مصفاة الدقم.. نقلة جديدة في جهود التنويع
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
أحد الأهداف الأساسية لتوجهات التنمية المستدامة هو زيادة التشابك بين مختلف الأنشطة والقطاعات كركيزة تعتمد عليها جهود التنويع في سلطنة عمان
نموذج ناجح للتكامل بين القطاعات الاقتصادية
الكيانات الاستثمارية يتزايد عددها في المدن والمناطق الصناعية وتسهم في توسعة الاقتصاد وجذب الصناعات الجديدة وإنجاح منظومة التنويع والاستثمار
مع وجود المصفاة في الدقم، تجد سلطنة عمان زخما متزايدا لتعزيز مكانتها على خارطة الاستثمار العالمية والقيام بدور متزايد في أسواق الطاقة
البتروكيماويات.
منذ بدء تنفيذ الرؤية المستقبلية، ووفقا لطموحات هذه الرؤية وأهداف النمو في خطتها التنموية الأولى، الخطة العاشرة، أصبح أحد الأهداف الأساسية لتوجهات التنمية المستدامة هو زيادة التكامل والتشابك بين مختلف المستهدفات والأنشطة والقطاعات كركيزة أساسية تعتمد عليها جهود التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان، ويعد ذلك أحد الملامح الأساسية للسياسات الاقتصادية الداعمة للوصول إلى تقدم مطرد في جهود تنويع الاقتصاد ضمن سياق المسار الجديد والجاد لتوجهات التنمية المستدامة في سلطنة عمان.
وتعد التطورات المهمة في قطاع الطاقة انعكاسا مهما لهذا المسار حيث يمثل افتتاح وتشغيل مصفاة الدقم في منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة نقلة نوعية على عديد من المستويات ذات العلاقة بمسار النمو القائم على التنويع في سلطنة عمان ويخدم بشكل كبير مستهدفات التكامل بين الأنشطة والقطاعات الاقتصادية.
يأتي مشروع المصفاة في حد ذاته كصرح جديد وكبير ينضم لقطاع الصناعات التحويلية الذي يعد ركيزة للنمو خلال الخطة العاشرة، ويحقق مشروع المصفاة استغلالا أكبر للنفط عبر تكريره وتحويله إلى المنتجات البتروكيماوية التي يرتفع الطلب عليها في الأسواق العالمية وهو ما يعني عائد جيد من الموارد المالية وزيادة في حجم الصادرات، كما تأتي المصفاة كنموذج ناجح للاستفادة من الشراكات الاستثمارية مع الدول الشقيقة والصديقة والتي أسفرت عن تعاون مثمر في مشروعات مهمة في القطاع اللوجستي وصناعات الهيدروجين الأخضر وغيرهما من القطاعات.
وفي نفس السياق الخاص بتكامل مسارات التنويع وتعزيز منظومة الاستثمار، فمع وجود المصفاة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، تتلقى سلطنة عمان زخما جديدا لتعزيز مكانتها على خارطة الاستثمار العالمية وزيادة تنافسيتها وقدرتها على جذب الاستثمارات للعمل في مدنها ومناطقها الصناعية خاصة الدقم التي تتمتع بميزة فريدة هي موقعها المتميز عند ملتقى خطوط التجارة الدولية وقربها من عديد من الأسواق الإقليمية والناشئة وهو ما يزيد من دور المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في قيادة النمو وتحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية "عُمان 2040" خاصة ما يتعلق بدعم القطاع الخاص وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية والخاصة، حيث تسهم الكيانات الاستثمارية التي يتزايد عددها في منطقة الدقم وغيرها من المدن والمناطق الصناعية في توسعة الاقتصاد وجذب العديد من الصناعات والمشروعات الجديدة فيما يمثل دورة كاملة لإنجاح منظومة التنويع والاستثمار في سلطنة عمان، وهي منظومة تكتسب أيضا بشكل متزايد ملامح العمل المؤسسي المتكامل بين مختلف الجهات المعنية والذي يعززه بشكل مستمر التوجهات المتناسقة للسياسات الاقتصادية والاستثمارية وما يتم تقديمه وتطويره من حزم جيدة من الحوافز والتسهيلات لجذب الاستثمارات التي تعزز من آفاق النمو الاقتصادي، وهذا العمل المؤسسي المتناسق الذي أصبحت ترتكز عليه جهود جذب الاستثمار هو ما يضمن إحراز مزيد من التقدم في ترسيخ المكانة الاستثمارية لسلطنة عمان كوجهة عالمية جاذبة ومشجعة للاستثمار نظرا لما يقوم به من دعم للسمعة الاستثمارية الجيدة لسلطنة عمان كمقصد واعد وآمن للاستثمار.
كما يقدم مشروع المصفاة مثالا ناجحا لتحقيق التكامل في مصفوفة المشروعات الإنمائية الحكومية واستثمارات جهاز الاستثمار العماني وشركاته التابعة من جانب وبين منظومة الاستثمار الخاص من جانب آخر، إذ إن الإنفاق والاستثمارات الحكومية، بحجمها الضخم، تتزايد فعاليتها وكفاءتها في تعزيز نمو الاقتصاد ودعمهم لمختلف القطاعات الاستراتيجية وأنشطة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والقطاع الخاص.
بفضل هذا الإنفاق الإنمائي، أرست الحكومة بنية أساسية وفوقية تتسم بالتطور الكبير في منطقة الدقم الاقتصادية وغيرها من المناطق الصناعية، وتعد دعامة قوية لجذب الاستثمارات ووجود مشروعات استراتيجية مثل مصفاة الدقم، وهناك تقدم متواصل في تعزيز البنية الأساسية والمرافق المركزية في المنطقة الاقتصادية في الدقم حيث تم بالتزامن مع افتتاح المصفاة إتمام مشروعين استراتيجيين هما مشروع محطة المياه والكهرباء التي تسهم في توفير الطاقة الكهربائية ومياه التحلية لمصفاة الدقم "أوكيو 8" والشركة العُمانية للصهاريج "أوتكو"، ويبلغ حجم الاستثمارات في المحطة 196 مليون ريال عُماني، ومشروع الشركة العمانية للصهاريج الذي يرفد أعمال المصفاة فيما يخص تخزين النفط في محطة رأس مركز والتي أقيمت باستثمارات 200 مليون ريال وتتميز بموقعها الاستراتيجي بالقرب من الأسواق الناشئة لا سيما في آسيا وإفريقيا، وتتسع لتخزين حوالي 200 مليون برميل من النفط، وتتكامل المحطة مع المصفاة عبر خط أنابيب بطول 80 كيلومترًا يتم من خلاله نقل النفط الخام من رأس مركز إلى المصفاة، وتضم المحطة منشآت متطورة ذات سعات عالية لتخزين النفط منها 8 خزانات ضخمة لتخزين النفط، ومنصات عائمة لاستيراد وتصدير النفط، وخطوط أنابيب تحت البحر لاستقبال وتصدير النفط بطول 7 كيلومترات، ومحطة لضخ النفط إلى الخزانات.
وفي قطاع الصناعات التحويلية والبتروكيماويات، تعد مصفاة الدقم هي المنشأة الرابعة من نوعها في سلطنة عمان التي يوجد بها مصفاة ميناء الفحل ومصفاة صحار ومصفاة صلالة، وترتفع الطاقة الإنتاجية لتكرير النفط بأكثر من الضعف لتتجاوز 500 ألف برميل يوميا مع التشغيل الكامل لمصفاة الدقم وهو ما يعني مكانة أكبر لسلطنة عمان في تجارة الطاقة الدولية التي تعد بمثابة شريان الحياة لمختلف الأنشطة في العالم، وقد شهدت صناعة البتروكيماويات توسعا في سلطنة عمان خلال الفترة الماضية منذ افتتاح مجمع لوى للصناعات البلاستيكية والذي أسهم في تعزيز النمو وحجم الصادرات غير النفطية.
وتنبع أهمية التوسع المستمر في صناعة البتروكيماويات كونها أحد الصناعات الواعدة التي تحقق نموا مستمرا، ومن المتوقع أن ينمو حجم الصناعة عالميا من 628 مليار دولار في نهاية عام 2023 إلى 886 مليار دولار بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.0 بالمائة خلال الفترة المشار إليها، وهو معدل نمو جيد بالنظر إلى ضخامة هذه الصناعة، ويعزز هذا النمو تزايد الطلب عالميا على المشتقات النفطية والمنتجات والسلع التي تستخدم في الصناعة والحياة اليومية خاصة منتجات اللدائن والبلاستيك والمطاط والكيماويات، ومواد التنظيف، والمستحضرات الصيدلانية، وأجزاء السيارات ومواد التغليف.
ومن جانب آخر، فهذا التوجه نحو التكامل بين المشروعات والقطاعات الاستراتيجية، يمتد ليشمل أيضا توجهات استراتيجية أخرى تعزز التنمية المستدامة، منها هدف سلطنة عمان للوصول للحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050, ولتحقيق هذا الهدف تشهد سلطنة عمان تحولا جادا نحو الطاقة المتجددة بكافة مصادرها المتجددة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية وصناعات الهيدروجين الأخضر، ويتم بشكل حثيث توجيه الصناعات الجديدة والقائمة نحو الاستدامة وتقليص الانبعاثات، ويعتمد مشروع مصفاة الدقم على الابتكار والتقنيات الحديثة في التشغيل مما يضعه في مسار التكيف مع مستهدفات الاستدامة وخفض الانبعاثات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التنمیة المستدامة فی سلطنة عمان مصفاة الدقم المصفاة فی
إقرأ أيضاً:
خلافات ساخنة تسبق أول مفاوضات إيرانية-أمريكية في سلطنة عمان: هل تندلع الحرب؟
سلطنة عمان (وكالات)
تلوح في الأفق أجواء مشحونة بالتوتر والتحديات، حيث يبدو أن أول جولة من المفاوضات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة قد تبدأ وسط خلافات كبيرة حول الطريقة التي يجب أن تتم بها هذه المفاوضات.
فبينما يستعد الطرفان لعقد محادثات هامة في سلطنة عمان، تتصدر الخلافات حول طبيعة المفاوضات وأهدافها الأجندة، ما يزيد من تعقيد مسار هذه المحادثات المرتقبة.
اقرأ أيضاً اتصال مفاجئ بين وزير الدفاع السعودي ونظيره الأمريكي بعد تسريبات حساسة عن الحوثيين 8 أبريل، 2025 في لقائهما الأخير: ترامب يكشف لنتنياهو أمرا خطيرا عن الحوثيين 8 أبريل، 2025في خطوة مفاجئة، نفى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن تكون إيران قد وافقت على إجراء مفاوضات مباشرة مع واشنطن، مؤكدًا أن الجولة المقبلة من المفاوضات ستظل غير مباشرة، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول إمكانية تجاوز هذه الهوة بين الجانبين.
وقد صرح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في وقت سابق خلال لقاء جمعه برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن إيران قد وافقت على التفاوض مباشرة مع واشنطن، مما يعكس التناقضات بين تصريحات الطرفين حول هذه القضية.
وتستمر هذه التباينات في إظهار انعدام الثقة العميق بين إيران وأمريكا، رغم محاولة كلا البلدين تحسين العلاقات والعودة إلى طاولة المفاوضات بعد سنوات من التصعيد. على الرغم من ذلك، يبدو أن إيران تفضل المفاوضات غير المباشرة، حيث ترى أن الولايات المتحدة تسعى إلى الضغط عليها لتحقيق مكاسب سياسية تحت تهديد العقوبات والضغوط القصوى.
بينما ترغب واشنطن في إجراء مفاوضات مباشرة علها تحقق تنازلات إضافية أو تتنصل من أي اتفاقيات مستقبلية قد تضر بمصالحها الإستراتيجية في المنطقة.
وتعتبر سلطنة عمان الدولة التي استضافت آخر اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وهو الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018، مما دفع بالعلاقات بين طهران وواشنطن إلى أدنى مستوياتها.
وعليه، يعد هذا اللقاء المرتقب في عمان فرصة تاريخية لإحياء الحوار بين البلدين، ولكن يظل السؤال الكبير: هل سيحمل هذا اللقاء أي تغييرات إيجابية على مسار العلاقات، أم أن الخلافات ستظل هي السائدة؟
من جانب آخر، تبرز نقطة الخلاف الرئيسية بين الجانبين في نطاق المفاوضات. الولايات المتحدة تسعى لتوسيع نطاق المفاوضات لتشمل القضايا النووية والصاروخية والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وهو ما ترفضه إيران بشدة، معتبرة أن هذه القضايا تتجاوز ملفها النووي الذي تصر على أنه سلمي.
إيران تؤكد أنها لا تسعى للحصول على سلاح نووي، بل تهدف فقط إلى الحفاظ على حقوقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المفاوضات ستكون الأولى منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2020، وهي تمثل اختبارًا هامًا لإعادة التوازن للعلاقات بين البلدين في وقت حساس، خاصة في ظل التوترات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط.
فهل ستتمكن هذه المفاوضات من فتح الباب أمام اتفاق جديد، أم ستظل الأزمات مستمرة بين طهران وواشنطن؟