نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالاً لسارة ياغر،  مديرة “هيومان رايتس ووتش” ما بين 2016- 2018، والمستشارة لرئيس هيئة الأركان في وزارة الدفاع لشؤون حقوق الإنسان سابقاً، دعت فيه الولايات المتحدة لوقف نفاقها بشأن غزة، وتقييم السلوك الإسرائيلي، ومحاسبتها عليه.

وأشارت بداية إلى تداعيات الحرب الانتقامية التي شنّتها إسرائيل ضد غزة، بعد هجمات “حماس” في تشرين الاول/أكتوبر، من ارتفاع عدد القتلى إلى أزيد من 27,000 وجرح أكثر من 6,000 شخص، وتهجير معظم سكان غزة، البالغ عددهم 2,3 مليون نسمة، إلى جانب معاناة أكثر من  400,000 فلسطيني من الجوع والمجاعة والمرض، بسبب الحصار الإسرائيلي على القطاع، والقيود على دخول المواد الإنسانية، وسيزيد العدد هذا لو تراجعت المساعدات الدولية.

وقالت ياغر إن الأرقام مذهلة، ولا يمكن فهمها بدون البحث في ما إن كانت إسرائيل قد خرقت القانون الدولي أثناء الحملة العسكرية، وهناك الكثير من الأدلة المتوفرة، والتي تقترح أن إسرائيل بالفعل خرقت القانون الدولي.

ونشرت منظمات حقوق الإنسان تقارير عن العقاب الجماعي للمدنيين وتدمير المباني المدنية التي لا تشكّل أيّ خطر عسكري، ولكن الغارات أدت لمقتل المدنيين، وبأعداد كبيرة.

ووثّقت منظمة “هيومان رايتس ووتش” حالات عدة من الغارات غير القانونية ضد المستشفيات في غزة، مثل المستشفى “الأندونيسي” و”الأهلي” و”مركز العيون الدولي” ومستشفى “الصداقة التركي- الفلسطيني” ومستشفى “القدس”.

وسجّلت “أمنستي إنترناشونال” استهداف بيت مزدحم بالمدنيين في غزة بذخيرة أمريكية الصنع، وقتلت 43 مدنياً منهم 19 طفلاً. كما استخدمت إسرائيل قنابل ضخمة في مناطق ذات كثافة سكانية. وعندما يتعلق الأمر بانتهاكها للقانون الدولي، تتوفر أدلة واسعة للتأكد من صحة الشكوك. كل هذا يضع الولايات المتحدة أمام منعطف، لأن واشنطن هي أهم حليف، وأكبر مصدر للأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة، وحصلت إسرائيل منذ إنشائها على ما مجموعه: 300 مليار دولار، إضافة إلى 10 مليارات أخرى في الطريق، مع أن القانون الأمريكي يشترط عدم استخدام الدعم العسكري الأمريكي في عمليات أمنية تخرق القانون الأمريكي والدولي. ويشترط القانون الأمريكي على وزارة الخارجية تقييم فيما إن كانت المساعدة العسكرية “ستُستخدم على الأرجح” لخرق القانون الدولي.

وحتى الآن، لا يبدو أن وزارة الخارجية قامت بهذه التقييمات، في وقت دفع فيه المسؤولون البارزون في الإدارة إسرائيل لتقليل الضحايا المدنيين، والسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية.

وكرّر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، تحذيراته من أن عدداً كبيراً من المدنيين الفلسطينيين قتلوا، وكرّر كلامه في منتدى دافوس، الشهر الماضي. وتحدث وزير الدفاع لويد أوستن عن الموضوع نفسه، وأرسل مستشارين لنصح القوات الإسرائيلية حول كيفية الحد من القتلى المدنيين في مناخ صعب. ومع ذلك فلم يصدر عن المسؤولين، باستثناء تصريح الرئيس جو بايدن في كانون الأول/ديسمبر، الذي خرج عفواً عن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل على سمعتها بسبب القتل العشوائي.

وقضى المتحدثون باسم الإدارة أياماً وهم يبرّرون ويفسّرون كلام بايدن. وعندما كان الصحافيون يسألونهم عن سلوك إسرائيل جاء الرد من المتحدث الإعلامي باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي: “لن نحكم على كلّ عمل تكتيكي”. وقال جاك رايدر، المتحدث الإعلامي باسم البنتاغون: “لن أتحدث نيابة عن الإسرائيليين وعملياتهم”. وأضاف أن القوات الأمريكية لا تشترك مع القوات الإسرائيلية، ولا تدير الحملة معها، “وعليكم معرفة هذا، وبوضوح، أن هذه هي عمليتهم وهم يديرونها”.

وما هو غائب في هذه التصريحات والبيانات هو إنْ كانت إسرائيل ملتزمة بالقانون الدولي في حربها على غزة، فلو كان المسؤولون الأمريكيون يعرفون  أنها تفعل أو تقوم على الأقل بخطوات لتجنّب الإضرار بالمدنيين في ظروف صعبة، لكانوا تحدثوا عن الأمر. لكنهم لم يفعلوا، رغم أن إدارة بايدن لم تتورع عن  نقد المتحاربين وسلوكهم في نزاعات أخرى. فلفت الانتباه لما يحدث في غزة يحتاج من إدارة بايدن تغيير سياستها، ويضع إدارة الرئيس أمام خيارات صعبة تريد تجنّبها، كما ستعقّد من ديناميات العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، المعقّدة أصلاً، وربما وضعت بايدن في موضع ضعف في عامٍ انتخابي. إلا أن تجنّب الولايات المتحدة مواجهة السلوك الإسرائيلي في غزة والاكتفاء بتطبيق قواعد الدعم العسكري وبطريقة انتقائية، يخسرها موقفها الأخلاقي الذي تزعمه لنفسها.

وعلى مدى تاريخها، زعمت الولايات المتحدة أن الالتزام بقوانين الحرب هو ما يفرقها عن أعدائها. وقد شجبت إدارة بايدن الجرائم التي ارتكبتها روسيا والنظام السوري، وعندما تعلق الأمر بإسرائيل تظاهرت بأنها لا تستطيع الحكم على أفعالها، رغم تمويلها لهذه الأعمال.

وما تحقّقه أمريكا من منافع قصيرة الأمد عبر هذه المواقف، يتقاصر أمام الأضرار على سمعتها ومصالحها بالمدى الطويل. وعلى المسؤولين الحديث بصوت عالٍ عمّا يرونه ويراه كل المراقبين للحرب في غزة، وأن سلوك إسرائيل غير مقبول.

وربما كان ثمن الصدق غالياً، إلا أن ثمن النفاق سيكون أعلى كلفة.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: الولایات المتحدة القانون الدولی فی غزة

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة ترفض قرارا أمميا يدعم أوكرانيا

الولايات المتحدة ترفض قرارا أمميا يدعم أوكرانيا

مقالات مشابهة

  • المالكي : أمريكا تطلب حل الحشد الشعبي ونقل سكان غزة إلى الأنبار
  • "لوموند": الولايات المتحدة تمثل تهديدا للديمقراطية في أوروبا
  • "فورين بوليسي": الهند المستفيد الأكبر من سياسات ترامب وصفقاته مع القوى العالمية الأخرى
  • لوموند : أمريكا تمثل تهديدا للديمقراطية في أوروبا.. فورين بوليسي : الهند المستفيد الأكبر من سياسات ترامب.. لوفيجارو : في ألمانيا كل شيء يحتاج إلى إعادة بناء
  • مجلس الأمن يدين رواندا ويطالبها بوقف دعم متمردي الكونغو
  • الولايات المتحدة ترفض قرارا أمميا يدعم أوكرانيا
  • 232 منظمة حقوقية تطالب بوقف تزويد “إسرائيل” بالسلاح
  • أكثر من 200 منظمة حقوقية تطالب بوقف تزويد “إسرائيل” بالسلاح
  • 232 منظمة حقوقية تطالب بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح
  • اتهمه بإهدار الأموال.. ترامب يشن هجوما لاذعا على بايدن