ما يحدث مروع.. غوتيريش يدعو لتوحيد الجهود وإيقاف حرب السودان
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الخميس، المجتمع الدولي على التعبئة وبذل كل ما هو ممكن لوقف الحرب في السودان، قائلا إن "ما يحدث مروع".
وقال غوتيريش، إنه لا يوجد حل عسكري للصراع بين القوات الداعمة للجنرالين المتنافسين والذي بدأ في منتصف أبريل 2023، وشدد على أن استمرار القتال "لن يحقق أي حل لذا يجب علينا وقف ذلك في أقرب وقت ممكن".
وصرح غوتيريش في مؤتمر صحفي للأمم المتحدة، أن الوقت قد حان لكي يبدأ الخصمان المتحاربان – قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية، الفريق أول محمد حمدان دقلو – في الحديث عن إنهاء الصراع الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص وأدى إلى فرار أكثر من 7 ملايين من منازلهم.
وتعمل الأمم المتحدة مع كل من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، وأعرب غوتيريش عن أمله في أن يلتقي بهم في قمة الاتحاد الإفريقي المقبلة يومي 17 و18 فبراير في أديس أبابا بإثيوبيا، "لنرى كيف يمكننا توحيد جهودنا لجلب هذين الجنرالين إلى الطاولة" وتحقيق وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أولئك اليائسين في السودان.
وقال منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث، في مؤتمر صحفي في جنيف، الأربعاء، إن الجنرالين المتنافسين أكدا له مؤخرا أنهما سيحضران اجتماعا في سويسرا لبحث القضايا الإنسانية والمدنيين المحاصرين في السودان.
وأضاف غريفيث: "ما زلت أنتظر لمعرفة متى سيحدث ذلك".
وانزلق السودان إلى الفوضى في أبريل الماضي مع اندلاع معارك في الشوارع بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، والتي امتدت إلى مناطق أخرى.
وكانت ولاية غرب دارفور، التي مزقتها إراقة الدماء والفظائع في عام 2003، بؤرة للصراع الحالي، وهي ساحة للعنف العرقي حيث تشن القوات شبه العسكرية والميليشيات العربية المتحالفة هجمات على المجموعات العرقية الأفريقية.
وفي عام 2005، أحال مجلس الأمن الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، المكلفة بموجب نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة بالتحقيق في أسوأ الفظائع التي ترتكب في العالم ومحاكمة مرتكبيها.
وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، للمجلس في أواخر يناير، إنه كان "من المذهل للغاية" أثناء زيارته لمخيمات اللاجئين المختلفة في تشاد، المتاخمة لدارفور، أن الأشخاص الذين عاشوا صراع دارفور منذ عام 2003 أخبروه بشكل عفوي أن ما يحدث اليوم "هو الأسوأ على الإطلاق".
وأضاف خان "بناء على عمل مكتبي، فإن تقييمي الواضح، هو أن هناك أسبابا للاعتقاد بأن الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي ترتكب حاليا في دارفور من قبل كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والجماعات التابعة لهما".
وحث غوتيريش على دعم المحكمة الجنائية الدولية، قائلا إن دورها في محاكمة المتورطين في "الفظائع" في دارفور "ضروري للغاية".
دعا غريفيث والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إلى تقديم دعم دولي بقيمة 4.1 مليار دولار للمدنيين المحاصرين في السودان، وسط مؤشرات على أن البعض ربما يموتون جوعا، بعد ما يقرب من عام من الحرب.
وقالت الوكالات إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاج إلى الدعم والحماية، وإن الأموال المطلوبة ستخصص لمساعدة ملايين المدنيين في السودان وغيرهم ممن فروا إلى الخارج.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
يوم عمل عادي في السودان
حمّور زيادة
صرّح متحدّث باسم الجيش السوداني، في 22 إبريل/ نيسان 2023، بأن هناك تهويلا للحالة الإنسانية في الخرطوم. وقتها (بعد أسبوع من اندلاع حرب السودان)، لم تكن الأمور قد بلغت السوء الحالي. وما كانت الحرب قد انتشرت في مساحة تتجاوز منطقة وسط الخرطوم المركزية، وبعض المناطق العسكرية إلا قليلاً. لم يكن النزوح الكبير قد بدأ. وكانت حالات السرقة واقتحام المنازل ما زالت قليلةً، قبل أن تتحوّل موجةً ضخمة من النهب والسلب وغيرها من الانتهاكات، التي في قمّتها القتل والاغتصاب والتهجير والاحتجاز القسري. رغم ذلك، لم تكن معاناة سكّان الخرطوم قليلة، ففي بعض المناطق انقطع التيّار الكهربائي منذ ساعات الحرب الأولى، كما توقّف الإمداد المائي. كان هناك سودانيون يعانون أسبوعاً، محاصرين بالقتال، بلا خدمات، لكن الحديث عنهم كان يبدو تهويلاً لبعضهم (!).
في تلك الأيّام، كان "الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون" الموالون للجيش يؤكّدون أن الحرب قد انتهت، وإنْ هي إلا ساعات، أو بضعة أيّام على أسوأ الفروض، حتى يقضي الجيش على ما تبقّى من "جيوب" قوات الدعم السريع. أما قائد "الدعم السريع" فقد اتصل بالقنوات التلفزيونية ليطالب قائد الجيش (المحاصر وقتها) بالاستسلام، ويتوعّده ومجلسه العسكري بالإعدام. ... في تلك الأيّام، وصف وزير المالية ما يحدث بأنه سحابة صيف.
هناك طمأنينة واضحة في تصريحات قادة الجيش وحلفائهم، تصرّ على أن كلّ شيء تحت السيطرة. طمأنينة تكاد تصل إلى حدّ الاستخفاف بمعاناة المواطنين. منذ اليوم الأول، وحتى هذه اللحظة بعد مرور 630 يوماً، وما خلا حالات متفرّقة، لم يهتم الجيش بتيسير حياة المواطنين في أثناء الحرب. فلا توجد عمليات إجلاء من مناطق العمليات إلا حوادث نادرة، آخرها قبل أيام. أما النازحون الذين تفرّقوا داخل البلاد فواجهتهم مشاكل توفير أماكن سكن ملائم وفرص عمل. ومن استقبلتهم الدولة في المدارس أخلوا منها، وبعضهم بالقوة الجبرية. أمّا المدارس فأعلنت السلطات العسكرية عن العام الدراسي في مناطق سيطرتها، بينما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن 17 مليون طفل سوداني أصبحوا خارج التعليم بسبب الحرب.
ومع موجة نزوح وصفها في ديسمبر/ كانون الأول 2023 المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بأنها "أكبر موجة نزوح في العالم"، تجاوز عدد النازحين 12 مليون مواطن في نهاية ديسمبر 2024، حسب إحصاء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتحذّر الأمم المتحدة منذ اليوم الأول للحرب من خطورة الوضع الغذائي في البلد المُنهك، وأعلنت الأسبوع الماضي أن أكثر من 60% من سكّان السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية. لكن الجيش يكرّر عبر قائده ووزراء حكومته أن لا مجاعة في السودان، بل يكرّر البُشرَيات بالموسم الزراعي الناجح، والاكتفاء الذاتي من الدقيق المصنّع محلّياً، وغيرها من إنجازات لم تُحقَّق في عهد السلم. لكن تحاول بورتسودان أن تقنع العالم بأنها حقّقتها في وقت الحرب. هذا مع الاتفاق على إنشاء مبانٍ حكومية فخمة، ومطارات، في مناطق سيطرة الجيش.
إنه يوم عمل عادي. لا يعكّره إلا معاناة المواطنين. لكنّ هذا أمر لا يشغل السلطة العسكرية، مثلها مثل خصمها "الدعم السريع"، التي تكتفي بإنكار كلّ الانتهاكات التي يرتكبها منسوبوها، أو تعليقها على رقبة "الفلول والمتفلّتين". من تتبرّأ منهم "الدعم السريع" هم قادتها وجنودها، الذين ما وطئوا مكاناً إلا أهانوا أهله، وأذلوهم، وارتكبوا فيهم من الانتهاكات ما يرقى لجرائم الحرب بلا جدال.
تتراجع "الدعم السريع" عسكرياً، فيزيد بطشها وانتقامها من المواطنين، ثمّ يخرج قائدها ليعتذر عن "التجاوزات"، ويعد بالتحقيق، ثمّ يؤكّد (قبل أي تحقيق) براءة قواته، ويستعطف الناس أنّ تحميله ذنب هذه الانتهاكات ظلم (!)، تحاول "الدعم السريع" إقناع العالم بأنها قوة ثورية، محاربة من أجل الحرّية. وهي محاولة بائسة، من الصعب أن تنجح بعد عقود من الانتهاكات في دارفور، وبعدما أضاع قائد "الدعم السريع" أكثر من فرصة للمصالحة بالمشاركة في فضّ اعتصامات المحتجّين في 2019، ثمّ المشاركة في الانقلاب العسكري في 2021، وأكّدها بالحرب وانتهاكاتها، لكنّه يحاول التملّص من هذه الجرائم ليعلّقها على رقبة حليفه القديم قائد الجيش.
هكذا يدير الجيش ما تحت يده من البلاد، كأنّما هو مُجرَّد يوم عمل آخر. وتنكر "الدعم السريع" جرائمها بينما تتقطر يداها دماً، كما كانت تفعل دائماً منذ عهد مذابح دارفور. أمّا المواطنون، الضحايا والوقود غير الطوعي للحرب، فيحاولون النجاة، وحدهم من دون معين.
نقلا عن العربي الجديد