الكتاب: "الجهاد الرقمي: المقاومة الفلسطينية في عهد الرقمي"
الكاتب: إيريك سكاريه
ترجمة: منصور العمري
الناشر: منشورات المتوسط، ط1، ميلانو- إيطاليا، 2018
عدد الصفحات: 238

ـ 1 ـ


يحاول الباحث النرويجي إيريك سكاريه الناشط الحقوقي ومحرر موقع Infofada  الإلكتروني المناصر للفلسطينيين أن يعرّفنا بما يصطلح عليه بالعصر الرقمي للمقاومة الفلسطينية.

فيعرض هذا الشكل المبتكر من النضال الذي بات معروفا أكثر للعموم منذ اندلاع الربيع العربي، لمّا هاجم محتجون على السياسات القمعية مواقعَ إلكترونية حكومية في كل من تونس والبحرين، وموقع البورصة التونسية. فقد مثلت هذه الأحداث بداية الوعي، على نطاق واسع، باستخدام الإنترنت أداةً لفرض التغيير الديمقراطي في المنطقة.

 في الآن نفسه مثّلت وقائع "الرّبيع العربي" اكتشافا لأداة ناجعة يمكن أن تعتمد في مناصرة الشعب الفلسطيني.. فنفّذ الهاكر السعودي "أوكس عمر (oxOmar) من أشهر الهجمات الإلكترونية ضد إسرائيل مستهدفا موقع تل أبيب للأوراق المالية، وخطوط العال الجوية الإسرائيلية  ونشر 400 ألف رقم البطاقات ائتمان إسرائيلية ودعا الهاكر المسلمين للنسج على منواله. وعامّة تضاعف عدد المواقع الإسرائيلية المستهدفة. وهذا ما جعل سامي أبو زهري المتحدث باسم حركة حماس يرى في الهجوم فتحا لـ"ساحة جديدة للمقاومة ضد الجرائم الإسرائيلية". ولكن "النضال البرمجي باعتباره وسيلةً للمقاومة ضد الاحتلال" لم يطرق أكاديميا. ويعتبر عمل الباحث فاتحة مؤسّسة لمثل هذه الدّراسات.

ـ 2 ـ

يشير الباحث إلى البراغماتية المميّزة لإسرائيل التي تخوّل لها استغلال مختلف الظروف وتحويلها لصالحها. فقد جعلت من سقوط الاتحاد السوفييتي، فرصة لاستقطاب نخب يهود جمهورياته السابقة وتحويلها إلى رأس مال بشري. فثلثا المهاجرين الذين وصلوا إليها كانوا من أصحاب الخبرة في القطاعات العلمية والتقنية. ورغم تراجع قطاعها العسكري الصناعي بسبب نهاية الحرب الباردة استثمرت في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جيّدا. وأنفق جيشها موارد ضخمة على التكنولوجيا الفائقة التطوّر. وكان لهذا الأمر وقعه الخاصّ على كامل مناحي الحياة، ذلك أنّ الجيش الإسرائيلي يلعب دوراً رئيساً في دفع الشّباب إلى مجال التكنولوجيا. ويتولى ذلك من خلال وحدات النخبة 8200 (وهي وحدة الحرب الإلكترونية)، والفيلق العسكري للكمبيوتر، وفيلق الإشارة، وغيرها من الوحدات التي تعتمد على الإلكترونيات بدرجات مختلفة.

وبتحوّل المعركة إلى البعد الإلكتروني وجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى يواجهون جيشاً يفوقهم عدّة وعتادا وخبرة. فالبنية التحتية السيبرانية في المناطق الفلسطينية كانت ضعيفة بطيئة التدفّق، ويرجع ذلك أساساً إلى أن بيرك، أكبر شركة للاتصالات في إسرائيل، لم تكن معنية بالسوق الفلسطينية.

وتجلّت هذه البراغماتية أيضا في قدرتها على الاستفادة من ظروف ما بعد اتفاقات أوسلو عام 1992. فقد وظّفت الاتفاق للترويج إلى فكرة الاقتصاد الإسرائيلي الآمن لاستقطاب الاستثمارات في التكنولوجيا الجديدة ووفرت لها الحوافز الضرورية. فشركة إنتل، وهي واحدة من أكبر المنتجين في العالم للرقائق الإلكترونية، كانت تدفع أكثر من 30 في المائة من دخلها في شكل ضرائب في الولايات المتحدة، ولمّا انتقلت إلى إسرائيل أعفيت منها كلها في تقريباً. وهكذا تدفق عليها الخبرات الأجنبية. ومنها أفادت شركاتها المحليّة للتكنولوجيا فائقة التطوّر.

بعد اتفاقات أوسلو تأسس عدد من شركات الاتصالات الفلسطينية، يذكر منها الباحث إيريك سكاريه شركة "جوال" الاحتكارية. ولكن الرّبط بين مختلف المستخدمين ظل يعتمد على البنية التحتية الإسرائيلية أساسا. فالمكالمة بين فلسطيني وآخر كانت تمر عبر البنية التحتية الإسرائيلية وتكون بالنتيجة تحت تصرف الإسرائيليين الذين يراقبون كلّ أنشطة المجال الرقمي ويمنعون عديد التطبيقات. ثم سمحت إسرائيل بشيء من الانفتاح تحت عنوان "تعزيز السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين". ولم يكن هذا الإجراء بلا مقابل. فقد خوّل لها ذلك التجسس عليهم ورصد تحرّكاتهم ومصادرة آرائهم. ففي الفترة الفاصلة بين أكتوبر 2015 وفيفري  2016 اعتقلت أجهزتها أكثر من 150 فلسطيني بناء على مشاركاتهم لآراء على الفايسبوك لا أكثر.

ـ 3 ـ

من العوامل التي دفعت الفلسطينيين إلى الانخراط الفاعل في الجهاد الإلكتروني ذلك الشعور بالإحباط بعد أن تأكدت لديهم عدم جدية إسرائيل في تنفيذ تعهّداتها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية وبعد أن فقدوا الإيمان في قدرة المجتمع الدولي على مساعدتهم في إنهاء النزاع. فقد أفشلت كلّ من إسرائيل والولايات المتّحدة مفاوضات كامب ديفيد الثانية وأسرع المجتمع الدّولي إلى تحميل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات المسؤولية على ذلك. ولمّا اندلعت الانتفاضة الثانية تبعا لهذا الفشل، واجهت إسرائيل مظاهرات الاحتجاج بردود قاسية. فأطلقت ضد المتظاهرين العزّل، في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط، منها مليون طلقة ذخيرة. في نهاية الانتفاضة تجاوز عدد الشهداء 2200 فلسطينيا. وكان أكثر من 85 في المائة منهم على الأقل من المدنيين وكان ثلثهم من الأطفال.  ثمّ صعّدت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من هجماتها العسكرية مجدّدا. وتبنى ساستها خطابا يعلن أنّ هجمات قواتها لا تشنّ فقط للدفاع عن المدنيين الإسرائيليين، وإنما هي "مكافحة للإرهاب" و"انخراط إسرائيلي في نضال العالم الحر ضد قوى الظلام التي تسعى على تدمير حريتنا وطريقتنا في الحياة ".

 في هذا الإطار إذن، ظهر الجهاد الإلكتروني وارتفعت الأصوات التي تنادي ب"المقاومة السيبرانية". فمثلت أول العمليات الفلسطينية ردودا عمّا كانت إسرائيل تسميه ب"ـالحرب الإلكترونية". وفي 6 أكتوبر 2000 اخترق ناشطون برمجيون عالميون 40 موقعاً إسرائيلياً منها المواقع التابعة للكنيست ووزارة الخارجية وبنك إسرائيل وبورصة تل أبيب في بضع ساعات تعاطفاً مع الفلسطينيين وردّت إسرائيل باختراق موقع حزب الله اللبناني. ثم تجاوزت الظّاهرة المحاولات الفردية. فظهرت جماعات الهاكر الفلسطينية والعربية، منها فريق هاكر غزة، وفريق أنينموس اللذين هاجما البنية التحتية السيبرانية الإسرائيلية وعملا  هجماتهما على لفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية.

لا يختلف هذا النضال الافتراضي، في فهمه، عن النضال المادي. فهو يهدف إلى إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها بشكل مباشر وإلى لفت نظر المجتمع الدولي إلى أن هناك شعباً فلسطينياً فقد وطنه.وسريعا ما أخذ هذا الجهاد أبعادا أكبر. فتحوّل إلى حرب إلكترونية عربية -إسلامية/ إسرائيلية. فمن الفرق التي انخرطت في هذه المعركة "الوحدة" (UNITY)  و"بوابة الشبكة الإسلامية العالمية للإعلام". فاختُرق الموقع الإلكتروني لجماعة الضغط الإسرائيلية [إيباك] من قبل قرصان باكستاني يسمي نفسه الدكتور نوكر. وذكرت الوحدة العسكرية الإسرائيلية للحفاظ على أمن الكمبيوتر، إن معظم الهجمات جاءت من لبنان ودول الخليج. وبالمقابل وسعت إسرائيل من نطاق حربها الإلكترونية هذه. تحالفت مع أمريكا كما هو الحال في العالم الفعلي. وكانت دودة الكمبيوتر "ستكسنت" التي أصابت أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية الإيرانية وشبّهت بصاروخ عسكري أطلق في الفضاء الإلكتروني أبرز ثمار هذا التحالف. فحسب مصادر من وكالة الاستخبارات الأمريكية فقد كان ذلك الهجوم عملا مشتركا بين وكالة الأمن القومي وإسرائيل.

ـ 4 ـ

يعرض الباحث عددا من التشكيلات المنخرطة في الجهاد الرقمي الفلسطيني نكتفي بعرض فريق هاكر غزة باعتباره نموذجا ممثلا لها.

لقد ظلّ تنظيم الفريق مجهولا. لم يُكتب كثير عن هذا الفريق الغريب، والمستمر منذ نحو عقد من الزمان. ولكن إيريك سكاريه تمكن من التواصل مع بعض أعضائه وكسب ثقتهم ليقدّم معلومات أثره هذا.

 أنشئ هاكر غزّة عام 2007 . ومن هجماته تلك التي نفّذها في 23 أكتوبر 2012 . فعطّلت بواسطتها جميع حواسيب الشرطة الإسرائيلية. ثم انتشرت البرمجية الخبيثة التي أرسلها الهاكر في مختلف الدوائر الحكومية الإسرائيلية الأخرى. فتوقفت خوادم الشرطة الإسرائيلية. وقُطع الوصول إلى الإنترنت. وحُظر استخدام وحدات التخزين. أما في فيفري 2014 فقد استهدف الإدارة المدنية في يهودا والسامرة، وهي الوكالة حكومية التي تتعامل مع كافة الأمور الإدارية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية .

يشتمل تنظيم الفريق على قيادة من ثلاثة أفراد وأعضاء من غزة وشركاء من الدّول العربية. فينتظمون في شكل مجموعات مقسمة حسب الاختصاص. ويتقاسمون الأدوار عند قرصنة موقع معين كأن يتولى بعضهم قرصنة الإعدادات ويتولى بعض ثان تحميل الرسائل الإلكترونية وهكذا.. ولا يعرف هؤلاء الأعضاء بعضهم البعض. فتواصلهم يتمّ  من خلال استخدام المنتدى وأدوات الاتصال المختلفة على شبكة الإنترنت فقط. ف"يشبه هذا التنظيم للناشطين الإلكترونيين مجموعات وألوية المقاومة الأخرى في خطها الهيكلي التنظيمي والسرية، حتى لا يؤثر بصورة سلبية على بقية المنظمة.  أحد الأمثلة على ذلك هو الجهاد الإسلامي الفلسطيني"، وتعمل المجموعات مع عدة خلايا ضمن تسلسل هرمي. فيعرف شخص من خلية (الوسيط) شخصاً واحداً في خلية أخرى دون بقية أعضائها، حتّى إذا ما تعرضت خلية واحدة للخطر، لن تُمس بقية المنظمة بأكملها بسوء.

ويمارس فريق هاكر غزة النضال البرمجي باستقلال عن الانتماء الحزبي بعد أن دبّ الشّك في قدرة الأحزاب السياسية على المقاومة الفاعلة وبعد أن منحتهم الوسائط الجديدة أرضية خصبة للحركات المستقلة، العفوية بعيدا عن هيمنة المؤسسة السياسية الجامدة. "فكانوا يعيدون صياغة أنفسهم من شبان فلسطينيين عاديين وغير هامين إلى أفراد منخرطين في النضال الوطني بعيدا عن احتكاره من قبل الأحزاب السياسية" أو التحكّم في إيقاعه ومداه.

ـ 5 ـ

يمثّل الجهاد الإلكتروني الفلسطيني حلقةً جديدة تضاف إلى حركة المقاومة الفلسطينية متلائمةً مع ما يفرضه العرض من رقمنة وتطوير. ولئن عُرّف النضال الإلكتروني تعريفات مختلفة فإن ما يعني الباحث منه هو القرصنة ذات الدافع السياسي والاجتماعي بما تمثّل من أسلوب جديد في الاحتجاج. ويقتبس من تعريفاته المعتمدة التي تتوافق وفهمه له ما يلي: "يسعى النضال الإلكتروني إلى ترجمة مبادئ العمل المباشر في العالم الافتراضي. فالاعتصام الذي يحدث في الشوارع ويهدف إلى إفشال اجتماع ما، يمكن أن يقابله حصار للرسائل على الإنترنت والذي يهدف إلى إفشال دعم الكومبيوتر للاجتماع". والأمر نفسه يتعلّق بفكرة "المقاومة". فالمصطلح يشمل وسائل واستراتيجيات مختلفة نوعياً ويصنف فعلها إلى المقاومة المسلحة وغير العنيفة أو المقاومة الفاعلة والمنفعلة. وترتبط سياسيا بالنضال الشرعي، خلافاً لمصطلح "الإرهاب" الذي يعني النشاط العنيف غير الشرعي.

ويؤكد إيريك سكاريه أنه يتحدّث عن مقاومة للاحتلال وينأى عن السرد التطبيعي الذي يعتمد عبارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فالصراع يكون بين "أنداد". ويصدر في اعتماده هذا من قرار مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة رقم 242 الذي يعلن أن احتلال الأراضي الفلسطينية غير قانوني ومن القرار رقم 194 الذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة  ومن موقف محكمة العدل الدولية تعد الجدار العازل والمستوطنات غير شرعية، وتشكل انتهاكاً للقانون الدولي.

ولا يختلف هذا النضال الافتراضي، في فهمه، عن النضال المادي. فهو يهدف إلى إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها بشكل مباشر وإلى لفت نظر المجتمع الدولي إلى أن هناك شعباً فلسطينياً فقد وطنه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الفلسطينية الاحتلال غزة احتلال فلسطين غزة كتاب كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بعد أن

إقرأ أيضاً:

الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب

في حديث لها عن الترجمة، تقول الأكاديمية والمترجمة الكندية ميشيل هارتمان: «الخيط هو هذا الشغف والشدة في السرد الذي أتعلق به كقارئ. هذا ما أحاول إعادة إنتاجه كمترجمة/ وملحنة/ وكاتبة. ورغم أن الكتب مختلفة، والمؤلفين مختلفون للغاية، إلا أنني أعتقد أن هذا هو الخيط المشترك. هناك شيء أجد أنه مقنع بشكل لا يمكن تخيّله، ويجذبني إلى التفكير في كيفية نقله باللغة الإنجليزية»، وتقول: «أعتقد أنه يجب علينا فتح المزيد من محادثات الترجمة عبر اللغات».

وفي كتابها «ماذا تركت الحرب خلفها؟» تقول: «إذا كانت الحروب هي الأسوأ، فماذا يعني للناس عندما تُترك أجزاء منها داخلك وتصبح جزءًا منك؟ وماذا تترك الحرب وراءها داخل هؤلاء الناس؟».

وعن فلسطين تكتب: «إنّ تاريخَنا الكولونياليّ ذاتَه - وهو ليس مسألةً من الماضي بل عمليّةٌ متواصلةٌ أيضًا- يتطلّب منّا أن ندعم نضالَ زملائنا ورفاقنا وإخوتنا وأخواتنا في فلسطين».

قد تشكّل هذه العبارات هوية ميشيل هارتمان، فهي إذ تشتغل على الترجمة كفعل يعرّف الغرب على الإنتاجات الأدبية العربية ويسير على خطى التقارب الثقافي والإنساني، فإنها أيضًا تشتغل على التوثيق الشفوي لتراجيديا الإنسان الواقع تحت الاستعمار، وتقف أيضًا في الأمكنة التي يمكن النضال من خلالها في كل مكان على الأرض خصوصًا في فلسطين.

وميشيل هارتمان هي أستاذة أكاديمية في جامعة ماكجيل بمدينة مونتريال في مقاطعة كيبيك (كندا)، حصلت على الدكتوراة في الأدب العربي من جامعة أكسفورد في لندن، وقد ترجمت أكثر من اثني عشر عملًا في الرواية والقصة القصيرة من العربية للإنجليزية، منها «الرحلة» لرضوى عاشور، «كل النساء بداخلي» و«طابق 99» لجنى الحسن، «التوت البري» و«خمسون غرامًا من الجنة» لإيمان حميدان، «دومًا كوكا كولا» و«علي وأمه الروسية» لألكسندرا شريتح، و«صيف مع العدو» و«سماء قريبة» لشهلا العجيلي.

ومن إصداراتها باللغة الإنجليزية: «ما خلّفته الحرب: قصص النساء عن المقاومة والنضال في لبنان» (2024) و«قصص نساء الحرب: الحرب الأهلية اللبنانية، عمل النساء والفنون الإبداعية» (2022) بالاشتراك مع المؤرخ والأكاديمي مالك أبي صعب، «كسر اللغة الإنجليزية المكسورة: التضامن الأدبي بين السود والعرب وسياسات اللغة» (2020) الذي فاز بجائزة رابطة اللغات الجامعية للمنح الدراسية الإبداعية في عام 2020، و«اللغة الأم، حديث الغريب» (2014).

عن ترجماتها وأعمالها ومواقفها الإنسانية كان لنا معها هذا الحوار.

***************************************************************************************

أنت أستاذة محاضرة في الأدب العربي بجامعة ماكجيل، كيف جئت إلى اللغة العربية؟ وما الذي استهواك للدخول في هذا المجال؟ ومن هم الأدباء العرب الذين تركوا أثرًا فيك، من أدباء التراث العربي، أو المعاصرين؟

بدأ ذلك خلال دراستي في نيويورك للأدب الفرنسي، وكان يُدرّس في الجامعة نفسها اختصاص لغة عربية، فقررت أن أدرسها، وكنا فقط ستة أو سبعة طلاب في الصف، الأساتذة في الجامعة في ذلك الوقت كانوا يشجعوننا على تعلّم العربية، وهذا ما حفّزني لدراستها ثم أحببتها كثيرًا. بعد التخرّج، ذهبت إلى دمشق كمستمعة في جامعة دمشق لعام كامل في قسم الأدب العربي، وهذا ما أغناني كثيرًا حيث كانت المحاضرات من شتى المجالات في الأدب واللغة العربية. بعد ذلك، أكملت تخصصي في الدكتوراة في جامعة أكسفورد بلندن، وكانت أطروحتي عن الأدب النسائي اللبناني المكتوب بالعربية والفرنسية، وتناول هذا الأدب لموضوعات الدين والطائفية والانتماء العرقي، من وجهة نظر النساء.

بالنسبة للأدباء العرب الذين تأثرت بهم، هذا سؤال صعب؛ لأني قرأت كثيرًا، وأحببت فعلًا كل ما قرأت، وخصوصًا تجارب النساء في العالم العربي، لا أستطيع أن أحدّد اسمًا معينًا، لأني كل يوم أحب كتابًا جديدًا ومختلفًا.

***************************************************************************************

كان للترجمة عن الغرب أثرها الكبير على التحوّلات الأدبية والفكرية في عالمنا العربي. كفعل معاكس، نقرأ عن تأثير كتاب «ألف ليلة وليلة» على نشأة القصة والرواية في الغرب، هل تلمسين ذلك؟ وماذا عن أي أثر للأدب العربي المعاصر في الغرب؟

«ألف ليلة وليلة» كتاب أثّر على تاريخ الأدب الإنجليزي والفرنسي. في هذا الكتاب نجد فكرة الشرق وأسس الكتابة، ونلاحظ كيف غيّرت أسس هذا الكتاب بعد ترجمته للفرنسية والإنجليزية الكتابة في الغرب كثيرًا. هذا رأي منتشر في الغرب، والباحثون هنا يتداولون هذه الفكرة بشكل واسع. هذا بخصوص تاريخ الأدب، أما اليوم فقد نجد آثار الأدب العربي المعاصر في الغرب، ولكن أعتقد أن مسألة العلاقة بين الآداب العربية والغربية أصبحت متقدمة وأخذت أبعادًا. قد نعتقد لأول وهلة أن هناك فروقات كبيرة، ولكن الحقيقة أيضًا أن هناك روابط أكثر مما ندرك أنه قد يكون. العلاقة تتوسع تدريجيًا عبر الزمن، والآداب العربية والغربية تؤثر ببعضها البعض. لذلك أعتقد أن هناك فروقات ولكنها ليست منفصلة عن بعضها بل متشابكة.

اليوم نعيش في عالم لم نعد نفرّق ونقول: أدب عربي أو أدب عالمي. لقد أصبحت الآداب كلها كأنها آداب واحدة. شبكة الإنترنت قرّبت العالم من بعضه البعض ونستطيع أن نقرأ كل شيء بكل اللغات. الأمور تختلف عن الماضي، لم تكن الأمور تسير بهذا التقارب. لم يكن بإمكاننا أن نشتري الكتاب العربي بسهولة، لم يكن الإنترنت موجودًا لنطلبه أونلاين، ولم تكن الكتب العربية متوفرة في المكتبات الغربية بسهولة. كان علينا أن نسأل ونفتش كثيرًا ونراسل وقد نوكّل شخصًا يقيم في المكان حيث يمكن أن نجد الكتاب من أجل الحصول عليه. كانت مهمة طويلة وشاقة. اليوم يمكن الحصول على الكتب حتى بصيغة pdf وخلال دقائق نحصل عليها. الناس يقرأون الكتب بكل يسر من حول العالم. يمكن أن نرى آثار الآداب الأخرى في أكثر من منتج أدبي بلغة أخرى. الكتّاب أنفسهم يتحدثون على نطاق واسع عن مدى تأثير كتب معينة من لغات أخرى منها العربية على كتاباتهم، وهم على وعي ودراية بما يُنتج عالميًا.

***************************************************************************************

قمت بترجمة العديد من الروايات العربية للإنجليزية، كيف تجدين تلقي الأعمال العربية المترجمة في المجتمعات والدول الناطقة بالإنجليزية؟

يوجد اهتمام بالآداب العربية أفضل من قبل. بدأتُ أعمل في الترجمة عام 2000، وبعد هذه الـ25 سنة أستطيع أن أقول: إن الأمور تغيرت وصار هناك اهتمام أكبر بالإنتاجات الأدبية العربية. حركة الترجمة للإنجليزية من العربية في تزايد. ولكن هل هذه الترجمة كافية؟ ربما لا. بشكل عام، الترجمة من لغات العالم للإنجليزية قليلة، أقل من النقل للفرنسية أو الإسبانية، وخصوصًا من العالم العربي أو الشرق آسيوي. إذًا، لا يوجد حركة ترجمة واسعة، ولكنها أفضل من الماضي. ونرى أيضًا أن هناك تقديرًا للكتب العربية من خلال الجوائز الأدبية التي تُمنح. فدائمًا هناك كتب عربية مترجمة حاضرة في القوائم القصيرة للجوائز في الغرب. مؤخرًا، اختارت جائزة بوكر الدولية في لندن رواية «سفر الاختفاء» لابتسام عازم ضمن اللائحة الطويلة، وكذلك فازت جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر في لندن عام 2019 عن روايتها «سيدات القمر».

منذ أن فاز نجيب محفوظ في العام 1988 بجائزة نوبل، من النادر أن يفوز كاتب عربي بجائزة غربية، ولكن اليوم الوضع مختلف، الأدباء العرب باتوا معروفين في الغرب، ويتم الاعتراف بهم على نطاق واسع.

***************************************************************************************

هل برأيك تستطيع الترجمة أن تقدّم شيئًا في طريق حوار الثقافات؟

هذا سؤال كبير. نحن المشتغلين بالأدب يجب أن نؤمن ونثق بقدرة الأدب على إحداث تغيير. ولكن كم وكيف، لا أستطيع أن أقول. تتم ترجمة عدد من الروايات، ولكن فجأة إيلون ماسك وترامب يفجران كل شيء، إذًا الأمور لا تسير كما نريد. التغيير يسير بشكل بطيء جدًا. إنها عملية بطيئة للغاية، إنها عملية تعليم، لذا فهي جزء صغير من التعليم الأكبر الذي يتعيّن علينا القيام به، والعمل على إيجاد تشارك وتقارب بين اللغات والثقافات. الأدب هو المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب بين الشعوب. الأدب هو سياسة ولكنه سياسة مختلفة، إنه يُظهر عالمًا مختلفًا، عالمًا إنسانيًا، بطريقة قد لا نراها إذا كنا نعيش في إنجلترا أو فرنسا، فنحن لا نرى هذا العالم، وعلينا أن نبحث عنه. لذا كلما تمكنا من دفع الأشخاص الحقيقيين المبدعين والأدب والشعر والفنون والتصوير الفوتوغرافي والأفلام ليكونوا سويًا، كلما استطاع العالم أن يُدرك ذلك، ونحن نلاحظ أن التقارب يسير ببطء.

***************************************************************************************

هل هناك حركة ترجمة نشطة في كندا على غرار فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا؟ وهل ترين أن هناك كتبًا يجب أن تترجم وأن تقوم بمهمتها جهة رسمية، بمعنى أن هناك تقصيرًا ما؟

كندا ليست كبيرة من ناحية الأدب في السوق العالمي. عندما نفكر في ترجمة الآداب، وفي عملية البيع، لن تكون كندا في المشهد، فالنشر هنا قليل. من يريد أن يُترجم من العربية للإنجليزية ويريد توزيع أعماله، قد يكون الأمر صعبًا مع دور النشر الكندية الصغيرة. أنا مثلًا أنشر في أمريكا في Syracuse University Press، صحيح أنها دار نشر صغيرة، وهي مملوكة من فلسطيني، ولكن لديها توزيع على نطاق واسع في كندا وفي أمريكا. هذا لا يعني أن هناك استحالة للنشر هنا، ولكن أقصد أن عملية التوزيع من قبل دور النشر في أمريكا أوسع بكثير من كندا. يوجد هنا مترجمون في كندا، من أصول عربية، ولكن السوق هنا أقل من بريطانيا وأمريكا.

***************************************************************************************

كيف تجدين تدريس اللغة العربية في الجامعات الكندية والأمريكية اليوم، هل هناك حضور جيد في هذا المجال، من قبل غير العرب؟

نعم يوجد إقبال على دراسة الأدب العربي، من قبل طلاب من أصول عربية ولكنهم لا يعرفون العربية ويرغبون بإتقانها وتعلم التراث العربي، وكذلك من طلاب مسلمين غير عرب. وكذلك هناك طلاب من أصول غير عربية وهم من مختلف الإثنيات الموجودة في كندا وأمريكا، ولديهم أسباب كثيرة سياسية وثقافية لتعلّم العربية. ربما السياسة الموجهة ضد المسلمين في مكان ما تكون دافعًا لبعض الطلاب لدراسة العربية. وكذلك الأحداث في فلسطين، كانت دافعًا للكثيرين للتوجه لتعلّم العربية. نحن نشعر بأنهم يريدون أن يتعلموا ويفهموا أكثر ماذا يحصل، وهؤلاء الطلاب كان لديهم دافع قوي لوقف حرب الإبادة على غزة. إنه أمر مؤثر للغاية أن نرى هذا العدد من الطلاب متصلين بفلسطين ويرغبون بتعلم ولو قليل من اللغة العربية من أجلها. أنا أعلّم هنا وأراهم، وأرى هذا التغيير نحو اللغة العربية حتى في صفوف التعليم العالي في المدارس.

***************************************************************************************

هل تعتقدين أن الإسلاموفوبيا تؤثر في مكان ما على رغبة غير العرب بدراستها؟

في أمريكا وكندا، تشكل الإسلاموفوبيا قلقًا كبيرًا في المجتمع، هي مشكلة كبيرة نواجهها، وهي وجه آخر للعنصرية الموجودة في مجتمعنا. العنصرية متأسسة في مجتمعنا. إنها مبنية على ثقافة الاستعمار الاستيطاني في كندا، بدأت ضد السكان الأصليين ثم امتدت هذه الفكرة إلى أناس آخرين، السود والآن نحو المسلمين. كان المسلمون موجودين من قبل وكانت الأمور تسير بشكل طبيعي، ولكن العنصرية ضد المسلمين أصبحت مؤخرًا أكثر بروزًا وصخبًا. كما نعلم، عمل الحكومات، القوانين، وكراهية الإسلام تتم بشكل منهجي. إنها في كل مكان في سياستنا في كندا بشكل عام، ولكن بشكل خاص في كيبيك، نرى كراهية الإسلام بطرق مختلفة في السياسة. لذلك نرى العديد من الشباب، العرب والمسلمين وغيرهم، يريدون محاربة ذلك لأنهم يعرفون أن العنصرية خطأ كبير. وكان لهذا تأثير على الإقبال المتزايد على تعلّم العربية. ولكن في الوقت نفسه، لدينا الجامعات التي خفّضت برامج تعلّم الآداب العربية وخفضت المنح المالية لدراسة اللغة العربية. لذا يوجد جانبان. ومن المؤكد أن تعليم وتعلّم اللغة العربية يواجه صراعًا في الجامعات الكندية.

***************************************************************************************

أصدرتِ عددًا من الكتب مع الباحث والأكاديمي في جامعة ماكجيل مالك أبي صعب عن تجارب لبنانيات في الحرب الأهلية وكذلك تجارب أسيرات لبنانيات مع الاحتلال الإسرائيلي، حدّثينا عن هذا المشروع وتجربتك مع نساء الحرب في لبنان.

أنا ومالك بدأنا بهذا المشروع الكبير بين عامي 2015 و2016 وكان الهدف أن نكتب التاريخ الشفوي عن تجارب النساء في الحرب الأهلية في لبنان، وكانت هذه الفكرة موجودة لديه كونه مؤرخًا. تناقشنا كثيرًا، وذهبنا إلى لبنان وأجرينا مقابلات مع أكثر من 50 امرأة عن تجارب في الحرب، وكانت المقابلات مفتوحة، ومن هذه المقابلات وضعنا هذه الكتب. كان علينا أن نختار من بين عشرات المقابلات المذهلة، وفي النهاية اخترنا عددًا من القصص لنساء تحدثن عن تجاربهن في المقاومة. كن ببساطة يعشن في بلد فيه احتلال، هذه النسوة لديهن خلفيات دينية وثقافية مختلفة عن بعضها البعض، ويعشن في أماكن مختلفة، بعضهن كن سجينات، وبعضهن ناشطات. تحدثن عن أنشطتهن والاجتياح الإسرائيلي عام 1982 كما تحدثن عن عائلاتهن. خلال إجراء هذه المقابلات، تأثرنا بقصة المناضلة نوال بيضون وكانت قد كتبت مذكراتها، لذلك خصصنا لمذكراتها كتابًا منفصلًا. هي تجارب مذهلة وقد كان مشروعًا كبيرًا ورائعًا واستمر على مدى عشر سنوات. لا يزال هناك الكثير من الحكايات التي لم نكتبها وتلك التي لم تُقل، لدى الناس الكثير ليقولونه هناك. تعلمت الكثير من خلال تجارب هذه النساء، تأثرت كثيرًا وصرتُ أقرب.

***************************************************************************************

إذًا كان لعملك على هذه الكتب أثر شخصي عليك، من حيث احتكاكك بمعاناة الناس تحت الاحتلال الإسرائيلي؟

نعم كثيرًا.. في حياتي وفي عملي كنت دائمًا متضامنة مع المقاومة الفلسطينية منذ سنوات طويلة. ولكن مع كل تجربة نعيشها وكل شخص نلتقي به سنتعلم أشياء جديدة ومختلفة. بالطبع، العمل مع هذه الفئة من الناس، وفهم ما عاشوه، يساعدنا على فهم الواقع أكثر ومعاناة الناس هناك.

يمكن أن أشير إلى فكرتين في رأسي، الأولى هي كيف كانت تقول كل امرأة تحدثنا معها: إنها مجرد شخص عادي، تقول: «أنا فقط أنا»، وأنه عندما يحدث أمر ما معك، ليس لديك خيار، فقط عليك أن تتصرّف. وأنا أفهم حقًا هذا الشعور عندما نسمع قصصهم، نشعر أن هؤلاء الأشخاص ليسوا أشخاصًا عاديين، إنهم أشخاص مذهلون، وفي الوقت نفسه هؤلاء الأشخاص المذهلون هم مجرد أشخاص عاديين، يستيقظون صباحًا، يأخذون أطفالهم إلى المدرسة، يأكلون وينامون.. الفكرة مفادها أن الأشخاص العاديين يمكن أن يكونوا مذهلين.

والفكرة الثانية هي أهمية أن نتذكر أنه يمكننا دائمًا أن نقاوم. يمكننا دائمًا الرد. عندما نسمع هذه القصص التي عاشتها هذه النساء، يمكن أن تتخيل كيف تعيش امرأة في السجن لسنوات عديدة مع التعذيب، بدون طعام، مع وجود أشخاص حولها يستجوبونها طوال الوقت بأوضاع رهيبة، ومع سجّانين. كيف يمكنها الاستمرار في المقاومة، قصة بعد قصة بعد قصة... هذا أمر ملهم للغاية، نحن جميعًا نعمل حيث نحن، أنا معلمة، وقد أشعر بالإحباط، من أشخاص في حياتي، في عملي، مسؤولياتي مع الطلاب، والأمر ليس سهلاً ولكن من المهم أن نتذكر أنه أينما كنا، هناك أشخاص آخرون يقاتلون ويقاومون، وهذه الفكرة هي ما أشعر به بعد هذا المشروع. وأشعر أنني أقوى بكثير، وأننا يجب ألا نستسلم. هناك دائمًا ذلك الشيء الذي يجب أن نقاومه باستمرار.

***************************************************************************************

إلى أي مدى تعدّ هذه الكتب إحدى طرق وعي المجتمعات الغربية بالقضية الفلسطينية؟

آمل أن تتحقق هذه الفكرة. مرة أخرى، هي عملية بطيئة. الأمر ليس وكأننا نترجمها، وغدًا عندما يقرأها الجميع يخطر ببالهم شيء ما. لكنني أرى تحقق ذلك الوعي عندما نُحضر هذه الكتب للطلاب ونتناقش بها في الفصل الدراسي. غدًا لدينا أنا ومالك أبي صعب ندوة حول كتابنا الأخير عن نساء الحرب مع مجموعة طلابية في كلية الحقوق، وسيجرون مناقشة حول الكتاب. سيكون هناك بعض الأشخاص الذين يشاركون بالفعل، وسيكون هناك بالتأكيد آخرون سيأتون فقط للاستماع. ولكن يمكننا أن نرى التغيير عندما نتحدث إليهم، شيء مثل ضوء المصباح الكهربائي، تلك اللحظة التي نراهم يدركون كيف تجري الأمور في الواقع. يمكنني تقدير ذلك.

بالنسبة لي، علينا أن نستمر في التفكير في طرق للتعريف بالقضية الفلسطينية. لذا فإن أحد الأشياء التي يمكنني القيام بها، لأنني أعرف العربية والإنجليزية، هو أنني أستطيع الترجمة، لذلك أحاول بذل بعض الجهود. وأتحدث مع الكثير من الأشخاص، نحتاج إلى أن يعرف الناس أن فلسطين موجودة. هناك الكثير من الناس الذين لا يعرفون عن القضية الفلسطينية شيئًا. هناك كتب أخرى أيضًا باللغة العربية وباللغة الإنكليزية وباللغة الفرنسية عن فلسطين ونحتاج إلى نشر مضمونها بين الطلاب على نطاق أوسع.

***************************************************************************************

أنت ناشطة ومناضلة متواجدة بشكل دائم في التظاهرات لدعم غزة، كونك كندية، كيف تعرّفت على القضية الفلسطينية، وصولًا إلى انخراطك في الوقوف إلى جانبها؟

لقد حدث ذلك عندما كنت في مثل سن هؤلاء الطلاب، وعيي للنضال الإنساني، والنضال من أجل العدالة؛ لقد نشأت طوال حياتي منذ أن كنت طفلة على الإيمان بالعدالة الاجتماعية والعدالة العرقية، وكانت هذه الأفكار قوية جدًا في طفولتي. نشأت على هذا النحو. ومع تقدّمي في السن وتعلّمي عن هذه القضية، أصبحت من القضايا التي أدركت أنني يجب أن أشارك فيها أيضًا، وبسبب أيضًا ما بدأته، أي دراسة اللغة العربية. لذا بالطبع إنها واحدة من القضايا الرئيسية في حياتي، وبالتالي فإن كل شيء يتداخل مع بعضه البعض. وأعتقد أن السبب وراء ذلك هو أن هناك الكثير من القمع ضد الأشخاص الذين يدعمون فلسطين هنا. ومنذ أن كنت شابة وحتى الآن، لا يزال هذا القمع موجودًا. يمكنك هنا دعم قضايا أخرى من أجل العدالة، وربما يتجاهلونك ولا يقمعونك بهذه القوة. ولكن يصير القمع قويًا مع قضية فلسطين التي تعد نضالًا واضحًا من أجل العدالة، ونضالًا واضحًا من أجل التحرير. أنا حين أقف مع فلسطين أشعر بثقل هذا القمع، لذا، من الصعب أحيانًا النضال من أجلها في هذه البلاد.

***************************************************************************************

الجامعات في كندا متورطة بطريقة أو بأخرى مع شركات الأسلحة الإسرائيلية، ويتم الضغط على الطلاب المناهضين للاحتلال الإسرائيلي بطرق شتى، ماذا عنكم كأساتذة وأكاديميين، هل هناك ضغط عليكم في هذه القضية مع وجود تهديدات بإقصاء المتعاطفين مع غزة؟

أعتقد أننا نشعر بالضغط بدرجة أقل من الطلاب بسبب الطريقة التي نكافح بها. فالطلاب والشباب في مقدمة النضال في المظاهرات بالشوارع. في المظاهرات، كأساتذة لسنا في المقدمة، نحن موجودون معهم ولكننا ندعم بطريقة مختلفة. أعتقد أن الطرق التي نؤدي بها عملنا كأساتذة، تجعلنا نواجه أنواعًا مختلفة من القمع، ولكن ربما لا يكون ذلك بشكل مباشر. لدينا حرية أكاديمية، نستطيع أن ندرّس ما نرغب بتدريسه، ولكن الأمر يصبح أكثر صعوبة يومًا بعد آخر. هناك العديد من الزملاء تم استدعاؤهم إلى مكتب العميد لشرح أسباب أقوالهم، أو تصريحاتهم بأن قمع الطلاب المتضامنين مع فلسطين ليس ممارسة طبيعية في الجامعة. هناك دفع صهيوني قوي لمحاولة إغلاق الحديث عن فلسطين في الحرم الجامعي. ولهذا السبب يواجه الأساتذة ذلك. أعتقد أيضًا أن ما يثير القلق الشديد في أجواء الجامعة هو وجود ضغط صامت.

هناك ضغط علينا من الأساتذة الذين يتعاطفون مع إسرائيل ويطالبوننا بعدم التحدث بصوت عالٍ عن غزة. الناس في كندا بشكل خاص يحبون أن يكونوا مهذبين مع الآخرين، ولا يحبون أن يشعر الآخرون بالسوء. لذا إذا قلت شيئًا يجعل زميلًا ما يشعر بالسوء، فهذا غير مقبول اجتماعيًا. هنا، لا توجد ثقافة من نوع المناقشة الفكرية حول القضايا الحساسة. قد يكون من الصعب مناقشة القضايا الحساسة. لذا هناك ضغط صامت أحيانًا لعدم القيام بذلك. وبالطبع، نرى أيضًا إغلاق بعض البرامج. نرى تقدمًا صغيرًا في الوعي بالموضوع الفلسطيني ونرى أنه يتم انتزاعه. نرى ذلك ربما أكثر في الولايات المتحدة وخاصة الآن مع وصول ترامب لسدة الرئاسة. ولكن هذا يتسلل إلى كندا.

في الوقت الحالي، القمع الأكبر هو ضد الطلاب الذين يعتصمون من أجل فك الارتباط مع شركات الأسلحة. ولهذا السبب أنا أرتدي دائمًا الكوفية الفلسطينية ومكتبي مليء بالرموز الفلسطينية، لأنه يجب أن نكون مرئيين ونُظهر هذه القضية، أنا وأساتذة آخرون هنا، وكي نشجع الطلاب ولا يشعروا بالخوف.

لا أعتقد أن الأمور تصل لإيقاف الأساتذة الجماعيين عن التدريس، هناك بعض الحالات مع معلمين في المدارس الذين لم يُسمح لهم بقول أشياء من هذا القبيل في المدارس، ولكن هناك حرية أكاديمية أكثر في الجامعات. في الجامعات عادةً يكون الضغط أكثر هدوءًا. إنهم يضغطون عليك بطرق أخرى. إنهم لا يقولون لك: إنه لا يمكنك القيام بذلك بطريقة مباشرة. إنهم يجعلون القيام بذلك أكثر صعوبة. يأتي زملاؤك إليك ويقولون لك: لماذا لا تتغير، وتقوم بنضالك لأمور أخرى؟ إنهم يفعلون ذلك بطرق أكثر دقة.

كانت هناك بالطبع حالات معروفة جدًا، كان هذا قبل حوالي خمس سنوات، حيث حاولوا توظيف أستاذة في كلية الحقوق في تورونتو وكانت مناصرة صريحة لحقوق الفلسطينيين، وسحبوا منها عرض العمل. لكنها ورفاقها قاتلوا بشدة واستعادت عرضها. لذا، فإن الجامعات هي مواقع لصراع حول هذه القضية بالتأكيد. لذا، ليس من السهل دفع هذه القضايا إلى الأمام. والأساتذة في كندا الذين يعلّمون عن القضية الفلسطينية عددهم قليل.

***************************************************************************************

في مقال لك في مجلة الآداب بتاريخ 4-5-2016 بعنوان «لماذا لا يزال النضال من أجل فلسطين أمرًا مهمًا؟ ولماذا ندعم مقاطعة إسرائيل» تقولين: «المقاطعة تتجاوز المسألةَ الرمزيّة. فهي أيضًا أداةٌ قويّة ونافذة بَثّتْ الخوف في الدوائر الغربيّة»، كيف تلمسين دور هذه الحركة في كندا على صعيد المقاطعة الثقافية؟ وهل هي مجدية على الصعيد الاقتصادي؟

المقاطعة أحد الأدوات التي لدينا، وليس لدينا الكثير من الأدوات، فنحن لسنا على الأرض ولسنا المقاومة. ماذا يمكننا أن نفعل للضغط؟ لدى كندا روابط اقتصادية وروابط ثقافية مع إسرائيل، كما هو الحال مع الولايات المتحدة، وهذه الروابط الاقتصادية والثقافية والأكاديمية عميقة للغاية. لذا أشعر بأن محاولة المضي قدمًا لكسر هذه الروابط هي إحدى أدواتنا المهمة التي يمكننا أن نمتلكها. ومرة أخرى، هي عملية بطيئة.

نحن نفعل ذلك منذ فترة طويلة، والمقاطعة قوية وتنجح. إنها مسألة رمزية، ولكن هذه الرمزية لا تنتهي عند هذا الحدّ، نريد استخدام هذا الرمز ونحتاج للتفكير في كيفية جعل هذا الرمز يؤثر فعليًا.

نحن نفهم أن الناس يفهمون المقاطعة الاقتصادية بأن لا نشتري من بضائعهم، وبالتالي يعاني اقتصادهم. ولكن هناك أيضًا المقاطعة الثقافية والمقاطعة الأكاديمية، وهي مهمة جدًا لأنها رمزية، ولكنها أيضًا على الأمد البعيد، ستضغط على الولايات المتحدة أو إسرائيل لتسقط. وهذا هو اتّباع نموذج جنوب أفريقيا، حيث بمرور الوقت وببطء تحقق ما يريدونه، في الوقت الذي لم يكن يرغب أحد بالقيام بأي نشاط مع حكومة الفصل العنصري البيضاء في جنوب إفريقيا. كان من المخزي المشاركة في مؤتمر أو الذهاب إلى جامعة أو عزف حفلة موسيقية أو ممارسة الرياضة مع البيض في جنوب إفريقيا في ظل الفصل العنصري. هذا النموذج هو ما نحاول وضعه موضع التنفيذ اليوم أيضًا، حتى يخجل الناس من الذهاب إلى مؤتمر في تل أبيب، وللضغط بقوة لتغيير الواقع على الأرض. هذه هي فكرة ما نحاول تحقيقه من خلال المقاطعة.

***************************************************************************************

في مقال آخر لك تتحدثين عن «أمّهات الموهوك» اللواتي كنّ يصارعن للعثور على رفات أولادهن الذين ماتوا في أراضيهن المسلوبة، وعن تضامنهنّ مع الشعب الفلسطيني، ما هو دور هذا التضامن الجماعي بين المجتمعات المختلفة في كندا بالوقوف بوجه الأجندات الحزبية التي لا تزال بمعظمها تقصي في لوائحها الانتخابية كل من يعتبر إسرائيل دولة احتلال؟

من المهم حقًا إقامة هذه الروابط، لأن النضال هو نفسه. إنه نضال من أجل الأرض، إنه نضال من أجل الحقوق، إنه نضال من أجل الكرامة والعدالة. لذا إذا كنا سنمضي قدمًا، فسيكون الأمر في اتجاهين. إذا كنا سندعم فلسطين وفكرة حقوق الشعب الفلسطيني، وسنفعل ذلك هنا، يتعين علينا أن نفكر في أنفسنا كمشاركين بالقيام بنفس الدعم لمواجهة سلب السكان الأصليين أرضهم.

عندما نتحدث عن دعم هنا في مونتريال، يتعين علينا أن نفكر في حقيقة أننا نعيش على تلك الأرض المسروقة. أن نفهم ما هي الصراعات التي يقاتل من أجلها الشعوب الأصلية؟ وأن نتحد جميعًا ونحاول أن نفهم ما يقاتلون من أجله حتى نتمكن من مشاركة هذا النضال.

من المهم جدًا بالنسبة لنا أن نشارك في هذا النضال. ولأنه بخلاف ذلك، أن نهتم بحقوق بعض الناس، لكننا لا نهتم بحقوق الجميع، يعد عملًا منافقًا. وأعتقد أن الناس يساء فهمهم في هذه الحالة. نسمع الشعوب الأصلية يقولون: «علينا أن نغادر، إلى أين نذهب؟». الأمر لا يتعلق بالمغادرة أو البقاء، إنه يتعلق حقيقة بحقوق الناس في أراضيهم الأصلية في كل مكان على الأرض.

إن أحد الصراعات هنا هي القبور والجثث الموجودة تحت هذه الجامعة ويمكنك رؤيتها من النافذة هنا في مكتبي. المكان الذي تقع فيه المقبرة قامت الجامعة بحفر الأراضي فيه لبناء مشروع، وحاولت أمهات الموهوك إيقافه.

هناك صراعات مهمة أخرى تكافح من أجلها المجتمعات الأصلية المحلية، مثل إلقاء القمامة على أراضيها. وهناك العديد من الصراعات المختلفة. لذا، فنحن بحاجة ماسة، مرة أخرى، رمزيًا، وأيضًا ماديًا، وأيضًا من الناحية العملية، إلى إيجاد طرق لربط نضالاتنا. هذا هو النضال المحلي والتفكير في كيفية ربطه بالنضال من أجل فلسطين الحرة، فهذان الأمران يسيران معًا.

مقالات مشابهة

  • قائد منطقة القدس في الشرطة الإسرائيلية: حرائق اليوم هي الأكبر في تاريخ إسرائيل
  • مندوب فلسطين لدى مجلس الأمن: ندعو كل الدول لـ دعم الحكومة الفلسطينية وخطة إعمار غزة
  • بلجيكا: ليس لـ “إسرائيل” حق السيادة على الأراضي الفلسطينية
  • الأوقاف الفلسطينية: رفع الأعلام الإسرائيلية على الحرم الابراهيمي اعتداء خطير وانتهاك صارخ
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • ممثل فلسطين في المحكمة يؤكد استخدام الاحتلال للتجويع كسلاح حرب.. و«الجهاد» تطالب بوقف إبادة غزة فورًا
  • بين فشل أمريكا المُدوِّي وصمود اليمن.. قصة الضمير العربي الوحيد المدافع عن فلسطين
  • الأمم المتحدة: لا يمكن لـ إسرائيل ممارسة السيادة على الأراضي الفلسطينية
  • من لاهاي إلى فلسطين.. تاريخ طويل بين محكمة العدل الدولية والقضية الفلسطينية
  • عاجل | القناة 12 الإسرائيلية: شركة فيرجين أتلانتيك البريطانية لن تعود للعمل في إسرائيل وتغلق خطها الجوي إلى تل أبيب