لماذا لم يستطع العالم أن يمكّن الفلسطينيين من الحصول على دولة قابلة للحياة؟ سؤال مشروع، ولكن مسار التعامل مع القضية الفلسطينية من طرف الغرب بقيادة أمريكا يجعلنا لا نستغرب ما يأتي من دول مارقة استغلّت الأمم المتحدة، لكي تُجيز العدوان الدولي. في المقابل تحرص على حماية شركاء التحالف، وعلى رأسهم إسرائيل.
لم يعد هناك مجال للشك في القول إنّ ما تدعيه الولايات المتحدة من نزاهة وصدقية وحفظ السلم في العالم، ما هي إلا أكاذيب دأبت على ترويجها لإحكام قبضتها على الأنظمة وسيطرتها على الشعوب. وبالتالي استنفاد خيراتها واستعبادها. والكثير من العمليات الإرهابية التي قامت بها إسرائيل وبتأييد مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية، رافقتها التصريحات والمواقف التي كانت تقف وما زالت إلى جانب كيان الاحتلال بشكل مفضوح ولا أخلاقي، وفي انعدام تام للضمير الإنساني..
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تمثلان أكبر تهديد للسلام العالمي، من خلال لجوئهما دائما للعنف والاعتداء على سيادة الدول وأمن الشعوب، وأكبر مثال هو أفعالهم الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، بشكل جعل إسرائيل واحدة من أكثر الكيانات إجراما ورعبا في العالم، وكل ذلك بتشجيع أمريكي. ألا يتعاطف العالم الغربي مع فلسطين، ويطغى الصمت على ممارسات استعمارية وحشية تعالت الأصوات الغربية سابقا، وتتعالى إلى الآن على مآسٍ شبيهة بها أو أقلّ منها حدّة، هي أمور لم تعد تثير الاستغراب. ولا مبالاتهم الصامتة، القديمة والثابتة إزاء شعب يتعرّض إلى الظلم بالقوّة، هي مسألة مفهومة. فهم من تسببوا في زرع هذا الكيان الغاصب، ويوفرون له كل أشكال الدعم، ومكّنوه من أسباب البقاء، ضمن معركة أيديولوجية متواصلة يتحوّل فيها الكذب إلى وسيلة مشروعة، وتُستخدم الحجج الأخلاقية لتسويغ القرارات التعسفية، وتعطيل الشرعية الدولية، وإعطاء سلوكهم الشائن شكلا مقبولا، أخذا بالاعتبار ما دأبوا عليه من التلاعب بالرأي العام العالمي، على قاعدة أنّه لا يمكن خلق تعاطف مع قضية إذا لم يكن لها أساس في نظرهم. هم الذين يزوّرون التاريخ ويشوهون الحاضر، لكن غير المستوعب هو مثل هذا الصمت العربي والإسلامي، وكأنّ القضية لم تعد تعني شيئا بالنسبة لهم، إلى درجة أن تقدم جنوب افريقيا قضية إلى محكمة العدل الدولية ضد كيان الاحتلال في غياب أمة بكاملها. لم يسبق أن كان الموقف العربي بمثل هذا القدر من العجز والشلل التام، في علاقة بالقضايا القومية والقضية الفلسطينية، على وجه الخصوص.
وجدوا ضالتهم في إقامة كيان في قلب المنطقة، يكون بمثابة قاعدة سياسية واقتصادية، تُقدّم على أنّها دولة لها مشروعية تاريخية ودينية، يحقق بها الغرب مصالحه الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية. مكروهون بما فيه الكفاية، ومع ذلك يتركون الدّاء يستفحل، ويعزّزون ريبة الشعوب بشأن مقاربة الغرب المبنية على مصالح إسرائيل في المنطقة. والسياسة الأمريكية المبنية بالكامل على المصالح، بدل القيم، ما زالت ترى في الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية متقدمة تحقق مصالحها في الشرق الأوسط. ورغم أنّ ميثاق الأمم المتحدة دعا إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيق التعاون وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بلا تمييز، وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، على قاعدة المساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، فإنّه إلى الآن لم يتمكّن مجلس الأمن من إرغام إسرائيل على الامتثال لتنفيذ قراراته، لأنّ دولا بعينها تقف وراء هذا المنع، وتتحكم في السياسة الدولية وفق مصالح انتهازية مفرطة، لا تعير اهتماما للشرعية الدولية، فمنذ عام 1971 والولايات المتحدة ترفض وبشكل منهجي التسوية السلمية، وتتجاهل الإجماع الدولي، وتدّعي البحث عن حل دبلوماسي. وعانى مجلس الأمن ما عانت منه الأمم المتحدة، حيث استبعد «الفيتو» الأمريكي أي دور لهذه الهياكل الأممية في حل القضية. ومنذ التسعينيات، فترة الهيمنة الأمريكية على العالم، أصبح المصير الفلسطيني خاضعا لمبادئ السياسة الأمريكية التي حوّلت خياراتها نحو موقف أكثر تطرّفا تجاه الشرق الأوسط. ولا أحد يعلّق على استخدام النقض بشكل متكرر، حتى في المسائل الإنسانية الملحة، كذلك المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي قبلته الأمم المتحدة بإجماع دول العالم في 10 ديسمبر 1948. وينص على حق العودة للوطن. وهذه المادة استُخدمت للسماح لليهود السوفييت وغيرهم بالهجرة إلى حيث يشاؤون تطبيقا لحقوق الإنسان. لكن أمريكا وإسرائيل اللتين تكاتفت جهودهما في معارضة القرار 194 الصادر في 11 ديسمبر 1948 والذي أكد على حق اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا خلال الحرب في أن يعودوا إلى ديارهم، ترفضان تطبيق المادة نفسها لصالح الفلسطينيين المتمسكين بحق العودة.
مسارات القضية الفلسطينية التي وصلت إلى محاولات التصفية النهائية بإرادة أمريكية وغربية مشتركة، تفسّر إلى حد بعيد كيف تكاتفت جهود القوى الاستعمارية لتبرير طموحات إسرائيل التوسعية. واقعية غطرسة ومعايير مزدوجة ترافقت مع ضعف البنى المؤسسية للنظام الرسمي العربي، بشكل جعل قرارات القمم العربية بلا تنفيذ، خاصة ما يهمّ الاجتماعات العاجلة بشأن التطوّرات التي تحدث كلّ مرة في فلسطين المحتلّة. عوامل وهن وخيبة للأنظمة التي يزيد انفصالها عن الشعوب، وفّرت السياقات المناسبة للتفرقة والتشرذم، وحدّت من فعالية النظام العربي وتطوره، ما سمح لإسرائيل أن تفعل ما تريد، ومثل هذه الأنظمة العاجزة من الطبيعي أن تقف عند حدود التنديد وبيانات الشجب التي لفظتها الشعوب. بايدن مثله مثل ترامب واصل تعميق المرحلة السوداء في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالموقف الأمريكي هو ذاته، ولا ضغط على إسرائيل. والإدارة الأمريكية عاجزة في الحقيقة عن تقديم مراجعة نقدية للممارسات الصهيونية لأنها في الخندق نفسه، ومسؤولة عما وصلت إليه الأوضاع منذ عقود. فهل دعّمت أمريكا استقلال فلسطين؟ أم أنها زادت في تمتين الاستعمار، وترسيخ الاستيطان عبر سياسة الفيتو، ودعمها المطلق لإسرائيل وتهميشها لكل مبادرات السلام؟ في المحصلة النهائية، ما دمنا في عالم لا يعترف إلا بمنطق القوة وسياسة الأمر الواقع على الأرض، فإنه لا بديل عن خيار المقاومة بمختلف أشكالها، فهي الموجعة لكل مستعمر عبر التاريخ، وهي الوحيدة التي تفرض أهدافا سياسية ووطنية، بما يكفل استرداد الحق المسلوب.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين فلسطين غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمي للتلفزيون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يحتفل العالم باليوم العالمي للتلفزيون في 21 نوفمبر من كل عام، تقديرًا لدوره المستمر كأحد أبرز وسائل الإعلام تأثيرًا وانتشارًا، رغم التطور التكنولوجي وظهور منصات بث جديدة، يبقى التلفزيون أحد أهم الموارد للمواد المصورة ومصدرًا رئيسيًا لنقل الأخبار والمحتوى الترفيهي والتعليمي، ولم يعد التلفزيون مجرد جهاز أحادي الاتجاه لنقل البث التقليدي، بل تطور ليصبح منصة متعددة الوسائط تقدم تجربة غنية ومتكاملة للمستخدمين. تشمل هذه التجربة:
• بث الفيديو والموسيقى: عبر التطبيقات المدمجة في أجهزة التلفزيون الحديثة.
• التصفح عبر الإنترنت: مما يجعل التلفزيون أداة تفاعلية.
• الاتصال بين المنصات: من خلال تكامل بين وسائل البث التقليدي والرقمي.
التنافس بين التلفزيون التقليدي ومنصات البث:
رغم التحول الكبير نحو استهلاك المحتوى على المنصات الرقمية، مثل خدمات بث الفيديو عبر الإنترنت، لا يزال التلفزيون التقليدي يحتفظ بمكانته كوسيلة اتصال رئيسية.
الفرق بين التلفزيون التقليدي وخدمات البث:
• التلفزيون التقليدي: يعتمد على موجات الراديو وهوائيات منزلية لنقل المحتوى.
• خدمات البث عبر الإنترنت: تستخدم اتصال الإنترنت عالي السرعة لتقديم المحتوى للمشاهدين.
مستقبل التلفزيون التقليدي:
• قد يشهد تراجعًا تدريجيًا مع توسع خدمات البث.
• قد يتعايش النوعان، حيث يتنافسان على جذب اهتمام الجمهور بتقديم محتوى متنوع ومبتكر.
دور التلفزيون في مواجهة التحديات العالمية:
يمثل التلفزيون منصة مهمة لإذكاء الوعي حول القضايا الكبرى التي تواجه العالم، مثل:
• التنمية المستدامة: من خلال بث المؤتمرات والمنتديات السياسية.
• الأزمات الإنسانية: عبر تغطية الأحداث العالمية وإيصال المعلومات للمجتمعات.
• التثقيف والتعليم: بتقديم برامج وثائقية وتعليمية هادفة.
خدمات الوسائط الإعلامية للأمم المتحدة:
تقدم الأمم المتحدة مجموعة شاملة من المنتجات والخدمات الإعلامية لتعزيز فهم الجمهور لأعمالها في جميع أنحاء العالم، وتشمل هذه الخدمات:
1. متابعة الأحداث العالمية: تغطية المؤتمرات والفعاليات الكبرى.
2. إنتاج المحتوى المتعدد الوسائط: الذي يتيح الوصول إلى جمهور أوسع.
3. دعم وسائل الإعلام الدولية: بتقديم محتوى موثوق يخدم قضايا السلام والتنمية.
رسالة اليوم العالمي للتلفزيون:
يؤكد هذا اليوم أهمية التلفزيون كوسيلة تجمع بين التقليدي والرقمي لمواجهة تحديات العصر ونشر المعرفة. ورغم التغيرات التكنولوجية، يبقى التلفزيون رمزًا للإعلام الجماهيري، قادرًا على التأثير والتطور لمواكبة متطلبات المشاهدين.