الخليج الجديد:
2024-10-06@08:32:26 GMT

الاستباحة والمقاومة

تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT

الاستباحة والمقاومة

الاستباحة والمقاومة

إسرائيل هي الوريث الشرعي لكل تاريخ الاستعمار الغربي الدامي، والذي نعرف جميعاً المصير البائس الذي آل إليه رغم هول جرائمه.

الرأس المرفوع للمعتقل الفلسطيني ونظرة التحدي في عينيه مقابل الجلّاد الصهيوني يقولان الكثير، بالنسبة لمن يريد أن يرى، عن مصير هذا الكيان ومستوطنيه.

تعرية المعتقلين من أدوات الاستعمار التقليدية، كالتعذيب والقتل الجماعي والتهجير والاغتصاب، وتهدف لتظهير قدرته على الاستباحة الكاملة لمن يتجرّأ ويقاوم.

لم تكن الاستباحة الكاملة واردة بين «أبناء أمم متحضّرة» وإن تنازعوا. لكنها قواعد وأعراف وضوابط لم تكن سارية المفعول في حروب «مكافحة التمرّد» بالمستعمرات.

عندما وصف وزير الدفاع الصهيوني سكان غزة بأنهم «حيوانات بشرية»، كان عمليا (وموضوعياً) ناطقاً رسمياً باسم تاريخ الغرب الاستعماري ومنظوره التراتبي العنصري لشعوب العالم.

* * *

يتوارث المستعمرون وسائل وأدوات السيطرة، بعضهم عن بعض. قبل مدة، نشرت وسائل إعلام صهيونية صوراً لعشرات من رجال غزة، وقد جُمعوا شبه عراة في أرض جرفها جيش الاحتلال، الذي ادّعى بأنهم من مقاتلي المقاومة في غزة.

وأمس انتشرت صورة (ثم اختفت عن المواقع) لمعتقل فلسطيني عارٍ ومقيّد اليدين أمام الجندي الصهيوني. ليست في الواقع سوى تكرار لصور مماثلة لمعتقلين عراقيين، وقبلهم لفيتناميين، عراة أمام جلّاديهم الأميركيين، أو لمعتقلين جزائريين، أمام الغزاة الفرنسيين.

تعرية المعتقلين هي أداة من أدوات ترسانة الاستعمار التقليدية، شأنها في ذلك شأن التعذيب والقتل الجماعي والتهجير والاغتصاب، للمثال لا الحصر، الهادفة إلى تظهير قدرته على الاستباحة الكاملة لمن يتجرّأ على مقاومته.

لم نرَ ممارسات شبيهة، وتحديداً تعرية للمعتقلين، خلال الحروب الكثيرة والدامية، التي وقعت بين دول أوروبا في القرنيْن 19 و20. راعت هذه البلدان، بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، القواعد والأعراف والضوابط السائدة في ما بينها حيال كيفية معاملة أسرى الحرب.

لم تكن الاستباحة الكاملة واردة بين «أبناء أمم متحضّرة» وإن تنازعوا. غير أن مثل هذه القواعد والأعراف والضوابط لم تكن سارية المفعول خلال حروب «مكافحة التمرّد» في المستعمرات.

عندما وصف وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت سكان غزة بأنهم «حيوانات بشرية»، هو كان عملياً (وموضوعياً) ناطقاً رسمياً باسم كل التاريخ الاستعماري للغرب الجماعي ومنظوره التراتبي لشعوب العالم.

تحمل عملية تعرية المعتقلين بصمات كل الأيديولوجيا العنصرية للاستعمار، وربطها لإذلال أبناء «المجتمعات التقليدية»، أي المتخلّفة في عرفهم، بانتهاك تقاليدها وأعرافها ومعتقداتها، خاصة تلك المرتبطة بالحشمة.

نزع ملابس أسير، وتصويره في وضعيات مهينة، كما جرى في معتقل أبو غريب على أيدي قوات الاحتلال الأميركي للعراق مثلاً، والتسريب المتعمّد للصور، كلّ ذلك كان جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجية مكافحة التمرّد الأميركية لكسر شوكة المقاومة العراقية عبر ترويع حاضنتها الاجتماعية من خلال التلويح بالاستباحة الكاملة.

لم يلتفت العديد من المعلّقين إلى أن أولى عمليات القتل المشهدي لرهائن أميركيين أو غربيين في العراق، عبر قطع رقابهم، تمّت بعد انتشار صور وأفلام الانتهاكات والإذلال المنهجي للمعتقلين العراقيين في أبو غريب وغيره من معتقلات الاحتلال الأميركي، وكردّ فعل انفعالي عليها.

التنكيل بشعوب المستعمرات وارتكاب أفظع الجرائم بحقّها، هما ممارستان من ممارسات الاستعمار القديمة، لكن إدراج هذه الممارسات في إطار عقيدة متكاملة عسكرية وسياسية، تهدف إلى مجابهة حركات التحرر، جرى في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد هزيمة الجيش الفرنسي في حرب فيتنام الأولى.

عكف روجيه ترنكيي، وهو كولونيل فرنسي شارك في هذه الحرب، على دراسة نظريات حرب الشعب (التي بلورها الرئيس الصيني الراحل ماوتسي تونغ والجنرال الفيتنامي فو نجوين جياب) والتجربة الميدانية لثوار الفييتكونغ، وبلور عقيدة حول كيفية مواجهة هذا النمط من القتال في كتاب أصدره آنذاك لحساب الجيش الفرنسي بعنوان: «عن الحرب الثورية».

شكّل هذا الكتاب الأساس النظري لعقيدة مكافحة التمرّد التي اعتمدها الجيش الفرنسي في الجزائر في السنوات التي تلت.

وقد شرحت ماري مورييل روبان، الصحافية والباحثة الفرنسية، في كتابها «فرق الموت: المدرسة الفرنسية»، بإسهاب السياسات والتكتيكات التي اتّبعها الجيش الفرنسي بغية ترويع الحاضنة الاجتماعية للثورة الجزائرية، وفي مقدّمتها اعتماد أساليب كالإذلال المتعمّد للمعتقلين والمعتقلات عبر تعريتهم، وإخضاعهم لشتّى صنوف التعذيب والاغتصاب.

هذا الصنف من الإذلال كان منهجياً وبمثابة سلاح حرب. بات من المسلّم به اليوم أن حرب الجزائر كانت بالنسبة إلى قوى الاستعمار، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل، نموذجاً إرشادياً، وأن بعض القادة العسكريين الإسرائيليين، رفائيل إيتان، رئيس الأركان الصهيوني خلال اجتياح لبنان في 1982، قاتل مع الجيش الفرنسي خلالها إلى جانب ضباط إسرائيليين آخرين.

إسرائيل هي الوريث الشرعي لكل تاريخ الاستعمار الغربي الدامي، والذي نعرف جميعاً المصير البائس الذي آل إليه رغم هول جرائمه. الرأس المرفوع للمعتقل الفلسطيني ونظرة التحدي في عينيه في مقابل الجلّاد الصهيوني يقولان الكثير، بالنسبة إلى من يريد أن يرى، عن مصير هذا الكيان ومستوطنيه.

*وليد شرارة باحث في العلاقات الدولية

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل الاستعمار الغرب الاستباحة المقاومة الإبادة فلسطين أسرى الحرب مكافحة التمرد حرب الشعب الجیش الفرنسی لم تکن

إقرأ أيضاً:

غزة عام الحرب والمقاومة

اليوم متمم لعام كامل على حرب الابادة الجماعية التى يمارسها الكيان الغاصب ضد أهلنا فى غزة. حرب يشاهدها ٨ مليارات شخص سكان الكرة الأرضية و٤ مليارات مسلم ومسيحى ولم تحرك تلك المشاهد التى تمثل أكبر جريمة للابادة الجماعية والتطهير العرقى فى تاريخ البشرية  ساكنا لـ٤٦٠ مليون عربى فى صمت غريب ومريب وجامعة عربية مترهلة فقدت وجودها وحضورها الدولى، وهى ترى نزيف الدم العربى لا ينتهى بآلة حرب لا هوادة فيها بأحدث أنواع الاسلحة الفتاكة والمدمرة وباستخدام الاسلحة الممنوعة دولياً وبدعم امريكى شامل سياسيا وعسكريا وماديا واصبحت امريكا طرفا أصيلا فى هذا الصراع الذى يخالف كل مبادئ الانسانية ودمرت البنية التحتية فى غزة بالكامل، كما دمرت ٧٠%من مبانى غزة ودمرت المدارس والمستشفيات والشهداء من الاطفال والنساء وتسرب اليأس والقنوط إلى نفوس الناس من مرور عام على تلك الحرب المسعورة دونما موقف دولى قوى يدعو لوقف تلك المجازر التى يأبى الضمير الانسانى ان يقف متفرجا على القتل اللحظى والدمار الكلى وعجز الامم المتحدة ومجلس الامن عن اتخاذ موقف يدين ويمنع هذا العدوان السافر وفى ظل هذه المآسى يبقى صمود المقاومة وقتلها وإصابتها لعشرات الآلاف من جنود الكيان الغاصب وأسرها لأكثر من ٢٥٠ وبقاء ١٠٠ أسير فى حوزتها بالرغم من كل تلك الاسلحة الحديثة وبمساعدة أمريكا ظلت المقاومة صامدة وتتحدى صلف وغرور الكيان الغاصب وبمساعدة المجتمع الدولى المتخاذل الذى اكتفى ببعض بيانات التنديد والشجب والحديث عن بطولات رجال المقاومة لا ينتهى، فهم شعب الله الجبارون وصمودهم دليل عزة وفخر لأحرار العالم ضد هذا التيار الجارف للطغيان والظلم، وهم بارقة الأمل فى انتهاء هذا الاحتلال البغيض واستعادة الارض والكرامة واليوم ذكرى عزيزة لم ولن تنسى فى وجدان المصريين والعرب قاطبة وهو يوم النصر المبين فى السادس من أكتوبر ٧٣. يوم من ايام العرب المجيدة ملحمة صنعها الأبطال جنود القوات المسلحة المصرية يوم عودة الروح الى الأمة العربية وبإرادة صلبة لا تلين انكسرت شوكة وأكذوبة الجيش الذى لا يهزم وتخطى الابطال خط بارليف المنيع وقامت كافة المؤسسات العسكرية بدراسة كيف استطاعت القوات المسلحة عبور هذا الخط المنيع الذى لم يتخيل الاسرائيليون يوماً ما قدرة أى قوات على عبور خط بارليف وقد أذهلت الخطط العسكرية المصرية العالم بأسره وأدت إلى نصر خالف كل التوقعات وعاد كامل تراب الارض المصرية بقيادة رجل الحرب والسلام محمد أنور السادات والكلمات تعجز عن وصف هذه الملحمة التاريخية وستكون درسا لكل الاجيال ويوم فخر للعرب والمصريين والمجد للشهداء الذين بدمائهم حررت إرادة وعادت سيناء الحبيبة إلى ربوع وطننا الغالى مصر.. فتحية إعزاز وتقدير إلى رجال القوات المسلحة المصرية الأبطال.

مقالات مشابهة

  • مسيرات المقاومة العراقية تستهدف الجولان المحتل
  • حزب الله يتصدى لمحاولات تقدم الاحتلال بـ 17 عملية على الحدود
  • الرئيس الفرنسي يحث على وقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل التي تستخدم في غزة
  • حزب الله يواصل تصديه لقوات العدو عند الحدود اللبنانية الفلسطينية
  • الشاعر المناضل حنا إبراهيم.. قاوم الاستعمار والاحتلال من أجل الهوية الفلسطينية
  • اشتباكات بين المقاومة الإسلامية والعدو في محيط بلدية العديسة
  • غزة عام الحرب والمقاومة
  • إحتفالات 26 سبتمبر المفاصلة الإجتماعية الهوياتية , الدولة العميقة ومخلفات الإستعمار البريطاني
  • بيان جديد لحزب الله عن العبوات التي استهدفت الجيش الاسرائيلي.. هذا ما جاء فيه
  • حزب الله: مقتل 17 ضابطا وجنديا في صفوف الجيش الصهيوني