واشنطن تعلن: لن ندعم أية عملية عسكرية إسرائيلية في رفح
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
أعلنت واشنطن أنها لن تدعم أية عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، جنوبي قطاع غزة، وهي العملية التي تهدد تل أبيب ببدئها خلال ساعات.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، الخميس، إن أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح الفلسطينية "ستكون كارثية".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة "لن تدعم تنفيذ إسرائيل لأي عملية إسرائيلية في رفح، جنوبي قطاع غزة".
اقرأ أيضاً
إعلام عبري: نتنياهو تعهد لبلينكن بعدم التحرك نحو رفح دون التنسيق مع مصر
وتابع: "تنفيذ مثل هذه العملية الآن دون تخطيط وتفكير في منطقة يوجد فيها مليون شخص سيكون بمثابة كارثة"، مضيفًا: "الولايات المتحدة لم ترَ دليلاً على التخطيط الجاد فيما يتعلق بالعملية العسكرية الإسرائيلية المقترحة في رفح".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن، في تصريحات، مساء الأربعاء، أنه أصدر تعليماته إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي بالتحرك نحو رفح.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قال، الثلاثاء الماضي، إن "أي تحرك من إسرائيل، لتوسيع عمليتها البرية في غزة، لتشمل مدينة رفح المكتظة جنوبي القطاع، قد يفضي إلى جرائم حرب يجب منعها بأي ثمن".
ونقل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بيان، عن المتحدث باسم المكتب، ينس لاركيه، قوله إنه "بموجب القانون الدولي الإنساني، فإن القصف العشوائي للمناطق المكتظة بالسكان يمكن أن يرقى إلى جرائم الحرب".
وقبل أيام، قالت وسائل إعلام عبرية إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد للقيادة السياسية الإسرائيلية قلق واشنطن بشأن العملية المرتقبة في رفح وما إذا كان يمكن تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
اقرأ أيضاً
اليوم الـ124 للحرب.. احتدام المعارك والجيش الإسرائيلي يتأهب لعملية برية في رفح
وأضافت التقارير أن نتنياهو أكد لبلينكن أنه لن يتحرك نحو رفح ومنطقة محور فيلادلفيا الحدودي (محور صلاح الدين) دون تنسيق كامل مع مصر.
المصدر | الخليج الجديد + متابعاتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: رفح غزة جيش الاحتلال الإسرائيلي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إسرائیلیة فی رفح
إقرأ أيضاً:
حجة إعادة العولمة
ترجمة: أحمد شافعي
بعد سنين من ترويج العولمة واتفاقيات التجارة الحرة، على مدار العقد الماضي، توحَّد صناع السياسة الأمريكيون حول أجندة اقتصادية تركز على السياسة التصنيعية وأمن سلسلة التوريد. وكان هذا التحول إلى حد كبير رد فعل على مساوئ الاعتماد الاقتصادي المتبادل. فعلى الرغم من أنه لا نزاع في الفوائد الاقتصادية الكلية للعولمة، فقد كان توزيع هذه الفوائد غير عادل. ففي مناطق كثيرة من الولايات المتحدة، تسبب إطلاق حرية التبادل التجاري الدولي في انحدار الصناعة المحلية وفقدان الوظائف جيدة الرواتب في قطاع التصنيع. وتخلفت مناطق كاملة، وبخاصة المناطق الريفية أو ذات الغلبة الصناعية. وجاءت مشكلات سلسلة التوريد التي ظهرت في أثناء وباء كوفيد 19 فزادت من إظهار أخطار هذا الاعتماد الاقتصادي المتبادل. ونتيجة لذلك، رجع الجمهوريون والديمقراطيون على السواء إلى السياسة الصناعية والقيود التجارية بهدف إيجاد المزيد من الوظائف في قطاع التصنيع وتقليل اعتماد الولايات المتحدة على بلاد أخرى.
لكن صنَّاع السياسة الأمريكيين يخاطرون بالمغالاة في رد الفعل. فهم بتبنِّيهم التركيز الضيق على الأمن الاقتصادي قد يضيعون فرصًا للتقرب من بلاد في الجنوب العالمي تريد إقامة علاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة. ومع استعار تنافس القوى العظمى، فإن الوقت الراهن ليس بالوقت المناسب للانكفاء على الذات. بل إن الولايات المتحدة بحاجة إلى السعي إلى طرق جديدة لترسيخ علاقاتها القائمة وإقامة علاقة جديدة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.
وإدارة ترامب بحاجة إلى سياسة قادرة على الموازنة بين كل من الأهداف الاقتصادية والأهداف الجيواستراتيجية. ولزامًا عليها أن تشرع في عملية «إعادة عولمة» تستثمر في الصناعات التي تدعم سلاسل توريد الولايات المتحدة في بلاد الجنوب العالمي. وهذه الإجراءات ليست من جملة اتفاقات التجارة الحرة الواسعة، وغير ذات الشعبية، والضارة في بعض الأحيان، مما تبنته إدارات أمريكية سابقة. إنما هي استثمارات أجنبية مستهدفة تعزز في نهاية المطاف التصنيع المحلي لمنتجات متطورة. ومن خلال تبني هذا النهج، قد يتسنى للإدارة الجديدة أمران هما: تجديد التصنيع في الولايات المتحدة وتقوية شبكة الشراكات التي تحتاج إليها في منافسة الصين وروسيا وغيرهما من الخصوم الاستراتيجيين.
فقدان الأرض
لقد أدى تحول في القوة العالمية إلى تغيير شروط تحالفات الولايات المتحدة. فعالم ما بعد الحرب الباردة ذو القطب الواحد ـ الخاضع لسيطرة الولايات المتحدة ـ يتحول الآن إلى عالم متعدد الأقطاب. لم تعد البلاد تنجذب بطبيعة الأمور إلى مجال نفوذ واشنطن. وتزداد بلاد كثيرة ـ لاسيما في الجنوب العالمي ـ ارتياحا إلى التعامل مع العديد من القوى الكبيرة في الآن نفسه. فعلى سبيل المثال، تقيم فيتنام ـ وهي شريكة للولايات المتحدة ـ علاقات وثيقة مع الصين وروسيا أيضا.
والهند عضو في الرباعية، أي: الحوار الأمني الرباعي، وذلك تجمُّع يضمّ: أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، وتعدها واشنطن شريكًا استراتيجيًا في مواجهة نفوذ الصين في آسيا. لكن الهند تعمل أيضا عن كثب مع روسيا، ومن ذلك شراؤها النفط الروسي المخفّض، فتموّل بذلك حرب موسكو في أوكرانيا. وبين تركيا والولايات المتحدة معاهدة تحالف بوصفها عضوًا في حلف الأطلنطي، لكنها وقّعت أيضا اتفاقية في عام 2018 لشراء نظام دفاع روسي مضاد للصواريخ، وطلبت في وقت أقرب من ذلك الانضمام إلى مجموعة (بريكس) التي ضمّ أعضاؤها الأوائل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
لم تعد الولايات المتحدة وحلفاؤها المقربون يمثلون جماعيًا كتلة العالم الاقتصادية الكبرى؛ فمجموعة بريكس ـ التي توسعت قريباـ تباهي الآن بعشرة أعضاء (أحدث الإضافات هي: مصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات) وتمثل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متجاوزة بذلك مجموعة السبع التي تضم: كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي حين تقيم بلاد أخرى شراكات دولية، فإنها لا تتحرك في ذلك بدافع الإحساس بقيم مشتركة وإنما بدافع من فوائد اقتصادية. فعلى سبيل المثال زادت بلاد إفريقية كثيرة أخيرا من روابطها الاقتصادية لا مع الصين فقط من خلال مبادرة الحزام والطريق ولكن مع روسيا أيضا وتركيا والإمارات العربية المتحدة التي استثمرت في الموانئ والطاقة النظيفة والتعدين وقطاعات أكثر من ذلك.
في حين وجهت الولايات المتحدة انتباهها على نحو متزايد إلى أولويات محلية. فتركز واشنطن على تجديد مراكز تصنيع سابقة وتأسيس قدرة محلية. وثمة اتفاق بين الحزبين على الاحتياج إلى خلق وظائف جديدة في قطاع التصنيع، وبخاصة في أقسام البلد الأكثر تأثرا بالتراجع عن التصنيع ونقل الإنتاج إلى الخارج. في عام 2022، أجاز الكونجرس قانون الرقائق والعلم الذي يخصص أكثر من ثمانية وخمسين مليار دولار لتعزيز الإنتاج المحلي لرقائق الحاسوب وأشباه الموصّلات، وجاءت الإجازة بدعم واسع من كلا الحزبين.
وليست واشنطن بموشكة على التوسع في علاقاتها الاقتصادية الأجنبية من خلال اتفاقات تجارة حرة جديدة. فليس لدى أي من الحزبين رغبة في مثل هذه الاتفاقيات، وذلك ما تبين من معارضة كلا الحزبين القوية للشراكة عبر المحيط الهادئ التي أدت إلى انسحاب الولايات المتحدة في 2017 من الاتفاقية التي ضمت اثني عشر بلدا، وجمّدت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016 بشأن شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلنطي.
ولقد اقترح الرئيس دونالد ترامب ـ بعد إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة في أمريكا الشمالية ـ خلال ولايته الأولى أنه قد يفرض تعريفات جمركية تبلغ 25% على السلع الواردة من كندا والمكسيك قبل المراجعة المعتزمة لخليفة نافتا، أي اتفاقية الولايات المتحدة وكندا والمكسيك في العام التالي. لقد باتت التعريفات الجمركية ركيزة أساسية للسياسة الأمريكية، تستعمل لحماية الصناعات المحلية من المنافسة المجحفة، وبخاصة من الصين، ولضمان الإنتاج المحلي للمنتجات ذات الأهمية الأمنية الوطنية للولايات المتحدة. فقد حافظ الرئيس جو بايدن على كثير من التعريفات الجمركية المفروضة على السلع الصينية من قبل الرئيس ترامب في ولايته الأولى، وفرض ترامب قيودًا استيرادية جديدة على السيارات الكهربائية الصينية وغيرها من التقنيات الصديقة للبيئة.
غير أنه في حال استمرار واشنطن في الالتفات إلى الداخل، فإنها قد تعرض للخطر قدرتها على إقامة علاقات مع بلاد في الجنوب العالمي من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة على دعم أغراضها الاستراتيجية. وهذه البلاد نفسها تشعر بالقلق من الاصطفاف مع واشنطن. فقد أدت خطوات خاطئة اتخذتها السياسة الخارجية الأمريكية أخيرًا فضلًا عن انتشار تصور بوجود معايير مزدوجة تحكم ردود أفعالها المتباينة على الحربين والمعاناة الإنسانية في أوكرانيا وغزة إلى الإضرار بسمعة الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك، بدأت بلاد كثيرة تنظر بشكل أكثر إيجابية إلى قوى عالمية أو ناشئة أخرى، من قبيل الصين وروسيا والإمارات العربية المتحدة. ومع تضاؤل جاذبيتها الاقتصادية والثقافية بما يعوق قدرتها على صياغة شراكات جديدة، فإن الولايات المتحدة تخاطر بإتاحة المجال لخصومها كي يعمقوا روابطهم مع البلاد غير المنحازة بما يضير بمصالح الولايات المتحدة.
والعواقب مشهودة بالفعل في إفريقيا، حيث توغلت الصين بطرق غير قليلة. ففي ظل مبادرة الحزام والطريق، طرحت الصين قروضا لمشاريع البنية الأساسية واستثمرت فيها مبالغ كبيرة، وذلك في بلاد من قبيل أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا ونيجريا وتنزانيا وزمبابوي. وظفرت بكين في المقابل بحرية الوصول إلى موانئ وموارد طبيعية. وقد قدمت مشاريع التعدين في الكونغو وزيمبابوي وغيرهما مساعدة للصين في ضمان سيطرتها على قرابة 90% من المعالجة العالمية للأتربة النادرة اللازمة لتصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات والبطاريات.
وعلى الرغم من أن المعادن المهمة إفريقية المصدر لا تزال تمثّل نسبة بسيطة فقط من الإنتاج العالمي، فإن الصناعة تحظى بقدرات كامنة هائلة، وبإهمال الاستثمار في تنميتها، قد تضيِّع الولايات المتحدة وحلفاؤها فرصة تقليل اعتمادهم على الصين للوصول إلى هذه الموارد.
وبالمثل، وسَّعت الصين نفوذها الاقتصادي في أمريكا اللاتينية، من خلال استثمارات البنية الأساسية من قبيل ميناء ضخم في بيرو ومحطة للطاقة الكهرومائية في الإكوادور، فباتت بكين الآن ثاني أكبر شريك تجاري للمنطقة بعد الولايات المتحدة، وليس نفوذها حميدًا طيلة الوقت؛ ففي مارس 2023، ضغطت الصين على هندوراس لتقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان في مقابل مساعدات اقتصادية. وبدأت بكين في توسيع علاقاتها بالمنطقة إلى ما وراء المشاريع الاقتصادية أيضا، ففي الأرجنتين على سبيل المثال تشغِّل الصين محطة فضائية عميقة أثارت القلق لدى مسؤولي الدفاع الأمريكيين من إمكانية استعمالها في تعقُّب الأقمار الصناعية الأمريكية.
النهج المستهدف
على إدارة ترامب أن تقوم بتحديث استراتيجيات للمنافسة الفعالة مع الصين على النفوذ في البلاد غير المنحازة، فإقامة العلاقات في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ليست مهمة فقط لضمان وصول الولايات المتحدة إلى الموارد المهمة، ولكن أيضا لزيادة عدد البلدان العازمة على مساعدة الولايات المتحدة في تعزيز مصالحها، وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لا بد أن تنشئ أمريكا شراكات جديدة تتجاوز التحالفات القائمة مع اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية لتحجيم نفوذ الصين الاقتصادي والعسكري المتصاعد.
لكن من أجل صوغ هذه الشراكات ـ وكذلك تقوية القائم منها ـ لا بد أن تطرح الولايات المتحدة فوائد اقتصادية، ومثلما قالت سامنثا باور مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية السابقة خلال فعالية بمجلس العلاقات الخارجية في ديسمبر: «مهما يكن المكان الذي أمضي إليه، ومهما تكن القارة، ومهما يكن المجتمع، تبقى الرسالة واحدة، وهي إننا نريد التجارة لا المساعدات»، ومن ثم يجب على الولايات المتحدة أن تضمن أن ينصب تركيزها على تعزيز التصنيع المحلي للمنتجات المتطورة على ألا يفضي هذا التركيز إلى رفض كامل لإقامة شراكات اقتصادية أجنبية جديدة. فبوسع مثل هذه الشراكات أن تفيد الأطراف جميعًا، ومن خلال الاستثمار بالخارج في الصناعات القادرة على توفير المدخلات للتصنيع الأمريكي، تستطيع واشنطن تعزيز سلاسل التوريد وتعميق علاقاتها مع الدول المحورية في الجنوب العالمي.
يجب على فريق ترامب الجديد أن يبدأ بتحديد التحالفات التي ينبغي له أن يعززها والدول التي ينبغي له أن يقيم معها علاقات جديدة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة المحيطين الهندي والهادي. ففي إفريقيا وأمريكا اللاتينية، قد يشمل هذا الدول الغنية بالموارد الطبيعية المستخدمة في إنتاج البطاريات أو أشباه الموصلات، من قبيل تشيلي وزيمبابوي، أو تلك التي تقع في مواقع مهمة استراتيجيًا، مثل: جيبوتي بسبب قدرتها على الوصول إلى البحر الأحمر، وفي منطقة المحيطين الهندي والهادي، يجب أن تكون أولوية الولايات المتحدة هي تعميق شراكاتها مع دول من قبيل إندونيسيا وفيتنام وغيرها، حيث تتنافس مع الصين على النفوذ الاقتصادي، فضلا عن دول جزر المحيط الهادئ التي قد يكون تعاونها العسكري مفيدًا لواشنطن في حالة نشوب صراع مع بكين بشأن تايوان أو في بحر الصين الجنوبي.
بعد ذلك، يجب على الإدارة أن تعمل مع قادة الأعمال الأمريكيين في الصناعات المحلية الحيوية، من قبيل تصنيع أشباه الموصلات وإنتاج السيارات، لتحديد المواد الخام أو المعالجة التي يمكن الحصول عليها من البلاد ذات الأولوية، ثم ينبغي على الحكومة الأمريكية بعد ذلك أن تستثمر في هذه البلاد لتحسين البنية الأساسية وإقامة الصناعات التي يمكن أن تغذي مباشرة سلاسل التوريد الأمريكية. وقد اتبع استثمار إدارة بايدن أخيرًا في مشروع سكة حديد في أنجولا هذا المنطق: إذ يربط هذا الطريق أنجولا بجمهورية الكونجو الديمقراطية وزامبيا، ميسرًا بذلك إنتاج المعادن الأساسية المستخدمة في البطاريات. ولكن ينبغي على واشنطن أن تنفذ قدرًا أكبر كثيرًا في هذه الاستثمارات الاستراتيجية. ففي تشيلي، على سبيل المثال، تستطيع الولايات المتحدة أن تستثمر في صناعة النحاس، وهي ذات أهمية حيوية في تصنيع أشباه الموصلات. ويمكنها تمويل مشاريع التعدين في إندونيسيا التي تنعم باحتياطيات كبيرة من النيكل المستخدم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وغيرها من التقنيات الصديقة للبيئة. وفي فيتنام، تستطيع الولايات المتحدة أن تستثمر في التصنيع الإلكتروني لتنويع سلاسل التوريد في هذا القطاع بعيدًا عن الصين وتايوان.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من نفوذها في المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتسهيل الإقراض والاستثمار في البلاد الشريكة للولايات المتحدة في الجنوب العالمي. فالولايات المتحدة هي أكبر مساهم في مجموعة البنك الدولي، وهي تحظى ـ مع أقرب حلفائها من قبيل ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة ـ بنفوذ كبير فيما يتعلق بإجراء تغييرات في السياسات والموافقة على حزم المساعدات المالية. ومن ثم يمكن أن تدفع واشنطن باتجاه اتخاذ تدابير من شأنها زيادة الاستثمار الأجنبي والمساعدات الاقتصادية لشركائها الجدد أو القائمين في الجنوب العالمي، بما يضيف إلى الاستثمارات الأمريكية الأولية ويعزز التنمية الاقتصادية طويلة الأجل لهذه البلاد. كما يمكن لحلفاء آخرين للولايات المتحدة، ومنهم اليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوروبية، أن يستفيدوا من تحسين الوصول إلى الأسواق الجديدة.
وهذا النهج أكثر استهدافًا من نهج المساعدات الاقتصادية الذي تتبعه الولايات المتحدة تقليديًا، ويركز بالأساس على المنح والمساعدات الإنسانية وبرامج التجارة، وهو لا يوفر فوائد اقتصادية لشركاء الولايات المتحدة في الجنوب العالمي فحسب، ولكنه يلبّي أيضا احتياجات الولايات المتحدة في الاقتصاد والأمن الوطني.
ومن خلال الالتزام بإعادة العولمة، والصياغة الحريصة لحزم التجارة والاستثمار لإقامة علاقات مع البلاد المهمة، يمكن أن تعزز واشنطن صناعاتها المحلية، وتحمي سلاسل التوريد لديها، وتقوي الشراكات التي تحتاج إليها لتعزيز الأمن القومي والمصالح الجيواستراتيجية الأخرى - وكل ذلك في وقت واحد.