اجتماع أمني موسع لمناقشة خطة تأمين احتفالات ذكرى 17 فبراير
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
عقد وكيل وزارة الداخلية لشؤون المديريات رئيس اللجنة الفرعية الأمنية وعضو اللجنة العليا المشكلة لواء بشير أبوالقاسم الأمين، اليوم الخميس، اجتماعاً أمنياً موسعاً، بديوان الوزارة في طرابلس.
ويأتي الاجتماع إعداد الخطة الأمنية لتأمين احتفالات الذكرى الـ13 لثورة 17 فبراير، والإشراف على تنفيذها.
وشارك فى الاجتماع مندوبي عن الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للمجلس الرئاسي ومجلس الوزراء، ومن بينها جهاز دعم الاستقرار، ومدير أمن طرابلس وبعض الأجهزة و الإدارات الأمنية المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية.
هذا وأكد الجميع على التعاون والاستعداد التام لتأمين هذه المناسبة، بحسب ما نقل مكتب الإعلام الأمني بوزارة الداخلية.
آخر تحديث: 8 فبراير 2024 - 20:18المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: تأمين جهاز دعم الاستقرار خطة أمنية وزارة الداخلية
إقرأ أيضاً:
العمارة الاستعمارية في ليبيا.. كنز ثقافي أم ذكرى مؤلمة؟
بنغازي، ليبيا – حدث ذلك منتصف الليل، كما هي الحال مع أغلب عمليات الإزالة التي تتم دون موافقة السكان المحليين. ففي مارس/آذار 2023، هُدِمت منطقة في مركز بنغازي التاريخي تضم العديد من المباني ذات التراث الاستعماري الإيطالي.
وكانت هذه العملية التي نفذها الجيش الليبي غير متوقعة إلى الحد الذي جعلها مفاجئة حتى لعمدة بنغازي.
وجرى تنفيذ الإزالة في مركز المدينة التاريخي لإزالة الأنقاض التي خلفتها الصراعات الماضية والحالية، ولإفساح المجال لمركز جديد وحديث، ولم تتم إعادة الإعمار بطريقة طبيعية. والآن، بينما أعيد بناء بعض المباني أو استبدالها بمبان حديثة، لا تزال مبان أخرى، مثل مسرح برنيتشي، أنقاضًا.
وقد تضررت بنغازي بشدة بسبب القصف خلال الحرب العالمية الثانية، وأعيد بناؤها ثم دمرت مرة أخرى خلال الصراع الداخلي بين الفرقاء الليبيين الفترة بين 2014-2018.
وأدت الأضرار الناجمة عن الحروب ومشاريع التجديد (السنوات الأخيرة) إلى محو جزء كبير من التاريخ الليبي الحديث. ومن أبرز الأمثلة على هذا التاريخ المفقود مسرح برنيتشي الذي بني عام 1928، وكان يمثل أحد الأماكن القليلة جدًا للترفيه والفن والتجمع للمواطنين بالمدينة طوال العقود الماضية.
فبعد أن عانى من أضرار جسيمة خلال الحرب العالمية الثانية، أعيد بناؤه فترة ما بعد الحرب وظل يعمل حتى ثمانينيات القرن العشرين، عندما تم إغلاقه أخيرًا. ومع ذلك، خلال مشروع إعادة الإعمار عام 2023، تم هدم المسرح بالكامل دون وجود خطط لإعادة بنائه، ولم يبقَ منه سوى الأنقاض.
ويتذكر الكثيرون العصر الذهبي للمسرح بحنين وأسى، فقد استضاف عام 1969 عرضًا شهيرًا للمغنية المصرية أم كلثوم، وهو ما يؤكده الفنان والمهندس المعماري ساري الفيتوري قائلا للجزيرة الإنجليزية "إن مسرح برنيتشي يحتل حتى يومنا هذا مكانة كبيرة في قلوب السكان المحليين ويعتبر معلمًا أساسيًا في الذاكرة الجماعية للمدينة".
ويمكننا أن نرى في مختلف أنحاء ليبيا محو آثار العمارة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، لكن هذا ترك فراغا كبيرا في نفوس الكثيرين، إذ اعتبروا تلك الآثار تراثا مفقودا وجزءا من تاريخهم.
وبينما تخضع العاصمة طرابلس لعملية ترميم وتحديث مماثلة، وإن كانت أكثر تدريجية ودون أي حوادث هدم مفاجئة بين عشية وضحاها، فقد تم ترميم العديد من المباني التراثية والمباني التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية بالمدينة القديمة أو هي في طور الترميم.
ومع ذلك، لم تخلُ عملية ترميم طرابلس من الجدل. فبالنسبة للكثيرين، يبدو الأمر وكأنه مجرد نموذج متسرع يفتقر إلى الخبرة اللازمة لضمان الحفاظ على المباني بشكل أصيل.
مسرح برنيتشي في بنغازي كما بدا عام 2007 وقد هدم أثناء مشروع تجديد عام 2023 ولا توجد خطط لإعادة بنائه (غيتي) طمس التراثتقول هبة شلبي، وهي فنانة وناشطة تناضل من أجل حماية تراث طرابلس، إنها شعرت بشعور الانتماء والتقدير لجمال مدينة طرابلس القديمة -وخاصة ساحاتها- منذ أن كانت طفلة.
وكانت مغرمة بشكل خاص بتماثيل الحيوانات التي تُنسب للفترة الاستعمارية الإيطالية مثل الغزلان والفهود. وتتذكر على وجه الخصوص نمرين في حديقة زاوية الدهماني، بالقرب من فندق المهاري (راديسون بلو حاليا). فتقول "كان والدي الراحل يأخذني وأخي للعب حولهما كثيرًا، ونتسلق فوقهما، ونتخيل ركوبهما. وفي بعض الأحيان كنا نجد أطفالًا آخرين يلعبون في مكان قريب".
ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، اختفت التماثيل فجأة، ورغم أن السبب الرسمي غير واضح، فقد كان مفهومًا أن بلدية طرابلس وهيئة الآثار نقلتا التماثيل لحمايتها من التخريب.
وتشعر شلبي بالحزن إزاء حقيقة مفادها أن العديد من الأماكن التي تتذكرها بحنين لطفولتها قد تغيرت بشكل جذري ولم تعد أماكن للنزهات الاجتماعية، وتقول "لقد أهمل بعضها ولم تتم معالجة مشاكلها أو ترميمها أبدًا".
ولحسن الحظ، تم تحويل بعض المباني إلى متاحف. وهذا هو الحال بالنسبة للقصر الأحمر (سرايا الحمراء أو قلعة طرابلس) الذي كان في السابق مقرًا للعائلات الحاكمة في ليبيا، بينما يستضيف الآن إدارة الآثار.
ولقد رمم جزء من مبنى قصر علي باشا الجرمانلي (والي إيالة طرابلس الغرب 1832-1835) وأصبح منذ فترة طويلة المتحف الإسلامي، لكن عملية الترميم لم تكتمل بعد.
وترقد تحت مدينة طرابلس القديمة بقايا مدينتين، رومانية وفينيقية. لكن عند استخدمت مواد ثقيلة في عملية الترميم كالأسمنت والخرسانة والحديد، تعرضت تلك المدن القديمة للغرق.
وتشير هبة إلى أن معالم المدينة القديمة تمحى ببطء، مستنكرة هذا الفعل وواصفة إياه أنه بعيد كل البعد عن الترميم. فكل ما يحدث في طرابلس من تغيير -ظاهره تجميلي للآثار التاريخية القديمة- يلغي كل معالمها التاريخية والأثرية ويستبدلها بأخرى حديثة.
ترميم مبنى البلدية القديم الذي بناه الإيطاليون وسط بنغازي ويظهر بحالة متهالكة عام 2007 وأصبح البنك التجاري الوطني عام 2022 (غيتي) إعادة الترميم والبناءيرى الفيتوري، صاحب مؤسسة تجرد للعمارة والفنون في بنغازي، أن العمارة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالماضي الاستعماري في ليبيا.
فبالنسبة له، لا تزال بنغازي مدينة شكلت فهمه لنفسه والعالم من حوله، ويقول "إنها مدينة جميلة ومتناقضة وقوية تسعى باستمرار إلى إعادة اختراع نفسها" كما يشعر أنه يستطيع الآن أن يرى بنغازي في كل مدينة يزورها في العالم.
فلقد حفز إعادة إعمار مركز بنغازي -بعد حقبة الصراع بين الفرقاء (2014-2018)- بالنسبة له سلسلة من التأملات حول دور الفضاء العام، فلا يمكن فصل مفهوم الإصلاح الاجتماعي والثقافي لأي مجتمع عن العمارة والأماكن العامة، كما يقول.
وشجع الفيتوري من خلال مشاريع مؤسسته "تجرّد" الطلاب والمعلمين والفنانين والمهندسين المعماريين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني على أن يكونوا نقادًا اجتماعيين وسياسيين، وأن يشاركوا بنشاط في الفضاء العام من خلال التنظيم والتجمع.
ودرس الفيتوري في قبرص الشمالية، وعندما اندلع الصراع عام 2014، لم يهرب، بل سافر قبل بضعة أشهر فقط من بدء الحرب الأهلية، وعاش في الجزيرة المتوسطية لمدة 4 سنوات بينما كان يزور بنغازي مرة واحدة في السنة، وذلك حتى عام 2018، إذ تزامن تخرجه مع انتهاء القتال.
وبنظرة منه إلى الوراء، يرى الفيتوري أن هذا الأمر أعطاه فرصة للمراقبة والتفكير بدوره في عملية إعادة الإعمار عندما عاد أخيرًا، بينما وقتها كان يشعر بالعجز تجاه عائلته وأصدقائه الذين يمرون بتلك الأوقات الصعبة.
وعاد الفيتوري إلى ليبيا عام 2018 ليجد الآثار الكارثية للحرب. فقد تعرض مركز بنغازي القديم لأضرار بالغة، بعد أن كان في وقت من الأوقات إحدى أكثر الجبهات كثافة في الصراع. ويقول إن المدينة فقدت تقريبًا خصائصها المعمارية التاريخية بالكامل.
ويصف بنغازي الجديدة بأنها تشبه بيروت ما بعد الحرب، حيث تمت تسوية بعض المناطق بالأرض تمامًا، وتضررت مناطق أخرى جزئيًا وتشوهت بالرصاص وثقوب القنابل. لكن كانت الطبيعة تتوغل لاستعادة المدينة، فنمت الأشجار والعشب في بعض أجزاء المدينة.
ويتذكر الفيتوري مشاعره في تلك الفترة، حين أصابته مشاعر مختلطة في البداية، إذ رأى الدمار الذي لا يمكن تصوره، وكيف عاد النازحون ببطء إلى منازلهم المدمرة وشبه المدمرة. لقد أعادوا بث الحياة فيها، دون أي جهود حكومية. وأعيد ترميم بعض المباني والمساحات المشوهة تدريجيًا، رغم عدم شعوره بالأمل في إحياء المدينة آنذاك، فقد كانت المنطقة مهجورة بشكل كامل.
فندق ألبيرجو إيطاليا في بنغازي الفترة ما بين 1920 و1930وقد تعرض لأضرار بالغة أثناء الحرب العالمية الثانية وأعيد بناؤه (غيتي)وعادت المعلمة عائشة -التي فضلت عدم ذكر اسمها بالكامل- للعيش وسط مدينة بنغازي بعد الحرب، واستقرت بين المباني التي كانت لا تزال قائمة.
ومرت عند عودتها بمجموعة من المشاعر من الإثارة والارتياح إلى التوتر والضغط. وكانت مسرورة بالعودة إلى منزلها مرة أخرى، وشعرت بالدفء والسكينة، على الرغم من شعورها بحزن ساحق أحيانا أخرى. فقد اختفت العديد من الجوانب التي أحبتها بشكل خاص في حيها، مثل الواجهة المألوفة لمنازل جيران عائلتها، بأبوابها ونوافذها وشرفاتها المليئة بالزخارف والتفاصيل المعمارية الجميلة.
لكن الأمر الأكثر إثارة للصدمة لها كان اكتشاف منزل عائلتها وهو مدمر جزئيًا، ومملوء بالأنقاض والحطام، ولم يكن الأمر كما كان عليه في السابق.
وتصف عائشة أجواء ما بعد الحرب التي كانت هادئة للغاية لمدة عامين على الأقل بعدها. ولكن ببطء، تحسنت الأوضاع، وعاد الجيران إلى منازلهم. وسارت عجلة الحياة كما كانوا قديما مرة أخرى، فاحتفلوا بالأعياد، وتنزهوا في الخارج. وبالتأكيد لم يعد الأمر كما كان قبلا، فلا زالت المتاجر مغلقة ومعظم الأماكن فارغة، لكنها تعود ببطء.
ويتذكر الفيتورى أيضًا لحظة عودته إلى منزله، إذ كانت الظروف المحيطة به مروعة ورغم ذلك يرى أنها كانت لحظة تحرر، فالبدء من الصفر أصبح ضرورة وجودية.
وبينما يعتقد أن عددًا من المبادرات الحكومية لترميم وتجديد بعض المباني نفذت بشكل عشوائي وسطحي، فلا يوجد -حسب تعبيره- فهم نقدي للتاريخ الاستعماري الإشكالي للمدينة أو رؤية لإعادة الإعمار التحويلي.
وشملت هذه المباني "قبة البرلمان" والتي تعد أول برلمان عربي وأحد الرموز المعمارية والسياسية لنضال ليبيا من أجل التحرير والاستقلال، و"قبر عمر المختار" الذي كان يحمل مكانة خاصة لليبيين لأنه احتوى ذات يوم على جسد المناضل الشهيد، و"كاتدرائية بنغازي" المعلم الثقافي الذي تحول لمسجد عام 1952.
تم تنفيذ العديد من المشاريع، والتي وقعت مسؤوليتها الرئيسية على عاتق بلدية بنغازي، في ظل نقص الخبرة بالتصميم المعماري والهندسة الإنشائية وأعمال الترميم، ويرى الفيتوري أن وسط المدينة له سياق تاريخي حساس، لكن كل الترميمات التي نفذت كانت بطريقة متسرعة وغير ناضجة، دون الاستناد لأي دراسات تراثية أو استشارة خبير بهذا المجال.
مبنى من إرث المعمار الاستعماري الإيطالي وسط طرابلس الليبية عام 2007 (غيتي) انقسام ثقافييرى الفيتوري ضرورة إشراك المجتمعات المحلية في ترميم المعالم والمباني المهمة، وذلك لإيجاد التوازن بين الحفاظ على التراث وبين تحدي الروايات الاستعمارية التي غالبًا ما ترتبط بمثل هذه المعالم، إذ يقول "نحن في (مؤسسة تجرّد) ملتزمون بإعادة تشكيل الرواية الليبية، مع الاعتراف بأنها كانت جزئيًا من صنع القوى الاستعمارية الغربية، وبالتالي إنشاء أرشيف مضاد مستمر ومتجدد ومقاوم للهيمنة والإنكار".
ومن الأمثلة على إشراك المجتمعات مشروع قادته "تجرّد" عام 2020، وأطلق عليه "تهافت". وكان عبارة عن ورشة عمل ومعرض لمدة 3 أيام في "ميدان الخالصة" (ساحة وميدان السلفيوم) أمام قصر المنار في بنغازي، وهو المبنى الذي يعود للعصر الاستعماري الإيطالي والذي أُعلن منه استقلال ليبيا عام 1951.
ويقول الفيتوري "يقدر العديد من الباحثين الليبيين العمارة الاستعمارية الإيطالية بسبب الفوائد الاجتماعية والبنية التحتية التي خلفتها للمدينة و"الاحترام" الذي أظهرته في دمج وتضمين "الأسلوب" المعماري المحلي. لكنه ينتقد ذلك بحدة، قائلا "أسميها خضوعًا غير معترف به للأيديولوجيا الإمبريالية في أسوأ الأحوال، وعمى ثقافيا في أفضل الأحوال، فكما قال إدوارد سعيد: لا تزال الإمبريالية موجودة".
وعلى مستوى ثقافي أوسع، يتكهن المهندس المعماري بوجود انقسام بين الناس الذين ينظرون إلى هذه العمارة كجزء من الهوية الليبية، بينما آخرين -وهم الأغلبية كما يعتقد- غير مبالين بهذه المباني أو يرفضون أهميتها للمجتمع الليبي.
عمارة استعمارية تضررت بسبب الحرب وسط بنغازي عام 1943 (غيتي)ولكن خارج المجال العام، وعلى مستوى شخصي أكثر عمقاً، تحمل العديد من المباني الإيطالية التي تعود إلى فترة الاستعمار ذكريات الطفولة والمراهقة لليبيين مثل شلبي وتعلقها بالتماثيل الإيطالية للحيوانات. ويقول الفيتوري نفسه إنه يحب وسط مدينة بنغازي بشكل خاص. فعندما كان صبياً، كان يشعر بأن المدينة القديمة بأكملها كانت بمثابة بيته الحضري حيث يستطيع العيش بحرية.
ويتذكر قائلاً "هناك طريق معين اعتادت أمي وجدتي وجدي أن يسيروا معي عبره إلى سوق الدلم وسوق الجريد. وكانت هذه أسواقاً تقليدية تتألف من شبكة من الشوارع المتقاطعة بالمدينة القديمة، حيث كانت أمي وجدتي تذهبان للتسوق وتشتريان لي وجبتي المفضلة (فطيرة اللحم المفروم) ومكتبات شارع الاستقلال وتحت مبنى السفينة حيث كان والدي يأخذني دائماً، وجهات أساسية بالنسبة لي كطفل. وكنا نترك مبنى شقتنا في ساحة الشجرة ونسير في جميع أنحاء المدينة القديمة تقريباً حسب ما نحتاج إلى شرائه".
واليوم، تحول مبنى (عمارة) السفينة إلى أنقاض، في حين لا تزال معظم المباني المواجهة لشارع الاستقلال قائمة، ولكن بأضرار كبيرة من الحرب الأهلية.
المباني الحكومية في بنغازي بين عامي 1920 و1930 (غيتي)وعام 2022، ولمواجهة اللامبالاة التي يراها الليبيون تجاه التراث الاستعماري الإيطالي للبلاد، قامت عائشة وهبة شلبي بتنظيم معرض في دار الفنون بطرابلس حول المباني الاستعمارية الإيطالية بعنوان "المربعات غير المرئية (Le Piazze Invisibili) والذي ركز على الساحات التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية في ليبيا.
وتقول عائشة إنها أثناء الحرب كانت تتساءل عما سيحدث للمباني التاريخية التي كانت في قلب الصراع. فبدأت في التقاط الصور والكتابة عن هذه المباني على منصات التواصل. فالكثير من الليبيين لا يشعرون بالارتباط بالمباني الإيطالية، فهي رمز للعنف الاستعماري بالنسبة لهم، وهذا رأي معتبر. لكن بالنسبة لعائشة، فهي تشعر بضرورة الحفاظ على هذه المباني. فبعضها اتخذ وظائف ورمزيات أخرى لاحقًا، مثل قصر المنار، أو ربما أصبح مباني إدارية، أو بدأ الناس في العيش فيها، مما أعطاها حياة جديدة، وبغض النظر عن كل هذا، فهي تبقى جزءا من التاريخ الليبي.
وتوافق الكاتبة مريم سلامة، وهي أيضًا من طرابلس، على هذا النهج. فقد عملت مع مشروع المدينة القديمة، وهو كيان تأسس عام 1985 كمؤسسة ثقافية علمية لتنظيم وإدارة مدينة طرابلس القديمة، بمهمة البحث في تاريخ المواقع القديمة التي كانت المدينة تنوي تجديدها والحفاظ عليها، ودليل لمن جاء لزيارة المدينة القديمة لأغراض علمية أو سياحية.
وبدأت سلامة العمل هناك عام 1990، ورافقت كلمة مترجم اسمها منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه هذا الكيان بسبب عملها، كما تقول. فترجمت العديد من الوثائق والأوراق حتى يوم مغادرتها للمشروع عام 30 سبتمبر/أيلول 1995.
وترى أن كل قطعة فنية أو أثر أثري -أيا كانت الفترة التي تنتمي إليها- تمثل التراث الأصيل للبلد وتحمل هويته. ويجب تحمل مسؤولية حمايتها بقدر الافتخار بها، مضيفة أنها تشعر بالحزن عندما تعلم أن بعض المعالم لم تعد موجودة، مما يعني أن بلدها فقد بالفعل صفحة فريدة من كتاب تاريخه.
بنك إيطاليا بطرابلس على الطراز الإيطالي ويمثل محاكاة للطراز الليبي المحلي وقد هدم بالجرافات خلال حكم القذافي عام 1996 (غيتي) العقلية الاستشراقيةيروي عدنان حسنين، أستاذ الهندسة المعمارية جامعة طرابلس، شعوره بتقارب خاص مع مبنى بنك إيطاليا في طرابلس، وهو مبنى مصمم على الطراز الإيطالي "موريسكو" -وهو نموذج إيطالي للهندسة المعمارية المحلية- فالعمارة التقليدية في طرابلس متواضعة وحديثة وبسيطة للغاية. لذلك سمحت هذه البساطة للمهندسين المعماريين الإيطاليين بتجربة الاحتمالات، مع خيال العالم العربي.
وتم إنشاء المبنى بين عامي 1921 و1928 بواسطة المهندس المعماري بياجيو أكولتي جيل. وبعد الاستقلال، أصبح المبنى مقرًا لوزير الخارجية. وكان والد حسنين آخر وزير خارجية أثناء الملكية، قبل أن يتولى السلطة معمر القذافي الذي حكم ليبيا من عام 1969 حتى 2011. وناهض والد حسنين الاستعمار بشدة لكنه لم يستهدف العمارة الإيطالية في البلاد بشكل خاص. ففي عهده، أهملت المباني أو أعيد تحويلها إلى مقار مؤسسية، ولم يعتد بأهميتها التاريخية.
وعندما كان والد حسنين وزيرا، كان يأخذهم في عطلات نهاية الأسبوع إلى المكتب، وخاصة إذا كانت هناك مناسبة خاصة بالأعياد الوطنية أو غيرها. فكانوا يدخلون المبنى لمشاهدة المسيرات. ويتذكر أن المبنى كان رائعا، ففتن به وأصبح يسميه "قصر والدي".
ويروي حسنين أن بنك إيطاليا ظل في عهد القذافي مبنى حكوميا لفترة من الوقت، ولكن عندما قرر العقيد الراحل نقل العاصمة إلى مسقط رأسه سرت، تم هدم المبنى بالجرافات بين عشية وضحاها عام 1996.
وبينما يقر حسين بأن مزج الأساليب في العمارة زمن الاستعمار مثال للعقلية الاستشراقية، إلا أنه -بخلاف كثيرين غيره- لا يبدون رافضا لذلك.
ويضيف "بالطبع، العمارة ليست محايدة بالضرورة. ويمكن استخدامها وتوظيفها على هذا النحو لخدمة أجندات سياسية معينة. ولكنني أشعر بأننا بحاجة إلى النظر إلى ما وراء حجاب الاستعمار ورؤية قيمة العمارة باعتبارها عمارة (مجردة)".
وبالإضافة إلى تنظيم جولات منتظمة في طرابلس إلى منطقة وسط المدينة مع طلابه، نظم حسين العام الماضي أيضًا معرضا في شارع ميزران خصص لتنشيط منطقة التراث في طرابلس، وقد تلقى استجابة عامة قال إنه وجدها مثلجة للصدر.
ويختتم حسنين كلامه بالحديث عن العمارة التي تمثل قصة رائعة عن الأفكار والتجريب، معتبرا أنه لا يزال هناك الكثير من التراث الذي يستحق الحفاظ عليه، ودراسته والاستفادة من دروسه، مشيرا لأنه من المؤسف الاستمرار في هدم تلك المباني، فبذلك تختفي كل هذه الأفكار وتاريخها.
قداس بكنيسة القديس فرانسيس في طرابلس بمناسبة عشية عيد الميلاد في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 (غيتي) العمارة لا تنفصل عن الأيديولوجية والسياسةتشعر عائشة بارتباط خاص بقصر المنار في بنغازي، حيث كان للمبنى وظائف اجتماعية ورمزية مختلفة طوال تاريخه، وأبرزها انتقاله من قصر للحكام الإيطاليين إلى قصر الملك إدريس الذي أعلن استقلال ليبيا عام 1951.
وتقول إن العديد من الليبيين مغرمون بهذه القطعة المعمارية الجميلة والمهمة التي أعلن بها الاستقلال. فهي مفتونة بتصميمه الذي يتضمن عناصر من العمارة الإسلامية -مثل المئذنة والأقواس- بينما يمتزج بالأسلوب المعماري الإيطالي الحديث فهو يمثل التاريخ بالنسبة لهم، ورغم تضرره قليلاً بسبب الحرب عام 2014، لا يزال قائماً إلى الآن.
وبالنسبة للفيتوري، فإن هذا المبنى قطعة معمارية مثيرة للاهتمام ومشكلة في نفس الوقت، إذ بينما يمثل كون العمارة الإيطالية في ليبيا لا تنفصل عن الأيديولوجيا والسياسة، كان من المفترض أن يحقق نموذجا معماريا مؤثرا يعتبره العديد من الليبيين جزءًا من الهوية الليبية. ومع ذلك، لا يزال قصر المنار مهمًا لجوانبه الثقافية والأيديولوجية التي تتجاوز وجوده المادي والتاريخي، وهو أمر فريد ومثير للقلق في نفس الوقت.
ومن المعالم المعمارية المحبوبة الأخرى كنيسة القديس فرانسيس الكاثوليكية بالمدينة القديمة في طرابلس. وكانت الأديبة الليبية مريم سلامة، في سن المراهقة، مفتونة بخصائصها المعمارية، وكانت تحدق فيها كل مرة تذهب فيها مع عائلتها لزيارة عمها في شقته التي تجاورها، كما روت.
وقد دفعها حبها للتراث والهندسة المعمارية إلى الانضمام للعمل في مشروع تجديد المدينة القديمة في طرابلس كما تضمن زيارات عديدة داخل المبنى. وأصبحت مهمتها البحث في تاريخ المواقع القديمة التي يهدف المشروع إلى تجديدها والحفاظ عليها.
وتحكي سلامة قائلة "لقد زرت كنيسة القديس فرانسيس الأسيزي في حي الظهرة عدة مرات منذ أن تعرفت على أسقفها الراحل جيوفاني مارتينيلي الذي رحب بي وقدمني إلى بعض الأصدقاء الإيطاليين الآخرين الذين أدين لهم باستكشاف جاد لتاريخنا المشترك".
وقد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يترسخ شغف العمارة الاستعمارية الإيطالية في الثقافة الليبية الشعبية. وفي المرة الأخيرة التي رأت فيها مريم الكنيسة، كانت خلف سياج حديدي للحفاظ عليها، كما تقول.