لا بد بداية أن نسأل: هل كتابة السيرة الحياتية في العمل الأدبي تهمة؟

وهناك من يثير سؤالا آخر: لماذا تجد الكاتبات العربيات في الكتابة الروائية متسعا لتمرير بعض من سيرتهن بين ثنايا العمل في مقابل الاستغناء عن تقديم كتاب تحت مسمى "سيرة حياتية"؟

لكن ألا يعني ذلك تهميش كتابات الكاتبة العربية؟ خاصة أن هناك أجيالا من الكاتبات خاضت كتابة السيرة، مثل الروائية رضوى عاشور وكتابها "أثقل من رضوى"، والناقدة الروائية "حملة تفتيش"، والشاعرة "رحلة جبلية".

ربما يتطلب كتابة سيرة ذاتية بعض الجرأة والحذر في مجتمعات تضع كتابات المرأة في خانة المساءلة؛ لذلك يحاول المشاركون في هذا الاستطلاع أن يجعلوا الأدب إنسانيا عاما فحسب.

ميثاق الحقيقة

تشير الروائية القطرية هدى النعيمي صاحبة كتاب السيرة "بوح النخيل" إلى أنها فضلت في هذا الكتاب أن تكون الراوي الصريح، والشفاف، واختارت البوح عنوانا للكتاب، حيث إنه "قد يكون البوح عنوانا جذابا للقارئ لما نتمتع به جميعا من فضول إنساني للمعرفة، والاقتراب من الأسرار، وإن هذا الفضول الإنساني المشروع هو ما يجعل كتب السيرة تشهد انتشارا واسعا خاصة في الغرب، وربما هذا ما جعل كتابي يلقى قبولا واستحسانا ممن قرأه حتى الآن"، وفق توصيف الروائية القطرية.

ويعني ذلك، بحسب النعيمي، أن أخذ قرار كتابة السيرة الذاتية، مغامرة تحتاج إلى مستوى من الجرأة.

وتضيف: "وجدت في نفسي تلك الشجاعة لخوض هذه التجربة، وقد كان بالفعل وقت كتابة تلك السيرة، وقتا جميلا، وكان الاسترسال في الكتابة، واستعادة صفحات من حياة، وذكريات هو الصفة التي صاحبتني أثناء الكتابة، حتى إنني كنت أكتب الكثير، ثم أقرر بعد أن أنتقي أي المشاهد الحياتية يمكن أن يتضمنها الكتاب الذي أظنه أقرب إلى الرواية الواقعية، باختصار لقد صاحبني شغف الكتابة الجميل، طوال الوقت".

في المقابل، تحدثت الروائية التونسية فتحية دبش عن كون كلّ الكتاب والكاتبات شرقا وغربا يستلهمون ويستلهمن من حيواتهم ومحليتهم في كتاباتهم وخاصّة في فن الرواية.

وتضيف دبش: "وجب أيضا الاعتراف للكاتبات العربيّات بقدرتهنّ على الكتابة الروائية سواء تم الاتكاء فيها على السيرة أو غيرها، خاصة أن كتابة الرواية أكثر تعقيدا من كتابة السيرة الذاتية من حيث تقنيات الكتابة. والكاتبات العربيات أثبتن أن الفارق بين كتاباتهنّ وكتابات الرجال ليس إلا فارقا كمّيا باعتبار وفرة إنتاج الكتّاب (الرجال) مقارنة بعدد الكاتبات".

وتضيف دبش: "أما عن كتابة السيرة الذاتية الصريحة فالأدب العربي لا يخلو منها حتى وإن كانت شحيحة سواء بالنسبة للكتاب أو الكاتبات وذلك يعود إلى عدّة أسباب منها الذاتي ومنها الموضوعي. حيث إنّ كتابة السيرة مشروع تام ومستقل بذاته ويحتاج إلى رؤية واضحة لماهيّة السيرة ومدى أهميّتها لتشكّل إضافة للكاتب وللمكتبة العربية. فإذا لم يتوفر هذا العنصر بطل حافز كتابة السيرة".

وتتابع: "أمّا الموضوعي، وهو الأهم بنظري؛ فيعود إلى عدم تصالح الإنسان العربي بصفة عامة رجلا كان أو امرأة، كاتبا كان أو غير ذلك، مع ثقافة الاعتراف والانكشاف والحقيقة؛ وهي ركيزة لا يمكن كتابة سيرة ذاتية أو غيرية بدون الوعي بها وبدون القدرة على مواجهة الحقيقة العارية. وأعتقد أنّ هذا السبب هو ما جعل الكتّاب العرب لا يلجؤون إلى كتابة السيرة الصريحة. بل وحتى بعض النّصوص "السير-ذاتية" التي وصلتنا لا تذعن لميثاق الحقيقة بل تسقط في معيار التمجيد للذات."

وبالمقابل ترى الروائية السودانية آن الصافي، أن الكاتب -سواء كان رجلا أم امرأة- يعي معطيات البيئات المحلية وثقافاتها.

وتتابع الصافي: "هذه الثقافات -بآلية تعاقبتها الأجيال- وضعت سياجا وخطوطا حمراء لا يُسمح بتجاوزها. على الرغم من أن هناك حقبات تاريخية سابقة كانت تضع الحديث في كل شيء ممكن كما ورد في الأثر من قصص محكية وقصائد ورسوم وكتابات من عصور سابقة".

وتستدرك فتقول إن الأمر لا يقتصر على المرأة بل الرجل أيضا؛ فلكي يعيش الكاتب بسلام ما أمكن؛ يتجنب أن يوصل دقائق وتفاصيل تخصه عبر سرده للسيرة الذاتية بشكل مباشر. ومحاسبة الكاتب أخلاقيا وشخصنة النقد قد تذهب بالأعمال الأدبية وكاتبها إلى أبعاد ليست في الحسبان. يبقى كيف للكاتب أن يعيش في هكذا مجتمعات؟!".

السيرة والرواية

في المقابل، تحدث الناقد المغربي محمد معتصم، عن تخفي المرأة الكاتبة وراء القضايا الكبرى السياسية والاجتماعية؛ حيث تدون ملاحظاتها ومذكراتها، مثلما فعلت الكاتبة المصرية هدى شعراوي وهي تكتب ذاتها من خلال التركيز على موضوعات سياسية عامة، لأن المذكرات ليست سوى نوع آخر من التعبير عن الذات الذي تميزت به كتابة السيرة الذاتية، والتي تحولت مع فيليب لوجون بعد "الميثاق الذاتي" إلى "كتابة الذات"، وتخفت المرأة مرة أخرى وراء الاسم المستعار مثال بنت الشاطئ، بنت البحر.

وقد عبرت عن هذا الاختيار القصري الكاتبة المغربية ليلى أبو زيد في مقدمة سيرتها الذاتية "رجوع إلى الطفولة" خوفا من الوسط الاجتماعي العائلي والأسري وزملاء العمل، الذي تتحكم فيه أحكام القيمة المميزة بالتعميم والتعتيم، والقائمة على حكم ثابت جَمْعي، أي "تمثل ذهني" راسخ في اللاوعي التقليدي الموروث، حول قصور عقل المرأة عن التفكير وبالتالي عن الإبداع والابتكار.

وترى هدى النعيمي أن لجوء الكاتبة العربية إلى الرواية كملاذ للبوح بسيرتها الحياتية عوضا عن تقديم كتاب تحت مسمى السيرة خدعة مشروعة في الكتابة، فهي تترك للقارئ مجال التفسير، وتسافر به بين الحقيقة والخيال، وبين (أنا الكاتب) وبين (أنا الشخصية) لتزيد أسئلته حول الرواية، والراوي، فيمكن للروائي أو الروائية الاحتماء وراء شخصية روائية مغايرة عن شخصيته الحقيقية، "ثم إنه خلف ستار تلك الشخصية، يمكن البوح بما لا يمكن البوح به على العلن، وبالتالي تبقى الرواية كما (القناع ) الذي تختفي وراءه السيرة الذاتية أو أجزاء منها، هذا ما أعتقده".

وإن كان هذا ينطبق على كلا الجنسين الرجل والمرأة، كما تقول النعيمي، فإنه بالفعل ينطبق على عالم الكاتبات العربيات بشكل أكثر كثافة من الرجال، "وأظن أن السبب لا يخفى على أحد، وهو حساسية وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية، لكونها محافظة وتفضل التكتم على كل ما لا تنطبق عليه القيم العروبية، أو (الصح) المطلق، وهذا ما لا تأتي به الحياة عادة، فيكون مكان البوح الطبيعي هو الرواية، وهو أسلوب يفضله الكثير"، بحسب الروائية.

المباشرة والتواري

وتعترف الروائية السودانية آن الصافي، أن هناك من يتخذ من المباشرة في الكتابة أمرا حتميا ويواجه المتلقي أيا كانت خلفيته ولا يكترث، وهناك من يفضل التواري خلف شخوص وقصص وحكايا الأعمال السردي والشعرية المقدمة.

وتضيف: "صدقا ما يهم هو جماليات العمل المقدم، من ناحية أخرى فليقدم الجميع سيرته الذاتية أيا كان وفي أي حقل وجد؛ فقط يلتزم الموضوعية والحياد إن أمكن، قد نشكك في ذلك، المهم أن يكون في الطرف الآخر القارئ، وأن يكون ذا قدرة على الاستفادة من هذه السير والتركيز على جوانبها الإنسانية بدون الغوص في ما قد يمس الكاتب ومن حوله بسوء. هل وصلنا في ثقافاتنا إلى هذا الحال؟!".

ويستدرك محمد معتصم: "الكاتبة العربية كتبت ذاتها بصور شتى وبأساليب مختلفة ومن بينها تضمين مواقفها وآرائها وحتى تجاربها الشخصية والميدانية في الخطاب الروائي المميز بقابلية امتصاص كل أنواع الخطابات الموجودة في الساحة الثقافية، كالخطاب الشعري والسياسي والحقوقي والإعلامي والسجال الفكري والشهادات والتحقيقات".

ويختم: "قد سمح هذا التعدد في أشكال التعبير وكذلك تضمين الكتابة الذات ضمن المتن السردي الروائي للنقاد والباحثين في آن واحد، من العثور على بنيات ثقافية وفكرية تحيل على الواقع المعيش وتدوين لكثير من الحالات الاجتماعية وكثير من القضايا السياسية والفكرية والعقدية التي شغلت الناس في مختلف المراحل التاريخية الحديثة والمعاصرة التي شكلت وجه العالم العربي وخطت رسومه وحدوده التي هو عليها اليوم. أما الآن فكثير من الكاتبات والكتاب في العالم العربي اعتادوا على تجنيس أعمالهم بدون رعب، تحت مسمى "السيرة الذاتية" العامة أو الجزئية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: کتابة السیرة الذاتیة فی الکتابة

إقرأ أيضاً:

السيرة الذاتية للمهندس ماجد محمود عضو لجنة الاقتصاد الرقمي

كتب- أحمد عبدالمنعم:

نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء السير الذاتية لأعضاء اللجان الاستشارية المختلفة التي كان قد أصدر قرارًا بتشكيلها الأسبوع الماضي لتعزيز التواصل بين الحكومة والقطاع الخاص فى المجالات المختلفة، و المقرر اجتماعها مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي غدا الثلاثاء بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ وذلك في إطار النهج الرامي لتعزيز قنوات دائمة لتبادل الرؤى والمقترحات لدعم عملية صُنع السياسات.

ويستعرض مصراوي خلال السطور التالية أبرز المعلومات عن المهندس ماجد محمود عضو لجنة الاقتصاد الرقمي والتي جاءت كالتالي:-

• نائب الرئيس والمدير العام، لمركز التميز بشركة Dell Technologies مصر.

• مسؤول تنفيذي في مجال تكنولوجيا المعلومات يتمتع بخبرة كبيرة في قيادة وتحويل المؤسسات بنجاح، وقد أثبت خبرته في إنشاء وتوسيع نطاق المؤسسات عالية الأداء، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، ولديه سجل حافل في دفع نمو الإيرادات، وتعزيز الأداء التنظيمي، وتحسين الكفاءة التشغيلية من خلال مزيج فريد من الرؤية الاستراتيجية والخبرة التشغيلية ومهارات القيادة القوية.

الخبرات المهنية:

• حصل ماجد على درجة في الدراسات الهندسية من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1988 ودبلومة في "إدارة برامج وخدمات تكنولوجيا المعلومات بشكل استراتيجي" من معهد الإدارة الدولي الإسكندنافي في كوبنهاجن عام 2005.

• يتمتع بأكثر من 35 عامًا من الخبرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، عمل كنائب رئيس ومدير عام لمركز التميز في مصر في شركةDell Technologies ، وقد عمل سابقًا مع Oracle من يناير 1998 حتى يونيو 2009، كرئيس لمركز الاستشارات الدولية لخدمات الحلول التابع لشركة Oracle حيث كان مسؤولاً عن تقديم خدمات الاستشارات للعملاء العالميين.

• قبل عمله لمدة 11 عامًا في شركة Oracle Corporation، عمل ماجد مع شركة IBM لمدة عشر سنوات من عام 1988 إلى عام 1998، حيث شغل مناصب مختلفة في مجال تكنولوجيا المعلومات تلبي احتياجات أسواق الشرق الأوسط، وعلى مدار حياته المهنية، طور ماجد خبرته في خدمات المبيعات والدعم والاستشارات.

اقرأ أيضا..

لهذه الفئات.. كيفية الحصول على تصريح واعظة معتمدة من وزارة الأوقاف

خاص| توقعات بزيادة معدلات استهلاك الكهرباء في الصيف المقبل 6 ٪؜ عن العام الماضي

قانون الإجراءات الجنائية.. مجلس النواب يوافق على ضوابط التحقيق

حياة كريمة.. رئيس الحكومة: الصرف الصحي أولوية وهي المطلب الأول لأهالينا في القرى

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

المهندس ماجد محمود السيرة الذاتية للمهندس ماجد محمود لجنة الاقتصاد الرقمي المركز الإعلامي لمجلس الوزراء

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان

أخبار

السيرة الذاتية للمهندس ماجد محمود عضو لجنة الاقتصاد الرقمي

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك 21

القاهرة - مصر

21 13 الرطوبة: 50% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • السيرة الذاتية لـحلمي غازي عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • السيرة الذاتية للمهندس عمر نبيل الصاحي عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • السيرة الذاتية للدكتورة أمنية حسن حلمي عضو اللجنة الإستشارية
  • السيرة الذاتية للدكتور تامر الراجحي عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • السيرة الذاتية لـمحمد عكاشة عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • ننشر السيرة الذاتية لوائل أبو المعاطي عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • السيرة الذاتية لـلؤي ابراهيم الشواربي عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • السيرة الذاتية للمهندس ماجد محمود عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • السيرة الذاتية لـ كريم بشارة عضو لجنة الاقتصاد الرقمي
  • بالأسماء.. ننشر السير الذاتية لأعضاء لجان التواصل مع القطاع الخاص