دارفور ضحية ذاكرة لم تطوَ: مأساة تتكرر وسط تجاهل دولي وإفلات من العقاب
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
الخرطوم - أعادت المعارك في دارفور بين الجيش وقوات الدعم السريع، الذكريات المريرة لنزاع مضى عليه عقدان من الزمن في الإقليم الواقع بغرب السودان، وأثارت مخاوف من أن يجد سكانه أنفسهم مجددا ضحايا تجاهل دولي وإفلات من العقاب.
كان الإقليم ذو المساحة الشاسعة، ساحة لحرب أهلية مريرة عام 2003 بين متمردي الأقليات العرقية الإفريقية وحكومة الرئيس المعزول عمر البشير التي كان غالبية أعضائها من العرب.
وبعد اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل 2023، امتدت أعمال العنف مجددا الى دارفور، لتدوّن صفحات جديدة من أهوال الحرب مثل النزوح الجماعي والعنف الجنسي وأعمال القتل على أساس عرقي.
وأواخر كانون الثاني/يناير، حذّرت لجنة خبراء تابعة للأمم المتّحدة في تقرير اطّلعت عليه وكالة فرانس برس، من أنّ ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص قُتلوا منذ نيسان/أبريل في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور وحدها، أي ما لا يقل عن خمسة بالمئة من تعدادها قبل اندلاع الحرب.
وخلصوا إلى أن المقاتلين "استهدفوا مجتمع المساليت" في ما "قد يرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وتسيطر قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" حاليا على أربع من عواصم الولايات الخمس المشكِّلة للإقليم، ما يعرّض المدنيين لـ "أسوأ كابوس لهم"، بحسب ما قالت باحثة في الشأن السوداني لفرانس برس.
وتابعت الباحثة التي فضّلت عدم نشر اسمها لاعتبارات أمنية إن "المجرمين الذين روّعوهم (سكان دارفور) على مدى عقود واغتصبوا النساء ونهبوا الأراضي ومارسوا القتل الجماعي على أساس عرقي، هم من يحكمون الآن".
وخلال النزاع السابق في دارفور، استعان البشير لمساندة قواته بمليشيات "الجنجويد". وشكّلت هذه الأخيرة في وقت لاحق نواة قوات الدعم التي أنشئت رسميا في 2013.
الذاكرة نفسها
في 31 تشرين الأول/أكتوبر، سيطرت قوات الدعم على مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وارتكبت "القتل الجماعي والقتل خارج إطار القانون، الاعتقالات التعسفية، وكذلك الاعتداءات الجنسية للفتيات والنساء، والتعذيب والنهب"، على ما أفاد الحقوقي السوداني محمد براء فرانس برس.
وتابع براء المقيم خارج السودان "نفس السيناريو الذي جرى في الجنينة (غرب دارفور) وهو استهداف (قبائل) المساليت، تم في زالنجي باستهداف (قبائل) الفور".
وفي ظل انقطاع الاتصالات منذ أشهر، يعتمد المجتمع الدولي على المراقبين المحليين مثل منظمة "عوافي" التي يعمل بها براء، حيث يخاطر متطوعون بحياتهم لنشر الأخبار عن الوضع.
ووفق تعداد "عوافي"، قُتل ما لا يقل عن 180 شخصا في هجوم من قبل الدعم السريع على معسكر للنازحين تعرّضوا لـ"القتل الجماعي والذبح... تحت مبرر أن المعسكر يأوي (أفراد) الجيش".
وقدّرت الأمم المتحدة بعد التحقيق في هجوم الحصاحيصا، بأن ما لا يقل عن 16,250 شخصا "أحبروا على النزوح" إلى مناطق أخرى داخل البلاد.
وقال أحد زعماء القبائل لفرانس برس إن أربعة معسكرات على الأقل في غرب دارفور "أحرقت بالكامل".
ويعلّق براء "هي الذاكرة نفسها... وقوات الدعم السريع هي نفسها من مارست الجرائم ذاتها في العام 2003"، مشيرا إلى أن "بعض المناطق تشهد عنفا أكبر" مقارنة بالماضي.
وأودى النزاع الذي بدأ العام 2003، بنحو 300 ألف قتيل وشرّد 2,5 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة.
ويرى الخبير في الشأن السوداني أليكس دي فال أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان "ليس أقل فسادا ووحشية" من نائبه السابق دقلو.
ويقول مراقبون محليون وخبراء أمميون إن سكان دارفور إما استهدفوا بشكل مباشر من قبل الجيش أو تم التخلي عنهم نتيجة انسحاب القوات.
ورصد خبراء الأمم المتحدة في ثلاث عواصم في دارفور هي الفاشر (شمال دارفور) ونيالا (جنوب دارفور) والضعين (شرق دارفور)، أن الجيش "لم يتمكن من حماية المدنيين فحسب، بل نفذ قصفا جويا عنيفا في المناطق المأهولة بالسكان".
زمن الإفلات من العقاب
في كانون الأول/ديسمبر، اتهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجيش وقوات الدعم السريع بارتكاب "جرائم حرب في السودان".
كما اتهم "عناصر في قوات الدعم السريع ومليشيات متحالفة معها" بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية وعمليات تطهير عرقي"، مشيراً إلى روايات عن عمليات قتل جماعي ارتكبتها قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها ضد قبيلة المساليت.
وعلى الرغم من حضور التاريخ الدموي لدافور في ذاكرة المجتمع الدولي، يرى محللون أن الغرب لا يمارس دوره لمنع تكرار ما حدث.
ويوضح الخبير في شأن دارفور إريك ريفز "عادة ما نسمع عبارات مثل: أليس ذلك فظيعا؟ ولكن ليس أكثر".
وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قال إنه توصل إلى "استنتاجات واضحة" مفادها أن "هناك سبب للاعتقاد بأن جرائم ينص عليها نظام روما الأساسي تُرتكب حاليا في دارفور بأيدي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وجماعات تابعة لها".
أما الأمين العام لمنظمة "المجلس النروجي للاجئين" يان إيغلاند قال "إننا نعيش في زمن الإفلات من العقاب"، مؤكدا استمراره طالما "لا يُنظر إلى السودان كمصلحة استراتيجية".
وتقول الحقوقية السودانية أماني حسبو من الفاشر، العاصمة الوحيدة التي لا زالت خارج سيطرة الدعم السريع، "مع الأسف المجتمع الدولي غائب تماما".
وتضيف لفرانس برس "على الرغم من أن المواطنين بالآلاف في مراكز الإيواء يعانون الجوع، فإن المساعدات الإنسانية التي تصل ضئيلة جدا".
وتقول الأمم المتحدة إن 80 ألف شخص تدفقوا إلى الملاجئ المؤقتة في الفاشر، في حين يواجه أكثر من نصف السكان في جميع أنحاء دارفور "الجوع الحاد".
والاثنين أفادت منظمة أطباء بلا حدود في بيان إن طفلا يموت كل ساعتين في مخيم زمزم للنازحين في دارفور في غرب السودان ونددت "بالوضع الكارثي" فيه.
وتقول حسبو "هناك الكثير من الرصاص... رصاص طائش، ونقاط عسكرية كثيرة.. أصبحت الحياة اليومية والحركة صعبة جداً جداً".
المصدر: شبكة الأمة برس
كلمات دلالية: وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الأمم المتحدة فی دارفور من العقاب
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني والقوة المشتركة يسيطران على قاعدة الزرق الاستراتيجية بولاية شمال دارفور
أعلنت القوات المسلحة السودانية، أن "القوة المشتركة" بسطت سيطرتها على منطقة الزرق بولاية شمال دارفور التي تتخذها قوات الدعم السريع قاعدة عسكرية استراتيجية، وسيطرت على عدد من المركبات القتالية وكمية من مواد تموين القتال، فيما لم تصدر "الدعم السريع" أي بيان بشأن هذه التطورات حتى اللحظة.
وقالت القوات المسلحة في بيان على صفحتها بفيسبوك، السبت، إنه تم خلال المعركة القضاء على العشرات من عناصر "الدعم السريع"، ومطاردة الهاربين.
وفي وقت لاحق، أكد الرائد أحمد حسن مصطفى الناطق الرسمي باسم القوات المشتركة التي تتكون من مجموعة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة السودانية في أكتوبر 2022، السيطرة على القاعدة التي تقع بمنطقة الزرق "هامي" في ولاية شمال درافور.
وأوضح مصطفى أن المنطقة التي سيطرت عليها قواته تمثل قاعدة استراتيجية كبرى، وتضم 6 حاميات متفرقة ما يجعلها أكبر خط إمداد بالنسبة لقوات الدعم السريع.
وأضاف: "تم تحرير كامل المنطقة وحتى الآن نطارد المرتزقة ولم تنته المعركة".
والزُرق هي منطقة نائية بولاية شمال دارفور، تقع في الحدود الثلاثية الرابطة بين السودان وتشاد وليبيا.
وتعرضت قاعدة الزرق إلى القصف الجوي أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، في محاولة لتدمير إمدادات الدعم السريع.
وذكر حاكم إقليم دارفور والمشرف العام للقوات المشتركة مني أركو مناوي، في تصريح نقلته صحيفة "سودان تربيون"، إن "معارك شرسة خاضتها القوة المشتركة بشمال دارفور استمرت 5 ساعات، وانتهت بإزالة كافة الارتكازات التي نصبتها قوات الدعم السريع لحماية قاعدة الزرق".
وأضاف: "الآن فقد الدعم السريع خط إمداد رئيسي يربطه بدولة ليبيا".
وأظهرت مقاطع فيديو، عناصر من القوة المشتركة يستعرضون سيارة مصفحة تتبع لقوات الدعم السريع في قاعدة الزرق بعد الاستيلاء عليها.
وقال مناوي في تغريدة على منصة "إكس": "القوة المشتركة التي تمثل الأمل في استعادة الأمن والاستقرار ردت بقوة على هؤلاء المغتصبين ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية".
وأضاف: "منذ عام 2017، كانت هناك جهود مستمرة لتطهير المناطق التي تعرضت للاعتداءات، والردود القوية تأتي في إطار الدفاع عن الحق والعدالة.
وتابع:" لا ترد القوة المشتركة إلا على أولئك الذين يعتدون على النساء ويقتلون الأطفال، مؤمنة بأن الحق دائماً ينتصر".
وتجددت المعارك بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة منذ وقت مبكر من صباح السبت في صحراء شمال دارفور، إذ تركزت المواجهات في مناطق بئر مرقي، ووادي هور، علاوة على الزُرق، بحسب وسائل إعلام محلية.
وشارك الطيران الحربي التابع للجيش في المعارك، إذ قصف أهدافاً لقوات الدعم السريع بالبراميل المتفجرة، وفقاً لما نقلته "سودان تربيون" عن مصادر عسكرية.
وتأتي المواجهات في صحراء شمال دارفور امتداداً للمعارك الضارية التي تدور في مدينة الفاشر منذ مايو الماضي، بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة، وفقاً للصحيفة.
وبحسب الصحيفة، فإن قوات الدعم السريع، بدأت منذ 2017 إنشاء مشاريع بنى تحتية ضخمة في المنطقة شملت مدارس ومستشفيات، علاوة على إنشاء معسكرات ضخمة لقواتها، كما شرعت في إنشاء مطار في البلدة.
دبي- الشرق