مذبحة الطنطورة.. قرية دمرتها إسرائيل وأبادت رجالها وهجّرت نساءها وأطفالها
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
إحدى مجازر التطهير العرقي التي نفذتها عصابات الهاغاناه في فلسطين، وقعت في مايو/أيار 1948 في الطنطورة (جنوبي حيفا) وراح ضحيتها نحو 280 فلسطينيا غالبيتهم من الرجال، ودفنوا في مقابر جماعية، ثم دُمرت القرية عن آخرها، وهُجر من نجا من أهلها خارج حدود دولة الاحتلال.
قرية عريقةالطنطورة قرية فلسطينية عريقة يمتد تاريخها إلى القرن الـ13 قبل الميلاد، إذ كانت تتربع قرية "دور" الكنعانية فوق تل صغير بارز يشرف على البحر الأبيض المتوسط، يتخذ شكل طنطور "أي مرتفع على هيئة قمع أو قبعة مخروطية الشكل" على بعد حوالي 24 كيلومترا جنوبي مدينة حيفا.
وتحتل القرية موقعا إستراتيجيا متوسطا بين أكبر حواضر فلسطين ومراكزها التجارية في يافا وحيفا، مما جعلها حلقة وصل للنشاط التجاري الداخلي، ساهم في ازدهاره امتلاك القرية محطة قطار للخط الساحلي، فضلا عن مينائها الذي وفر منفذا بحريا للخارج، الأمر الذي جعلها مطمعا للاحتلال.
ومع نهاية مايو/أيار 1948 أصبحت الطنطورة، التي امتدت على مساحة تصل إلى 14 ألفا و520 دونما، قرية مدمرة لا يكاد يُرى من معالمها القديمة إلا النزر القليل، وأصبح قاطنوها الذين بلغ عددهم أكثر من 1500 نسمة أثرا بعد عين.
في 9 مايو/أيار 1948 عقدت سلطات الاحتلال، وبينها قادة محليون بجماعة "الهاغاناه" المسلحة، اجتماعا للتباحث بشأن القرى العربية (الفلسطينية) التي لم تخضع للاحتلال وتقع ضمن "دولة إسرائيل" بحسب التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1947، وكان من بين هذه القرى الطنطورة، وأسفر اجتماع المجلس الإسرائيلي عن قرار يقتضي بطرد سكان هذه القرى أو إخضاعهم.
وبالفعل، وبعد إعلان قيام إسرائيل بأسبوع واحد، شن أفراد الكتيبة 33 للهاغاناه، والمعروفة باسم لواء "الإسكندروني" وتحديدا الكتيبة الثالثة، هجوما على الطنطورة ليلة 23 مايو/أيار 1948، بقيادة "دان إبشتاين" ومن كافة الجهات، وأُغلقت مداخل القرية والطرق المؤدية لها، لمنع وصول دعم من القرى المحيطة، وكانت الزوارق العسكرية الإسرائيلية تجوب عرض البحر طوال عملية الاجتياح.
وقد استيقظ الناس عند منتصف الليل على أصوات الرصاص ودوي الانفجارات في كل مكان، وكان عدد المدافعين من رجال القرية قليلا، فضلا عن ضعف التسليح وقلة الذخيرة، كما افتقر المدافعون للتدريب والخبرة، مما أدى إلى إهدار كثير من الذخيرة أثناء الاشتباك، ونفادها عن آخرها في وقت قصير، وخلال الهجوم أطلق عناصر الهاغاناه النار على المدنيين العزل، وقتلوا جماعة منهم في شوارع القرية وداخل المنازل.
ومع حلول الصباح، سقطت القرية في يد الاحتلال، وجمع الجنود السكان عند الشاطئ، وفصلوا النساء والأطفال والمسنين من الرجال، وعزلوا الرجال إلى جانب آخر، وبحسب شهود عيان فلسطينيين، فتش الجنود الإسرائيليون الرجال والنساء وسرقوا كل ما وجدوه من مال وذهب ومجوهرات وساعات وأوراق ثبوتية.
ولم يسلم من التفتيش حتى الرضع، وعندما تأخرت فتاة صغيرة في خلع قرطها، انتزعته إحدى المجندات فتمزقت أذن الفتاة، وأخذت تنزف، وقد أكد شهود العيان كذلك وقوع حالات اغتصاب.
شهدت الطنطورة صباح ذلك اليوم إبادة جماعية للسكان العزل، ولا سيما الرجال والفتيان الذين زاد عمرهم على 14 سنة، إذ أطلق الجنود عليهم النيران، وأردوا معظمهم صرعى.
ويقدر عدد ضحايا المجزرة -بحسب المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية بإسرائيل (عدالة)- بنحو 280 شخصا غالبيتهم من الرجال، وقد استطاع أهل القرية تدوين 128 اسما، بينما ظلت بقية الأسماء مجهولة.
وبحلول الظهيرة، انتهت عملية القتل مع مجيء مختار مستوطنة "زخرون يعقوب" بأمر مكتوب سلمه للجنود، فساهم ذلك في إنقاذ حوالي 40 رجلا اقتيدوا للقتل. واعتقل من بقي من الرجال على قيد الحياة، ونقلوا إلى سجن قرية إجليل، حيث أجبروا على العمل في السخرة لصالح الإسرائيليين.
أما النساء والأطفال والمسنون الذين بلغ عددهم نحو 1200 فرد، فقد اقتيدوا سيرا على الأقدام إلى بستان يقع شرق القرية، ثم حملوا في شاحنات، ونقلوا إلى قرية الفريدس المحاذية، وهدمت الطنطورة بكاملها، ووضعت سلطات الاحتلال يدها على كافة أراضيها.
وفي غضون ذلك الصيف، طرد معظم أهالي الطنطورة من المناطق الأخرى التي تسيطر عليها إسرائيل، ولم يبق منهم إلا نحو 200 شخص في الفريدس، ومعظمهم من الأطفال والنساء اللائي اعتقل أزواجهن، وقد رحل هؤلاء السكان فيما بعد خارج حدود إسرائيل، خلال عمليات تبادل للأسرى، ولحقت بهم عائلاتهم.
مقابر جماعيةبعد انتهاء القتل الجماعي، عجّت القرية بالجثث، في المنازل والطرقات والساحات والشاطئ وحتى الشوارع المؤدية للقرية، إلى درجة أن عملية دفنها بحسب اعتراف جنود إسرائيليين استغرقت نحو 10 أيام.
وأجبرت قوات الاحتلال العشرات من رجال الطنطورة على حفر خنادق كبيرة، وتجميع الجثث التي غص بها المكان، ثم دفنها في تلك الخنادق، وبعد انتهائهم من "المهمة" أجهز عليهم الجنود هم أيضا، ودفنوهم مع الجثث في تلك المقابر الجماعية.
وقد أجرت وكالة الأبحاث البريطانية "فورنسيك أركيتكتشر" البحثية التي تجري تحقيقات في انتهاكات الدول، بطلب من مركز "عدالة" الحقوقي، وبالتعاون مع لجنة من أهالي الطنطورة، تحقيقا حول المقابر الجماعية في القرية، استغرق 18 شهرا، واستُخدمت فيه تقنيات حديثة لتحليل مواد أرشيفية وصور جوية وخرائط للقرية، والاستعانة بشهادات ناجين من المجزرة.
وفي مايو/أيار 2023، كشفت نتائج التحقيق عن 4 مواقع لمقابر جماعية في الطنطورة، أحدها يقع تحت موقف للسيارات على الشاطئ، والثاني تحت ممر للمشاة داخل القرية السياحية، والثالث على الشاطئ قرب بيت الحاج يحيى، أما الأخير فيقع داخل المقبرة الإسلامية التاريخية للقرية.
تغافلت الروايات الإسرائيلية الرسمية عن التعرض لوقائع مجزرة الطنطورة، واكتفى جيش الاحتلال بادعاء أن القرية آوت نحو 50 لاجئا من المناطق الأخرى، استعدوا بالتعاون مع القرى الأخرى للتصدي لقوات الاحتلال، وعد الجيش وفقا لذلك القرية قاعدة معادية تجب مهاجمتها.
ومن جهة أخرى زعمت جماعة "الهاغاناه" المسلحة أن القرية كانت نقطة تهريب للمتطوعين المصريين القادمين إلى فلسطين بحرا.
وأعلن الجيش الإسرائيلي -في بيان عسكري- أنه أسر المئات أثناء الهجوم، فضلا عن كميات كبيرة من الغنائم. وأنكرت السلطات الإسرائيلية وقوع مجزرة، وعبرت عن ذلك بأنها كانت معركة كغيرها من المعارك.
شهادات إسرائيلية تؤكد وقوع مجزرةبقيت ذكريات المأساة لوقت طويل عبارة عن روايات شفوية يرويها من نجوا منها، في حين تكتمت جميع المصادر والروايات الإسرائيلية الرسمية وغيرها على ذكر المجزرة، حتى أنجز الباحث الإسرائيلي تيودور (تيدي) كاتس أطروحة ماجستير عام 1998 تتعلق بالأحداث التي وقعت ليلة 23 مايو/أيار 1948، والنهار الذي يليها في الطنطورة.
واستند بحثه إلى وثائق إسرائيلية رسمية سرية، وشهادات مسجلة صوتيا لشهود عيان من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، من بينهم جنود من لواء "الإسكندروني" شاركوا بالمجزرة، وكشف عن وقوع مجزرة وثبوت جرائم حرب ارتكبتها عناصر "الهاغاناه" ذلك اليوم في الطنطورة.
وعام 2022 نشرت شهادات مسجلة لجنود شاركوا في المجزرة، بعضها بالصوت والصورة، عبْرَ فيلم وثائقي للمخرج الإسرائيلي "ألون شفارتز" يتحدث عن جرائم الإبادة التي وقعت بحق السكان العزل في الطنطورة.
وأكد تافو هيلير قائد فصيل في لواء "الإسكندروني" -خلال الفيلم الوثائقي- أنهم سيطروا على القرية بأوامر من رئيس الوزراء السابق ديفيد بن غوريون، الذي أمر بطرد العرب. واعترف الجنود بأنهم اعتقلوا جميع السكان وأطلقوا عليهم النار، وأبادوا الرجال، ثم رحّلوا النساء والأطفال والشيوخ.
وقد كان القتل في تلك الحادثة -وفق اعتراف الجنود- بلا حساب، وصرح أحد الذين شاركوا في المذبحة بأنه لا يعرف عدد الذين قتلهم، إذ كان لديه مدفع رشاش و250 طلقة استخدمها كلها في قتل الفلسطينيين. ويؤكد آخر "لقد قتلناهم بدون رحمة" ومن اعترافاتهم أنهم كدسوا الناس في برميل ثم أطلقوا النار عليهم، وكان الدم يسيل من البرميل.
ويؤكد أحدهم أن المجزرة فرض عليها تعتيم تام، ومنع عليهم الحديث عنها، لأن ما حدث كان فظيعا، وقال "أخذ الجنود قاذف اللهب، ولاحقوا السكان وأحرقوهم" كما وضع جندي الناس في أقفاص عليها أسلاك شائكة، ثم أطلق عليهم النار، واغتصب فتاة في الـ16 من عمرها، أما الجندي حاخيم ليفين، فيروي كيف أطلق زميل له النار على مجموعة مكونة من 15 إلى 20 فلسطينيا وقتلهم جميعا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من الرجال
إقرأ أيضاً:
ما وراء سماح إسرائيل بالصلاة في المسجد الأقصى في رمضان
قد يظن البعض أن سماح الاحتلال بتسيير أمور العبادة والصلوات في المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان يشير إلى هدوء الأوضاع في المسجد والمدينة المقدسة عمومًا، أو يرقى لاعتباره إنجازًا للمقدسيين وللشعب الفلسطيني.
والواقع أن هذا القول يفتقر إلى الموضوعية في النظر إلى طبيعة وفلسفة الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال أصلًا في المسجد الأقصى المبارك. ذلك أن اتخاذ الاحتلال قرارات تتعلق بطبيعة الصلوات والعبادات في المسجد الأقصى، يعتبر في أصله مشكلةً ينبغي التعامل معها دون انتظار.
عند دراسة مفهوم الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك من الناحية القانونية البحتة فإن النتيجة التي نصل إليها هي أن الاحتلال ينبغي ألا يكون له أي دورٍ في إدارة شؤون المسجد الأقصى لا من قريب ولا من بعيد، وذلك لأن مفهوم الوضع القائم في المسجد يشير بالدرجة الأولى إلى بقاء الأوضاع على ما كانت عليه قبل الاحتلال الإسرائيلي للمسجد صباح يوم السابع من يونيو/حزيران عام 1967، وهذا يعني بالضرورة أن تبقى إدارة المسجد بيد دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن.
هذا الوضع حاولت إسرائيل تغييره بعد الاحتلال مباشرةً، حين أرسلت وزارة الأديان الإسرائيلية يومها رسالةً إلى إدارة الأوقاف الإسلامية وطلبت منها قوائم بأسماء العاملين في المسجد ليتحولوا إلى موظفين تابعين مباشرةً لوزارة الأديان الإسرائيلية بدلًا من وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية.
إعلانوكان رد علماء ومشايخ القدس يومها بزعامة الشيخ عبدالحميد السائح رفض هذا الأمر قطعيًا، بل إن الشيخ ومن معه رفضوا فتح أبواب المسجد الأقصى واستئناف العبادة فيه تحت سيادة سلطة الاحتلال، ورفع يومها الشيخ السائح شعاره الشهير الذي أصبح عنوانًا لمذكراته: (لا صلاة تحت الحِراب).
واجتمع عدد من علماء المدينة المقدسة وأسسوا الهيئة الإسلامية العليا لإدارة شؤون المسلمين في المدينة، فتراجعت سلطات الاحتلال فورًا؛ خوفًا من تكرار تجربة المجلس الإسلامي الأعلى في عصر الانتداب البريطاني، وأعادت شؤون المسجد الأقصى إلى دائرة الأوقاف كما كانت عليه، وطبقت قانون الوضع القائم في المسجد.
الفكرة التي أشير إليها هنا في الإجراءات التي اتخذها الشيخ السائح ومن معه في تلك المرحلة المفصلية كانت تمثل رفضًا لفكرة فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى بأي شكل، وهذا الأمر هو الأكثر أهمية في ذلك الحدث.
فقد رأى السائح في مجرد وجود إشرافٍ إسرائيلي – ولو نظريًا – على المسجد الأقصى تدخلًا في شؤون المسجد، وقبولًا بسيادة الاحتلال على المسجد والمدينة المقدسة، وهو ما كان سيفتح الباب للاحتلال لاحقًا لتغيير ما شاء من إجراءات وقوانين وإدارات في المسجد بما يجعله هو المتحكم الوحيد فيه مستقبلًا.
وذلك ما استدعى العمل مباشرةً لرفض هذا الإشراف بأي شكلٍ وبمنتهى القوة، وكانت تلك نظرةً إستراتيجيةً موفقةً من السائح وعلماء القدس في ذلك العام.
هذا بالضبط ما يعمل عليه الاحتلال خلال السنوات العشرة الأخيرة، فالاحتلال يعمل على مدار عشر سنواتٍ على إقحام نفسه في إدارة المسجد الأقصى على حساب دائرة الأوقاف الإسلامية، بحيث ينحصر دور الدائرة في إدارة الوجود الإسلامي في المسجد فقط، لا إدارة المسجد نفسه، وهو ما يعني أن السيادة على المسجد ستؤول بشكلٍ أو بآخر لإسرائيل مستقبلًا، وهو ما يعمل عليه الاحتلال جاهدًا.
إعلانوينبغي علينا من خلال هذا المبدأ النظرُ إلى التوصية التي قدمتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمستوى السياسي قبيل بداية شهر رمضان المبارك بتحديد عدد المسلمين في صلوات الجمعة خلال الشهر الفضيل بعشرة آلاف مصلٍّ فقط.
فالفكرة الخطيرة هنا ينبغي ألا نفهمها على أنها متعلقةٌ بالعدد الذي قدمته الأجهزة الأمنية، فهذا الإعلان قد يكون القصد منه فعليًا قياس رد الفعل الفلسطيني والعربي والإسلامي على هذا الرقم (العشرة آلاف)، بحيث يرفع المستوى السياسي الإسرائيلي العدد قليلًا، فيتم تصوير الأمر على أنه انتصار للمقدسيين، وأنهم "انتزعوا" من الاحتلال عددًا أكبر سيسمح لهم الاحتلال بأداء الصلاة في المسجد، وهذا منبع الخطر وأصله، لأنه يعني أن العقل الجمعي الفلسطيني سيكون في هذه الحالة قد سلّم للاحتلال بسلطته في تحديد عدد المصلين المسموح لهم بأداء الصلاة في المسجد في شهر رمضان، أي التسليم للاحتلال بسيادته على الأقصى، بينما تكمن القضية الأساسية في أن الاحتلال ليس له أي سلطةٍ أصلًا لمنع أو السماح أو تحديد أو عدم تحديد أعداد المصلين في المسجد الأقصى.
القضية في المسجد الأقصى ليست مسألة السماح أو عدم السماح للمصلين بالوصول إلى المسجد في رمضان لأداء الصلاة، أو مسألة الأعداد المسموح لها بالصلاة، أو مسألة السماح أو عدم السماح بإقامة الاعتكافات داخل المسجد، بل إن القضية أخطر وأعمق، وتتعلق في الحقيقة بضرورة منع الاحتلال من فرض نفسه طرفًا في إدارة شؤون المسجد الأقصى.
وعلى ذلك، فإن مجرد تفكير الاحتلال بمسألة السماح للمسلمين بدخول المسجد أو منعهم منه، ينبغي أن يكون مثيرًا للغضب الشعبي العارم ضد الاحتلال. فالصمت الذي شهدناه على إجراءات الاحتلال المماثلة لهذا الإجراء على مدار السنوات الماضية أدى إلى تجاوز الاحتلال خطوطًا حمراء كثيرة جدًا، حتى وصل به الأمر في شهر مايو/أيار الماضي إلى إعادة تعريف المسلمين في القدس ليستثني منهم المسلمين البريطانيين ومسلمي جنوب إفريقيا ويعتبرهم مجرد "سياح" عليهم الدخول في أوقات الاقتحامات التي يقوم بها المستوطنون، ويمنعهم من دخول المسجد في أوقات صلوات المسلمين.
إعلانهذه الخطوات المتصاعدة من الاحتلال تهدف إلى ترسيخ فكرة كونه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المسجد الأقصى، بما يجعله على الحقيقة صاحب السيادة على المسجد، لا دائرة الأوقاف الإسلامية.
كما تهدف إلى تدجين المقدسيين ليرضخوا لهذه الإجراءات الإسرائيلية ويجعلوها هي الحاكم الأساسي في تحركاتهم نحو وداخل المسجد الأقصى سواء في شهر رمضان أو غيره، وشهر رمضان الحالي هو الأفضل في نظر الاحتلال لترسيخ هذه الفكرة، نظرًا لأنه يأتي في ظل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وبدء الحملة العسكرية على الضفة الغربية.
ويأمل الاحتلال أن يكون خلال العام والنصف الماضي، قد نجح في بث الجزع في نفوس المقدسيين، بحيث يفضلون إقامة شعائرهم في المسجد الأقصى بسلامةٍ وأمانٍ نسبي بغض النظر عن الكيفية.
وقد ساهمت صدمة الوحشية الإسرائيلية التي زرعها الاحتلال خلال الحرب في وقف أي تحركاتٍ داخل المسجد الأقصى خلال شهر رمضان الماضي، وهو يريد أن يكون رمضان هذا العام وقتَ التجربة النهائية لنتيجة إجراءاته التي عمل عليها طوال السنوات الماضية وخاصة خلال الحرب، ولذلك نجده يخفض السقف أمام المقدسيين إلى حدٍّ لا يطاق، ثم يرفع هذا السقف قليلًا ويصور الأمر على أنه إنجازٌ للمقدسيين.
والمصيبة في حال نجاحه هو أنه سيكون قد أرسى نظرية "المُصلّي المهذب"، بحيث يربط إمكانية الدخول والصلاة في المسجد الأقصى بمدى الصمت والهدوء المقدسي الشعبي على إجراءات الاحتلال في الضفة وغزة وحتى في القدس، فهو يضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد، ومما يدل على ذلك أننا رأينا حرص الاحتلال على استمرار اقتحامات المستوطنين بكثافةٍ كبيرةٍ في بداية شهر رمضان المبارك.
لا أريد أن أبدو سوداوي النظرة هنا، ولكني في الحقيقة أحاول فتح العيون على ما وراء أفعال الاحتلال وقراراته، وعملية الخداع الإستراتيجي التي يمارسها على المقدسيين بالذات والفلسطينيين عمومًا، فالمسألة لم تكن أبدًا متعلقةً بالأعداد التي يسمح بها الاحتلال، وإنما بوجود مبدأ السماح نفسه!
إعلانوالشعب الفلسطيني يتمتع في الضفة الغربية والقدس بأعداد كبيرة يخشاها الاحتلال، ولذلك فهو يحاول في الحقيقة ترويضه ليصبح الشعب الفلسطيني متقبلًا لفكرة السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، وفي اللحظة التي يشعر فيها الاحتلال بأنه نجح في هذا المسعى، فإنه بلا شك سيضرب ضربته الكبرى باقتطاع جزءٍ من المسجد الأقصى وإقامة كنيسٍ داخله، وعند ذلك سيكون العلاج أصعب بكثير من الوقاية.
الكرة الآن في ملعب الشعب الفلسطيني الذي يملك سلاح العدد، والجموع الفلسطينية التي سبق لها أن استعملت هذا السلاح ونجحت عدة مرات في عدة هبّات شعبيةٍ كبرى على مدار السنوات العشر الماضية يمكنها أن تكسر إرادة الاحتلال وتمرغ أنفه في التراب مرةً أخرى، وقد أكدَت تلك الأحداثُ أكثر من مرة أن الشعب الفلسطيني إذا فهم حقيقة المؤامرة التي تجري عليه وعلى مقدساته فإن تحرُّكَه لا يمكن أن يوقِفَه شيء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline