ربما قد لا تضطر مستقبلا إلى الخوف من العدوى التي يمكن أن تنتقل من أغطية أسرّة المستشفى، بعد أن يوضع عليها "حارس صامت" يحمي المرضى من هذه المخاطر غير المرئية، وذلك عبر استلهام هذا الحل من حيوان "بلح البحر".

ويلتصق بلح البحر بالصخور باستخدام مادة لاصقة رائعة تنتجها غدد خاصة في أجسامه، وتتكون هذه المادة اللاصقة من بروتينات غنية بجزيئات تسمى "الكاتيكول" و"البوليفينول"، وهذه الجزيئات فضلا عن أنها تخلق روابط كيميائية مع الأسطح تسمح بالالتصاق بالصخور حتى في البيئات الرطبة مثل المحيط، فإنها أيضا تنتج الأكسجين التفاعلي المضاد للميكروبات.

وخلال الدراسة المنشورة في دورية "كيميكال إنجنيرنغ جورنال"، قام فريق بحثي إسباني من جامعة برشلونة المستقلة والمعهد الكتالوني للعلوم النانوية وتكنولوجيا النانو، بإنتاج مواد تحاكي ما يفرزه بلح البحر للالتصاق بالصخور، واستُخدمت لإنتاج طلاءات يمكن أن تكون جزءا من عملية إنتاج أغطية أسرّة المستشفيات، وكذلك الأقمشة المستخدمة في ملابس الأطباء والجراحين والممرضات والأقنعة والقفازات والضمادات التي تكون على اتصال مباشر مع الغرز والجروح، لتوفر هذه الطلاءات حماية من الخطر "غير المرئي" الذي تمثله الميكروبات.

محاكاة الضرر الذي يحدث للكائنات الحية (يمين) عند وجودها على سطح طُلي بالمادة الجديدة (كيميكال إنجنيرنغ جورنال)

وتعد العدوى الميكروبية المنقولة عن طريق المستشفيات، السبب الرئيسي السادس للوفاة في البلدان الصناعية، وهو معدل أعلى بكثير في العالم النامي، ويؤثر ذلك بشكل خاص على المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة ومرضى العناية المركزة (مثل الحروق) والمصابين بأمراض مزمنة مثل مرض السكري، لذلك ، فإن الطلاء المستوحى من "بلح البحر"، والذي يحمل إمكانيات هائلة للانتقال سريعا من المختبر إلى التطبيق، يمثل حلا عمليا لتلك المشكلة.

سر فاعلية الطلاء

وتعمل الطلاءات الجديدة التي طورها الباحثون ضد البكتيريا من خلال عملية متعددة الخطوات تتضمن توليد أنواع الأكسجين التفاعلي.

ووفق البيان الصحفي الصادر عن جامعة برشلونة المستقلة، فإنه يمكن تلخيص آلية العمل في الخطوات التالية:

أولا: تحتوي الطلاءات على جزيئات مستوحاة من تلك الموجودة في المواد اللاصقة لبلح البحر مثل الكاتيكول والبوليفينول، وتسمح هذه الجزيئات للطلاء بالالتصاق بالأسطح بشكل فعال، بما في ذلك الأقمشة والمعدات الطبية. ثانيا: بمجرد الالتصاق، يبدأ الطلاء تفاعلا كيميائيا عند تعرضه للهواء والرطوبة، ويؤدي هذا التفاعل إلى التكوين المستمر لأنواع الأكسجين التفاعلي على سطح الطلاء. ثالثا: أنواع الأكسجين التفاعلي هي عبارة عن جزيئات شديدة التفاعل يمكنها إتلاف الخلايا البكتيرية، فعندما تتلامس البكتيريا مع السطح المطلي، فإن أنواع الأكسجين التفاعلي الناتجة عن الطلاء تهاجم الخلايا البكتيرية، مما يسبب ضررا لا يمكن إصلاحه لأغشيتها والهياكل الأخرى. رابعا: نتيجة لهجوم أنواع الأكسجين التفاعلي تُدمّر الخلايا البكتيرية، مما يؤدي إلى قتلها بشكل فعال، ويساعد هذا الإجراء المضاد للبكتيريا على منع انتشار العدوى، ويقلل من خطر الاستعمار البكتيري على الأسطح الطبية. الطلاءات يمكن أن تكون جزءا من عملية إنتاج أغطية أسرة المستشفيات والأقمشة المستخدمة في ملابس الفريق الطبي والأقنعة والقفازات والضمادات (كيميكال إنجنيرنغ جورنال) قدرات رائعة في مختلف البيئات

وأجرى الباحثون عدة تجارب لإثبات فعالية الطلاءات في البيئات السائلة والجافة، وجاءت التجارب على النحو التالي:

أولا: اختبار مضادات البكتيريا

اختبر الباحثون الخصائص المضادة للبكتيريا للطلاءات ضد مجموعة واسعة من الأنواع الميكروبية، بما في ذلك البكتيريا مثل الإشركية القولونية، والزائفة الزنجارية، والمكورات العنقودية الذهبية، والميثيسيلين، والمكورات العنقودية الذهبية المقاومة، والمكورات المعوية البرازية، وكذلك الفطريات مثل المبيضات البيضاء، وتضمنت هذه الاختبارات تعريض الأسطح المطلية للكائنات الحية الدقيقة وتقييم قابليتها للحياة.

ثانيا: التعرض للأجواء الرطبة

لمحاكاة البيئات الرطبة التي تشبه بيئة الرعاية الصحية حيث توجد قطرات الجهاز التنفسي والسوائل الحيوية، قام الباحثون بتعريض الأسطح المطلية لأجواء رطبة، وقاموا بتقييم فعالية الطلاءات المضادة للبكتيريا في ظل هذه الظروف لتحديد قدرتها على تحمل التعرض للرطوبة والحفاظ على فعاليتها.

ثالثا: دراسات الدورة الزمنية

أجريت دراسات الدورة الزمنية لتقييم الاستجابة المضادة للبكتيريا في نقاط زمنية مختلفة تتراوح بين دقائق وساعات.

رابعا: التحليل الكمي

أجرى الباحثون تحليلات كمية لقياس مدى تثبيط البكتيريا، وتحديد النسبة المئوية للكائنات الحية الدقيقة التي تقتلها الطلاءات، وسمح لهم ذلك بقياس الفعالية المضادة للبكتيريا للطلاءات ومقارنتها بالمواد المضادة للبكتيريا الأخرى أو عينات المراقبة.

وقدمت هذه التجارب أدلة شاملة تثبت فعالية الطلاءات في كل من البيئات السائلة والجافة، ومن خلال تقييم نشاطها المضاد للبكتيريا ضد مجموعة واسعة من الكائنات الحية الدقيقة، وفي ظل الظروف ذات الصلة ببيئة الرعاية الصحية، أكد الباحثون إمكانية استخدام الطلاءات في الوقاية من العدوى والسيطرة على التلوث البكتيري على الأسطح الطبية.

الخلايا المناعية في الجسم تنتج أنواع الأكسجين التفاعلي كاستجابة سريعة وقوية لمسببات الأمراض وبالمثل تولّد الطلاءات الأكسجين التفاعلي (الألمانية) محاكاة جهاز المناعة.. دراسات إضافية

وتشبه آلية الدفاع التي تستخدمها الطلاءات الجديدة ضد البكتيريا، وخاصة من خلال توليد أنواع الأكسجين التفاعلي، استجابة الجهاز المناعي في جسم الإنسان، كما يقول أستاذ المناعة بجامعة أسيوط (جنوب مصر) خالد صديق.

ويوضح صديق في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت" أن "الخلايا المناعية في الجسم  مثل العدلات والبلاعم، تنتج أنواع الأكسجين التفاعلي كاستجابة سريعة وقوية لمسببات الأمراض، وبالمثل تولد الطلاءات الأكسجين التفاعلي بشكل مستمر على أسطحها عند تعرضها للهواء والرطوبة، مما يخلق بيئة معادية للبكتيريا".

ويضيف أن "كلا من إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلي في الجهاز المناعي وأنواع الأكسجين التفاعلي الناتجة عن الطلاءات، يوفر حماية طويلة الأمد ضد التهديدات الميكروبية، ولكن الخلايا المناعية تنتجه كجزء من الاستجابة الحادة للعدوى، في حين أن الطلاءات تطلقه باستمرار بمرور الوقت، مما يضمن نشاطا مضادا للبكتيريا مستداما ويمنع الاستعمار البكتيري على الأسطح".

ولكن إذا كان رد فعل الخلايا المناعية في إنتاج الأكسجين التفاعلي محسوبا ومقدر، بحيث لا يتجاوز الهدف وهو تدمير البكتريا، فإن الخطوة التالية التي يؤكد عليها خالد صديق، هي ضرورة العمل على إثبات أن تأثير الأكسجين التفاعلي الذي يصدره الطلاء لا يتجاوز الهدف، وهو تدمير البكتيريا.

ويوضح أنه "من الضروري إجراء دراسات إضافية للتأكد من أن الطلاءات تطلقه بمستويات تقتل البكتيريا فقط ولا يكون لها تأثير ضار على الخلايا البشرية، حيث إن المستويات العالية من الأكسجين التفاعلي يمكن أن تؤدي إلى الإجهاد التأكسدي عند البشر، والذي يمكن أن يسبب تلف الخلايا والالتهابات وإصابة الأنسجة، كما قد يؤدي إلى تهيج الجهاز التنفسي وتحسس الجلد".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الخلایا المناعیة بلح البحر یمکن أن

إقرأ أيضاً:

عوض تاج الدين: الرئيس السيسي يوجه بتطوير المنظومات الطبية من خلال المستشفيات الجامعية

رئيس جامعة طنطا: نتعهد بتنفيذ التوجيهات الرئاسية وتقديم كل الدعم لمستشفيات طنطا الجامعية

اختتمت فعاليات المؤتمر الدولي السنوي الأربعين لكلية الطب بجامعة طنطا، والذي أقيم تحت عنوان: "المستشفيات الجامعية بين التحديات والمستقبل في ظل الجمهورية الجديدة"، وذلك بحضور نخبة من كبار المسؤولين والخبراء في القطاع الصحي، على رأسهم الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية، والدكتور محمد حسين، رئيس جامعة طنطا، إلى جانب عدد من رؤساء الجامعة السابقين، وقيادات الكلية والمستشفيات الجامعية، وممثلين عن وزارة الصحة والهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية.

أكد الدكتور عوض تاج الدين، خلال كلمته على اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتطوير المنظومة الصحية، من خلال دعم المستشفيات الجامعية ورفع كفاءتها باعتبارها ركيزة أساسية في تقديم الخدمات الطبية المتقدمة وتدريب الكوادر الطبية والبحث العلمي، مشيداً بالجهود المبذولة داخل مستشفيات طنطا الجامعية خلال السنوات الأخيرة.

من جانبه، أكد الدكتور محمد حسين التزام جامعة طنطا بتنفيذ توجيهات القيادة السياسية وتقديم كافة أشكال الدعم للمستشفيات الجامعية، مشيراً إلى أهمية المؤتمر وتزامنه مع ذكرى تحرير سيناء، وإلى دوره في مناقشة التحديات التي تواجه القطاع الصحي وسبل تطويره. كما أوضح أن الجامعة تسعى لاستكمال مشروعات كبرى كمستشفى الطوارئ الجديد، ومشروع ميكنة المستشفيات، بما يواكب خطط الدولة في التأمين الصحي الشامل.

وأشار الدكتور أحمد غنيم، عميد كلية الطب ورئيس المؤتمر، إلى أن المؤتمر كان منصة فاعلة لتبادل الخبرات ومناقشة أحدث المستجدات في مجالات الطب، فيما أكد الدكتور محمد حنتيرة أن الأداء المتميز للمستشفيات الجامعية ساهم في تصدرها تصنيف Nature Index، مشيداً بالدور المحوري الذي لعبه الكادر الطبي والتمريضي في تحقيق هذا الإنجاز.

وأضاف الدكتور حسن التطاوي أن المؤتمر شهد تنظيم 40 جلسة علمية و11 ورشة عمل على مدار ثلاثة أيام، شارك فيها نخبة من الأساتذة والباحثين، وشهدت نقاشات ثرية حول أحدث ما توصل إليه العلم في مختلف التخصصات الطبية.

واختتمت الفعاليات بتكريم عدد من رموز الكلية وأعضاء اللجان العلمية بالمؤتمر، إلى جانب تكريم الأطباء والصيادلة وهيئات التمريض والفنيين والإداريين المشاركين في إنجاح المؤتمر.

مقالات مشابهة

  • عوض تاج الدين: الرئيس السيسي يوجه بتطوير المنظومات الطبية من خلال المستشفيات الجامعية
  • احرص عليها.. مشروبات تمنع نمو الخلايا السرطانية في الجسم
  • مكونات طبيعية للتخلص من التهابات الجسم
  • بحّار سعودي يخوض مغامرة مع أسماك القرش في البحر الأحمر.. فيديو
  • موقع عسكري: ما أنواع أهداف الضربات الأمريكية في اليمن التي تستخدم فيها صواريخ مضادة للإشعاع الثمينة؟
  • دراسة حديثة تكشف إمكانات علاجية جديدة لسرطان الرئة ذي الخلايا الصغيرة
  • أحمد موسى: السيسي وجه بتطوير منطقة التجلي الأعظم في سانت كاترين
  • إدريس إلبا يلهم رواد التغيير البيئي في قمة إرثنا بالدوحة
  • نشرة المرأة والمنوعات| كارولين عزمي وهاجر أحمد يشعلان السوشيال ميديا.. دراسة: نظر الأطفال والمراهقين فى خطر.. أسنانك تحتوي على 700 نوع من البكتيريا
  • فمك به 700 نوع بكتيريا.. أفضل طريقة طبيعية لتنظيف الفم والأسنان من البكتيريا