لاكروا: محادثة من غزة عبر واتساب عن حياة تحت القنابل
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
قبل 4 أشهر من الآن، بدأ قصف إسرائيلي عنيف على قطاع غزة، وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن "حصار كامل" على 2.3 مليون فلسطيني، وصفهم بأنهم "حيوانات بشرية" وأمر بأنه لن يصلهم "لا ماء ولا غاز ولا كهرباء" ولا طعام أيضا، ثم طلبت إسرائيل من سكان شمال القطاع الفرار إلى الجنوب.
وفي الوقت ذاته، حذرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من "نكبة ثانية" مع أن النكبة لم تتوقف في الحقيقة أبدا، فماذا يفعل سكان غزة؟ وأين يذهبون؟
بهذه المقدمة افتتحت لاكروا حوارا مطولا على واتساب بين صحفيتها فينسيان جولي وشاب فلسطيني يدعى أحمد تعرفت عليه عبر صديق مشترك لقيته في بيت لحم، فحدثها أحمد عن حياته اليومية تحت القنابل، لتشكل مراسلاتهما وثيقة فريدة من نوعها عن هذه الحرب.
تبدأ المراسلة بين الصحفية وأحمد بعد 6 أيام من بدء العدوان، حول ماذا سيفعل بعد أن أمرت إسرائيل بمغادرة الفلسطينيين إلى جنوب قطاع غزة، ليرد "أبقى في غزة" مضيفا "حتى لو أردنا المغادرة فلا يمكننا ذلك، لا توجد وسيلة نقل وجميع الاتصالات مقطوعة، أولئك الذين ليس لديهم سيارة عالقون. أتحدث إليكم تحت صوت القنابل التي تنفجر باستمرار. لم تعد هناك كهرباء ولم يعد لدينا ماء".
ينقطع هاتف أحمد، ولكنه يرسل لاحقا 3 رسائل مختصرة ليقول "هذا الأمر الإسرائيلي نكبة جديدة وطرد قسري جديد لطردنا نحو مصر. والعالم يتحدث عن الإنسانية؟ أتمنى أن تتوقف هذه الحرب القاسية التي نعانيها ونحن نعيش آخر أيامنا. سوف نشكو الدنيا إلى الله حين نلقاه. الآن يمكنك التحدث إلينا، وغدا يمكنك البكاء علينا".
وتمر الأيام والليالي بأخبارها الكارثية عن قصف مخيمات اللاجئين، وانتظار وقف إطلاق النار الذي لا يأتي، وسلبية الدول العربية ولامبالاة الغرب، ثم يأتي الغزو البري ومعه التعتيم التام، وتهاجم إسرائيل المستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف والجامعات والأسواق والمساجد والكنائس فـ"لا يوجد مكان آمن" كما تقول الأمم المتحدة.
وبعد 4 أشهر من الحرب، تقول صحفية لاكروا إنها أدركت، عندما أصبح أحمد تحت النار في خان يونس التي لجأ إليها، أن هذه المحادثة وثيقة كانت تتتبع حربا مكبوتة من خلال عيون شاب محاصر، يروي حياته اليومية ويشارك مخاوفه وحزنه، وبالتالي "أردنا أن نجعل هذا الصوت الفريد مسموعا، لنعلي من خلاله أصوات الفلسطينيين المخنوقة في غزة، ولنسترجع إنسانيتهم التي تمحوها الاعتبارات السياسية أحيانا".
11 نوفمبر/تشرين الثاني
بعد أن أصدر الجيش الإسرائيلي إنذارا بأن كل فلسطيني يبقى "شمال وادي غزة" سوف "يعتبر متواطئا مع منظمة إرهابية" قررت أن أكتب إلى أحمد الذي لم يكن يريد أن يهرب من بيته، فرد بأنه سلك طريق المنفى وهو في خان يونس، حيث تستضيفه عائلة يعرفها، مع أصدقاء آخرين، وعليه الآن أن يبحث عن الطعام.
وينقطع الاتصال قبل أن يعود في 6 ديسمبر/كانون الأول، ليقول أحمد السبب هو فقدان الإنترنت وصعوبة شحن الهواتف مع انقطاع الكهرباء. ويتواصل الحوار، يصف فيه القصف والقتلى والمصابين في خان يونس، وتقول الكاتبة "أسمع ضجيج التفجيرات في التسجيل الذي يرسله لي، وكأن القنابل تمطر من حوله".
وفي يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، يكتب أحمد "أنا لست بخير. تم قصف الغرفة التي كنت أنام فيها مع إخوتي وأصدقائي. لدي شظايا صاروخ في جميع أنحاء جسدي. أخي في العناية المركزة. لقد فقد ساقه. يد أبي مكسورة وأصيب في رأسه وعينه. ومن بين الأصدقاء الذين كانوا معنا، توفي بعضهم والبعض الآخر في المستشفى".
وتمر رسائل عديدة يطلب أحمد في بعضها من الكاتبة مساعدته في إخراج أخيه للعلاج بالخارج، ويصف حياته الموزعة بين رعاية أخيه في خان يونس وتفقد باقي عائلته في رفح، وكيف بدأ يتعافى من إصاباته.
ويأتي الرد من الصحفية بأنها تحدثت مع السفارتين الفرنسيتين بالقدس والقاهرة لتفهم سبب عدم إحراز أي تقدم في قضية شقيق أحمد، ويبدو لها أن إسرائيل لديها حق النقض على من يدخل ومن يخرج عبر معبر رفح، كما أنه يمنع خروج العديد من المصابين، ولهذا لا يعلم أحد متى سيمكن إدراج اسم شقيق أحمد في قائمة الإخلاء.
ويقول أحمد "ما زلت أعتقد أنه يمكن أن يخرج قريبا. أخي ليس له أي انتماء سياسي أو حزبي، ولا ينتمي إلى أي تنظيم. إنه رجل عادي يعيش فقط من أجل زوجته وابنه. فهو لا يطمح إلا للعمل والعيش معهم بسلام. للأسف، سرقت الحرب أمله وشغفه وحبه وحياته.. وبدون أن يكون مذنبا لا بد من بتر ساقه. ومن الآن فصاعدا سوف نسميه شخصا معاقا".
1 يناير/كانون الثاني
بعد التهنئة ببدء 2024 وتمني أن يكون عام خير وأمن وسلام لكل من فقد الأمل والأمن والسلام في العالم المنصرم، يذكر أحمد أن الأشعة السينية أظهرت أن شظية صاروخية على يسار عينه، وأنه بالتالي سيخضع لعملية جراحية خفيفة، معبرا عن خوفه من ذلك.
وبعد الجراحة التي قال أحمد إنها مؤلمة واستمرت 1.5 ساعة، تسأله الكاتبة عن أحواله يوم 9 يناير/كانون الثاني ولكنها لا تتلقى الرد إلا يوم 16 مع الاعتذار بغياب الإنترنت لمدة 6 أيام، كما أرسل صورة لوجهه الشاحب وعيونه الحبرية وضمادة على جبهته وجفنه المصاب بكدمات، وقال إن الجميع هنا أصيبوا بالفيروس. الجميع مريض أو يسعل أو يعاني من الحمى أو الصداع.
ويكتب الشاب يوم 17 يناير/كانون الثاني أن "الوضع حول المستشفى خطير للغاية. نحن محاطون بالقتال والتفجيرات، القصف لا يتوقف أبدا. وهناك أسمع صوت انفجار القنابل. لقد غادرت بالفعل العديد من العائلات التي لجأت إلى المستشفى. أخشى أن يأتي وقت يُطلب منا فيه إخلاء المستشفى. وبعد ذلك، إلى أين سنذهب؟
ويوم 19 يكتب احمد "نحن نعيش مأساة. الإنترنت والاتصالات مقطوعة. نحن معزولون عن بقية العالم كما لو كنا على كوكب آخر. لا نعرف ما يعرفه العالم عما يحدث هنا، وعن المأساة التي نعيشها. لذا انشروا هذه الرسالة، نأمل أن تنتهي الحرب قريبا. ونأمل أن نعود إلى حياتنا قبل الحرب. لا شيء آخر. نتمنى أن ننام ونستيقظ سالمين غانمين. ونأمل أن يتعاطف هذا العالم مع ما نمر به. نأمل أن نعامل كبشر".
وكانت آخر رسائل الشاب الفلسطيني تعود إلى 2 فبراير/شباط، والقصف الإسرائيلي لا يتوقف، ولا يزال القتال محتدما في خان يونس، وخاصة حول المستشفيات. يقضي أحمد أيامه في رفح حيث يقدم الخدمات للمنظمة غير الحكومية التي كان يعمل بها في غزة. يعود إلى خان يونس مساءً (يحاول) النوم مع شقيقه مجد الذي لا يزال في المستشفى، وينتظر العلاج بالخارج.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی خان یونس
إقرأ أيضاً:
لاكروا: الخوف داخل الخنادق وتحت الطائرات المسيرة في أوكرانيا
تجمع الحرب في شرق أوكرانيا بين حرب الخنادق والتكنولوجيا العالية، حيث القتال يدور بلا رحمة على الخطوط الأمامية، ويواصل الجنود الأوكرانيون عملهم ويحسنون آلاتهم ويجعلونها أكثر قوة بدأب ومثابرة.
هكذا افتتحت صحيفة لوفيغارو تقريرا من الخطوط الأمامية لمبعوثها الخاص من بوكروفسك لوران لارشر ، قال فيه إن الأوامر "احفر. ادفن نفسك. افعل ذلك جيدا، لا تنتظر. اختفِ. احمِ نفسك. راقب. انتظر"، تتواصل إلى الجنود في بوكروفسك، حيث قيل منذ أسابيع إن هذه المدينة توشك أن تسقط.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف فرنسية: الاستيطان الأميركي في غزة فكرة شنيعةlist 2 of 2صحف إسرائيلية: هل ترامب صاحب رؤية أم بائع وهم؟end of listويروي جندي المشاة إيغور من تحت أكوام الأرض المقلوبة والأغصان والأخشاب، متباهيا بشبكات التمويه، قائلا إن "روسيين ظهرا أمام موقعنا، توقفا دون رؤيتنا، وكنا ثلاثة. أفرغنا مخازننا، وقطعتهم رصاصاتنا. ذكرى لا تنسى".
ويتابع إيفان أنه لا شيء أصعب من العيش ملتصقا بالوحل بعد المطر أو ذوبان الثلج، عندما تنخفض درجة الحرارة إلى أقل من صفر مئوية، وربما حتى -30 درجة، حيث "أقمنا دفاعاتنا ونقطة المراقبة والخنادق.
وسط الخنادق
ويختبئ هؤلاء الجنود تحت المباني وفي شقق معتمة، ومن هناك يراقبون على الشاشة الصور التي تنقلها الطائرات المسيرة، ويقومون بالأعمال القتالية، ويحتفلون بالانتصارات ويندبون النكسات في ظل الضجيج المستمر للقذائف التي تغادر مواقعهم أو تسقط عليها.
إعلانهذه الطلقات القوية والانفجارات الخافتة هي علامة الجبهة وترنيمتها المرعبة -كما يقول المراسل- ويجب أن تعتاد على ذلك، يقول الجوكر، وهو أحد أبطال الفيلق 68 إن "الحمقى وحدهم هم الذين لا يخافون في بوكروفسك"، رغم أنه جمع ميداليات الأسلحة، ويقول أحد رفاقه إن "الروس حاصروه وتمكن من عبور خطوطهم والعودة إلى خطوطنا".
وأوضح المراسل أن حياة هؤلاء جولة مأساوية يتكرر فيها كل شيء، سبعة أيام من الوقوف في الموقع وسبعة أيام من الراحة في منازل فارغة على بعد بضعة كيلومترات، عبارة عن أكواخ ريفية من بداية القرن الماضي تتم تدفئتها بمواقد الحطب، يقول الجوكر "في أسبوع الراحة ننام لمدة 48 ساعة ثم نبدأ بالتدريب".
وشبه الكاتب الحرب في دونباس بالحرب العالمية الأولى بخنادقها وأجوائها، ولكن في زمن الطائرات المسيرة والمراقبة والتكنولوجيا العالية، مشيرا إلى أن الحفاظ على بوكروفسك، والحفاظ على الرجال والنفس والموقع أمر صعب، خاصة أن الأوكرانيين أصبحوا يعانون من نقص الرجال، كما أن العقلية لم تعد كما كانت في البداية بسبب التعب.
الجبهة الأخرى
وعلى جبهة كراماتورسك، على بعد نحو 80 كيلومترا شمال بوكروفسك، يواصل الروس الضغط والتقدم أيضا، وهم يحاولون محاصرة المدينة الصناعية الكبيرة بحركتين شموليتين، أو ما يسمى "تأثير الكماشة" لقطع محاورها اللوجستية، وفي مواجهتهم تحصن اللواء 63 في غابة سيريبريانسكي، المعروفة باسم "غابة المعجزات".
تستمر طائرات الروس المسيرة في الهجوم، والمدفعية الأوكرانية ترد عليها، ويبقى الرجال في المخابئ، والدبابات تستمر في القصف والقذائف في السقوط، وتتوالى الانفجارات، ثم يتوقف ذلك، ثم يتكرر، والفرقة 63 مسيطرة على الغابة التي تغطي مدينة ليمان، القفل الإستراتيجي الذي يحمي كراماتورسك وسلوفينسك.
في أعماق هذه المدينة يقع مستشفى ميداني يعالج فيه الجرحى من خطوط المواجهة قبل إجلائهم إلى مرافق مجهزة بشكل أفضل، وهو المكان الأخير في المدينة الذي لا تزال فيه الحياة، بعد أن أصبحت ليمان مدينة أشباح.
إعلان
يقول فولوديمير، أحد الجراحين الأربعة المخصصين في هذا القبو الضيق مبتهجا "الوضع اليوم هادئ، لم نتدخل إلا حوالي عشر مرات، أقل بكثير من إصابة المئات في بعض الأيام"، ويدعي هذا الطبيب أنه عالج وأنقذ آلاف الجنود ويقول " سعداء حتى لو لم نحي الأرواح التي فقدناها". ويضيف أنه عالج 10 من الروس.
ومنذ صيف عام 2024، تواصل القوات الروسية التقدم بعنف نحو جنوب كراماتورسك، ويواجهها جنود اللواء الخامس بالكر والفر، يقول الملازم الثاني روبين "قبل أمس هاجمونا 40 مرة، وأمس 27 مرة، واليوم أطلقوا العنان لأنفسهم. إنهم أكثر عددا ولديهم موارد أكبر، وهم غير مبالين بحياة جنودهم"، إلا الأوكرانيين يستمر في القتال بالوسائل المتاحة للتعويض عن نقاط ضعفه.
وعندهم هناك -كما يقول المراسل- ثلاثة رجال يعيشون في منزل مختبئين في عزلة تامة على مشارف كراماتورسك، وهم يقومون بإعداد الآلات قبل إرسالها إلى جنود المشاة، ويقومون باللحام والتجميع وتركيب المعدات، ويقول تح قائدهم الملازم سيرج (30 عاما) إن "طائراتنا المسيرة تعمل العجائب، ينقذون الأرواح من خلال جلب الغذاء والدواء والمياه والذخيرة إلى مواقع القتال. وتعيد الجرحى تحت نيران العدو، وتطلقون النار على من يقترب".