ياسين سعيد نعمان وخيانة المثقف
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
أحمد يحيى الديلمي
طالما سمعنا وقرأنا عن خطورة خيانة المثقف على مستويات الوعي الجماهيري وخلق حالة يأس وإحباط لدى العامة، خاصة عندما يكون المثقف الذي ينحدر إلى دهاليز الخيانة قد تربّع على عرش القلوب ردحاً من الزمن، وتحوَّل إلى مرجع مميز في الفكر والثقافة والسياسة ، وفجأة على حين غفلة من الزمن الجميل الذي طالما بشر به ينحدر إلى قاع الخيانة ويتنكر لكل الأخلاق والقيم والمبادئ التي طالما ملأ عقول البسطاء بها وتحول معها إلى فارس من طراز فريد احتفظ بذاته في أحلك الظروف التي مر بها الوطن .
من الخلفية السابقة التي أسلفتُ يمكن الحديث عن حالة الذهول التي أُصبتُ بها مصحوبة بحسرة وألم شديدين وأنا أشاهد الدكتور ياسين نعمان يتحدث على شاشة الحدث الأكبر .
أنا عادة أتجنب مشاهدة هذه القناة الموبوءة لأنها تبث السموم التي تعمق الأحقاد وتبقي على الجراحات النازفة في جسد الأمة كما هي عليه خدمة لغايات وأهداف أمريكية بريطانية صهيونية قبيحة .
ظهور الدكتور شدَّني للتوقف عند القناة ومتابعة ما يُدلي به ليقيني أن الرجل سيُظهر حالة من التوازن ويتمسك بالمواقف التي صدرت عنه منذ امتهن السياسة وتميز بها أكثر عندما رأس أول مجلس للنواب موحد عقب إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة ، وكذلك أثناء توليه منصب أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني .
المفارقة العجيبة أن سقوط الرجل الأخلاقي لم يتوقف عند الاستهانة بالموقف البطولي العظيم لقيادة المسيرة القرآنية المساند لأبناء شعبنا الفلسطيني في غزة واتهام الحوثيين- بحسب وصفه- بعسكرة البحرين الأحمر والعربي والتباكي على معاناة الشعب اليمني ، لكنه للأسف برر الضربات البربرية لأمريكا وبريطانيا عندما قال أنها تستهدف المواقع الإيرانية في اليمن خلافاً للتصريحات التي أدلى بها عقب زيارته لصعده في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة ، فقد أسهب في الحديث عن مظلومية أنصار الله ونفى نفياً قاطعاً أن يكون لإيران أي دخل أو علاقة بما يجري في صعدة وأنه شأن ذاتي تبناه الشهيد القائد نتيجة الإحساس بالظلم والتهميش المتعمد ، ومع هذا التناقض كيف يمكن أن نقيِّم مواقف الرجل ؟! وهل أصبحت الأخلاق والقيم هكذا تُباع بأثمان رخيصة مقابل منصب أو حفنة من الدولارات؟! يبدو أن الدكتور غض بصره وصم سمعه عما يجري في غزة والمشاهد البشعة الغاية في الإجرام وحرب الإبادة الشاملة غير المسبوقة في التاريخ الإنساني ، كل هذه المشاهد لم تحرك ساكناً لدى الدكتور ، وحصر اهتمامه فقط في المواقف العظيمة التي يتبناها اليمن وجيشه الباسل ضد العدو الصهيوني ليقلل من أهميتها ويعتبرها مجرد محاولة لإثبات الذات .
ما هكذا يا دكتور تورد الإبل ، فالعدو الصهيوني كما تشاهد وترى يطحن الحجر والبشر والحيوان والشجر بحقد دفين ورغبات مبيّتة هدفها أمريكي معروف وهو تجريف كل مقومات الحياة في هذه المدينة الباسلة تمهيداً لتنفيذ المشروع والمخطط الإجرامي المتمثل في القناة الموعودة ، ولهذا تسعى أمريكا عن طريق الكيان الصهيوني لاستكمال التغيير الديمغرافي تنفيذاً لهذه الخطط الإجرامية واستكمالاً لمشروع الشرق الأوسط الجديد ، وللأسف الشديد كل هذه المعطيات لم يتنبه لها الدكتور ياسين سعيد نعمان ، وهو انسان حصيف ومعروف بالنباهة ، إلا أنه كما يُقال بريق الدولار أعمى البصائر في الصدور ، فأصبحت تتخبط يميناً وشمالاً دون أن تميز بين الحق والباطل ، وكما قال أحد الاشتراكيين المتسم بالوطنية والصدق (قد نقبل مثل هذا الكلام من حميد الأحمر أو صغير عزيز وأمثالهم ، لكنا لم نقبله من رجل مثل الدكتور ياسين سعيد نعمان )، قلت : ماذا نعمل إذا كان الرجل قد انحرف وأغراه المال وأصبح مجرد بوق يُردد ما تمليه عليه المخابرات البريطانية ، وفي هذا المقام لا ننسى أن نُحيي بإكبار وإجلال الشيخ المناضل الكبير يحيى منصور أبو أصبع- رئيس الحزب الاشتراكي اليمني ، أكرر اليمني .. اليمني لأن هؤلاء فعلاً هم اليمنيون، هو ومن معه من أعضاء الحزب الذين ناضلوا وصمدوا داخل الوطن في ظل العدوان والحصار ، فلهم منا ألف تحية ولا عزاء للدكتور ياسين الذي اختار لنفسه هذا المصير المظلم والخاتمة البائسة ، والله من وراء القصد ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الدكتور ياجي الرحيل قبل فتح الملفات
يعتبر الدكتور خال ياجي من أبرز رموز قيادات أنتفاضة إبريل 1985م باعتبار كان الرجل الثاني في نقابة الأطباء، رغم أن الجزولي دفع الله كان رئيسا للنقابة، إلا أن دكتور ياجي كان الرجل الفاعل فيها الذي يلتقي بجميع التنظيمات الأخرى، و كان محورا أساسيا في عملية التعبئة و الحشد في كل جوانبها.. عرفت الدكتور ياجي عام 1979م عندما ذهبت مع الوالدة لإجراء عملية للغدة الدرقية لها، و بعد العملية طلب ياجي منها أن تواظب على أخذ دواء " حبة" يوميا، و لكن لضعف الثقافة الصحية الوالدة أهملت الدواء، و رجعنا إليه مرة أخرى و أجرى لها عملية، و قال لها أن أخذ الدواء و المواظبة عليه في المواعيد أهم من العملية نفسها، لأنه لا يجعل الغدة تتضخم مستقبلا.. المرة الثانية التقيت بالدكتور ياجي في متابعتي حركة التجمع النقابي الذي كان بارزا فيها.. و أيضا كان هو منظم ملتقى كوكادام.. و المعلومة التي لا يعرفها أغلبية الاتحاديين، أن الدكتور ياجي هو الذي لفت نظر القطب الاتحادي محمد توفيق للاستفادة من استقلال الظرف و دفع الحركة الشعبية للانخرط في العملية السياسية، و تم ترتيب له بالإلتقاء مع الدكتور جون قرنق، و عندما وصلا لتوافق في بعض القضايا أتصل محمد توفيق بالسيد سيد احمد الحسين لمواصلة الاجتماع مع قرنق و بعد الاتفاق و الأنتهاء من الصياغة، جاء الميرغني و وقع على الاتفاق الذي أطلق عليه " اتفاقية الميرغني قرنق"..
في عام 1986م طلب مني الأخوين الصحافيين عبد الرحمن الأمين و محمد لطيف أن أحضر معهم اجتماع سوف يعقد أمام منزل يوسف التني المواجه لمسجد انصار السنة في الصافية، لمجموعة تريد تأسيس حزب جديد، و جدت هناك كل من عبد المجيد أمام و خالد ياجي و عمر عبود و مصطفي عوض الكريم و شاكر الذين و أحمد الصافي و أخرين، كان هو الاجتماع التأسيسي لحزب "المؤتمر الوطني" و بعد الانقلاب الذي عطل عمل الأحزاب.. تحولت هذه المجموعة لعمل سياسي ضد الانقلاب، و كونت " التحالف الوطني" الذي شارك فيه "المؤتمر الوطني" و كان يمثله مصطفي عوض الكريم و تيسير محمد أحمد و صلاح بشير و " منظمة العمل الاشتراكي" التي كان يمثلها عبد العزيز أحمد دفع الله و مضوي أبراهيم أدم و " اتحاد القوى الوطنية" و يمثلها محمد على المحسي و عدلان الحردلو و عوض الكريم محمد أحمد، و أيضا من الاتحاديين كان هناك النقابي حيدر حضرة و عبد الحفيظ الكاروري.. هذا التحالف تبنى الكفاح المسلح ضد " الإنقاذ" و أسس " قوات التحالف" بقيادة عبد العزيز خالد..
التحالف الوطني نفسه كان له رموز يعملون في الداخل منهم إبراهيم الشيخ و عبد القيوم و كان هناك لقاء بالحركة الطلابية خاصة مؤتمر الطلاب المستقلين و من بعد المحايدين منهم عيسى شاهين و جمال على التوم و الصادق أسماعيل و محمد زين.. كانت الحركة الطلابية تجد دعما كبيرا من أنور أدهم.. الشخص الوحيد الذي رفض الانخراط في العملية العسكرية و فضل العمل السياسي هو الدكتور محمد زين الذي يخرج "لايف دائما الآن"..
أراد الدكتور خالد ياجي و عبد العزيز دفع الله و شاكر الزين و مصطفي عوض الكريم أن يعيدوا نشاط القيادات النقابية التي كان لها دور في " عمل التجمع النقابي" الذي قاد انتفاضة إبريل 1985م تحت أسم جديد هو " المجلس الأعلى للنقابات" لكن للأسف أن بعض قيادات النقابات المنتمين سياسيا تعذروا بأنهم نزلوا تحت الأرض و لا يستطيعوا المشاركة.. كل هذه التحولات التي جرت على الساحة السياسية لعب فيها الدكتور خالد ياجي دورا كبيرا..
القضية الأخرى أن المتابعات التي كان يقوم بها كل من إبراهيم الشيخ و عبد القيوم توقفت تماما، لأسباب غير سياسية المعلوم أن إبراهيم الشيخ كان يعمل في مؤسسة الكهرباء في قسم " المشتريات و العطاءات" و كانت رئيسة القسم هي أم البنت التي تزوجها إبراهيم الشيخ، و هي التي عرفته في ذلك الوقت بمجذوب الخليفة قبل المفاصلة 1999م ، و الذي عرفه بدوره بالدكتور عبد الوهاب عثمان وزير المالية الذي كان سببا في التسهيلات التجارية.. بعد المفاصلة كان الدكتور الترابي قد دعا لاجتماع لتجار الحركة الإسلامية حضر إبراهيم الشيخ و عبد القيوم هذا الاجتماع الذي دعا فيه الحضور لدعم الحزب.. هنا تسأل عبد القيوم لماذا تمت دعوتنا نحن؟ لا اعرف إذا كان وجد إجابة من الذي دعاه أم لا....!
بعد ما ضربت الصراعات قوات التحالف السوداني، و اشتد الصراع بين أطرافها توقف الدكتور خالد ياجي عن العمل السياسي المنظم، و ظل بعيدا من الانتماءات، لكن عندما انفجرت ثورة ديسمبر، و بدأ الاعتصام أمام القيادة العامة، اتصل به كل من مدني عباس مدني و محمد ناجي الأصم أنهم بصدد تكوين مجموعة من قدامة الناشطين النقابيين و السياسيين ليكونوا مرجعية لهم.. و بالفعل اتصل الدكتور ياجي بعدد من الذين كانوا قد شاركوا في قيادة انتفاضة إبريل، لكي يتجاوز شعار " تسقط بس" الذي انتهى مفعوله و صياغة مشروع سياسي جديد يرجع الناس لمنصة التأسيس للاتفاق على هذا المشروع السياسي.. لكن توقف الدكتور خالد ياجي عن العمل و قال أن الزيارة التي قام بها كل من مدني عباس مدني و محمد ناجي الأصم و أخرين لدولة الأمارات جعلتهم يغلقوا تلفوناتهم تماما، و لا يعاودوا الاتصال به مما يؤكد أن هناك مؤثرات جديدة هي التي سوف تقود العملية السياسية..
للأسف لا أدري إذا كان الدكتور خالد ياجي قد كتب مذكراته أم لم يكتبها، هو رجل يمتلك العديد من المعلومات التي تتعلق بإنتفاضة إبريل و دور الأحزاب فيها، و أيضا التغييرات التي حدثت عقب نجاح الانتفاضة و الحوار الذي دار بين قيادات التجمع النقابي و العسكريين، و أيضا عن كوكادام و عن تكوين المؤتمر الوطني و التحول إلي التحالف الوطني، و لماذا لم يعود لكي يباشر وره السياسي بعد الصراع الذي ضرب قوات التحالف.. رحم الله الدكتور ياجي و كان رجلا مناضلا و كان نبيلا في خلقه و في مساعدة مرضاه و زملائه.. نسأل الله له الرحمة و المغفرة و القبول الحسن..
zainsalih@hotmail.com