الخرطوم - أعادت المعارك في دارفور بين الجيش وقوات الدعم السريع، الذكريات المريرة لنزاع مضى عليه عقدان من الزمن في الإقليم الواقع بغرب السودان، وأثارت مخاوف من أن يجد سكانه أنفسهم مجددا ضحايا تجاهل دولي وإفلات من العقاب.

كان الإقليم ذو المساحة الشاسعة، ساحة لحرب أهلية مريرة عام 2003 بين متمردي الأقليات العرقية الإفريقية وحكومة الرئيس المعزول عمر البشير التي كان غالبية أعضائها من العرب.

وبعد اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل 2023، امتدت أعمال العنف مجددا الى دارفور، لتدوّن صفحات جديدة من أهوال الحرب مثل النزوح الجماعي والعنف الجنسي وأعمال القتل على أساس عرقي.

وأواخر كانون الثاني/يناير، حذّرت لجنة خبراء تابعة للأمم المتّحدة في تقرير اطّلعت عليه وكالة فرانس برس، من أنّ ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص قُتلوا منذ نيسان/أبريل في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور وحدها، أي ما لا يقل عن خمسة بالمئة من تعدادها قبل اندلاع الحرب.

وخلصوا إلى أن المقاتلين "استهدفوا مجتمع المساليت" في ما "قد يرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

وتسيطر قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" حاليا على أربع من عواصم الولايات الخمس المشكِّلة للإقليم، ما يعرّض المدنيين لـ "أسوأ كابوس لهم"، بحسب ما قالت باحثة في الشأن السوداني لفرانس برس.

وتابعت الباحثة التي فضّلت عدم نشر اسمها لاعتبارات أمنية إن "المجرمين الذين روّعوهم (سكان دارفور) على مدى عقود واغتصبوا النساء ونهبوا الأراضي ومارسوا القتل الجماعي على أساس عرقي، هم من يحكمون الآن".

وخلال النزاع السابق في دارفور، استعان البشير لمساندة قواته بمليشيات "الجنجويد". وشكّلت هذه الأخيرة في وقت لاحق نواة قوات الدعم التي أنشئت رسميا في 2013.

الذاكرة نفسها

في 31 تشرين الأول/أكتوبر، سيطرت قوات الدعم على مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وارتكبت "القتل الجماعي والقتل خارج إطار القانون، الاعتقالات التعسفية، وكذلك الاعتداءات الجنسية للفتيات والنساء، والتعذيب والنهب"، على ما أفاد الحقوقي السوداني محمد براء فرانس برس.

وتابع براء المقيم خارج السودان "نفس السيناريو الذي جرى في الجنينة (غرب دارفور) وهو استهداف (قبائل) المساليت، تم  في زالنجي باستهداف (قبائل) الفور".

وفي ظل انقطاع الاتصالات منذ أشهر، يعتمد المجتمع الدولي على المراقبين المحليين مثل منظمة "عوافي" التي يعمل بها براء، حيث يخاطر متطوعون بحياتهم لنشر الأخبار عن الوضع.

ووفق تعداد "عوافي"، قُتل ما لا يقل عن 180 شخصا في هجوم من قبل الدعم السريع على معسكر للنازحين تعرّضوا لـ"القتل الجماعي والذبح... تحت مبرر أن المعسكر يأوي (أفراد) الجيش".

وقدّرت الأمم المتحدة بعد التحقيق في هجوم الحصاحيصا، بأن  ما لا يقل عن 16,250 شخصا "أحبروا على النزوح" إلى مناطق أخرى داخل البلاد.

وقال أحد زعماء القبائل لفرانس برس إن أربعة معسكرات على الأقل في غرب دارفور "أحرقت بالكامل".

ويعلّق براء "هي الذاكرة نفسها... وقوات الدعم السريع هي نفسها من مارست الجرائم ذاتها في العام 2003"، مشيرا إلى أن "بعض المناطق تشهد عنفا أكبر" مقارنة بالماضي.

وأودى النزاع الذي بدأ العام 2003، بنحو 300 ألف قتيل وشرّد 2,5 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة.

ويرى الخبير في الشأن السوداني أليكس دي فال أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان "ليس أقل فسادا ووحشية" من نائبه السابق دقلو.

ويقول مراقبون محليون وخبراء أمميون إن سكان دارفور إما استهدفوا بشكل مباشر من قبل الجيش أو تم التخلي عنهم نتيجة انسحاب القوات.

ورصد خبراء الأمم المتحدة في ثلاث عواصم في دارفور هي الفاشر (شمال دارفور) ونيالا (جنوب دارفور) والضعين (شرق دارفور)، أن الجيش "لم يتمكن من حماية المدنيين فحسب، بل نفذ قصفا جويا عنيفا في المناطق المأهولة بالسكان".

زمن الإفلات من العقاب

في كانون الأول/ديسمبر، اتهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجيش وقوات الدعم السريع بارتكاب "جرائم حرب في السودان".

كما اتهم "عناصر في قوات الدعم السريع ومليشيات متحالفة معها" بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية وعمليات تطهير عرقي"، مشيراً إلى روايات عن عمليات قتل جماعي ارتكبتها قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها ضد قبيلة المساليت.

وعلى الرغم من حضور التاريخ الدموي لدافور في ذاكرة المجتمع الدولي، يرى محللون أن الغرب لا يمارس دوره لمنع تكرار ما حدث.

ويوضح الخبير في شأن دارفور إريك ريفز "عادة ما نسمع عبارات مثل: أليس ذلك فظيعا؟ ولكن ليس أكثر".

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قال إنه توصل إلى "استنتاجات واضحة" مفادها أن "هناك سبب للاعتقاد بأن جرائم ينص عليها نظام روما الأساسي تُرتكب حاليا في دارفور بأيدي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وجماعات تابعة لها".

أما الأمين العام لمنظمة "المجلس النروجي للاجئين" يان إيغلاند قال "إننا نعيش في زمن الإفلات من العقاب"، مؤكدا استمراره طالما "لا يُنظر إلى السودان كمصلحة استراتيجية".

وتقول الحقوقية السودانية أماني حسبو من الفاشر، العاصمة الوحيدة التي لا زالت خارج سيطرة الدعم السريع، "مع الأسف المجتمع الدولي غائب تماما".

وتضيف لفرانس برس "على الرغم من أن المواطنين بالآلاف في مراكز الإيواء يعانون الجوع، فإن المساعدات الإنسانية التي تصل ضئيلة جدا".

وتقول الأمم المتحدة إن 80 ألف شخص تدفقوا إلى الملاجئ المؤقتة في الفاشر، في حين يواجه أكثر من نصف السكان في جميع أنحاء دارفور "الجوع الحاد".

والاثنين أفادت منظمة أطباء بلا حدود في بيان إن طفلا يموت كل ساعتين في مخيم زمزم للنازحين في دارفور في غرب السودان ونددت "بالوضع الكارثي" فيه.

وتقول حسبو "هناك الكثير من الرصاص... رصاص طائش، ونقاط عسكرية كثيرة.. أصبحت الحياة اليومية والحركة صعبة جداً جداً".

المصدر: شبكة الأمة برس

كلمات دلالية: وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الأمم المتحدة فی دارفور من العقاب

إقرأ أيضاً:

الإمارات دربت الدعم السريع بذريعة القتال في اليمن.. هذه تفاصيل زيارة حميدتي

كشف مصدران يمنيان مطلعان أن قائد قوات "الدعم السريع" السودانية، محمد حمدان دقلو، زار اليمن بالتنسيق مع دولة الإمارات أثناء مشاركة قوات الجيش السوداني ضمن عمليات التحالف العربي الذي قادتها السعودية ضد الحوثيين منذ 2015.

وقال المصدران أحدهما عسكري لـ"عربي21" إن "حميدتي" وصل إلى منطقة الساحل الغربي اليمني القريب من مضيق باب المندب حيث ممر الملاحة الدولية عام 2017، في ذروة العمليات القتالية التي كانت تدور رحاها بين القوات اليمنية المدعومة من الإمارات والسعودية ومسلحي جماعة الحوثيين إلى الغرب من محافظة تعز، وفي المناطق الجنوبية من محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.

وأشار المصدر العسكري إلى أن قائد قوات "الدعم السريع" السودانية الذي يقود تمردا على مجلس السيادة الانتقالي المعترف به دوليا في السودان، التقى باللواء، هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع اليمني الأسبق، أحد القيادات العسكرية الانفصالية المدعومة من أبوظبي والذي كان يقود لواءين في الساحل الغربي. في حين كانت "الدعم السريع" تشارك في العمليات القتالية ضد الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح وقتئذ، ضمن القوات التي تشرف عليها أبوظبي شريك الرياض في التحالف العسكري الذي بدء عملياته في مارس/ آذار 2015.

وتابع المصدر ذاته والذي كان حاضرا خلال زيارة "حميدتي" أن قائد قوات "الدعم السريع" مكث في الساحل الغربي اليمني أيام، قبل أن يغادر على متن طائرة خاصة إلى دولة الإمارات".



وحسب المصدرين فإن أبوظبي أنشأت معسكرات حشد وتجنيد السودانيين ضمن قوات "الدعم السريع" في الأراضي الإماراتية وفي جزيرة عصب الإرتيرية، حيث كانت تقوم بذلك تحت لافتة القوات السودانية المشاركة ضمن الائتلاف العسكري الذي تقوده الرياض لدعم السلطة الشرعية اليمنية وإنهاء انقلاب جماعة الحوثيين. 

وأكدا أن "حميدتي" ضمن قيادات عسكرية سودانية أجروا زيارات إلى اليمن، بعد أن استقدمتهم دولة الإمارات تحت غطاء " إيفاد القوات إلى اليمن وفي إطار نظام الرئيس السابق، عمر البشير"، فيما كانت عمليات التحشيد والتجنيد للسودانيين ضمن قوات الدعم السريع لغايات أخرى، اتضحت مؤخرا في السودان. 

وأوضح المصدران أن الضباط الإماراتيين ومخابرات الدولة الخليجية كانت تنشط بكثافة بين السودانيين الذين يتم استقدامهم إلى الساحل الغربي وكانت تقوم بتشكيلهم في وحدات عسكرية وتقوم بتعيين قيادات لتلك الوحدات ضمنت ولاءها.

كما أن الإماراتيين حولوا اليمن إلى منطقة تأطير لقوات "الدعم السريع" بقيادة حميدتي لتنفيذ أجنداتها في السودان، ونظمت خطوط التواصل وضباط الارتباط بينهما، والأدوار والمهام المنوطة بكل قيادي عسكري قبل أن يعودوا إلى معسكرات التجنيد الداخلية التي أنشأتها في البلد العربي الأفريقي، مستغلة علاقتها الجيدة مع عمر البشير قبل أعوام من الإطاحة به عام 2019. 

وأفاد أحد المصدرين المطلعين أن حكومة أبوظبي كانت تقوم بحشد وطلب القوات المسماة بـ"الدعم السريع" وتقوم بتدريبها وتحمل تكاليف إعدادها وتسلحيها، ومن بوابة "اليمن" كانت تعد لمعركة السودان الحالية، مؤكدا أن الدولة الخليجية دخلت إلى الواقع السوداني عبر اليمن إذا قامت باستقدام قوات "الدعم السريع" كوحدات تابعة للجيش السوداني وبالتنسيق مع النظام الرسمي في الخرطوم قبل أن تعود هذه القوات كجيش موازي يقود حربا على الدولة السودانية". 

فيما قال مصدر عسكري ثالث لـ"عربي21" إن مشاركة القوات السودانية في  حرب اليمن كانت فاعلة بالنظر إلى الغزارة العددية التي ضمت "الألاف من السودانيين" والخبرة القتالية والحوافز الأخرى المادية والعقدية ووفرة أسلحة المشاة وتنوعها. فيما ذكر أحد المصدرين أن حجم التنسيق والعمل كان أكبر من المشاركة في حرب اليمن بل الإعداد لمعركة السودان الجارية منذ عامين تقريبا. 



وتابع المصدر العسكري الثالث أن مشاركة السودان في عمليات التحالف القتالية بقيادة السعودية تمثلت في صنفين من القوات الأول بقوات ما تسمى "الدعم السريع" التي يقودها حميدتي ولعبت دور قتالي في الساحل الغربي.

أما الصنف الآخر، فكان عبارة عن "بعثات تدريبية من الجيش السوداني لتعزيز التدريب في صفوف القوات الموالية للحكومة الشرعية، حيث لعبت دورا كبيرا في تدريب قوات "العمالقة" (ألوية سلفية مدعومة من الإمارات والسعودية) وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله قبل تشكيله أوساط 2017. 

ولفت المصدر إلى أن هذه البعثات تابعة لوزارة الدفاع السودانية ولازال جزءا من هذه البعثات موجودة وبالتنسيق بين الحكومة اليمنية والسودانية، مؤكدا أن هناك قوات سودانية من الجيش النظامي موجودة أيضا، في الحدود الجنوبية من المملكة مع اليمن وتشرف عليها الرياض، ومن أبرزها وحدات مدفعية.

مقالات مشابهة

  • مشروع قرار في مجلس النواب الأمريكي لحظر بيع الأسلحة للإمارات بسبب الدعم السريع
  • «مؤتمر الجزيرة»: الدعم السريع تطلق «9» محتجزين مقابل فديات مالية وتبقي على العشرات 
  • الإمارات دربت الدعم السريع بذريعة القتال في اليمن.. هذه تفاصيل زيارة حميدتي
  • الجيش السوداني يعلن تقدمه والدعم السريع يهاجم عطبرة بالمسيّرات
  • والي غرب دارفور يعفي 42 من قادة الإدارة الأهلية لموالاتهم الدعم السريع
  • نشطاء يكشفون مقتل العشرات رمياً بالرصاص على يد قوات الدعم السريع في السودان
  • 40 قتيلا بهجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة بوسط السودان  
  • السودان.. قوات الدعم السريع تهاجم قرية وتقتل 40 مدنياً
  • 40 قتيلاً بهجوم لقوات الدعم السريع في وسط السودان
  • بعد إعلان نجاح الجيش على قوات الدعم السريع.. الوافدون السودانيون يدشنون مبادرة «راجعين لبلد الطيبين»