عاش فى هدوء ورحل فى شموخ، رفض مغريات العصر والانسياق وراء الموجات المتلاحقة من الفن الهابط، والتى - للأسف - تدر دخلا هائلا, وتحقق الشهرة والمال، مبدع من طراز فريد، معجون بالكبرياء والكرامة والعزة، واثق فى نفسه وفنه إلى أبعد الحدود، يعتز بما يعمل ويُقدر قيمته، يضحى بكل شيء من أجل ما يعتقد أنه صحيح, لم يكمل مسيرته مع عبد الحليم حافظ لتصرف لم يعجبه من «العندليب» مع أحد الشباب الذي جاء ليقدم له كلمات أغنية, وخسر تعاونه مع محمد عبد الوهاب لشعوره بما اعتبره إهانة فى منزل موسيقار الأجيال، وكذلك رفض أن يُكمل عمله مع أُم كلثوم بسبب تغييرها لكثير من كلمات أحد أشعاره، فقد شعر أن القصيدة لم تعُد قصيدته, وجاءت هذه المواقف جميعها انتصارا لمبادئه التى لم يحد عنها حتى آخر لحظة من حياته.
لم يتحمل قلبه وفاة ابنه, لاحقته سلسلة من «الوعكات الصحية», وأخيرا توقفت التجربة الممتدة والمتنوعة لمتعدد المواهب مجدى نجيب، والتي تشكلت منذ دخوله المعتقل السياسى أواخر الخمسينيات، ثم عمله بالصحافة والرسم وكتابة الأغنية والتأليف للأطفال، وغيرها من المحطات المهمة فى حياته, ساهم خلالها فى بدايات هانى شاكر ومحمد منير، ليحفر اسمه بأحرف من نور فى الوسط الفنى المصرى والعربي, معتزا بكلماته التى يكتبها، محددًا بوصلته دائما نحو ما يحسه وليس ما يطلب منه.
قفز شعر العامية فى الستينيات قفزات متتالية نحو النجاح والانتشار على يد «نجيب» والذين معه مثل الأبنودى وعبدالرحيم منصور وسيد حجاب, فشكل وجدان البسطاء لعقود طويلة، وما تميز به شعره أن عاميته فى دواوينه وأشعاره الغنائية كان لها «معجمها القاهري» ونبرتها المتحضرة التى استوعبت «عاميات» الصعيد والسواحل والبادية والريف فاستخلص منها أفضل ما فيها من مفردات وتراكيب وصور, وتلقف أشعاره جيلان من عمالقة الغناء مثل عبدالحليم حافظ وشادية وفايزة أحمد وعفاف راضى وصباح ومحمد حمام ومحمد منير وسميرة سعيد ومدحت صالح وهانى شاكر وعماد عبدالحليم ولحن أشعاره كبار الملحنين كبليغ حمدى ومحمد سلطان ومحمد الموجى وكمال الطويل ومنير مراد وغيرهم.
الصدفة وحدها قادته لتأليف أغنية «قولوا لعين الشمس» التى أنتجتها الإذاعة المصرية عام 1966، وغنتها الفنانة الراحلة شادية، من ألحان بليغ حمدي, لتحقق نجاحا باهرا ويدخل بعدها عالم كتابة الأغانى من الباب الكبير وهو الذى كان يعتبر كتابة الأغانى نوعًا من العار، إلى أن قابل بليغ حمدى فى حديقة معهد الموسيقى بصحبة الكاتب الصحفى عبد النور خليل, وقتها دار حديث بين مجدى وبليغ، عبَّر الأخير خلاله عن طموحاته فى مجال التلحين، وكيف يحلم بتفجير الأرض بالديناميت.
يحكى «نجيب» عن كواليس الأغنية قائلا: فى نهاية اللقاء، طلب منى بليغ أن أكتب له أغنية، وصدمت من الطلب وشعرت بخوف ورهبة، فلم أتصور يومًا أن أترك الشعر والرسم والصحافة لأكتب الأغاني: «كنت مقتنعًا أن تأليف الأغانى هو نوع من العار بالنسبة للشاعر لأننى بالضرورة سأتنازل عن بعض الأشياء التى قد تضرنى كمبدع عندما أبتعد عن اللعب على الورق بمفردي.
ويستطرد «نجيب» لم تكن التجربة سهلة بالنسبة لي, لأنى أكتب تحت قيد اللحن من جهة، ولأنها المرة الأولى التى أجرب فيها الكتابة الغنائية من جهة ثانية وفى النهاية سلمت الأغنية وحصلت على خمسة جنيهات من الإذاعة المصرية.
وفى كتابه «صندوق الموسيقى فى زمن الفن الجميل» بدأ يفرغ مخزونا هائلا من الذكريات واللقاءات والكتابات عن أهل المغنى والفن فى زمنه الذهبي، فرسم مجدداً لوحات بديعة عن طريق الكتابة عن أعلام تلك الفترة من مطربين وشعراء وملحنين والمواقف التى أحاطت بمولد الأغنيات البارزة وبداية الأحداث وشبكة العلاقات الواسعة والمتداخلة التى حكمت دولة الغناء فى مصر.
رحم الله الفنان الشامل وألهم أهله وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ندى صلاح صيام شموخ الموت
إقرأ أيضاً:
بعد الابتعاد عن الاستثمار التقليدي.. إياد نصار يبدأ رحلة الإنتاج السينمائي بفيلم "من أيام الجيزة
في خطوة جديدة على طريق مشواره الفني، كشف الفنان إياد نصار عن الدوافع الحقيقية وراء قراره خوض تجربة الإنتاج السينمائي، مؤكدًا أن الأمر لم يكن مرتبطًا فقط بالطموح المهني، بل برغبة شخصية عميقة في الحفاظ على توازنه النفسي مع مرور الزمن وتغير معايير الشهرة والأضواء.
الابتعاد عن الاستثمار التقليديتحدث إياد نصار خلال لقائه ببرنامج "كلام نواعم" عن توجهه نحو الإنتاج، مشيرًا إلى أنه قرر الابتعاد عن الاستثمار التقليدي الذي اعتاد عليه أفراد عائلته مثل شراء العقارات.
قال نصار: "كنت أبحث عن شيء يحافظ على استقراري الداخلي، لأنني كممثل أدركت أن الأضواء قد تبتعد عني في لحظة ما، فكنت أفكر: هل أختفي فجأة وأعود؟ أم أجد مكانًا أواصل فيه شغفي؟"
لقاء قديم مع فريد شوقي غيّر مجرى تفكيرهأوضح نصار أن الصدفة لعبت دورًا كبيرًا في رسم ملامح خطوته المقبلة، حين شاهد لقاءً قديمًا للفنان الكبير فريد شوقي يتحدث فيه عن استثماره في مجال التمثيل والإنتاج الفني.
وأضاف نصار: "حينها أدركت أن الاستثمار في المجال الذي أنتمي إليه منطقي وطبيعي. الملك فريد شوقي كمنتج قدم أعمالًا عظيمة، فشعرت أنها رسالة موجهة لي حينها تيقنت أن مستقبلي ليس في الإخراج بل في الإنتاج السينمائي."
فيلم "من أيام الجيزة".. أولى تجاربه الإنتاجيةبدأ إياد نصار أولى خطواته الإنتاجية من خلال فيلم "من أيام الجيزة"، الذي يجمعه بنخبة من النجوم، منهم عمرو عبد الجليل، حاتم صلاح، محمد لطفي، آية سماحة، ميمي جمال، ومحمد ممدوح، الفيلم من تأليف أمجد الشرقاوي وشادي محسن، ومن إخراج مرقس عادل.
ويعد هذا العمل بمثابة انطلاقة جديدة لنصار ليس فقط كممثل بل كمنتج يسعى لتقديم أعمال تحمل قيمة فنية وجماهيرية.
لم يقتصر تألق إياد نصار هذا العام على السينما فحسب، بل سجل حضورًا بارزًا في الموسم الدرامي الرمضاني 2025 من خلال مسلسل "ظلم المصطبة"، الذي تألف من 15 حلقة وعُرض في النصف الثاني من رمضان.
شاركه البطولة عدد من النجوم، منهم ريهام عبد الغفور، فتحي عبد الوهاب، بسمة، أحمد عزمي، ومحمد علي رزق، مع ظهور خاص للنجوم دياب وأحمد فهيم.
المسلسل من تأليف أحمد فوزي صالح، وإخراج كل من هاني خليفة ومحمد علي.
إلى جانب أعماله الأخرى، تألق نصار أيضًا في مسلسل "معاوية"، حيث جسد شخصية الإمام علي بن أبي طالب. المسلسل كتبه الصحفي خالد صلاح وأخرجه بدايةً طارق العريان قبل أن يكمل المهمة المخرج أحمد مدحت.
شارك في العمل نخبة من نجوم العالم العربي، منهم لجين إسماعيل بدور معاوية بن أبي سفيان، سهير بن عمارة بدور هند بنت عتبة، وائل شرف بدور عمرو بن العاص، وأسماء جلال بدور زوجة معاوية.
واعتبر العمل من أبرز الإنتاجات الدرامية التاريخية خلال العام.