انسحابات مُربكة قبيل الانتخابات.. هل أجهز النظام الموريتاني على معارضيه؟
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
نواكشوط- قبل 3 عقود، وتحديدا مع بداية المسار الديمقراطي في موريتانيا والسماح بالتعددية السياسية في 1991، شكّلت المعارضة الموريتانية جبهة موحّدة للتغيير تضم مختلف الحركات السياسية؛ اليسارية والإسلامية والقومية والحقوقية المناوئة للرئيس آنذاك معاوية ولد سيد أحمد الطايع.
حينها كان أحمد ولد داداه (81 عاما) مرشح المعارضة الأبرز لمقارعة الرئيس الطايع، وكان مسعود ولد بلخير (80 عاما) المكافح والمناوئ الأشرس لسياسات الرئيس.
ومنذ ذلك الحين، بدأت مسيرة صعود المعارضة، وظلت على مدى 3 عقود في مواجهات شرسة مع الأنظمة المتعاقبة التي كانت مع كل انتخابات تحسب لها ألف حساب.
لكن يبدو هذه المرة أن الندّية بدأت تنحسر. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها منتصف العام الجاري، فإن النظام الحاكم قد لا يشعر بالمنافسة بالنظر لعدوى الانسحابات التي تجتاح أحزاب المعارضة، منذ وصول محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم.
وعرفت الفترات الأخيرة انسحابات متكررة لقادة بارزين ومنتخبين سابقين من حزب "تواصل"، الذي يتولى زعامة مؤسسة المعارضة للمرة الثالثة على التوالي.
وخلّفت الانتخابات النيابية الأخيرة موتا سريريا لأحزاب معارضة تقليدية عانت ظاهرة الانسحابات. لكن تفاقم هذه الظاهرة بين صفوف المعارضة في الفترات الأخيرة وفي "تواصل" بالذات بات يطرح علامة استفهام حول مستقبل ما تبقى من المعارضة في ظل النظام الحالي الساعي لخطب ودّها وامتصاصها.
انسحابات متواليةرغم أن شرارة الانسحابات شملت أطياف المعارضة جميعا، فإن نصيب "تواصل" منها كان الأكثر ضجة، ربما لأنه الحزب الأكثر تماسكا.
وبدأت موجة الانسحابات تجتاحه في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لكن أبرزها كان في 2019 قبيل انتخاب الرئيس الموريتاني الحالي، حيث خرجت أفواج من المعارضة الموريتانية دعما ومناصرة لمرشح "الإجماع الوطني" ومن أكبرها تيار "راشدون" المنسحب من حزب "تواصل"، بزعامة الشيخ السابق عمر الفتح وعدد من قيادات الحزب المنسحبين.
لكن الضربة الأقوى للحزب، ذي التوجه الإسلامي، كانت في أواخر 2023، وذلك بعدما قرر المؤسس والرئيس الأسبق للحزب لولايتين محمد جميل منصور استقالته من الحزب، إثر ما سمّاه "اختلالات كبيرة وأخطاء واضحة نبهتُ إليها مرارا ولم تُصحح".
وتوالت الانسحابات على خطى الرئيس بعد فترة قصيرة من انسحابه، حيث أعلن أمين المالية في اللجنة التنفيذية والنائب البرلماني السابق عن مقاطعة الطينطان محمد المختار ولد الطالب النافع، استقالته، وتبعه أمين الشؤون القانونية الدكتور سيدي آب عالي، ورئيس المجلس الشبابي عثمان فودي ماريكا، وغيرهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال عضو المكتب السياسي لحزب تواصل الدكتور محمد الأمين ولد شعيب "إن هذه الانسحابات لا تشكل حالة استثنائية في المشهد السياسي المحلي، فالحزب الحاكم شهد موجة انسحابات إبان أزمة الترشيحات وغيرها، كما تابعنا انسحابات من أحزاب إلى أخرى في حالات كثيرة".
ويرجع ولد شعيب الأسباب وراء "الترحال السياسي" في جانب منها إلى السياسة التي اتبعتها الأنظمة الحاكمة بمختلف محطاتها، وسعيها الدؤوب للتحكم في الخريطة السياسية وضبطها وفق أجندتها، والسعي المستمر للتأثير في كل من يعارضها بمختلف الوسائل، كما أن جانبا من هذه الانسحابات تقتضيه عملية المراجعة العادية في المواقف والتوجهات.
انسحابات متوالية من حزب تواصل بعد انسحاب جميل منصور رئيس الحزب الأسبق (مواقع التواصل) تيار جديدوبعد أشهر على انسحابه من "تواصل"، أعلن محمد جميل ولد منصور تأسيس تيار "من أجل الوطن" وهو مشروع حزب يضم شخصيات متنوعة من مختلف المدارس الفكرية والجهات والأعراق. وأكد ولد منصور أن تياره أخذ موقفا بدعم الرئيس في الانتخابات المقبلة.
وأحدث هذا التيار ضجة كبيرة حتى عدّه بعضهم تهديدا وجوديا للمعارضة وخاصة "تواصل". ورغم تأكيد الأخير أن هذه الانسحابات فردية ولن تضر حزبهم "المبني على فكرة والفكرة لا تموت"، رجّح رئيس المركز المغاربي للدراسات الدكتور ديدي ولد السالك "أن هذا التيار الجديد يهدف إلى القضاء على تواصل، وليس المعارضة لأنها ميتة أصلا (…)، أو كأن النظام يريد بهذا التيار قتل تواصل، أو خلق كيان يمتص قوته وزخمه، أو إضعافه حتى يكون هزيلا".
ويضيف ولد السالك للجزيرة نت أن "السلطة ظلت دائما، تقدم الإغراءات لقيادات ورموز المعارضة الكادحين لتلتحق بالنظام، وتترك الأجسام الشابة تتخبط دون رأس، وهو ما تسبب بإضعاف الحياة السياسية في موريتانيا والنخب، وفي إحباط المجتمع عن التمسك بدعم المعارضة".
أما الدكتور محمد الأمين ولد شعيب، فيقول إنهم في "تواصل"، وفي المعارضة عموما لا يضيقون ذرعا بأي تشكيلة سياسية جديدة، و"نعدّ أن مجال العمل السياسي يسع الجميع".
ويضيف للجزيرة نت أن "نسبة كبيرة من أعضاء التيار الجديد من داعمي النظام أصلا، ومن ناشطين في تشكيلات سياسية (أحزاب أو مبادرات) من دائرة الأغلبية، وبعضهم من حزب الإنصاف الحاكم، ومنهم بالطبع قيادات مهمة من حزب تواصل، والقيادات كلها منسحبة، لكن المستغرب التركيز على قيادات تواصل فقط دون القيادات الأخرى".
كثير من الداعمين لا يجد نفسه في الأغلبية التقليدية، وكثير من المعارضين لا ترضيه المعارضة التقليدية.
لم تعد الأغلبية بشكلها الحالي مقنعة، ولم تعد المعارضة بشكلها الحالي مقنعة.
موجبه : تيار من أجل موريتانيا وتيار الأغلبية الصامتة.
— محمد الأمين الفاضل (@elvadel) February 6, 2024
إغراء السلطةرغم أن توافد المنسحبين من المعارضة إلى الموالاة ليس جديدا، فإن بعض الموالين يعتقد أن سببه الأول التهدئة السياسية التي تبناها الرئيس الحالي منذ توليه السلطة، وهو ما لم يكن متاحا في الفترات السابقة.
وفي مختلف الفترات كانت الأنظمة بداية من عهد ولد الطايع، مرورا بولد عبد العزيز، تشتغل على إغراء المعارضين من أجل تفكيكها.
ويفسّر الدكتور ولد السالك وحدة المنسحبين في اتجاه السلطة بسببين:
الأول، أسلوب الأنظمة العسكرية منذ بداية ديمقراطية ولد الطايع المشوّهة مع ما عُرف بديمقراطية (لبول) إلى يومنا هذا، المستمرة في إغراء زعماء المعارضة والعمل على تفكيكها وقتلها. والثاني، أن أحزاب المعارضة طاردة نتيجة لظروفها وضعف وسائلها ومحاصرتها من طرف الأنظمة، وتجويع عناصرها وضعف حاضنتها الاجتماعية.ناقشت أحزاب وقوى معارضة خلال اجتماع عقدته اليوم الأحد بمقر مؤسسة المعارضة الديمقراطية مواضيع من بينها الحوار الوطني الشامل، والانتخابات الرئاسية فى #موريتانيا pic.twitter.com/4tbnFBhI8I
— zahraa bdnt el ahmad (@BantElahmad) January 21, 2024
أي أفق للمعارضة؟بالإضافة إلى أنها تواجه انتقادات واسعة في الشارع الموريتاني أصلا، بسبب هدنتها مع النظام طيلة السنوات الماضية، يرى مراقبون أن المعارضة ستعاني في الانتخابات المقبلة، بعد هذه الانسحابات النوعية وتشكيل تيارات منبثقة عنها داعمة للنظام الحالي.
لكن الدكتور ولد شعيب يرى "أن التيار الجديد لن يكون له تأثير كبير؛ لأن أغلب المنضوين فيه كانوا أصلا من الأغلبية، ومن المصوّتين للرئيس الحالي".
أما الدكتور ديدي ولد السالك، فلا يرى أفقا للمعارضة في الانتخابات المقبلة؛ "بسبب وضعيتها الحالية، واليأس الحاصل في الأوساط السياسية والمجتمعية"، ويعتقد بأنه ما لم تتغير آليات الحكم في موريتانيا، وآليات إدارة العملية السياسية، فليس هناك أمل في أن ينجح شخص لم ترشحه السلطة، لضعف المجتمع وتحكم السلطة فيه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من حزب
إقرأ أيضاً:
الصدريون يعقدون اجتماعات غير معلنة استعدادا للمرحلة السياسية المقبلة- عاجل
بغداد اليوم - بغداد
كشفت مصادر مطلعة داخل الهيئة السياسية للتيار الوطني الشيعي (التيار الصدري) سابقًا، اليوم السبت (16 تشرين الثاني 2024)، عن وجود اجتماعات غير معلنة لمسؤولين في الهيئة من أجل ترتيب أوراق المرحلة السياسية المقبلة.
وقالت المصادر في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "عودة الصدريين الى المشهد السياسي امر حتمي، وستكون خلال المرحلة المقبلة، وهذا الامر ربما يكون بأشهر قليلة قبل موعد انتخابات مجلس النواب، والتي يعتزم الصدريون المشاركة فيها بقوة".
وأضافت المصادر، أن" الأيام القليلة الماضية شهدت اجتماعات مختلفة لمسؤولين عن الملف السياسي داخل الهيئة السياسية للتيار الوطني الشيعي لبحث وترتيب أوراق المرحلة المقبلة والاستعداد الى العودة السياسية والانتخابية".
وأكد الباحث في الشأن السياسي المقرب من التيار الوطني الشيعي مجاشع التميمي، يوم السبت (31 آب 2024)، وجود تحرك للتيار بهدف ترتيب عودته السياسية والانتخابية خلال المرحلة المقبلة.
وقال التميمي في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "هناك حوارات ومشاورات للتيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقا) مع أطراف سياسية ومن بينها قوى داخل الإطار التنسيقي رغم أن التيار الوطني الشيعي لم يعلن عنها لكن قيادات من كتل سياسية قالت أنها التقت ممثلين عن التيار الوطني الشيعي".
وبين ان "عودة التيار الوطني الشيعي حتمية لأن الصدر انسحب من الدورة الخامسة لمجلس النواب لفتح المجال أمام قوى الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة والبوادر تشير إلى أن خطوات الصدر واضحة في العودة والمشاركة في الانتخابات المقبلة".
وأضاف التميمي، إنه" في حال عودة التيار الوطني الشيعي إلى المشهد السياسي والمشاركة في الانتخابات المقبلة فإنه سيقلب المعادلة رأسًا على عقب خاصة مع قوة هذا التيار داخل المجتمع العراقي وخاصة في المحافظات الوسطى والجنوبية فضلا عن الانشقاقات والخلافات داخل الاطار التنسيقي وستكون الحصة الأكبر من المقاعد البرلمانية الشيعية لهذا التيار".
وختم المقرب من التيار الوطني الشيعي قوله، بأن "التيار يخطط لسيناريو جديد مختلف عن السابق من حيث القوائم الانتخابية أو التحالفات السياسية لأن الصدر لن يكرر التجارب السابقة ولا نستغرب أن يكون تحالفه المقبل مع أطراف سياسية من أجل المصلحة العليا للعراق".
وفي الخامس عشر من حزيران لعام 2022، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الانسحاب من العملية السياسية في البلاد وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين".
وجاء إعلان الصدر خلال اجتماعه في النجف بنواب الكتلة الصدرية الذين قدموا استقالتهم من البرلمان بعد 8 أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية لم يتمكنوا خلالها من تشكيل حكومة عراقية.
وأضاف الصدر في حديثه "أريد أن أخبركم، في الانتخابات المقبلة لن أشارك بوجود الفاسدين، وهذا عهد بيني وبين الله وبيني وبينكم ومع شعبي إلا إذا فرج الله وأزيح الفاسدون وكل من نهب العراق وسرقه وأباح الدماء".
وتابع مخاطبا أعضاء الكتلة الصدرية "في حال اشتركنا في الانتخابات المقابلة فأبقوا نساء ورجالا على أهبة الاستعداد، ولا تتفرقوا وتكاملوا سياسيا وعقائديا وبرلمانيا وقانونيا وتواصلوا مع الشعب العراقي".