلق بموقعه في الحكومة الإسرائيلية.
الآن كل الحديث يدور حول هدنة وشيكة مع حركة «حماس»، دون الاستفاضة في تقديم تفاصيل بشأنها والعقبات التي يمكن أن تمنع تحقيقها. هنا سيحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية جلب هدنة على المقاس الذي يريده بالضبط.
هو لا يهمه كثيراً مصير الأسرى الإسرائيليين لأن التفكير فيهم سيحد من مناوراته السياسية، ولذلك يفضل «المطمطة» في العدوان على غزة حتى يسمع عن أفكار مقبولة من «حماس» ربما تسمح ببقاء إسرائيل في محورَي فيلادلفيا و»نتساريم».
الفكرة أن نتنياهو يرغب في المماطلة بالملف الفلسطيني حتى يبقى على قمة الهرم السياسي. من الجائز أن يذهب في هدنة مجهولة مع «حماس»، لكنه سيسعى إلى ختمها بالحصول على مكاسب سياسية إما في غزة أو عبر الضفة الغربية.
ثمة ما يسمى مبدأ المكافأة أو جائزة الترضية، وتقوم على أساس أن نتنياهو حينما لم يتمكن من تحقيق أهم أهدافه في قطاع غزة، يذهب إلى الضفة الغربية أو محور سورية ويحقق فيها إنجازات، حتى يقدمها هدية إلى شعبه ثمناً للسكوت عنه.
هذا ما يحدث بالضبط في الضفة الغربية من سياسات تسمين المستوطنات وسرقة ممتلكات الفلسطينيين وتدميرها وإحراقها، وممارسة كل أنواع الترهيب بهدف تحويل الضفة إلى حديقة إسرائيلية، وكل ذلك يأتي تحت العنوان الأكبر «بقاء نتنياهو في السلطة».
في سبيل بقائه بالسلطة، نتنياهو مستعد للتضحية بأقرب المقربين منه حتى يحتفظ بالكرسي. فعلها مع حلفائه وتخلى عن غالانت وزير حربه، وهو الآن ينتظر صديقه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حتى يساعده في تجاوز المحن الداخلية والخارجية، وتحقيق مصلحة إسرائيل فوق أي مصلحة أخرى.
(الأيام الفلسطينية)