في تفكيك خطابات أبي أحمد بشأن البحر الأحمر
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، المتكرّرة أخيرا، ذات الطابع الشعبوي، لغطاً وموجة من التساؤلات بشأن ما يريده هذا الرجل الذي وصفه وزير الخارجية المصري بأنه عرَّاب الاضطرابات في القرن الأفريقي، والدوافع التي تجعله يتبنّي خطاباتٍ تزيد حدّة التوترات في المنطقة أكثر، وتصب الزيت على نار الحرائق المشتعلة فيها، فمنذ يونيو/ حزيران 2023 أصدر أبي أحمد تصريحات متناقضة بين التفاوض والحرب بين دبلوماسية الأخذ والعطاء، والتعاون الاقتصادي المتكامل، كلها خطابات مدفوعة لمغزى واحد، الوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأحمر، انطلاقاً من رؤية مفادها بأن إثيوبيا من دون منفذ بحري على البحر الأحمر بعد مجيء أبي أحمد إلى الحكم عام 2018 لن تكون مختلفة عن إثيوبيا الأمس، والبقاء على الهامش شريكاً للقوى الغربية والاكتفاء بدور شرطي المنطقة لا أقلّ ولا أكثر.
ولهذا، سياسة إثيوبيا راهناً تحركها أطماع الهيمنة والسيادة في المنطقة، وهي سياسة تعزّزت ووجدت أرضية صلبة داخلياً بعد الملء الرابع لسدّ النهضة وانهيار المفاوضات مع الخرطوم والقاهرة مع حلول 2024، وهو النصر الذي أتى على طبقٍ من ذهب لأديس أبابا، ونقطة الاندفاعة القوية لتحقيق مزيد من التوسّعات نحو جوارها، وذلك بتوقيع مذكّرة تفاهم مع إقليم "صوماليلاند" في شمال الصومال، لإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر، مقابل الاعتراف لحكومة موسى بيحي دولة مستقلة، وهو ما يمكن تفسيره بـ"التبادلية" الناجزة، وأشبه بمقايضة غير عادلة، بين ثمن الاعتراف الزهيد مقابل أرض الأجداد التي طالما رُويت بدماء الأحرار قروناً.
لافتٌ أن السرديات التي صاغها أبي أحمد ضمن خطاباته في اجتماع حزب الازدهار الحاكم وأعضاء البرلمان الإثيوبي في فترات مختلفة، كان السياق التاريخي حاضراً ومستشهداً بالاطلالة على البحر الأحمر، قبل انفصال إريتريا عام 1993، لكن ما يتنافى وتلك السردية أن مسلمي زيلع كانوا منذ القرون الوسطى الوسيط التجاري وهمزة الوصل بين العالم الخارجي والحبشة، وكانت بضائعهم تمر عبر مرفأ صغير في مدينة زيلع بإقليم أودل في أقصى شمال الصومال، وكانت مقصداً للعلم والتجارة برغم الصراعات بين مسلمي زيلع والإمبراطوريات الإثيوبية التي حكمت الحبشة منذ قرون، محاولة إلغاء الوسيط الإسلامي بين الحبشة نحو الانفتاح إلى العالم، هي الهواجس نفسها التي تحرّك أبي أحمد حالياً للتموضع في منطقة ذات نفوذ استراتيجي وأهمية جيبولوتيكية في المنطقة، التي تعتبر الحديقة الخلفية لأمن دول الخليج العربي.
كذلك، يسوِّق مؤيدو أبي أحمد مقولة إن القانون الدولي يتيح للدول الحبيسة (44 دولة) حق الوصول إلى مياه جيرانها والاستفادة بها، متناسين أن ذلك ليس بمنطق عسكرة الطموح، بعيداً عن دبلوماسية إقامة شراكات اقتصادية وتعاون تجاري، لكن استحضار القوة العسكرية في تحقيق أهداف استراتيجية والبحث عن منافد عسكرية لا اقتصادية، تحمل مدلولات أخرى، وليست إثيوبيا وحدها بلا سواحل، فأوغندا وجنوب السودان ورواندا في البقعة الجغرافية نفسها في شرق أفريقيا بلا منافد بحرية، لكن من خلال شراكات اقتصادية مع جيرانها استطاعت أن تحقق عوائد اقتصادية جيدة، ولا تحركها أطماع للهيمنة على موانئ جيرانها، بينما تريد أديس أبابا اقتطاع منفذ بحري من مياه الصومال، في انتهاك فاضح ضد المواثيق الدولية وأعراف الاتحاد الأفريقي، التي إذا اخترقها أبي أحمد فإن الانقسامات والتفكك سيحدّدان مصير الكونفدرالية الإثيوبية الهشّة أصلاً، نتيجة الإثنيات والصراعات الداخلية التي تطغى حالياً على المشهد الإثيوبي منذ حرب تيغراي عام 2020.
كان البعد الاقتصادي هو الدافع والمحرك الرئيس لمبرّرات أبي أحمد للوصول إلى البحر الأحمر عبر المياه الإقليمية الصومالية، متحجّجاً بأن عدد سكان إثيوبيا يتزايد وعلى نحو متسارع، وأن التقديرات تفيد بأن الرقم سيتضاعف متخطياً حدود 150 مليون نسمة بحلول عام 2030، ولهذا لا بد من تأمين ممرات تجارية لرفع فاتورة الإنتاج المحلي، لكن هذه الادعاءات تسقط للوهلة الأولى مع العودة إلى سجلات الاقتصاد الإثيوبي الذي يحقّق كل عام قفزات اقتصادية هائلة، واستنادأً إلى ما صرح به وزير المالية الإثيوبي أحمد شيدي في اجتماع الحزب الحاكم أخيراً، أن اقتصاد بلاده سجَّل أداء أفضل في قطاعات النمو الرئيسة خلال الأشهر الستة الماضية (2023) على الرغم من الأزمات الداخلية والخارجية، كما توقع صندوق النقد الدولي أن تحقق إثيوبيا نموا اقتصادياً بنسبة 5.7% العام الماضي، أي ما يعني قفزات اقتصادية مستمرّة وبنسب كبيرة كل عام، ما يتناقض مع مزاعم أبي أحمد للبحث عن موانئ جديدة للاستثمار فيها، و يؤكد فرضية أن أديس أبابا تبحث عن دور عسكري محتمل في البحر الأحمر، دون الحاجة إلى موانئ اقتصادية تكلفها أثماناً باهظة، وإلا فلماذا انسحبت من اتفاقية بربرة عام 2022 التي منحتها حصة مغرية (19%) التي وقعتها مع شركة موانئ دبي وحكومة أرض الصومال عام 2018، التي أعلنت أن إثيوبيا لم تلتزم بوعودها في تشييد خطوط إمداد برية تربط بربرة بإثيوبيا.
ومع تسارع ردود الفعل الدولية المنتقدة لتوجهات أبي أحمد نحو البحر الأحمر وتوقيع مذكرة تفاهم مع إقليم انفصالي لا اعتراف دولياً به، بدأ أنصارُه يصوغون مبرّرات داخلية جديدة تتمثل في أهمية المضي في تحويل هذه المذكّرة إلى اتفاقية رسمية مع حكومة أرض الصومال، من دون أدنى اعتبار لصيحات المحذرين والمعارضين، من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والاتحاد الأوروبي والصين وأميركا، وأخيراً الحكومة الصومالية الفيدرالية، انطلاقاً من مبدأ التجاهل والعناد في تنفيذ المطالب ثم الشروع في التفاوض مع الخصوم أو إرغامه على الشراكة في حقوقه المسلوبة، وتنفيذاً لاستراتيجية عملية ملء سد النهضة مع مصر والسودان، التي انتهت بإعلان القاهرة انهيار المفاوضات أخيراً، وهو ما عدَّه مراقبون انتصاراً للقضية الإثيوبية وحقها المشروع في الاستفادة من مياه النيل.
ولكن إذا كان موقع السد يعد شأناً داخلياً إثيوبياً، فإن مياه الصومال التي تمتلك أطول ساحل في أفريقيا هي أيضاً أمر داخلي ولا يحقّ لإثيوبيا الاستفادة منه أو المساس به من دون موافقة أو اتفاق مع الحكومة الصومالية الشرعية، حتى وإن أمضت في طريقها نحو الوصول إلى تلك المياه، مستخدمة سياسة التغافل والغطرسة العسكرية فإن ارتدادات تلك الخطوة غير محسوبة العواقب سترث المنطقة صراعات عسكرية جديدة لا يمكن قياس حجم أضرارها وتداعياتها المستقبلية.
يجادل أيضاً أنصار أبي أحمد أن الاتفاقية الموقعة بين صوماليلاند وشركة موانئ دبي الإماراتية وإثيوبيا مرَّت من دون ضجيج، ولا صخب من الحكومة الفيدرالية عام 2018، فلماذا يأتي هذا الطوفان من الانتقادات الشديدة من جامعة الدول العربية ومصر والسعودية وقطر والاتحاد الأوروبي بعد توقيع الحكومة الإثيوبية مجرّد مذكرة تفاهم مع حاكم صوماليلاند، هنا الإشكالية في العقل الجمعي الإثيوبي في التفريق بين هذا الحال وشركة إماراتية لا تبحث عن أجندات عسكرية وراء مصالح اقتصادية مجرّدة من نوايا توسعية أو عسكرية، على خلاف إثيوبيا التي ترى أرض الصومال بمنزلة ثغرة مكشوفة لاختراق الجسد الصومالي نحو البحر الأحمر، وهو ما يؤكّده الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في أكثر من تصريح، أن أديس أبابا لا تريد موانئ تستثمرها، بل تحاول إقامة قاعدة عسكرية تضمن لها الاحتلال والهيمنة على المياه الصومالية.
في النهاية، لا يحمل أبي أحمد أجندات سياسية واقتصادية واستراتيجيات بنّاءة بقدر ما يحمل خطابات شعبوية لا تخدم آلية منع تآكل البنية الإثنية الإثيوبية من الداخل، خصوصاً بعد فشل المفاوضات مع جبهة فانو الأمهرية، وازدياد هجمات مسلحي جبهة أورومو ضد الجيش، والقبضة الأمنية المسلطة على نخب الأمهرة والأورومو السياسية، وذلك في وقت لا يزال إقليم تيغراي يئن من وطأة الحرب ويبحث عمّن يميط اللثام عن آلة الحرب والدمار التي قست على سكان الإقليم، يفجر أبي أحمد نزاعاً دبلوماسياً وربما سيتطوّر عسكرياً لاحقاً مع الصومال الذي خاض أبناؤه صراعات مريرة مع الإمبراطوريات الإثيوبية منذ القرون الوسطى، فهل يعي أبي أحمد خطورة الموقف ويسحب مذكّرة التفاهم، استجابة للمواقف الدولية والإقليمية الرافضة لهذه المذكّرة، أم سيظل يردّد مقولة المحارب الحبشي "البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا" حتى يخرج الوضع عن السيطرة ويتحول القرن الأفريقي إلى فوهة بركان مشتعلة يصعب إخمادها سريعاً؟
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اثيوبيا آبي أحمد الصومال البحر الأحمر البحر الأحمر أبی أحمد من دون
إقرأ أيضاً:
صيف مصري حار.. ماذا يعني انسحاب 4 شركات عالمية من امتيازات البحر الأحمر؟
يشهد ملف اكتشافات الغاز المصري مؤخرا بعض الأزمات التي تثير مخاوف مختصين على مستقبل القطاع الحيوي، منها انسحاب 4 شركات عالمية بالتزامن من مناطق امتيازها بالبحر الأحمر، واستمرار التباين بين معدلات الإنتاج والاستهلاك، واعتماد القاهرة على تعويض الفجوة من إسرائيل في ظل الوضع الإقليمي المتوتر.
مصر صاحبة ثاني أكبر اقتصاد قاري وثالث أكبر اقتصاد عربي، لا تملك أدوات إنتاج للغاز خاصة بها، وتعتمد في استخراج الخام من مناطق امتيازها شمالا بالبحر المتوسط، ودلتا النيل، وغربا في الصحراء الغربية، وشرقا بخليج السويس، على كبرى الشركات العالمية العاملة بهذا المجال.
وفي السنوات الستة الأخيرة، سعت القاهرة لطرح امتيازات جديدة على الشركات الأجنبية والعربية في منطقة البحر الأحمر لأول مرة، ضمن خططها الاستراتيجية لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، وسد فجوة كبيرة إذ يبلغ استهلاك البلاد نحو 6.2 مليار قدم مكعب يوميا، في الوقت الذي يبلغ الإنتاج المحلي قرابة 4.6 مليار قدم مكعب يوميا.
"بيع وتخارج مثير"
وبينما ينتظر المصريون منذ العام 2019، نتائج أعمال الشركات الأجنبية في امتيازاتها بالبحر الأحمر؛ تشير أحدث الأنباء، إلى سعي شركة النفط والغاز الأمريكية "إكسون موبيل"، لبيع اكتشافها الوحيد للغاز في مصر "نفرتاري-1"، والذي تمتلك نحو 60 بالمئة منه، فيما تمتلك النسبة الباقية شركة "قطر للطاقة" التي لم تعلن بعد عن موقفها.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلنت "إكسون موبيل" عن كشف للغاز بحوض "شمال مراقيا" حيث تعمل هناك منذ 2019، وضخت نحو 150 مليون دولار، لكن الشركة رأت أنه كشف لا يتناسب مع محفظة أعمالها من حيث الاحتياطيات التي تفضل أن تفوق 4 تريليونات قدم مكعب من الغاز لتواصل ضخ استثماراتها.
في ذات السياق، ومنتصف الشهر الجاري، أعلنت شركات "شل" الهولندية البريطانية، و"شيفرون" الأمريكية، و"مبادلة" الإماراتية، الانسحاب من مناطق امتيازها للتنقيب عن الغاز في البحر الأحمر، بعد نتائج غير مشجعة للمسوح الزلزالية بالمنطقة.
الشركات الثلاثة، أبلغت شركة جنوب الوادي القابضة للبترول التابعة لوزارة البترول المصرية بنتائج المرحلة الثانية من عمليات المسح السيزمي التي أظهرت عدم جدوى اقتصادية للتنقيب في مناطق مساحتها 10 آلاف كيلومتر مربع والتي حصلت على حقوقها عام 2019، وضخت بها استثمارات تقدر بـ326 مليون دولار.
"أزمات مركبة وخفوت مثير"
وتراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي خلال كانون الثاني/ يناير الماضي بمقدار 960 مليون متر مكعب على أساس سنوي، ليظل عند أدنى مستوى في 8 سنوات، فيما انخفض إلى 49.37 مليار متر مكعب خلال 2024، مقابل 59.29 مليار متر مكعب عام 2023، وفق حسابات وحدة أبحاث الطاقة.
ويعاني ملف الطاقة المصري من أزمات مركبة، منها تأخر سداد مستحقات شركات النفط والغاز الأجنبية العاملة في البلاد، نتيجة أزمات نقص العملة الصعبة، فيما اختفت بشكل مثير للجدل الأحاديث عن وفرة غاز شرق المتوسط رغم ما شهده هذا الملف من صراعات سياسية وتجاذبات إقليمية بين القاهرة وقبرص واليونان من جهة، وتركيا من جهة أخرى.
أيضا تراجعت أحلام حكومية بتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة إلى أوروبا وغيرها، مع أزمة إنتاج طالت حقل "ظهر" أكبر حقل غاز مصري، وهو ما دفع البلاد لزيادة اعتمادها على توفير احتياجاتها من الغاز على الكيان الإسرائيلي.
ما يرى فيه معارضون وخبراء خطرا استراتيجيا على أمن الطاقة المصري، خاصة في ظل تجاذبات حالية بين البلدين واتهامات إسرائيلية للقاهرة بدفع قوات إضافية إلى سيناء، مقابل سيطرة إسرائيلية على معبر رفح البري ومحور صلاح الدين.
"تدهور مقلق"
وكان الباحث في الجغرافيا السياسية والأسواق في مجال الطاقة، فرانشيسكو ساسي، قد أفرد لملف الطاقة المصري حديثا موسعا عبر موقع "إكس"، مؤكدا في 19 نيسان/ أبريل الماضي، أن "أمن الطاقة في مصر يستمر في التدهور بوتيرة مقلقة".
ولفت إلى أن "شيفرون الأمريكية، آخر شركة عالمية كبرى تدير امتيازا بحريا في البحر الأحمر، تنسحب من المنطقة"، ملمحا إلى أن الشركة مُنحت العديد من التراخيص عام 2019، على أمل اكتشاف النفط والغاز.
وأوضح أن "شيفرون"، و"ودسايد إنرجي" الأسترالية، وشركة "ثروة للبترول" المصرية، كانت تُدير القطاع (رقم 1 في البحر الأحمر)، بينما تدير "شل" البريطانية و"مبادلة" الإماراتية، تراخيص وامتيازات أخرى بالمنطقة.
وألمح إلى أن آمال القاهرة كانت كبيرة في استكشاف وتطوير موارد نفط وغاز جديدة "لتلبية الاحتياجات المحلية، والنمو السكاني، والتعثر الاقتصادي، وتصدير كميات كافية من النفط والغاز لدعم مالية الدولة، وتحفيز احتياطيات النقد الأجنبي".
وأكد أنه "مع ذلك، تستمر الأخبار السيئة في التدفق إلى مصر، فقد انسحبت شيفرون بسبب فشلها في العثور على أي احتياطي كبير قابل للاستغلال من النفط والغاز، بعد أن مولت عشرات الملايين من الدولارات في أنشطة الاستكشاف بالبحر الأحمر السنوات الماضية".
ولفت إلى رد الحكومة المصرية حول الأزمة بأن "الجيولوجيا المعقدة، والاستثمارات كثيفة رأس المال، والأوضاع الأمنية الناشئة بالبحر الأحمر وشرق المتوسط، تُقلق المستثمرين"، مبينا أن "الوقت ينفد للتوصل لاكتشافات نفط وغاز جديدة، بينما يتفاقم الأمن الإقليمي".
ويشير فرانشيسكو ساسي، إلى احتمال زيادة حجم الأزمة، وأنه "مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع استهلاك الطاقة الناجم عن موجات الحر، ستواجه الحكومة تحديات جديدة لتأمين كميات كافية من الغاز وجذب المستثمرين".
وألمح إلى أن مصر قد تدرس تقديم حوافز جديدة، ولكن ليس من المؤكد أنها ستكون كافية لـ"حفر آبار صغيرة".
Egypt's energy security keeps weakening at a troubling speed
US Chevron, the last international major operating an offshore concession in the Red Sea, is quitting the area
️The time is running out for new Oil & Gas findings while the regional security keeps worsening
https://t.co/TQiyD3yqYp http://pic.twitter.com/m0xAWi6DoP — Francesco Sassi (@frank_stones) April 19, 2025
"وضع معقد"
ذلك الوضع وفق مراقبين، يجعل أكبر بلد عربي سكانا تحت ضغط الحاجة الكبيرة لاستيراد الغاز من إسرائيل، وزيادة الاعتماد على هذا الخيار رغم ما به من مخاطر على أمن الطاقة والأمن القومي، وبالتالي زيادة الحاجة إلى العملات الصعبة، ما يشير إلى احتمالات تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار.
كما يدفع هذا الواقع بالبلاد بحسب قراءة البعض، إلى أزمة محتملة مع نقص الغاز بمحطات إنتاج كهرباء الصيف المقبل، وبالتالي نقص إنتاج الكهرباء ومن ثم لجوء الحكومة إلى قرارات تخفيف الأحمال التي اتخذتها كإجراء احترازي في الصيفين الأخيرين، بجانب احتمالات رفع أسعار الوقود والكهرباء ما يؤثر على ملايين المصريين.
من جانبها، وفيما يبدو أنها محاولة من حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لتدارك الأزمة، قدرت وزارة المالية مخصصات استيراد شحنات الغاز المسال والمازوت لتوفير احتياجات البلاد من الوقود بالسنة المالية المقبلة (2025-2026) والتي تبدأ مطلع تموز/ يوليو المقبل بنحو 9.5 مليار دولار، مقابل 6 مليارات دولار تم إنفاقها العام الجاري وحتى الآن.
وفي ذات الإطار، تسعى القاهرة لحل أزمة متأخرات مستحقات شركات التنقيب الأجنبية، بدفعها على أقساط، وتقديم حزمة من حوافز للشركات الأجنبية نهاية 2024، لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي كالسماح بتصدير حصة من الإنتاج، بحيث تستخدم عائداتها لسداد المستحقات المطلوبة، أو رفع سعر حصة هذه الشركات من إنتاج الغاز بحقولها.
في اجتماع لرئيس الوزراء المصري برؤساء ومسؤولي 21 شركة أجنبية عاملة في مصر في قطاع الطاقة بمجالاته المتنوعة من البترول والغاز، والطاقة المتجددة، شددوا على ضرورة إنهاء ملف سداد مستحقاتهم، وضرورة الالتزام بدورية سدادها للشركات في توقيتاتها.
وقررت القاهرة رفع سعر شراء الغاز الطبيعي المُستخرج حديثا من حقول امتياز شركة "أباتشي" الأمريكية بالصحراء الغربية بنسبة 61 بالمئة ليصل سعر المليون وحدة حرارية بريطانية إلى 4.25 دولار مقابل 2.65 دولار في المتوسط بالاتفاقيات السابقة، بزيادة 1.6 دولار.
وهناك 57 شركة تعمل بمجال البحث والاستكشاف والإنتاج، من بينها 8 شركات من كبريات الشركات العالمية و6 شركات مصرية متخصصة، وأكثر من 12 شركة عالمية متخصصة في مجال الخدمات البترولية والتكنولوجية.
ومنها: أبوظبي للتوزيع "أدنوك"، و"أركيوس" للطاقة، و"اكسنس"، و"كابريكورن إنرجي"، و"شنايدر"، و"شيرون"، و"دراجون أويل"، و"إنرجيان"، و"فيرتيجلوب"، و"هيلينيك" للطاقة، و"هوغ إيفي"، و"سكاتك"، و"ثيسيان"، و"يونايتد إنيرجي"، و"فولكان جرين إنيرجي"، و"سيمنز" للطاقة، و"إكسون موبيل"، و"هاربور إنرجي"، و"مبادلة" للطاقة، و"شيفرون"، و"شيل".
"منطقة غير واعدة وانسحاب طبيعي"
وفي قراءته لوقائع انسحاب الشركات العالمية من امتيازات البحر الأحمر ، أوضح الخبير المصري المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الطاقة الدكتور خالد فؤاد، أن "مصر كان لديها اتجاه استراتيجي منذ عام 2019، لتبدأ ولأول مرة في الاستكشاف والتنقيب عن الغاز والنفط في مناطق البحر الأحمر".
وبين في حديثه لـ"عربي21"، أن "مصر طوال تاريخ إنتاجها للنفط والغاز تنتجه من 4 قطاعات هي: الصحراء الغربية، والدلتا، وخليج السويس، ومياه البحر المتوسط؛ لكن لم يحدث أبدا أن تستكشف النفط والغاز من البحر الأحمر".
ولفت إلى أنه "في ظل هذا الاتجاه الاستراتيجي طرحت مصر مزايدة عالمية عام 2019 بعدة مناطق بالبحر الأحمر، وبعض الشركات الأجنبية حصلت على امتيازات بحقوق الاستكشاف هناك، وضخت استثمارات بملايين الدولارات لعمل أنشطة استكشافية ثم في حفر آبار لتستكشف وجود النفط أو الغاز".
"ولكن النتائج التي خرجت من تلك الأعمال لم تكن مجدية اقتصاديا؛ حيث لا توجد كميات كبيرة من النفط والغاز واعدة أو محفزة لتستكمل الشركات أعمالها وتواصل ضخ الاستثمارات، ونتيجة لذلك انسحبت شركات شل، وشيفرون، ومبادلة الإماراتية، من الاستثمار في قطاعات البحر الأحمر"، بحسب الخبير المصري.
وقال إن "هذا سلوك طبيعي يحدث باستثمارات النفط والغاز عالميا، والنقطة الأهم أن انسحاب تلك الشركات من قطاعات بالبحر الأحمر لا يعني انسحابها من مصر، لأنه مازال بعضها يستثمر ويضخ استثمارات بحقول المتوسط والصحراء الغربية والدلتا، وبالتالي فالتخارج يشير إلى أن منطقة البحر الأحمر مازالت غير واعدة وغير محفزة وغير جاذبة للاستثمارات بالنفط والغاز".
"المشهد الكامل"
مشهد أوسع لأزمة الطاقة والغاز الطبيعي في مصر خلال الصيف القادم يرسمه، فؤاد، بقوله: "لدينا مشكلة كبيرة بملف الطاقة والغاز الطبيعي، وتراجع حاد لم يحدث من عام 2016، بإنتاج الغاز الطبيعي، وهناك فجوة كبيرة تصل نحو 2 مليار قدم مكعب يوميا بين استهلاك الغاز البالغ 6.2 مليار قدم مكعب يوميا وبين الإنتاج الذي يصل حوالي 4.3 مليار قدم مكعب يوميا".
وأوضح أن "هذه الفجوة لا حلول قريبة المدى لتعويضها، ونقوم بالتعويض عن طريق مسارين، أولهما الاعتماد على الغاز الإسرائيلي الذي نستورد منه نحو مليار قدم مكعب يوميا، ثم استيراد شحنات من الغاز المسال".
وأكد أن "هناك مخاطر كثيرة من اعتماد مصر على استيراد الغاز من إسرائيل تتعلق بأمن الطاقة والأمن القومي المصري، خاصة مع الاعتماد المتزايد على هذا المصدر، خاصة في سياق الأزمة الإقليمية القائمة والضغوط والتوترات بين مصر وإسرائيل في ظل التوجهات الأمريكية والإسرائيلية الخاصة بقطاع غزة، الأمر الذي يزيد الضغوط على مصر".
وعن محاولة مصر تعويض فجوة الغاز عبر الغاز المسال، لفت الخبير المصري إلى أنه "لكي نشتري الغاز المسال علينا تهيئة البنية التحتية للغاز المسال بأن يكون لدينا وحدات تغويز قادرة على استقبال الغاز المسال وتحويله من الحالة السائلة للغازية وضخه بالشبكات الداخلية، وبالفعل استأجرت مصر بين 3 أو 4 وحدات تغويز موجودة بميناء العين السخنة بالبحر الأحمر".
وأشار أيضا إلى أن "اعتماد مصر على استيراد الغاز المسال أو العقود الفورية لشرائه وتوفيره أمر فيه تحديات كبيرة، لأن أسواق الغاز المسال العالمية في ديناميكية دائمة وتتأثر بالأزمات الجيوسياسية، والحروب التجارية، وفرض التعريفات الجمركية، والصراع بين الصين وأمريكا، وأزمة الغاز بين روسيا وغرب أوروبا".
وبين أن "كل هذه الأمور تؤثر على سعر استيراد الغاز المسال وتجعله سوقا متغير، وبالتالي اعتماد مصر عليه فيه مخاطرة"، ملمحا إلى أن "مصر تحتاج العام الجاري نحو 160 شحنة غاز مسال لسد احتياجاتها تقريبا، استطاعت توفير أو عقد صفقات لـ60 شحنة".
ومع تغير هذا السوق توقع فؤاد، أن "يكون في أشهر الصيف أو الشتاء هناك طلب عالمي كبير على أسواق الغاز ما يؤدي إلى ارتفاع سعره، وصعوبة حصول مصر على شحنات منه، وبالتالي ستظل أيضا هناك احتمالات أن أزمة الطاقة في الصيف القادم ستكون قائمة".
وخلص للقول إن "أزمة الغاز الطبيعي ليس لها حلول على المدى القصير، ربما على المدى البعيد لو استطاعت مصر أن تجد اكتشافات غاز طبيعي ضخمة مثل حقل (ظهر)، أو أنها استطاعت أن تؤمن إمدادات غاز أخرى من غير إسرائيل أو من غير الغاز المسال".
وختم مؤكدا أن "هذا الكلام يحتاج وقت ليس أقل من عامين أو 3 أعوام؛ لكن في ظل هذا الوضع القائم ستظل مصر خلال عامين وحتى 2027، على الأقل في أزمة غاز أو أزمة طاقة".