البوابة نيوز:
2025-01-11@09:32:41 GMT

الوَهم.. والحقيقة

تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT

في مجتمعاتنا العربية يتم الخلط بين مفهوم «الدولة»، ومفهوم «الحكومة»، ومفهوم «النظام»، فكثيرًا ما نلاحظ أنه حين يوجه المواطن نقدًا للحاكم يُتهم ذلك المواطن بأنه يسعى لهدم الدولة، رغم وجود فرق شاسع بين الدولة والحاكم الذي يتولى السلطة، الحاكم زائل والدولة باقية. ولكن البعض  يروج لمقولة (الحاكم = الدولة)، وهى مقولة زائفة ومضللة، كذلك الزعم بأن الحاكم هو «كبير العائلة» أو «الأب» لكل المواطنين، أو هو وحده الذي يفهم، وهو وحده الذي يعرف، هو الذي يَسأل ولا يُسأل؛ ومن ثمَّ إذا أراد المواطن أن يسأل أو يستفسر عن شئ فعليه أن يسأل ذلك الحاكم، ولا يجوز للمواطن أن يسأل أحدًا غيره.

كل هذه المفاهيم تتعارض مع مدنية الدولة.

وفي الدولة المدنية الحديثة ظهرت فكرة الدساتير حيث ظهرت الحاجة إلى ما يحقق التوازن بين السلطات في الدولة (السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية)، وتنظيم العلاقة بين هذه السلطات الثلاث بما يحول دون طغيان سلطة على أخرى.

ويمثل الدستور في الدولة قمة البناء القانوني فيها، إذ يجب أن تأتي القواعد القانونية التالية له متفقة معه لا تخالف نصوصه، ولا تعارض أحكامه، وإلا أصبحت غير دستورية، وهو بهذه المثابة يُعَد إطارًا حاكمًا للحياة السياسية والقانونية في الدولة. ويهدف الدستور إلي إقامة التوازن بين السلطة والحرية في المجتمع، فبهذا التوازن تستقيم الأمور ويستقر النظام. ذلك لأنه يمنع الصراع بين طبقتي الحكَّام والمحكومين. فالحكَّام – في كل حين – ينشدون مزيدًا من السلطة، والمحكومون – على النقيض – يسعون إلى مزيد من الحرية.

وتقوم الدولة المدنية على عدة مبادئ أهمها:

- الشعب مصدر السلطات.

- المساواة وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق.

- حرية الرأي والاعتقاد.

- العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

- احترام حق الاختيار والاختلاف.

- سيادة دول القانون والفصل بين السلطات.

في مجتمعاتنا العربية، نعاني بشدة من غياب الوعي السياسي بهذه المسائل الحيوية، لذلك نجد قطاعًا كبيرًا من الناس، يؤمن بأن الدولة إذا قامت على أساس الدين ستكون مثالية ونموذجية، ومن هنا انتشر الترويج لمقولة أن «الإسلام هو الحل» بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حكم للدولة. ولكننا نود أن نؤكد أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة، ليست - كما يتوهم الكثيرون - دعوة دينية خالصة، وإنما لها بعد سياسي خطير يتمثل في السعي نحو الوصول إلى الحكم، وذلك بإقامة الحكومة الإسـلامية. إن السعي نحو الوصول إلى الحكم، في ظل نظام تعدد الأحزاب، أمر مشروع، وإنما يكمن الخطأ والخطر في إقحام الدين في الأمور السياسية. ومحاولة - بعض الداعين إلى تطبيق الشريعة - الإيهام بأنها دعوة دينية خالصة لا تبتغي إلا وجه الله وتنفيذ أوامره، ومن هنا حاولت بعض الجماعات الدينية تأكيد وجود تماثل بين الإسلام وتطبيق الشريعة، مدخلين فى روع الناس أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة هى دعوة إلى الإسلام، وأن رفض هذه الدعوة هو مروق عن الإسلام.

هذا من جانب؛ ومن جانب آخر راجت – استنادًا إلى فترات حكم بعض سلاطين وخلفاء المسلمين – الدعوة إلى حكم «المستبد العادل» أو «الطاغية الصالح».. ومن المؤكد أنه لا وجود لطاغية صالح، فالطاغية عادةً ما يستخدم كل الوسائل في سبيل الوصول إلى غاياته. والواقع أن طريقة الحكم لدى الطاغية، سواء وصل إلى سدّة الحكم عن طريق اختيار الشعب، أم بقوة السلاح أم بالوراثة، فإن هذه الطرق جميعها «متماثلة»: إنه يقهر الشعب، وينظر إليه بوصفه فريسة له، أو يقوم باستعباده، فبدلًا من أن يحكم؛ يريد أن ينصّب نفسه سيدًا، وبدلًا من أن يتولى مهمة قيادية، يستأثر بسلطة فعلية، وبدلًا من أن يؤدي واجبًا، يمنح نفسه كل الحقوق. وأسوأ ما في الأمر أيضًا: أنه يُقْصِر حقوقه المزعومة على ممارسة البطش. ولما كان الطاغية يعيش في حالة هذيان دائم، ينهشه الفزع من كل شئ؛ ويفزع من كل شخص؛ وخاصةً من أولئك الذين اضطهدهم، لذلك يبذل الطاغية قصارى جهده لتضخيم قوته بكل الوسائل: فهو لا يعمل فقط على حرمان شعبه من العلم والفطنة، بل يحرص على أن يتفشى الفساد في كل أركان الدولة.

ويتفشي الاستبداد في منطقتنا العربية، لا على مستوى الطبقة الحاكمة فقط، بل في كل مؤسسة تجد رئيسها والعاملين بها، يشتكي كل منهم من جبروت واستبداد الحاكم الذي يجلس على رأس الدولة؛ ملكًا كان أو رئيسًا، في الوقت الذي يمارس فيه رئيس مجلس القسم أو عميد الكلية أو رئيس الجامعة أو رئيس مجلس إدارة المؤسسة أشد أنواع الاستبداد. وهذا القول ينسحب على كل مواطن تتاح له فرصة تملك سلطة!!..

وهكذا نجد المواطن العربي قد سكت طويلًا على الاستبداد فألفه، وساهم في تكريسه ورسوخه، وصارت «ثقافة الاستبداد» جزءًا من فكر المواطن وسلوكه. إن «الاستبداد» هو علة وسبب كل ما نعاني منه في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.. والديمقراطية هى الحل.. أما مقولة إن شعوبنا غير مؤهلة للحكم الديمقراطي؛ فهى مقولة باطلة؛ وليست باطلة فحسب، بل إن ترديد مثل هذه المقولة يسهم في ترسيخ النظم الاستبدادية وتبرير استمرار بقائها.

إن الديمقراطية في جوهرها حرية، وتسامح، واحترام لحرية وحقوق الآخر، لذا فالتطرف يُعَدُّ عائقًا أساسيًا في طريق تطبيقها، لأن الشخص المتطرف يكون في العادة مغاليًا في فكره، متعصبًا، ومفتقدًا للاعتدال، يرى دائمًا أن رأيه هو الصواب، ورأي غيره خطأ، الأمر الذي يدفعه دفعًا للتمييز بين الأفراد على أساس الدين أو العرق أو غير ذلك من أسباب التمييز العنصري الأخرى، وهذا في حد ذاته ضد الديمقراطية. كذلك يؤدي ضعف منظمات المجتمع المدني إلى إعاقة الديمقراطية بشكل صحيح، ويُقْصَد بمنظمات المجتمع المدني: الجمعيات والنقابات والكوادر، والمؤسسات المحلية المسئولة عن العمل الديمقراطي داخل المجتمع. إن ضعف مثل هذه القوى، وتدني ممارستها لدورها، وعدم وجود أنشطة حقيقية لها على أرض الواقع؛ يُعَدُّ عائقًا من معوقات تحقيق الديمقراطية بالمجتمع.

* أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الدولة الحكومة فی الدولة الذی ی

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: الشريعة الإسلامية سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة

قال الدكتور نظير محمد عيّاد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في بداية كلمته في "جلسة العلماء" على هامش مشاركته في أعمال المؤتمر العالمي: "تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة: التحديات والفرص"، الذي ينعقد في العاصمة الباكستانية "إسلام أباد" في المدة من 11 إلى 12 يناير 2025م.


وأضاف المفتي خلال مشاركته في "جلسة العلماء" على هامش أعمال المؤتمر العالمي: "تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة: التحديات والفرص" بالعاصمة الباكستانية “إسلام أباد”، أن هذا المؤتمر يُعدُّ جزءًا من النضال الفكري المتجدد نحو تحرير المرأة المسلمة من الأفكار والمفاهيم المغلوطة التي تثار حولها، ويُعدُّ كذلك امتدادًا طبيعيا لحركة التجديد الفقهي والفكري التي ابتدأها شيوخنا وعلماؤنا في العصر الحديث، وحمل لواءها وناضلت من أجلها المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية بجمهورية مصر العربية.

وأكد أن الشريعة الإسلامية قد سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، إلا في بعض الأمور اليسيرة التي تتناسب وطبيعة الرجال فقط؛ فقد أعلن الإسلام حريتها واستقلاليتها يوم كانت في حضيض الانحطاط في الجاهلية، ومنحها حقوقها الإنسانية بشكل كامل غير منقوص، وقرر لها كفاءةً شرعيةً لا تنقص عن كفاءة الرجل في جميع الأحوال المدنية.

وتابع: إن الإسلام قد نظر إلى الرجل والمرأة بعين المساواة الحقيقية وليست الشكلية أو الصورية، وهذه المساواة تعود بالمجتمع إلى الفطرة السليمة التي فطر الخالق عز وجل الخلق عليها، وقد أجمل الإسلام هذه المساواة في قوله تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾ [البقرة: 228]، وإن أي فكر أو طرح ينتقص من هذه المساواة أو يختزلها في شكل صوري هو فكر دخيل على الإسلام، والإسلام منه براء مهما كان المتحدث به أو المقرر له.

وواصل: أن الإسلام عندما حث المسلمين على طلب العلم والتعلم، لم يوجه حديثه نحو الرجال دون النساء، ولم يفضل بشكل صريح أو ضمني الرجال على النساء درجةً في هذا الباب، بل كان توجيه الإسلام للرجال والنساء على السواء في ضرورة التعلم والاستزادة في العلم والمعرفة.

حكم قراءة سورة الكهف ليلة يوم الجمعة .. اعرف وقت تلاوتها عند الفقهاءحكم صلاة المرأة بـ بنطلون ضيق .. الإفتاء تحسم الجدل

وأشار المفتي إلى أن الفهم المغلوط حول مسألة تعليم المرأة قد ظهر بسببين رئيسين: الأول: مدى تأثير العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية في الاجتهاد نحو استنباط بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة، ثم تداول هذه الأقوال وتلك الاجتهادات من قبل بعض المقلدين والجامدين، وهؤلاء لم ينظروا بعمق أو وعي إلى أن هذه الاجتهادات كانت مبنيةً على واقع قد تغير، واستجابةً لمصالح قد تبدلت، ومواءمةً لأحوال أسرية ومجتمعية قد تجاوزها التطور منذ قرون، مع تجاهل وجوب تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.


وأكمل: أن هذا الجمود، وتلك التقاليد البالية التي وضعها الناس ولم يضعها رب الناس، قد انحدرت بالوضع الثقافي والاجتماعي للمرأة، وهبطت بمستوى التربية، وعمقت عملية التجهيل المتعمد للمرأة والانتقاص الشديد من حقوقها.


والسبب الثاني: تداول أحاديث ضعيفة واردة في حق المرأة، والاعتماد عليها في استنباط بعض الأحكام الشرعية، خاصةً فيما يتعلق بعلاقتها مع المجتمع ومدى تفاعلها فيه.


وأبدى فضيلته تعجبه من هؤلاء الذين يعتمدون على هذه الأحاديث الضعيفة لإلغاء الآيات البينات المحكمات والسنن الثابتة الواضحات، مؤكدا أن هذه الأقوال مجرد كلام لا أصل له، بل هي أحاديث موضوعة تتعارض مع صريح القرآن الكريم والواقع التطبيقي للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكرم المرأة، ويحثها على التعلم والارتقاء.

ولفت إلى حقيقة جلية مؤكدة بالنصوص الشرعية، وهي أن الإسلام قد اعتبر المرأة طاقةً فكريةً، وثقافيةً، وإنسانيةً، وتربويةً، توجب علينا استكشاف ما فيها من جوانب الخير والإبداع، وإشراكها في صناعة الحضارة الإنسانية الرشيدة.


وقال: إن الواقع التاريخي يثبت أن المرأة حينما تخلت عن التعليم، تخلفت الأمة بأسرها، فإن الأمهات الجاهلات ينتجن أبناءً جاهلين خاملين، في حين أن تعليم المرأة وتنويرها هو السبيل إلى نهضة المجتمع بأكمله. كما أثبت التاريخ أيضًا أن أي إصلاح يهمل حقوق المرأة ليس بإصلاح حقيقي، ولم يكتب له النجاح أو الاستدامة.


واستطرد: "لقد كانت المسلمات الأوائل مثالًا يحتذى به في التفاعل الإيجابي مع المجتمع: كن يصلين الصلوات الخمس في المسجد، من الفجر إلى العشاء. وكن يشاركن في معارك النصر والهزيمة. وكن يشهدن البيعات الكبرى. وكن يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر.


وأردف: لقد كانت المرأة في الإسلام إنسانًا مكتمل الحقوق المادية والأدبية، ولم تكن يومًا نفايةً اجتماعيةً كما يفهم المتطرفون الجاهلون.. متسائلاً: فهل يعقل أن يكون الفكر الديني مع تجهيل المرأة، والإلحاد مع تعليمها؟ أي عقل هذا؟، وهل يعقل أن نجعل المرأة رهينة الجهل والقهر، في عصر الذرة والفضاء والذكاء الاصطناعي؟ إن الإسلام يدعو إلى التحرر من القيود البالية، والتنوير بالعلم، والارتقاء بالعقل، وهذا ما يجب أن يكون نصب أعيننا جميعًا".

وفي ختام كلمته أكد المفتي أننا نتطلع بكل جد وإخلاص إلى التعاون الجاد نحو تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تثار حول قضايا المرأة وإشكالياتها المعاصرة، ونجدد دعمنا الكامل لجميع الرؤى والمبادرات القيمة التي ستنبثق عن هذا المؤتمر الكريم، ساعين بإذن الله لتحقيق تطلعاتنا المشتركة في بناء مجتمع متكامل ينعم فيه الجميع بالعدل والمساواة.

مقالات مشابهة

  • بين الطغيان والسقوط: لماذا تنتهي أنظمة الاستبداد بالثورات؟
  • مكانة عقد الزواج وخطورته في الشريعة الإسلامية.. الإفتاء توضح
  • مفتي الجمهورية: الشريعة الإسلامية سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة
  • المفتي: الشريعة الإسلامية سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة
  • الرئيس السيسي لطلاب الأكاديمية العسكرية: أنتم الجيل الذي سيتولى حماية الدولة
  • المواطن أولوية.. نواب يؤكدون أهمية حزمة الحماية الاجتماعية في دعم الفئات الأولى بالرعاية
  • العربي الناصري: توجيهات الرئيس بإعداد حزمة حماية اجتماعية تؤكد دعمه للمواطن البسيط
  • نائب التنسيقية: توجيه الرئيس السيسي بحزمة اجتماعية جديدة دليل حرصه على دعم المواطن البسيط
  • العربي الناصري: توجيهات الرئيس السيسي بإعداد حزمة حماية اجتماعية دعم مباشر للمواطن
  • قيادي بـ «مستقبل وطن»: حزمة الحماية الاجتماعية تعكس حرص القيادة على دعم الفئات الأكثر احتياجا