حقائق تغيّبها تبجّحات إسرائيل
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
حقائق تغيّبها تبجّحات إسرائيل
تحقيق انتصار على المقاومة الفلسطينية في القطاع بواسطة القوة الهائلة التي في حيازة إسرائيل، وهي قوة غير مشكوك فيها بتاتاً، يعتبر ضرباً من الخيال.
حقائق صارخة تُغيّبها تبجّحات تصريحات ومواقف رسمية لمسؤولين بالمؤسّستين السياسية والأمنية، وتعكس تأويلات أو عدميّة معرفية تغذّي عدمية أخلاقيّة.
يلمس متابع الشأن الإسرائيلي محاولة صوغ مبرّرات لعدم الانتصار الذي بات يرتسم في أفق الحرب المتواصلة، وأولها المبرّر المتعلق بموضوعي رفح ومحور فيلادلفيا.
لم يتمكّن الجيش الإسرائيلي من فرض سيطرته التامة على أي من مناطق قطاع غزّة بما في ذلك منطقة الشمال كما ادعّى ولا يزال، رغم دخول الحرب شهرها الخامس.
الأزمة تحيق بالعمليات العسكريّة الإسرائيلية في القطاع، وعلاقة غير واقعية بين سير العمليات والأهداف التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية للحرب ولا تزال تصرّ على تحقيقها.
تُروّج أبواق رئيس الحكومة بأنه لا انتصار على "حماس" واستعادة الأسرى في غزّة دون معالجة محور فيلادلفيا، وتُردّد أن عدم احتلال هذا المحور مباشرة مع بداية المناورة البرّية كان خطأ فادحًا.
* * *
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة تزداد التقييمات في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تحاول تسليط الضوء على حقائق صارخة، تُغيّبها التبجّحات التي تسم التصريحات والمواقف الرسمية للمسؤولين في المؤسّستين السياسية والأمنية، وتعكس تأويلات لا أكثر، أو تعكس عدميّة معرفية تغذّي عدمية أخلاقيّة، بموجب تعابير أوساط أكاديمية محدودة.
لعلّ أهم هذه الحقائق اثنتان:
الأولى عدم تمكّن الجيش الإسرائيلي من فرض سيطرته التامة على أي من مناطق قطاع غزّة بما في ذلك منطقة الشمال كما ادعّى ولا يزال، رغم دخول الحرب شهرها الخامس.
ووفقًا لآخر مقاربات حتى المحلّل العسكري لصحيفة يسرائيل هيوم اليمينية، التي تروّج سياسة بنيامين نتنياهو، فإن الجيش الإسرائيلي يمارس ضغوطاً قاسية على حركة حماس في خانيونس، ولكنه لا ينجح في استهداف كبار قادتها.
كذلك يعمل الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة في مناطق شمال قطاع غزّة، ولكن "حماس" عادت إلى إظهار مؤشّرات حوكمة جديدة في هذه المناطق، ناهيك عن أنه لم تتم بعد معالجة قضيتي رفح ومحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، ما يعني أن استكمال أهداف الحرب ما زال بعيداً للغاية.
الثانية أن تحقيق انتصار على المقاومة الفلسطينية في القطاع بواسطة القوة الهائلة التي في حيازة إسرائيل، وهي قوة غير مشكوك فيها بتاتاً، يعتبر ضرباً من الخيال.
ومن آخر النماذج على هذا الحكم ما بدر عن الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، اللواء احتياط أوري ساغي، في سياق مقال نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 422024، بعنوان "ليس بالقوة وحدها"، خلص فيه إلى أن القوة ليست كل شيء.
وكذلك ما أكّده المسؤول السابق في جهاز الأمن العام (الشاباك) وعضو الكنيست السابق من حزب الليكود إيهود ياتوم، ضمن مقال في صحيفة معاريف يوم 522024، شدّد فيه على استحالة تحقيق انتصار بواسطة القوة العسكريّة فقط.
وبطبيعة الحال، لا تصدر مثل هذه المواقف عن هذيْن المسؤوليْن الأمنييْن السابقيْن، ومثلهما كثر، من منطلق معارضة الحرب أو مناهضة الاحتلال وتأييد قضية فلسطين.. إلخ، لكنها تعبّر عن ازدراء التصريحات المتواترة التي تصدُر عن القادة السياسيين والعسكريين بشأن الانتصار.
ناهيك عن أنها تعكس الأزمة التي تحيق بالعمليات العسكريّة الإسرائيلية في القطاع، والعلاقة غير الواقعية بين سير تلك العمليات والأهداف التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية للحرب ولا تزال تصرّ على تحقيقها. ولا بُدّ من إضافة أنها تنطوي في العمق على إقرار بقدرات المقاومة ومقدراتها.
بيد أن متابع الشأن الإسرائيلي في صلب هذه التقييمات يلمس محاولة لصوغ مبرّرات لعدم الانتصار هذا الذي بات يرتسم في أفق الحرب المتواصلة، وفي مقدّمها المبرّر المتعلق بموضوعي رفح ومحور فيلادلفيا.
فمنذ عدة أيام، تروّج أبواق رئيس الحكومة بأنه لا يمكن تحقيق انتصار على "حماس" واستعادة الأسرى في غزّة من دون معالجة محور فيلادلفيا على وجه الخصوص، وتردّد ادّعاءً فحواه أن عدم احتلال هذا المحور مباشرة مع بداية المناورة البرّية كان بمثابة خطأ فادح.
كما تجاهر بأن الفائدة من احتلال المحور الحدودي معروفة، وقد طُرح الموضوع أكثر من مرّة في وسائل الإعلام، فعن طريقه يتدفق السلاح الذي عاظم القدرة العسكرية لحماس من الأراضي المصرية إلى قطاع غزة، حتى ولو يتردّد أن أغلبية السلاح الذي تستخدمه المقاومة صُنع داخل القطاع.
ومثلما كتب أخيرًا أحد أبرز أبواق نتنياهو، وهو أمنون لورد، كبير المعلقين في صحيفة يسرائيل هيوم، من الواضح أن الصواريخ الروسيّة المضادة للدروع بمختلف أنواعها وصلت بواسطة التهريب تحت الأرض من الأراضي المصرية، عبر الأنفاق أو بوسائل أُخرى عن طريق محور فيلادلفيا.
وبرأيه، ما من شك في أنه من أجل وقف عمليات التهريب إلى "حماس"، ومنْع تعاظُم قوتها العسكرية من جديد بعد انتقال قطاع غزّة إلى مرحلة إعادة الإعمار، يجب السيطرة على المحور المذكور.
*أنطوان شلحت كاتب وباحث في الشأن الإسرائيلي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل نتنياهو غزة حماس التهريب الجيش الإسرائيلي قضية فلسطين محور فيلادلفيا الجیش الإسرائیلی ة الإسرائیلیة تحقیق انتصار انتصار على فی القطاع قطاع غز ة
إقرأ أيضاً:
جنرال متقاعد يتنبَّأ بموعد هزيمة إسرائيل ويحذّر: لن نستطيع هزيمة الحوثيين
وكالات:
شبّه الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحق بريك رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ “بار كوخبا” العصر الحديث، الذي يقود “إسرائيل” إلى الكارثة تماما كما فعل بار كوخبا الذي قُتل مئات الآلاف من اليهود تحت قيادته، وذهب من بقي منهم إلى المنفى. بار كوخبا، فهو الشخص الذي قاد ثورة على الإمبراطورية الرومانية (132–136 ق.م)، انتهت بالسحق، ونهاية مملكة يهوذا، وما يُسمّونه “خراب الهيكل”.
وقال بريك، في عموده بصحيفة “هآرتس” العبرية، إن نتنياهو يتبنى وجهات نظر المسيانيين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ينفذ أوامرهما لرغبته في البقاء السياسي. فهؤلاء المتعصبون الثلاثة -كما يقول الكاتب- يقودوننا إلى حرب استنزاف مستمرة تدمر الاقتصاد والمرونة الوطنية والعلاقات مع العالم والأمن الوطني، في حرب لم تحقق أي هدف، لا إطلاق سراح المحتجزين، ولا عودة النازحين إلى ديارهم، ولا انهيار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وهزيمة حزب الله.
ونبه الكاتب إلى ضرورة إدراك حقيقة مفادها أن “إسرائيل” لا تستطيع هزيمة حماس ولا هزيمة حزب الله، ولا هزيمة الحوثيين ولا إيران، وأن استمرار الحرب سوف يهزمها، لأنها تخسر العالم، وتخسر الاقتصاد، وتخسر جيشها الذي تحوّل إلى غبار، وتخسر قوتها الوطنية والاجتماعية إلى حد قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية.
وفي وقت سابق، وجه بريك انتقاده اللاذع لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لعدم اتخاذه قرارًا حتى الآن بوقف الحرب على غزة. وقال بريك، في حديث لصحيفة “معاريف” العبرية، “بينما يعلن بنيامين نتنياهو تصميمه على القضاء على “حماس”، تؤكد المعطيات الميدانية أن الجيش الإسرائيلي يزداد ضعفًا”.
وذكر بريك في مقاله، أن نتنياهو قال في مقابلة نُشرت في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إنه لن يوافق على وقف الحرب “قبل إزالة حماس، ولن نتركهم في السلطة في غزة، على بعد 50 كم من “تل أبيب”، ولكن هذا لن يحدث”. تعليقًا على هذا التصريح، رأى بريك أنه: “لا توجد أكذوبة أو شعارات أكبر من تصريحات رئيس الحكومة، ومع مرور الوقت تبتعد “إسرائيل” عن قدرتها على إزالة حماس.
اليوم، حماس تسيطر على قطاع غزة بقبضة حديدية، والآلاف من مُقاتليها مُتحصنون في الأنفاق تحت الأرض التي يبلغ طولها مئات الكيلومترات.
وفي الآونة الأخيرة، تلقّت تعزيزات من 3000 مقاتل شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و 20 عامًا”. ويتابع: “كل التصريحات من المستويين السياسي والعسكري بأننا نسيطر على محوري “فيلادلفيا” و”نيتساريم” هي أوهام. صحيح أننا موجودون في الأعلى، لكن كل شيء ما زال يُدار في الأسفل في الأنفاق، من دون أي سيطرة من الجيش “الإسرائيلي”.
حماس ما تزال تُدير قطاع غزة، وعُدنا للمرة الخامسة إلى مخيم جباليا وعدة مناطق أخرى مشابهة. نحن نفقد العديد من الجنود، وهناك جرحى إصابتهم بالغة، حيث فقط في المرة الخامسة لدخول مخيم جباليا فقدنا نحو 40 جنديًا”. ويُحذّر يتسحاك بريك من أن الجيش لا يمتلك القدرات البرية الكافية لحسم المعركة، مما يجعل الغارات العسكرية المتكررة عديمة الجدوى.
ويصف استمرار الحرب بأنه يخدم أجندة نتنياهو السياسية على حساب الأسرى والقيم الأخلاقية.
وأشار إلى، أن الفشل في مواجهة “حماس” يعيد للأذهان إخفاقات إسرائيل مع “حزب الله”، حيث لم تؤدِّ العمليات العسكرية سوى إلى تصعيد التهديدات.
ويقول إنه ومع تصاعد المخاطر الإقليمية، بما في ذلك التوتر مع مصر وتركيا، تُظهر القيادة الحالية عجزًا في مواجهة التحديات الأمنية والاستراتيجية.