إشكالية خليجية كبرى مهملة
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
إشكالية خليجية كبرى مهملة
هناك سياسة تجنيس متسارعة لكل أنواع الأجانب غير العرب في كل دول المجلس بينما تتراجع نسب العمالة العربية من شتى أقطار الوطن العربي.
يتم مواجهة المشاكل نفسها، عبر السنين والأجيال، بنفس الأساليب والعقلية، وبإرادة متراجعة، يشمل الأمر مشاكل كبرى معقدة مثلما ينطبق على مشاكل أصغر.
تتعاظم مخاطر مشكلة التركيبة السكانية بجميع دول الخليج وثمة حلول معقولة تراكمية، لكن المواقف الرسمية تظل كما هي دون أي تغيير: مواجهة وتخطيطاً وبدائل.
هناك 16 مليون آسيوي بدول الخليج وقد يصل إلى 30 مليونا في 2025، أي بعد سنتين. وهناك 7 ملايين آسيوي بالإمارات، يشكل الهنود منهم 60% من مجموع السكان.
* * *
لا يستطيع الإنسان أن يفكّ لغز ظاهرة تتكرر في طول وعرض الوطن العربي، وتتمثل في مواجهة المشاكل نفسها، عبر السنين والأجيال، بالأساليب والعقلية نفسيهما، وبإرادة تتراجع بدلاً من أن تقوى وتتحسّن. ينطبق الأمر على المشاكل الكبرى المعقدة مثلما ينطبق على المشاكل الأصغر.
سأختار مشكلة التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون كمثل، فمنذ حصول دول مجلس التعاون على استقلالها الوطني منذ أكثر من نصف قرن، والكتابات والمؤتمرات تكتب وتطرح من قبل الكتاب المحلّلين، ومن بعض مؤسسات المجتمع المدني، منبّهة إلى تعاظم مخاطر مشكلة التركيبة السكانية في جميع دول المجلس، ومقترحة حلولاً معقولة تراكمية، لكن المواقف الرسمية في هذه الدول تظل كما هي دون أي تغيير: مواجهة وتخطيطاً وبدائل.
ولتوضيح هذا الأمر أكثر دعني أشير إلى محاضرة ألقيتها منذ حوالي خمس عشرة سنة بشأن إشكالية التركيبة السكانية. لقد أشرت بوضوح وهلع إلى أن سكان دول مجلس التعاون في عام 1975 كانوا سبعة ملايين ونصف المليون نسمة، وأن عدد الوافدين آنذاك كان حوالي مليونين.
وبالتالي فإن ذلك يجعل نسبة الوافدين آنذاك من مجموع السكان حوالي ثلاثين في المئة، لكن تلك الأعداد والنسب تغيرت بصورة هائلة بحلول سنة 2008، سنة المحاضرة، أي بعد مرور ثلث قرن. لقد اقترب العدد الإجمالي للمواطنين في دول المجلس من ثلاثة وعشرين مليوناً، بينما وصل عدد الوافدين إلى حوالي ستة عشر مليوناً، لتصبح نسبة الوافدين من مجموع السكان في الدول الست حوالي سبعين في المئة.
وأشرت إلى فداحة نوع العمالة الوافدة، عندما أشرت إلى دراسة قام بها عمر الشهابي، الذي بين أن النسبة المئوية للعرب في مجموع الأيدي العاملة الوافدة تناقصت من 72% في عام 1975 لتصبح في سنة 2004 اثنين وثلاثين بالمئة فقط، أي تناقصت بمقدار النصف. ونبّهت، مثلما نبّه غيري، إلى أنه:
«لا يحتاج الإنسان لحاسوب ليدرك حجم الفاجعة في التركيبة السكانية التي ستواجهها دول المجلس، بعد ثلث قرن، لو أن نسب الزيادات في أعداد الوافدين غير العرب ونسب التراجع في أعداد الوافدين العرب استمرت بهذه الوتيرة».
الآن نحن نقترب من قمة تلك الوتيرة كما سنرى. منذ فترة بيّن الدكتور حسين غباش أن هناك 16 مليون آسيوي في بلدان مجلس التعاون، وأنه من المرشح أن يصل إلى 30 مليونا في عام 2025، أي بعد سنة أو سنتين من الآن. وأشار إلى أن هناك سبعة ملايين آسيوي في الإمارات وحدها، يشكل الهنود منهم 60% من مجموع السكان.
ويكاد الأمر في قطر أن يكون مماثلاً للإمارات. ورغم أن النسب في بقية دول المجلس أقل من ذلك، إلا أنها تبين زيادات كبيرة مرشحة إلى أن تتضاعف في السنين المقبلة، وبالتالي فان الظاهرة هي واحدة.
وخرج بنتيجة إلى أن الوجود الأجنبي، وغالبيته الساحقة من غير العرب، ينخر في الجسم العربي الخليجي. ومثل غيره أشار إلى المخاطر الكثيرة المقبلة، وإلى قلة تفعيل الحلول لمواجهة تلك المخاطر. دعنا هنا نشير إلى أربعة مخاطر مقلقة يكثر الحديث عنها..
*هناك الاقتراب التدريجي المقبل من أن المجتمع الدولي بدأ يطالب بحق القوى العاملة المهاجرة في التوطين والمواطنة، بما فيه حقهم في الإتيان بعائلاتهم ليسكنوا معهم. وأنه سيتبع ذلك قرار دولي بحق هؤلاء في التصويت في الانتخابات البلدية والنيابية، وفي حق التمثيل النسبي في بعض سلطات الحكم التنفيذية.
*هناك الصعود الكبير لبعض الأفراد والمؤسسات الأجنبية غير العربية، في تقلد المناصب الكبرى في الشركات والبنوك وشتى مؤسسات القطاع الخاص الحيوية. وشيئاً فشيئاً ستكون لبعض هؤلاء الكلمة الفاصلة في شؤون الاقتصاد والمال، وبالتالي في شؤون مصير واستعمالات ثروات البترول الهائلة.
*هناك الأخطار الثقافية الهائلة، ومن ضمنها على الأخص التراجع والتهميش لوجود استعمالات اللغة العربية في كثير من المجالات، والتي ستهدد مستقبلاً الهوية العروبية، بل حتى الإسلامية، في مجتمعات دول المجلس. ويتكلم البعض عن مأساة خليجية مماثلة للمأساة الفلسطينية، والعديد من مآسي ضياع أجزاء من الوطن العربي في المستقبل. ولن يعدم الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية إيجاد الأسباب الكاذبة لخلق كيانات استئصالية مماثلة للكيان الصهيوني في الخليج العربي.
*هناك سياسة تجنيس كل أنواع الأجانب غير العرب المتسارعة في كل دول المجلس بينما تتراجع نسب العمالة العربية من شتى أقطار الوطن العربي، كما بينّا سابقاً والذي يصب في تقوية وإنجاح كل المخاوف التي ذكرنا.
نعود من جديد إلى النقطة الأساسية وهي الغياب شبة التام لخطة استراتيجية متناغمة من قبل مؤسسة مجلس التعاون الخليجي لمواجهة هذه الإشكالية. وعلى سبيل المثال فقد اقترح وزراء العمل في أقطار الخليج بعض الحلول وقدموها لأحد مؤتمرات القمة الخليجية.
لكن الانشغال بالصراعات وبمرض السيادة الوطنية والضعف والوهن الذي أصاب مجلس التعاون مؤخراً، لأسباب يعرفها الجميع قد قادت إلى تأجيل بعد تأجيل لهذا الموضوع وإلى اقتراب منطقة الخليج العربي، أحد أجزاء الوطن العربي، إلى حدوث مأساة مماثلة لمأساة ضياع الأندلس.
وسينطبق آنذاك على قادة مجلس التعاون ما قالته أم آخر خليفة أموي في الأندلس عندما رأته يقف باكياً على ضياع آخر مملكة: «إبك كالنساء على مُلكٍ لم تحافظ عليه كالرجال». وسأسمح لنفسي أن اضيف: لو أن أمرأة حكمت الأندلس لما ضاعت الأندلس وضاع غير الأندلس يا سيدتي القوية الحكيمة.
*د. علي محمد فخرو سياسي بحريني، كاتب قومي عربي
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إشكاليات الوافدين الهنود دول الخليج التركيبة السكانية الخليج العربي العمالة الأجنبية مجلس التعاون العمالة العربية الترکیبة السکانیة الوطن العربی مجلس التعاون دول المجلس غیر العرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
المجلس العربي للطاقة المستدامة: توظيف التكنولوجيا لتحسين كفاءة الشبكات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الدكتور محمد اليماني رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة أنه ، يجب على شركات الكهرباء الإستمرار في صيانة وتطوير وتدعيم شبكاتها وتوظيف التكنولوجيا لتحسين كفاءة الشبكات ، وذلك من خلال تقليل المفاقيد و تحسين الجهود و تقليل الإنقطاعات ومكافحة السرقات ، حيث تفقد شبكات الكهرباء نسبة ما تم انتاجه وتوليده من الكهرباء سواء خلال فقد فني او تجاري او سرقات ، وان زيادة الفقد في الشبكة يؤدي الى زيادة كمية الطاقة المشتراة ويعتبر تحميل زائد على الشبكة ، وتتسبب سرقة الكهرباء في رفع تكلفة الطاقة المدفوعة وزيادة احمال الكابلات والمحولات فتتعطل .
سرقات التيار
وأضح أن سرقة التيار الكهربائي تعتبر مشكلة خطيرة ولها عدة مخاطر يمكن أن يتعرض الشخص الذي يسرق التيار الكهربائي للمساءلة القانونية مما قد يؤدي إلى فرض غرامات مالية كبيرة أو السجن. التلاعب في الأسلاك والعدادات يمكن أن يؤدي إلى حدوث حرائق أو صعق كهربي وقد تؤدي الي الوفاة ، ويمكن أن تؤدي سرقة التيار إلى انخفاض جهد الكهرباء، مما يؤثر على جودة الخدمة وقدرة الشبكة على تلبية الطلب وتعرض الاجهزة الي التلف. لذلك، تعتبر سرقة التيار الكهربائي جريمة تتسبب في أضرار جسيمة على المستوى الفردي والمجتمعي. الكهرباء حق للجميع.
الإفتاء: يحرم شرعًا الاستيلاء على التيار الكهربائي
وأصدرت دار الافتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فتوى جديدة بشأن حكم سرقة التيار الكهربائي ، وأفادت الدار بأن يحرم شرعًا الاستيلاء على التيار الكهربائي بأي طريق من غير الطرق المشروعة، وذلك لما يلي: حيث اكدت ان هذا التصرف يُعَدُّ خيانةً للأمانة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (رواه الإمام البخاري). وأضافت أنه يُعد مخالفةً لوليِّ الأمر الذي جعل الله تعالى طاعتَه في غير المعصية مقارِنةً لطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وأضافت أن سرقة الكهرباء أكلًا لأموالِ الناسِ بالباطل، وتَضيِيعًا لحقوقهم، وكُلُّ واحدةٍ منها مِن كبائرِ الذنوب؛ وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تَأكُلُوا أَموالكم بينَكم بالباطِلِ﴾ [النساء: 29]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» (رواه البخاري ومسلم).
وأكدت أنه لا يجوز سرقة الكهرباء من الدولة ، سواء كان ذلك بالتلاعب بعداد الكهرباء ، أو بالتحايل على عدم دفع الفواتير المستحقة ، أو بأي وسيلة أخرى ؛ لما في ذلك من الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل .
القانون يتصدى
وعن راي القانون في تجريم سرقة الكهرباء : فقد تصدى القانون رقم 192 لعام 2020 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر بالقانون رقم 87 لعام 2015، لجريمة سرقة التيار الكهربائى من خلال توقيع عدد من العقوبات على سارقي التيار الكهربائي.
ونصت المادة 70 من قانون الكهرباء على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام أثناء تأدية أعمال وظيفته فى مجال أنشطة الكهرباء أو بسببها بارتكاب الأفعال الآتية: توصيل الكهرباء لأي من الأفراد أو الجهات دون سند قانوني بالمخالفة لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له، أو علم بارتكاب أي مخالفة لتوصيل الكهرباء، ولم يبادر بإبلاغ السلطة المختصة، أو الامتناع عمدًا عن تقديم أي من الخدمات المرخص بها دون عذر أو سند من القانون". و"في حالة العودة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ووفقا لنفس المادة من قانون الكهرباء، تقضي المحكمة بإلزام المحكوم عليه برد مثلي قيمة استهلاك التيار الكهربائى المستولى عليه في الحالة المشار إليها بالبند (1) من الفقرة الأولى، كما تنقضى الدعوى الجنائية بشأن هذه الحالة، إذا تم التصالح وفقًا لنص المادة (18 مكررًا ب) من قانون الإجراءات الجنائية. فيما تنص المادة "71" من قانون الكهرباء على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي. وفي حال العود والتكرار تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتنقضي الدعوى الجنائية، إذا تم التصالح وفقًا لنص المادة (18 مكررًا ب) من قانون الإجراءات الجنائية.
استراتيجية الدولة للنهوض بقطاع الطاقة
يذكر أن الدولة المصرية قد بذلت في السنوات الأخيرة جهودا من أجل تبني إستراتيجية شاملة للنهوض بقطاع الطاقة، في إطار رؤيتها الطموحة للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، وأن تكون مصر منطقة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، مستغلة فى ذلك موقعها الاستراتيجي والثروات الطبيعية التى تتمتع بها وتوافر مصادر الطاقة المتجددة ، وكذلك الأصول والبنية التحتية التى تم تطويرها ، ليشهد هذا القطاع الهام إصلاحات وطفرة غير مسبوقة على صعيد تأمين الإمدادات والاستدامة والإدارة الرشيدة ، فضلا عن إنشاء محطات جديدة لتوليد الكهرباء وتنويع مصادر إنتاجها، الأمر الذي انعكس على قدرة مصر فى التغلب على التحديات الكبيرة التى واجهتها فى توفير الطاقة للسوق المحلى ، كما يسهم فى دعم عملية التنمية الشاملة فى كافة المجالات ، ولضمان استقرار واستمرار التغذية الكهربائية، تم وضع وتنفيذ خطة شاملة لتطوير شبكات نقل وتوزيع الكهرباء باستثمارات ضخمة ، و بتوفيق من الله وبإخلاص النوايا وتضافر الجهود ، تحولت مصر من العجز في الكهرباء الى الإكتفاء ، ومن الندرة الى الوفرة ، وتتحرك الآن بخطوات واثقة نحو الطاقة المستدامة والشبكات الذكية والتحول الرقمي والإقتصاد الأخضر.