توماس فريدمان والحيوانات في وصف منطقتنا
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
توماس فريدمان والحيوانات في وصف منطقتنا
الأسوأ أن هناك من لا يزال يحرص على استقبال فريدمان أو سواه حتى وهو يعرف أنه قد يلجأ إلى عالم الحيوانات لوصفه إذا تعذّر عليه وصفٌ آخر.
هذه الحدائق المزعومة بُنيت عبر إبادات وحشية لأهالي البلاد الأصليين الذين استعمر الغرب بلادهم ونهبها، ولم يتورّع عن وصف من تبقى منهم بالحيوانات والحشرات.
أحيانا يفضّل فريدمان التفكير في منطقتنا من خلال قناة "كوكب الحيوانات"؛ فهناك قردة ودبابير وعناكب تتصارع، وأسداً ما زال ملك الغابة، لكنّه عجوزٌ ومتعب، ما يجعل بقية الحيوانات المفترسة لا تخشى قوته.
* * *
ليس ثمّة صحافي في العالم مرحّب به في الشرق الأوسط أكثر من توماس فريدمان، الكاتب في "نيويورك تايمز"، إذ يكفيه أن يحجز في أي رحلة إلى المنطقة حتى يصبح جدول أعماله في الدولة التي سيهبط فيها مزدحماً بلقاءات مع كبار مسؤوليها، وغالباً ما يلتقيه زعماء تلك الدول، أو الأقل درجة واحدة فقط منهم، ليقفل راجعاً إلى بلاده، ويكتب ما يشاء استناداً إلى المصادر الرفيعة التي التقاها.
وفي سجلّه أنه كتب المسوّدة الأولى للمبادرة العربية للسلام التي اقترحها ولي العهد السعودي في حينه عبد الله بن عبد العزيز على القمّة العربية في بيروت عام 2002، وتقوم على دولة للفلسطينيين مقابل سلام مع الإقليم بأسره، وهي القمّة نفسها التي ألغت كلمة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في جلستها الافتتاحية، ما اضطرّه إلى إلقائها عبر قناة الجزيرة.
على أن كثرة تردد فريدمان على المنطقة ومعرفته الوثيقة بزعمائها لم تغيّر من الغطرسة المكتومة في شخصيته، ونظرته الاستعلائية والاستشراقية تجاه المنطقة وشعوبها، وهو ما ظهر في مقال له نُشر أخيراً، كتب فيه أنه يفكر في الشرق الأوسط أحياناً من خلال مشاهدته "سي أن أن"، لكنه في أوقات أخرى يفضّل التفكير في هذه المنطقة من خلال قناة "كوكب الحيوانات"؛ وعليه فإن هناك قردة ودبابير وعناكب تتصارع، وأسداً ما زال ملك هذه الغابة، لكنّه عجوزٌ ومتعب، ما يجعل بقية الحيوانات المفترسة لا تخشى اختبار قوته.
للوهلة الأولى، تبدو تشبيهات فريدمان صحيحة، لكنّها غير بريئة من الأساس، إذ تُحيل إلى حقل دلالاتٍ تزدري المنطقة وزعمائها وشعوبها وطبيعة الصراعات فيها، فهي أقلّ من أن تنتمي إلى عالم الإنسان والاجتماع المعاصر.
ولا يمكن فهمها إلا بمقارنتها بعالم الحيوان: إيران نوعٌ ضارٌّ من الدبابير، لبنان وسورية واليمن والعراق مجرّد يرقات يضع الدبور بيضه فيها، فتفقس من خلال أكلها هذه الحواضن من الداخل.
"حماس" عناكب الباب المسحور التي تقفز بسرعة كبيرة جداً للانقضاض على فريستها. نتنياهو (أضاف نتنياهو فقط وليس إسرائيل إلى عالم الحيوانات) من قرود ليمور السيفاكا التي تمشي جانبياً على قدمين اثنتين، وتُكثِر من التلويح بأذرعها إلى الأسفل والأعلى، بما يجعلها تبدو كأنها تتحرّك أكثر مما هي بالفعل.
والحال هذه، نحن أمام قاموس حيواني، وربما أمام نسخة حديثة لكن مشوّهة لكليلة ودمنة لابن المقفع، مع رجحان الكفّة لصالح الأخير الذي دفعه الخوف، لا الغطرسة والاستعلاء، إلى ترجمة أو إعادة إنتاج قصص صراعات الحكم على ألسنة الحيوانات خوفاً من سوء الفهم أو التعرّض للعقاب.
وذلك على خلاف فريدمان الذي لا يخشى أي حاكمٍ التقاه في المنطقة وحاوره وانتقده او سوّقه، لأسبابٍ تتعلق بحاجة هؤلاء الحكّام إلى ما يتوهمونه منبراً خلفياً لإيصال صوتهم إلى صانع القرار في واشنطن، تملّقاً أو رهاناً على تحسين صورتهم، لا لدى شعوبهم، بل لدى من لا يتورع عن تشبيههم بالحيوانات والحشرات المؤذية عندما يقرّر ويشاء.
ليس هذا شأناً يختص به فريدمان وحده في مقاربة المنطقة وشعوبها. هناك وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف عالانت، الذي وصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، ومن قبله إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي وصف إسرائيل بالفيلا التي تقع وسط الغابة، والممثل الأعلى للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي وصف أوروبا بالحديقة وسط الغابة، في كلمة افتتح فيها الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وقال فيها إن أوروبا حديقة، وهي أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء الاقتصادي والترابط الاجتماعي الذي استطاعت البشرية أن تبنيه، لكن أغلب بقية العالم ليس حديقة بل أدغال.
ما يتناساه فريدمان، ومن قبله بوريل وغالانت، وحتى الشاعر البريطاني كيبلينغ الذي يُعتقد أنه صاحب الاستعارة الأصلية للحديقة وسط الغابة، أن هذه الحدائق المزعومة بُنيت عبر إبادات غير رحيمة لأهالي البلاد الأصليين الذين استعمر الغرب بلادهم ونهب خيراتهم، ولم يتورّع عن وصف من تبقى منهم بالحيوانات والحشرات، والأسوأ أن هناك من لا يزال يحرص على استقبال فريدمان أو سواه حتى وهو يعرف أنه قد يلجأ إلى عالم الحيوانات لوصفه إذا تعذّر عليه وصفٌ آخر.
*زياد بركات كاتب صحفي وروائي وإعلامي فلسطيني
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فريدمان الحدائق الغابة جوزيب بوريل يوآف غالانت الشرق الأوسط مبادرة السلام العربية كوكب الحيوانات إلى عالم من خلال وصف من
إقرأ أيضاً:
وزارة الزراعة تعلن موعد خروج لائحة قانون حيازة الحيوانات الخطرة للنور
أكد مصطفى الصياد، نائب وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، أن اللائحة التنفيذية للقانون رقم (29) لسنة 2023 بشأن تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب وصلت مجلس الوزراء وسوف يتم اعتمادها وخروجها للنور فى القريب.
تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلابجاء ذلك ردا على سؤال المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، خلال الاجتماع، عن أسباب تأخر صدور اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب.
جاء ذلك خلال اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب برئاسة النائب أحمد السجيني، مساء اليوم، لمتابعة خطة الحكومة بشأن وضع رؤية للقضاء على ظاهرة انتشار الحيوانات الضالة بمعظم محافظات الجمهورية في ضوء الإستراتيجية الوطنية للقضاء على مرض السعار 2030، وذلك في ضوء القانون رقم (29) لسنة 2023، بإصدار قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب.
ولفتت منى خليل، رئيس جمعية الرفق بالحيوان، إننا لمسنا خطوات جادة فى منع تسمم الكلاب، ولكن ليس بشكل كامل، موضحة أن لديها أسماء أطباء طلبت من الناس على صفحات السوشيال ميديا شراء سموم لقتل الكلاب، ورد السجينى، بأن الأهالي يهاجمون الأطباء البيطريين بسبب انتشار عقر الكلاب للمواطنين، وأن ما يقوم به الأطباء هو رد على الأهالي، "ولا نستطيع أن نمنع هذا إلا بخروج القانون واللائحة التنفيذية للنور وبدء التنفيذ".
و اضافت : إننا تعاملنا بسرعة مع الشكاوى القادمة من محافظة المنوفية، وقمنا بالنزول والتعامل مع الكلاب الضالة هناك وتعقيمها، ولكن لدينا عائق بسبب عجز الأطباء البيطريين، وقد تحدثنا بهذا الشأن مع نقابة الأطباء البيطريين، موضحة أن الذئاب تنتشر مع ندرة الكلاب.
وأكدت أن اقتراح أحد النواب بزيادة عدد الشلاتر هو حل غير علمى بشكل كافى، ويحتاج لأراضى كثيرة وموارد كثيرة غير متوفرة، والفلاتر أساسا موجودة لحالات معينة وليس للكل، والمفترض أن يتم تعقيم الكلب ثم رجوعه مرة أخرى إلى منطقته، كما أشارت إلى أن استراتيجية 2030 بشأن مواجهة السعار لم تنشر ولا أحد يعرف عنها شيئا.
و اكد النائب أحمد السجينى، رئيس اللجنة: ان الحكومة السابقة حكومة بليدة، والحكومة الجديدة نتمنى منها أن تكون مختلفة، فليس من المنطقي أن ننتظر سنة كامل لخروج لائحة تنفيذية لقانون من 27 مادة.
و دعا النائب زكى عباس، بعمل شلاتر على الأطراف الصحراوية والمحافظات لتعقيم الكلاب الضارة وعدم تكاثرها، موضحا أن تعامل بعض المؤسسات الحكومية مع الكلاب سىء جدل.
و لفت النائب طلبة النحال: "إن الكلاب الضالة مع الوقت اكتسبت مهارات مختلفة وأصبحت أكثر شراسة وتمشى فى مجموعات، وأصبحت حالات العض من الكلاب الضالة فى القرى كبيرة، والموضوع مش بسيط، وجود الإنسان أهم من حقوق الحيوان"، ورد رئيس اللجنة: إن الرحمة للجميع إنسان وحيوان.
و قال النائب أحمد الشيشينى، عن أنباء عن وجود ذئاب بالقرى الموجودة بدائرته، وقال إنه من أكثر الناس خوفا من الكلاب، ويسكن بمنطقة المقطم المقيم بها حاليا وفيها أعداد كبيرة من الكلاب التى انتشرت بشكل مخيف.