لا شك في أن ما يطالب به العسكريون المتقاعدون حقّ مشروع، وهو حقّ لجميع موظفي القطاع العام، الذين تأثرّوا أكثر من غيرهم من فقدان العملة الوطنية قدرتها التنافسية والشرائية. ولكن عندما تتحّول هذه المطالبة إلى نوع من الفوضى غير المبرّرة، وإلى حفلة زجل من السباب وتجاوز أبسط قواعد احترام الذات قبل احترام الآخرين، تضيع قضيتهم المحقّة في زواريب السياسة الضيقة، إذ لا يُستبعد أن يكون بعض رموز هؤلاء العسكريين، وهم كانوا ضباطًا كبارًا ومشهودة لهم بطولاتهم وتضحياتهم في كل ساحات الوغى، مرتبطين ببعض الجهات المتضررة من وقوف الدولة على أرجلها من جديد، وينساقون من حيث يدرون أو لا يدرون في خطّط تخريب المؤسسات التي لا تزال قائمة وصامدة.

وتأتي المؤسسة التي حضنت هؤلاء العسكريين من جنود ورتباء وضباط سنوات طويلة في طليعة المؤسسات الصامدة والواقفة في وجه الصعاب والتحدّيات الأمنية والمعيشية.

ما سمعه اللبنانيون من تعابير سوقية ساقها ضابط كبير، موجّهًا اتهامات باطلة للحكومة ولرئيسها وللوزراء، وناعتًا البعض منهم بأنهم "حراميي"، لا يليق بتاريخ هؤلاء الضباط، الذين انتموا في يوم من الأيام إلى مدرسة وطنية علمّت أجيالًا وأجيالًا من الأبطال الشرف والتضحية والوفاء.

فمن سمع من الوزراء ما اتُهموا به عن غير وجه حقّ تفهمّوا غضب العسكريين المتقاعدين، الذين لم يعد يكفيهم ما يتقاضونه من معاش تقاعدي ومستحقات لسدّ حاجاتهم اليومية الضرورية، ولكن لسان حالهم "أن العين بصيرة ولكن اليد قصيرة"، وذلك انطلاقًا من نظرة واقعية إلى خزينة الدولة ووضعية البلاد الاقتصادية، إذ لا همّ لرئيس الحكومة وأعضائها سوى همّ واحد، وهو العمل لتقليل أضرار الأزمة المالية التي تجتاح البلاد، ولتوفير ما يكفي من مداخيل لتأمين الحدّ الأدنى من استمرارية مطلوبة للمؤسسات العامة، التي تعاني شأنها شأن جميع اللبنانيين المتضررين من سياسات خاطئة ومتراكمة أدّت إلى ما أدّت إليه من انهيار للعملة الوطنية.

فلجميع الوزراء الحاليين أقارب ينتمون إلى الأسلاك العسكرية، وبالتالي فإن التعاطي مع قضيتهم هو تعاطٍ عاطفي قبل أن يكون تعاطفًا وطنيًا، ولكن بين الرغبات والتمنيات والواقع فرقًا شاسعًا. فليس أسهل على الحكومة من أن تتخذ قرارات شعبوية غير قابلة للتطبيق، وليس أسهل على أعضائها من أن يزايدوا على المزايدين. وهذا ما يميّز من يرى الأمور بعين العقل ومن يجرّ البلاد إلى المزيد من المهالك.

فالوقوف الطبيعي إلى جانب العسكريين المتقاعدين وغيرهم من موظفي الإدارات العامة يكون بتحقيق ما هو ممكن وميسّر ومعقول والابتعاد عن المواقف الشعبوية والمزايدات الرخيصة، وفصل الارتباط المصلحي بين بعض المستفيدين الظرفيين ومشغّليهم لغايات لم تعد خافية على أحد.

ليس بهذه الطريقة يمكن تحقيق المطالب، وليس بالسباب والشتائم وقلّة الأخلاق تُعالج الأمور، وليس بـ "البهورة" والصراخ والتهديد والوعيد يمكن الوصول إلى النتائج المرجوة. 

فالمعالجة يُفترض أن تكون علمية ووفق دراسات دقيقة وواضحة عن حركة المداخيل والمصاريف، وذلك لكي لا تقع الوزارات المعنية في لعبة الأرقام الوهمية وغير الحسابية.

الشتائم ليست من شيم الرجال الذين انتموا في يوم من الأيام إلى مدرسة في الوطنية والأخلاق، على عكس ما كان يُقال أمام السرايا الحكومية، وهو كلام لا يليق بتاريخ الذين تفوهوا به أيًّا يكن مستوى الغضب لديهم.    المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

«العليا الأميركية» تقضي بحصانة ترامب على التصرفات الرسمية وليس الخاصة

واشنطن (رويترز)

أخبار ذات صلة واشنطن تدين اختطاف «الحوثي» طائرات «اليمنية» سلتيكس يجدد عقد تايتوم مقابل 315 مليون دولار

خلصت المحكمة العليا الأميركية، أول أمس، إلى أنه لا يمكن مقاضاة دونالد ترامب على أي تصرفات تدخل ضمن صلاحياته الدستورية كرئيس لكن يمكنها مقاضاته على التصرفات الخاصة، في حكم تاريخي يعترف لأول مرة بشكل ما من الحصانة الرئاسية من الملاحقة القضائية.
ورفض القضاة، في حكم كتبه رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، بتأييد أغلبية ستة أصوات في مقابل معارضة ثلاثة أصوات، قرار محكمة أدنى درجة رفض مطالبة ترامب بالحق في الحصانة من الاتهامات الجنائية الاتحادية التي تتعلق بجهوده لإبطال خسارته في انتخابات 2020 أمام جو بايدن. والأغلبية كان يمثلها القضاة المحافظون الستة، بينما عارض الحكم الأعضاء الليبراليون الثلاثة.
وترامب هو المرشح «الجمهوري»، الذي ينافس بايدن «الديمقراطي» في الانتخابات الأميركية المقرر إجراؤها في الخامس من نوفمبر في إعادة لما جرى في سباق 2020 الرئاسي.
وبطء تعامل المحكمة العليا مع القضية إلى جانب قرارها بإعادة المسائل الرئيسة حول نطاق حصانة ترامب إلى المحاكم الأدنى لحسمها، يجعل من غير المحتمل محاكمته قبل الانتخابات المقبلة باتهامات تخريب الانتخابات السابقة وهي اتهامات رفعها المستشار الخاص جاك سميث.
وكتب القاضي روبرتس «إن طبيعة السلطة الرئاسية تقتضي تمتع الرئيس السابق ببعض الحصانة من الملاحقة الجنائية على تصرفات رسمية خلال فترة ولايته».
ومضى روبرتس يقول إن الحصانة التي يتمتع بها الرؤساء السابقون «مطلقة» فيما يتعلق «بجوهر سلطاتهم الدستورية» ويتمتع الرئيس السابق «على الأقل بحصانة مفترضة» فيما يتعلق «بالأفعال التي تقع ضمن المحيط الخارجي لمسؤوليته الرسمية» مما يعني أن ممثلي الادعاء العام يواجهون معايير قانونية مرتفعة لتخطي ذلك.
وأشار روبرتس إلى ضرورة أن يضطلع الرؤساء «بواجبات منصابهم بلا خوف وبشكل لائق» من دون تهديد بملاحقة قضائية.
وأضاف روبرتس «فيما يتعلق بالتصرفات غير الرسمية للرئيس، فليس هناك حصانة».

 

مقالات مشابهة

  • محمد حيزة يكتب "حكومة مدبولي الثانية.. ـ عايز أربي الولا ـ"
  • تعقيب د. عشاري أحمد محمود على مناشدة أ. مبارك الكودة
  • «العليا الأميركية» تقضي بحصانة ترامب على التصرفات الرسمية وليس الخاصة
  • 3 كتب إماراتية في قائمة الشرف للمجلس الدولي لكتب اليافعين
  • ثلاثة كتب إماراتية في قائمة الشرف للمجلس الدولي لكتب اليافعين لعام 2024
  • الكهرباء في كربلاء: كيف يغير المستثمرون مسار المشاريع لصالحهم؟
  • بعد أن يسدل الستار علي الحرب العالمية الثالثة في السودان يمكن اجراء مناظرة سياسية بين الجنرالين
  • الأرصاد تُحذر من طقس الساعات القادمة.. ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير
  • برلمانية أوكرانية: الجنرالات يرسلون الجنود إلى الموت
  • سقوط لأميركا وليس لجو بايدن