جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
خطبة الجمعة2024.. حددت وزارة الأوقاف، خطبة الجمعة، 9 فبراير 2024، تحت عنوان جبر الخواطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية.
وفي هذ الإطار تقدم «الأسبوع» لزوراها ومتابعيها نص الخطبة التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف، ويأتي هذا ضمن خدمة مستمرة تقدمها لقرائها، في كافة الموضوعات المتنوعة.
نص خطبة الجمعة غداالحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهو علي كلِّ شيءٍ قدير، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ البشيرُ النذيرُ، والسراجُ المنيرُ سيدُ الأولين والآخرين، أرسلَهُ ربُّهُ رحمةً للعالمين، وعلي آلِه وأصحابِه أجمعين، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدين.
أولاً: عبــــادةٌ وخلــقٌ مهجـــورٌ
* عبادَ الله: إنّ الكثيرَ منّا إذا ذُكرتْ العباداتُ ذهبَ عقلُهُ وفكرُهُ إلي الصلاةِ والصيامِ وبرِّ الوالدينِ وصلةِ الأرحامِ وغيرِهَا مِن العباداتِ التي اعتادَ علي فعلِهَا والسماعِ عنها، ورغمَ عظمِ هذه العباداتِ وفضلِهَا إلّا أنّ هناك عباداتٌ أخرَي نغفلُ عنها، ويغفلُ عنها الكثيرُ، وهي عباداتٌ قد لا تكلفنَا شيءٌ ومع ذلك أجرُهَا عظيمٌ، منها جبرُ الخواطرِ، وجبرُ الخواطرِ في حقيقتهِ نوعٌ مِن البرِّ و الإحسانِ إلي الخلقِ، والبرُّ اسمٌ جامعٌ للخيراتِ كلِّهَا، والإحسانُ هو أنْ تُعطِي ولا تنتظرُ مقابلًا، ولجبرِ الخواطرِ أثرٌ عظيمٌ في توثيقِ وتقويةِ الروابطِ الاجتماعيةِ.
وجبرُ الخواطرِ عبادةٌ وخلقٌ إسلاميٌّ عظيمٌ يدلُّ على سموِّ نفسٍ ورقةِ قلبٍ وسلامةِ صدرٍ ورجاحةِ عقلِ فاعلهِ، يجبرُ المسلمُ فيهِ نفوسًا كُسرتْ وقلوبًا فُطرتْ وأجسامًا أُرهقتْ، وأشخاصًا فقدُوا أحبابَهُم وذويهم، فما أجملَ هذه العبادةَ وما أعظمَ أثرَهَا.
ومِن أسماءِ اللهِ تعالي الجبارُ، قالَ تعالي:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)}(الحشر).
ومِن معانِي اسمِ اللهِ الجبار أنَّهُ جابرٌ لكلِّ كسيرٍ، والمصلحُ لأمورِ خلقِه، يجبرُ كسرَ القلوبِ والنفوسِ، ويجبرُ كسرَ الفقيرِ فيغنيه، ويجبرُ كسرَ المريضِ فيداويه، ويذهبُ همَّ المهمومِ، ويفرجُ كربَ المكروبِ، ويبثُّ الأملَ في قلبِ البائسِ الحزينِ، فمَا أجملَ هذا المعنَي.
وكان مِن دعاءِ الرسولِ الله ﷺ في الجلوسِ بينَ السجدتينِ في الصلاةِ أنْ يجبرَهُ اللهُ تعالي، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي».(سنن الترمذي). قال في الصحاحِ: الجبرُ أنْ تغنيَ الرجلَ مِن فقرٍ أو تصلحَ عظمَهَ مِن كسرٍ، وجبرَ اللهُ فلانًا سدّ مفاقرَهُ وجبرَ مصيبتَهُ وردَّ عليهِ ما ذهبَ منهُ أو عوضَهُ.(فيض القدير).
ثانياً: جبرُ الخواطرِ صورٌ ونماذجُ.عبادَ الله: إنّ في كتابِ اللهِ تعالي وسنةِ نبيِّهِ ﷺ عشراتِ النماذجَ لجبرِ الخواطرِ منها:
*قولُهُ تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } (يوسف)، كان هذا الوحيُ مِن اللهِ سبحانه وتعالى تثبيتًا لقلبِ يوسفَ عليه السلام وجبرًا لخاطرِهِ، لأنَّهُ ظُلِمَ وأوذِيَ مِن أخوتِه، والمظلومُ يحتاجُ إلى جبرِ خاطرٍ، لذلك شرعَ لنَا جبرَ الخواطرِ المنكسرةِ.
* وقالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }(القصص)، رسولُ اللهِ ﷺ الذي أحبَّ مكةَ التي وُلِدَ فيهَا ونشأَ أُخرجَ منها ظلمًا، فاحتاجَ في هذا الموقفِ الصعبِ وهذا الفراقِ الأليمِ إلى شيءٍ مِن المواساةِ والصبرِ، فأنزلَ اللهُ تعالى عليه إنَّ الذي فرضَ عليكَ القرآنَ وأرسلَكَ رسولًا وأمركَ بتبليغِ شرعِه سيردُّكَ إلى موطنِكَ مكةَ عزيزًا منتصرًا وهذا ما حصلَ.
* وقالَ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} في سورةِ الضحى، وانظرْ لروعةِ العطاءِ المستمرِّ في هذه الآيةِ حتى يصلَ بالمسلمِ لحالةِ الرضَا، فهذه الآيةُ رسالةٌ إلى كلِّ مهمومٍ ومغمومٍ، وتسليةٌ لصاحبِ الحاجةِ، وفرجٌ لكلِّ مَن وقعَ ببلاءٍ وفتنةٍ، أنّ اللهَ يجبرُ كلَّ قلبٍ لجأَ إليهِ بصدقٍ.
* و في صحيحِ مسلمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ "(صحيح مسلم).
* وقالَ تعالي: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}(الأنبياء). فاستجبنَا لهُ دعاءَهُ ووهبنَا لهُ على الكبرِ ابنَهُ يحيى، وجعلنَا زوجتَهُ صالحةً في أخلاقِهَا وصالحةً للحملِ والولادةِ بعدَ أنْ كانتْ عاقرًا، إنَّهُم كانوا يبادرون إلى كلِّ خيرٍ، ويدعونَنَا راغبينَ فيمَا عندنَا، خائفينَ مِن عقوبتِنَا، وكانوا لنَا خاضعينَ متواضعين.(التفسير الميسر).
*و فقراءُ المهاجرينَ جاءوا يشكونَ إلي النبيِّ ﷺ عدمَ قدرتِهِم علي التصدقِ كالأغنياءِ، فجبرَ ﷺ خاطرَهُم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللهِ قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً» قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»(صحيح مسلم).
ثالثاً:الجزاءُ مِن جنسِ العـــملِ.عبادَ الله: مَن عاشَ بينَ الناسِ جابرًا للخواطرِ أدركَهُ اللهُ في جوفِ المخاطرِ، ومَن جبرَ الخواطرَ بقضاءِ حوائجِ الناسِ والإحسانِ إليهِم كان هذا مِن أعظمِ أعمالِ البرِّ، لِمَا فيهِ مِن المواساةِ والتكافلِ بينَ المسلمين، واللهُ سبحانَهُ وتعالي أخبرَنَا أنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ، قالَ تعالى: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } (البقرة)، وقال: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } (البقرة)، وقال: { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } (محمد).
وكذلك النبيُّ ﷺ أخبرَنَا أنّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ، قال ﷺ: «إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»(صحيح البخاري)، وقال أيضًا: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا»(صحيح مسلم)، فمَن جبرَ خواطرَ الناسِ جبرَ اللهُ خاطرَهُ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ
اقرأ أيضاًانضمام ٣٦٣ مسجداً بسوهاج ضمن مبادرة «حصن طفلك بالقرآن الكريم»
احتفالات محافظة السويس بعيدها القومى المحافظ ووزير الاوقاف ومفتى الجمهورية يفتتحون مسجد الرحمة بمدينة السلام 2
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: خطبة الجمعة خطبة الجمعة غدا نص خطبة الجمعة
إقرأ أيضاً:
محللون: ترامب وقع في فخ اليمن
أجمع محللون على أن الضربات الأميركية الأخيرة على اليمن تمثل تحولاً خطيرًا في مسار الصراع، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخل في مأزق إستراتيجي قد يؤدي إلى تصعيد أوسع في المنطقة، خاصة مع إصرار جماعة أنصار الله (الحوثيين) على مواصلة عملياتهم ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل.
وكانت الولايات المتحدة شنت، مساء السبت، نحو 40 غارة على اليمن أسفرت عن مقتل وجرح العشرات، ورأت واشنطن أن الغارات تأتي دفاعا عن المصالح الأميركية، واستعادة حرية الملاحة البحرية.
وبعد ساعات قليلة من الهجوم الأميركي أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله يحيى سريع أنهم استهدفوا حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس هاري ترومان" بـ18 صاروخا وطائرة مسيّرة، واصفا العملية بالنوعية، وأنها جاءت ردا على "العدوان الأميركي الذي استهدف عددا من المحافظات اليمنية بأكثر من 47 غارة جوية، مخلفا عشرات الشهداء والجرحى".
وكان ترامب قد برر الغارات التي شنتها بلاده ضد اليمن، في منشور له على "تروث سوشيال"، قال فيه إنه لم تعبر أي سفينة تجارية أميركية قناة السويس أو البحر الأحمر أو خليج عدن بأمان منذ أكثر من عام، وأضاف أن ذلك تسبب في خسائر بمليارات الدولارات للاقتصاد العالمي.
إعلانوقال الخبير العسكري والإستراتيجي، العميد إلياس حنا، إن الضربات الأميركية تعكس إستراتيجية ترامب في بناء "منظومة ردعية" تتناسب مع خطابه مرتفع اللهجة، مشيرا إلى أن "المسرح اليمني أصبح مسرح الرسائل المباشرة، وهو المسرح الردعي الذي يتناسب مع كلمات الجحيم التي تحدث عنها ترامب كثيرا".
وأوضح حنا أن الإدارة الأميركية تبنت إستراتيجية تستهدف أولاً مراكز القيادة والسيطرة، مشيرا إلى أن "هذا ما حصل في العراق عامي 1991 و2003، حيث يقال إن استهداف القيادات قد يوقف الحرب".
وقال حنا إن الأميركيين نفذوا ما بين 50 إلى 60 غارة ثم توقفوا للانتظار وقياس النتائج قبل إعادة التقييم وتعديل الإستراتيجية.
ترامب ليس شخصا إستراتيجيا
ومن جانبه، أشار الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، إلى أن إدارة ترامب منحت القيادات الميدانية العسكرية في المنطقة صلاحية القصف دون العودة إلى الجانب السياسي، وهي مسألة خطيرة لأن "العسكر لا يفكرون دائما بالنسق السياسي لهذه الضربات".
وحذر مكي من أن "الأمور قد تتحول إلى حرب حقيقية" مع استمرار القصف طالما المعركة قائمة، لافتا إلى أن هناك سببين أساسيين دفعا ترامب للتحرك الآن: أولهما إرسال رسالة لإيران في ظل عملية تفاوضية متوقعة، وثانيهما رغبة ترامب في "تجربة القوة العنيفة" بعد أن جرب العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الخشنة منذ توليه سلطاته قبل أقل من شهرين.
ووصف المتحدث نفسه الخطوة الأميركية الأخيرة في اليمن بأنها "استعراض قوة يحاول من خلاله ترامب القول إن أميركا لديها قوة هائلة".
واتفق المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية ونائب رئيس البحث السابق بالسفارة الأميركية في اليمن، نبيل خوري، مع ما ذهب إليه "لقاء مكي" بأن ترامب ليس لديه عقيدة عسكرية أو سياسية واضحة، وليس شخصا إستراتيجيا وجاء من خارج الدائرة السياسية والعسكرية، "فهو رجل تجارة بارع في المقايضات يعرض شيئا ويطلب سقفا عاليا".
إعلانوأشار خوري إلى أن ترامب "لا يفهم مدى عمق الوطنيات والقوميات الموجودة في المنطقة"، مقارنا بين ضربات ترامب الحالية وحرب الخليج الأولى التي استعد لها الرئيس جورج بوش الأب 6 أشهر وأقام لها تحالفا دوليا واسعا.
وقال "اليوم ترامب يأخذ القرار في يومين بأي خطة وبأي إستراتيجية؟ غير واضح، وأنا أراهن أنه لا يملك خطة ولا إستراتيجية".
تعزيز شرعية الحوثيين
وفيما يتعلق بالموقف اليمني، أجمع المحللون على أن الحوثيين سيواصلون المواجهة ولن يتراجعوا، وأوضح العميد حنا أن هذا يخلق "معضلة أساسية"، فـ"إذا قرر ترامب أن يوقف الحوثيين، فعليه أن يحقق النصر وإلا سيعتبر فاشلاً، وإذا توقف الحوثيون فهذا يعني أنهم رضخوا، وهو ما لم يتحدث عنه زعيم الجماعة".
وأشار مكي من جهته، إلى أن الضربات الأميركية ستعزز شرعية الحوثيين محليا وإقليميا، موضحا أن "الحوثي حصل على شرعية شعبية في اليمن وخارجه باعتباره من النادرين الذين حاربوا من أجل فلسطين، وكلما تلقى ضربات أكثر تعززت شرعيته أكثر".
وتوقع خوري أن يصمد الحوثيون رغم الضربات الأميركية، لافتا إلى أنهم عاصروا 6 سنوات حرب ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح و8 سنوات ضد السعودية، وتعلموا ممارسة الحروب مع قوى تفوقهم تكنولوجيا.
وأضاف "الضربات تغذي روح الانتقام عندهم وتبرر ما كانوا يقولونه دائما إن أميركا عدوة لهم".
فرص الحرب الإقليمية
ولم يستبعد المحللون أن يتطور الوضع إلى حرب إقليمية أوسع، وقال مكي: "يمكن أن تدخل المليشيات العراقية وتضرب قواعد أميركية، كما يمكن أن يتشجع حزب الله، وهكذا نعود مرة أخرى إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط بما في ذلك إيران".
وفي السياق نفسه، لفت العميد حنا إلى احتمال قيام الحوثيين باستهداف القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، متسائلاً: "ماذا لو قصف الحوثي قاعدة جيبوتي؟ ماذا لو قصف الحوثي أماكن معينة لقيادات عسكرية أو قواعد عسكرية في مكان ما؟".
إعلانوفيما يتعلق بدور إيران، أشار مكي إلى أن المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي أثنى على العمليات اليمنية وقال إن "اليمنيين سينتصرون"، مما يعني أن "الجناح المؤيد للمفاوضات سيكون أضعف بكثير، وبالتالي ستزداد فرص احتمال الوصول إلى حافة الصدام الإيراني الأميركي".
وأوضح خوري أن الولايات المتحدة تلوم إيران على تسليح الحوثيين، لكن "من غير المنطقي أن نلوم إيران على أن الحوثيين يقومون بهذا العمل بقرارهم الخاص وليس بدفع من إيران".
ورأى أنه "بدل أن يأخذ ترامب مبادرة سياسية ويتفاهم مع الحوثيين، يتخذ خطوات عسكرية تزيد من معاناة اليمن وتعيق وصول المساعدات الإنسانية".
وفي تقييمهم للمستقبل، توقع مكي أن ترامب "لن يستطيع الآن التراجع لأن الأمر يتعلق بكرامته"، مشيرا إلى احتمال تفعيل "الجيش اليمني الشرعي" لمواجهة الحوثيين على الأرض، لكنه رجح استمرار التصعيد خاصة "بعدما أغلق الباب أمام الحل السياسي".