توسيع دائرة الصراع الإقليمي.. من يخدم؟!
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
مُنذ 7 من أكتوبر 2023م، تصاعدت الكثير من الأصوات –في إسرائيل وداخل المجتمعات الغربية المؤيدة للسياسات الإسرائيلية– التي تدعو علناً لحرب مفتوحة على قطاع غزة بدعوى الانتقام من الذين عبَروا حدود غزة للداخل الإسرائيلي، وثأراً للذين سقطوا وأُسروا من الإسرائيليين في أحداث ذلك اليوم. وتماشياً مع تلك الدعوات المتطرفة وغير المبررة في كثافتها وطريقة تسويقها، استخدمت إسرائيل، وبدعم ومساندة وتأييد كامل من مؤيديها في المجتمعات الغربية، قدراتها العسكرية والتسليحية لممارسة التدمير الشامل والممنهج لقطاع غزة بشكل يمكن توصيفه بالإبادة الجماعية لساكني القطاع، والتشريد المقصود للسكان، والتجويع الممنهج لكل من يسكن القطاع، وممارسة الهدم والتخريب والتدمير لكامل البنية التحتية والخدمية والصحية بشكل يجعل من القطاع أرضاً ومنطقة وإقليماً غير صالح للسكن والمعيشة على المدى القريب.
إن الإجابة عن هذا التساؤل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد العاطفية لجهة الخسارة البشرية التي تعرض للجانبين بحكم أن كل طرف مطالب بالانتقام وأخذ الثأر لمن سقط من أبنائه بسلاح الطرف الآخر، وكذلك يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية سواءً لجهة الدول الداعمة والمؤيدة لإسرائيل أو لجهة الأنظمة السياسية الداعمة والممولة للأحزاب والجماعات العاملة لحساب مموليها ومؤيديها وموظفيها. فإذا أخذنا الأبعاد العاطفية، فإننا نجد شيئاً من المبرر لدعوات الانتقام والثأر من أي طرف كان لأنها تحاكي وتتماشى مع العاطفة الإنسانية ورغبات الدول والأنظمة في تعزيز تماسكها الاجتماعي الداخلي والمحافظة على استقرارها السياسي. أما إن أخذنا الأبعاد السياسية، فإننا لا نجد مكاناً لمثل هذه التبريرات أياً كان مستواها وطريقة عرضها وتسويقها لأنها تتنافى تماماً مع قيم ومبادئ القانون الدولي، وتتصادم تماماً مع صوت العقل والحكمة الهادف للمحافظة على الأمن والسلم والاستقرار، وتتجاوز الأعراف والتقاليد التي اعتادت عليها الدول في حل نزاعاتها بالطرق الدبلوماسية والحوار والمفاوضات، حتى إن فشلت يمكن اللجوء للتصعيد في حدود العقل والمنطق وبما يساهم في حل المسألة الدولية ولا يعقدها ويؤجل حلها. فإذا وضعنا هذه النظرة المجردة للبعدين وأنزلناها على ما هو قائم وممارس في المنطقة، نجد أننا أمام حالة انتصرت فيها العاطفة على العقل، والشعارات على الحكمة، والمصالح الذاتية والفئوية والهدامة على المصالح العامة والبناءة والعليا للإنسان والمجتمعات والدول. نعم، إننا عندما نسترجع المواقف السياسية الإسرائيلية والغربية التي أعقبت أحداث 7 من أكتوبر 2023م، نجد أنها تصريحات سياسية متطرفة في لغتها باعتبارها حرباً دينية أو عرقية، وغير أخلاقية في أهدافها حيث وصف الإنسان بما لا يليق بكرامته، ومنحرفة في غاياتها حيث دعوات الإبادة الجماعية وتصريحات استخدام الأسلحة المحرمة دولياً يتم التباهي بها ويفتخر بمن صرح بها من مسؤولي إسرائيل. وتبعاً لهذه المواقف العاطفية والسياسية المتطرفة والمنحرفة وغير الأخلاقية من قبل إسرائيل ومن يقف معها من المجتمعات الغربية، تعرض قطاع غزة وسكانه الأبرياء لما تعرض له من تدمير وتخريب شامل وممنهج. وأمام تصاعد واستمرار هذه الحالة التدميرية الشاملة التي تمارسها إسرائيل، وجدت الأنظمة المتطرفة، والساعية لتدمير المنطقة العربية، فرصتها لتنفيذ مخططاتها التخريبية بالإيعاز والطلب من وكلائها وعملائها، من جماعات وأحزاب خارجة عن سلطة الدولة، بالتصعيد المسلح تجاه إسرائيل بدعوى نصرة قطاع غزة والقضية الفلسطينية. وأمام هذه الحالة من التصعيد المسلح الذي تقوم به إسرائيل والمجتمعات الغربية، والتصعيد المضاد الذي تقوم به جماعات وأحزاب مرتزقة وعميلة للأنظمة المتطرفة في المنطقة، توسعت دائرة الصراع حتى وصلت جنوب منطقة البحر الأحمر لتتعرض حركة الملاحة البحرية الدولية للتعطيل والمخاطر الأمنية.
نعم، لقد أثمرت حالة التصعيد والتصعيد المضاد توسيعاً لدائرة الصراع لمنطقة بعيدة عن منطقة الصراع الحقيقية في الأراضي الفلسطينية، في حالة يعتقد أنها حالة طبيعية إلا أنها في حقيقتها غير ذلك. وبعيداً عن التفصيل في حقيقتها، إلا أن توسيع دائرة الصراع هذه لم يتوقف عند هذا الحد المتمثل باستهداف حركة الملاحة البحرية لكل ما يتعلق بإسرائيل ومن يدعمها ويساند سياساتها، بل إنه تم تأكيد تمدد هذا الصراع وتوسيع دائرته من خلال الولايات المتحدة التي أعلنت عن إنشاء تحالف دولي هدفه مواجهة التحديات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وذلك بحسب الخبر الذي نشره موقع CNN في 19 ديسمبر 2023م، الذي جاء فيه الآتي: “أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن مبادرة دولية بقيادة الولايات المتحدة تركز على التحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن في أعقاب الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على حركة المرور البحرية التجارية في المنطقة. وقال: “أعلن عن إطلاق عملية حارس الازدهار وهي مبادرة أمنية جديدة مهمة متعددة الجنسيات تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها، والتي تركز على الأمن في البحر الأحمر”. وأضاف أن “الدول يجب أن تتحد معاً لمواجهة التحدي الذي تمثله الجهة غير الحكومية التي تطلق الصواريخ الباليستية والمسيرات على السفن التجارية للعديد من الدول التي تعبر المياه الدولية بشكل قانوني”. وإذا كانت السياسات السلبية تسببت بتوسيع دائرة الصراع حتى وصلت جنوب البحر الأحمر، فإنها كذلك تواصل تسببها بتوسيع دائرة الصراع في مناطق أخرى ومن ذلك فقدان الولايات المتحدة لعدد من جنودها في المنطقة وقيامها بالرد على مواقع جماعات وميليشيات وأحزاب خارجة عن القانون في بعض الدول العربية غير المستقرة.
وفي الختام من الأهمية القول إن توسيع دائرة الصراع الإقليمي يخدم بشكل مباشر دعاة التطرف والإرهاب، ورافضي السلام والاستقرار الإقليمي، والمعطلين للتنمية والتطور والازدهار، والساعين للهدم والتدمير والتخريب للمجتمعات الآمنة والمستقرة، والهادفين لتنفيذ مخططاتهم التوسعية على حساب المجتمعات والمصالح العربية. نعم، إن استمرار حالة التصعيد والتصعيد المضاد لن يستفيد منها إلا من يمارس هذه السياسات المتطرفة، فهل تجهل ذلك الولايات المتحدة عندما تدعم وتساند وتؤيد سياسات إسرائيل المتطرفة؟!
د. ابراهيم النحاس – جريدة الرياض
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المجتمعات الغربیة الولایات المتحدة دائرة الصراع البحر الأحمر فی المنطقة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
أحزاب: قمة مصر وقبرص واليونان نموذجا للتكامل الإقليمي وتعزز الشراكة الاستراتيجية
اكدت أحزاب مصرية أن استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، وعقد قمة المنتدى الاقتصادي المصري اليوناني القبرصي، يعكس أهمية الشراكة الاستراتيجية التي تربط بين الدول الثلاث، ويؤكد على مكانة مصر المحورية كجسر للتواصل والتعاون بين إفريقيا وأوروبا.
وقال الربان وليد جودة، أمين مساعد حزب المؤتمر بالقاهرة الكبرى، إن القمة المصرية اليونانية القبرصية، تمثل محطة هامة في تعزيز العلاقات الثنائية بين الدول الثلاث، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري في مختلف المجالات.
وأوضح جودة، في بيان له، أن هذه القمة تجسد الدور الريادي الذي تلعبه مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في منطقة شرق المتوسط، من خلال تعزيز الشراكات الاستراتيجية التي تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
وشدد أمين مساعد حزب المؤتمر، على أهمية التعاون بين الدول الثلاث في مجالات الطاقة، خصوصاً الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، باعتبارها مجالات حيوية تفتح الباب أمام تعزيز النمو الاقتصادي المشترك وتحقيق الفائدة المتبادلة.
وأشار أمين مساعد حزب المؤتمر، إلى أن تطرق القمة المصرية اليونانية القبرصية للأوضاع في سوريا وغزة، وهو ما يعكس الدور المحوري الذي تلعبه مصر في القضايا الإقليمية الحساسة.
وأعرب أمين مساعد حزب المؤتمر، دعمه الكامل للجهود المصرية في دعم استقرار سوريا وتحقيق السلام في غزة، مؤكداً أن الحلول السياسية والدبلوماسية هي الطريق الأمثل لإنهاء النزاعات وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
واختتم أمين مساعد حزب المؤتمر بيانه، بالتأكيد على أن مصر مستمرة في دورها القيادي على الساحة الدولية، مشيداً بالجهود الدبلوماسية التي تقودها القيادة السياسية لتعزيز علاقات مصر الخارجية بما يخدم مصالحها الوطنية ويعزز من مكانتها الإقليمية والدولية
وأكد المستشار حسين أبو العطا، رئيس حزب ”المصريين“ إن القمة الثلاثية ركزت على أهمية تفعيل أطر التعاون الاقتصادي بين مصر واليونان وقبرص، وتطوير مجالات جديدة لتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، وهو ما يعكس اهتمام القيادة السياسية في مصر بتعميق العلاقات الثنائية والثلاثية مع شركائها الإقليميين، موضحًا أن المنتدى الاقتصادي المصري اليوناني القبرصي يمثل منصة مهمة لتوسيع مجالات التعاون بين الدول الثلاث، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية التي تتطلب تعزيز الشراكات الإقليمية.
وأضاف رئيس حزب ”المصريين“ أن التعاون الثلاثي يمثل نموذجًا يحتذى به في تحقيق المصالح المشتركة بين الدول، خاصة أن الدول الثلاث تتمتع بإمكانيات اقتصادية كبيرة يمكن استغلالها لتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق ازدهار شعوبها، لافتًا إلى أن آلية التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص تعد ركيزة أساسية لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول الثلاث.
وأشار عضو المكتب التنفيذي لتحالف الأحزاب المصرية إلى أن هذه الآلية ساهمت في تحقيق تقدم كبير في مجالات عدة، أبرزها التعاون في قطاع الطاقة، خاصة بعد اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث تمثل هذه المنطقة محورًا استراتيجيًا لتحقيق الأمن الطاقوي لدول المنطقة وأوروبا، مشيدًا بدور هذه الآلية في تعزيز الاستقرار الإقليمي، حيث تعمل الدول الثلاث معًا لمواجهة التحديات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتغير المناخ، مما يعزز من دورها كقوة دافعة لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة.
واختتم بالتأكيد على أن استقبال الرئيس السيسي لقادة اليونان وقبرص يعكس التزام مصر بتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، ويؤكد دورها كمحور استقرار وتنمية في المنطقة، مثمنًا رؤية القيادة المصرية في تعزيز الشراكات الاقتصادية مع دول الجوار، مما يسهم في تحقيق مصالح شعوب المنطقة وتوفير مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مؤكدًا أن مثل هذه القمم تعزز من مكانة مصر الإقليمية والدولية، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون المثمر بين الدول الثلاث، بما يعكس تطلعها لبناء نموذج تكاملي ناجح في منطقة شرق المتوسط.
وقال اللواء محمد صلاح أبو هميلة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري بمجلس النواب، الأمين العام للحزب، أن انعقاد القمة الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص، في القاهرة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره القبرصى نيكوس خريستودوليديس ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، والتي تعد القمة العاشرة بين الزعماء الثلاث، منذ إطلاق آلية التعاون الثلاثى عام 2014، تعزز التعاون الإقليمي في منطقة شرق البحر المتوسط، وتعكس قوة العلاقات الاستراتيجية بين الدول الثلاث، كما تسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي المشترك بينهما، ما سينعكس بالإيجاب على زيادة حجم الاستثمارات المتبادلة والتجارة البينية .
أوضح أبو هميلة، أن القمة جاءت في توقيت مناسب ومهم في ظل التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والتحديات الإقليمية والدولية، موضحا أن تعميق التعاون بين الدول الثلاثة يسهم في مواجهة الهجرة غير الشرعية والإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة، إضافة إلى أن حضور القمة عدد من ممثلي أكثر من 70 شركة يونانية وقبرصية و200 شركة مصرية، يعد فرصة أمام مصر لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة بها على هذه الشركات، خاصة وأن مصر مناخها أصبح جاذب للاستثمارات الأجنبية، ما يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية من الدولتين للاستثمار في مصر، خاصة أن مصر تتمتع بوجود مناطق اقتصادية ضخمة كالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، إضافة إلى ما تتمتع به مصر من بنية تحتية وتشريعية قوية ومحفزة للاستثمار .
تابع أبو هميلة، أن هناك تقارب شديد بين مصر واليونان وقبرص وحرص الدول الثلاث على زيادة التعاون الاستراتيجي المشترك فيما بينهما، متوقعا أن تزيد حجم السياحة الوافدة من قبرص واليونان خلال الفترة المقبلة لزيارة مصر خاصة بعد زيارة محافظ جنوب سيناء نوفمبر الماضي لليونان وعقده اجتماعا موسعا مع الشركات السياحية البارزة بها من أجل الترويج لمقاصد جنوب سيناء السياحية، إضافة إلى أن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري اليوناني القبرصي على هامش القمة بمشاركة وزراء الدول الثلاث وممثلين عن الشركات من الدول الثلاث في قطاعات اقتصادية متنوعة منها الطاقة والصناعة والزراعة والثروة السمكية والبنية التحتية وغيرها يسهم في جذب استثمارات أجنبية في هذه القطاعات .
وأشار أبو هميلة، إلى أن هناك تعاون مشترك بالفعل بين قبرص واليونان ومصر منها مشروع الربط الكهربائي وهو مشروع شبكة الطاقة الخضراء" جريجي" وهو عبارة عن كابل كهربائي بحري ينقل الكهرباء من الطاقة المتجددة من مصر، وهو مشروع ضخم للربط الكهربائي بين مصر وأوروبا ويمثل نقلة نوعية للانتقال للطاقة النظيفة ويعود على مصر بدخل قومي كبير كما سيحول مصر لمحور رئيسي لتبادل الطاقة بينها وبين العالم الأوروبي، إضافة إلى أنه قد توقيع اتفاقية مع اليونان في شهر أكتوبر الماضي لتنفيذ عدد من المشروعات لتوريد وتسويق الغاز الطبيعي في دول شرق أوروبا، وتم تأسيس شركة مشتركة مقرها اليونان تهدف لتجارة ونقل وتوريد الغاز لدول شرق أوروبا واليونان، إضافة إلى إنشاء مصر منتدى غاز شرق المتوسط بين الدول الثلاث.