في سبتمبر/أيلول 2022، سحق قطار الذراع اليمنى للبريطانية سارة دي لاغارد، وإحدى ساقيها أيضا. والآن أصبحت سارة أول امرأة في العالم تستخدم ذراعا إلكترونية تتحكم بها رقاقة تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، يمكنها قراءة أفكار سارة، وتنفيذ الأوامر التي يصدرها دماغها.

بلغت قيمة هذه الذراع أكثر من 318 ألف دولار. وتصف سارة اليوم نفسها بأنها إنسان طبيعي بنسبة 80% وروبوت (إنسان آلي) بنسبة 20%، ويذكرنا هذا الوصف ببطل فيلم الخيال العلمي، "ترقية" (Upgrade) الصادر عام 2018، الذي يصبح البطل فيه "ليس إنسانا ولا آلة، بل شيئا أكثر من ذلك"، وذلك بعد زرع رقاقة إلكترونية في دماغه تجعله يستعيد جسده الذي أصيب بالشلل خلال هجوم تعرض له وأنهى حياة زوجته.

سيصبح جسد ستايسي أفضل مما كان عليه قبل الهجوم، لكنه يفقد السيطرة على أفعاله، التي باتت تتحكم بها تلك الرقاقة، التي انصب تركيزها على الانتقام ممن أنهى حياة زوجته.

ما السايبورغ؟

السايبورغ (cyborg)‏ كائن يتألف من مزيج من مكونات عضوية وبيوميكاترونية، وقد ظهر المصطلح لأول مرة في عدد سبتمبر/أيلول 1960 من مجلة "الملاحة الفضائية" (Astronautics)‏، وهو اختصار لتعبير (cybernetic organism) بالإنجليزية، الذي يعني "متعضٍّ سيبرناطيقي".

ولكن مع أن المصطلح قديم إلا أن زرع رقاقات إلكترونية في جسد الإنسان لم يبدأ إلا نهاية القرن الماضي.

ففي يوم الاثنين 24 أغسطس/آب 1998، أصبح البروفسور كيفين وارويك، مدير علم التحكم الآلي في جامعة ريدينغ في المملكة المتحدة، أول إنسان يستضيف رقاقة إلكترونية في جسده.

زرعت في ذراعه هذه الرقاقة، التي تبلغ مساحتها 23 ملم × 3 ملم، والتي سمحت له بولوج عديد من الأبواب المشفرة في المبنى الذي يعمل به وتشغيل الأنوار آليا. وبقيت هذه الرقاقة الإلكترونية في يده 9 أيام فقط، إذ نُزعت بعد ذلك خوفا من حدوث مضاعفات طبية. وتم الاحتفاظ بها منذ ذلك الحين في متحف العلوم في لندن.

استمر العمل على تطوير الرقاقات الإلكترونية الملائمة للزرع في جسد الإنسان منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا. وأدى الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي السنوات القليلة الماضية إلى تسارع وتيرة تطوير هذه الرقاقات، بعد أن رأى عديد من المفكرين وكبار رجال الأعمال أهميتها في مجال العلاجات الطبية وقدرتها على رفع مستوى قدرات الإنسان.

ونوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال إيلون ماسك للجمهور: "نحن على ثقة من أن أي شخص غير قادر على الاتصال بالعالم الخارجي (بسبب عاهات) سيكون قادرا على التحكم في هاتفه بشكل أفضل من أي شخص لديه يد طبيعية".

شركة نيورالينك المملوكة لماسك حصلت على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية لإجراء تجارب على البشر (الجزيرة)

وخلال مايو/أيار الماضي، حصلت شركة "نيورالينك" (Neuralink) -المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك- على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لإجراء تجارب على البشر في مجال زرع رقاقة إلكترونية تعالج الشلل واضطرابات الدماغ والحبل الشوكي، وإعادة البصر إلى فاقديه.

لكن شركة "بلاك روك نيوروتك" (Blackrock Neurotech) قالت إنها سبقت نيورالينك في زرع الرقاقات في دماغ الإنسان، إذ زرعت رقاقتها "نيورو بورت آراي" (NeuroPort Array) في أدمغة عشرات الأفراد حيث مكنتهم من التحكم في الأطراف الروبوتية والكراسي المتحركة ولعب ألعاب الفيديو وحتى استعادة المشاعر.

وتستخدم شركة بلاك روك رقاقة مزروعة -تشبه فرشاة شعر صغيرة- تضم 100 قطب كهربائي تشبه السنابل، وهي قادرة على قراءة وتحفيز النبضات الكهربائية. ويمكن وضع هذه الرقاقات في أي مكان على سطح الدماغ، كما يمكن زرع عديد منها في دماغ الشخص الواحد.

وتسعى الشركة الآن للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية للأجهزة المصممة للاستخدام خارج المختبر، مثل تلك التي يستخدمها الأشخاص المصابون بالشلل في المنزل.

والجدير بالذكر أن تجارب زرع الرقاقات الإلكترونية في الحيوانات سبقت ذلك، فالصين زرعت رقاقات إلكترونية في دماغ قرد، أتاحت له التحكم في ذراع آلية موصولة به.

وانتشرت الرقاقات الإلكترونية المزروعة تحت جلد ذراع الإنسان في بعض بلدان العالم، خاصة السويد، حيث باتت تستخدم بدلا من المفاتيح وبطاقات المواصلات العامة والهويات الشخصية وبطاقات الائتمان.

مستقبل زراعة الرقاقات في دماغ الإنسان

يعاني مئات الملايين من البشر شكلا واحدا أو أكثر من أشكال الضعف الحسي أو العصبي، ويمكن للرقاقات الإلكترونية أن تعالج ذلك، لكن الأمر لا يقتصر على هذا، إذ يمكن لبعض الرقاقات التي يجري تطوريها أن تعزز الإمكانات الحسية للإنسان، فمثلا يوفر بعضها حاليا إمكانية إدراك الألوان فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء التي تقع خارج النطاق الطبيعي للإدراك البشري.

وتهدف عملية زرع رقاقات إلكترونية في دماغ الإنسان إلى تأسيس ما تسمى "واجهة الدماغ والحاسوب" (Brain-Computer Interface) المعروفة اختصارا بـ"بي سي آي" (BCI). وهي طريقة جديدة للاتصال المباشر بين دماغ الإنسان والحاسوب، تلغي الحاجة لاستخدام الحواس الأخرى، فهي تسمح للإنسان أن يصدر أوامر مباشرة لأي جهاز إلكتروني سواء كان متصلا بجسده أو منفصلا عنه، وذلك باستخدام نشاط الدماغ فقط، مما يسمح بربطه مباشرة بشبكة الإنترنت وبرمجيات الذكاء الاصطناعي.

وفي هذا الصدد، يقول ماسك: "ليس بوسع البشر التنافس مع الذكاء الاصطناعي المتنامي، ولذلك هم بحاجة لدمج الذكاء الاصطناعي بهم كي لا يصبحوا كائنات هامشية".

وأسس عالم الحاسوب والمفكر المستقبلي الأميركي راي كورزويل والمهندس والطبيب الأميركي بيتر ديامانديز عام 2008، "جامعة التفرد" (Singularity).

وهي ليست جامعة بالمعنى التقليدي بل مؤسسة تقدم النصح والدعم في مجال التطور التكنولوجي المتسارع، الذي يتوقع أن يمكن الذكاء الاصطناعي خلال أربعينيات هذا القرن من تطوير نفسه بنفسه بشكل متواصل ومن دون حاجة لتدخل بشري، ليصبح التطور خلال يوم واحد أكبر من التطور الحاصل خلال مليون سنة سابقة.

ووفقا لعالم الحاسوب كورزويل، فإن تكنولوجيا المعلومات تنمو بشكل أسيّ وليس خطي، والاختلاف واسع. فعندما آخذ 30 خطوة بشكل خطي، فسوف أتقدم إلى المربع رقم 30. أما إذا أخذت 30 خطوة بشكل أسي، فسوف أتقدم إلى المربع رقم مليار. ولذلك فمن الضروري "ربط قشرتنا الدماغية، وهي القسم المسؤول عن التفكير، بالحوسبة السحابية"، على حد قول كورزويل.

ولهذا، يبدو أن عصر السايبورغ قد بدأ فعلا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

أبوظبي.. أول برنامج بكالوريوس في مجال الذكاء الاصطناعي

أعلنت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي إطلاق أول برنامج بكالوريوس في مجال الذكاء الاصطناعي، مُحدثةً تحولاً جذرياً في التعليم الجامعي لهذا المجال.
إذ يتميّز البرنامج بنهجه الشامل الذي يجمع ما بين المعرفة التقنية المعمّقة، ومهارات القيادة، وريادة الأعمال، وخبرة قطاع الصناعة، والتطبيقات العملية، ما يجعله متميّزاً عن المناهج التقليدية.
يعد «برنامج بكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي» نموذجاً مبتكراً متعدد التخصصات يزوّد الطلاب بأسس متينة في مجالات الذكاء الاصطناعي المختلفة، بما في ذلك تعلّم الآلة، ومعالجة اللغة الطبيعية، والرؤية الحاسوبية، وعلم الروبوتات.
ويشمل البرنامج تدريباً مكثفاً في الأعمال، والشؤون المالية، والتصميم الصناعي، وتحليل السوق، والإدارة، ومهارات التواصل.
ويعتمد البرنامج في مضمونه العلمي على نهج عملي يعزز التفكير الريادي، ما يمكّن الطلاب من قيادة التحولات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي ويهدف إلى إعداد مفكرين يتمتعون برؤى مميّزة ومهارات متعددة لحل التحديات والمساهمة في تطوّر هذا المجال على المستوى العالمي.
وأكد معالي خلدون خليفة المبارك، رئيس مجلس أمناء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أهمية هذا البرنامج الذي سيسهم في إحداث تحول جذري تحقيقًا لرؤية القيادة الحكيمة لضمان مواصلة الإمارات ترسيخ مكانتها الرائدة في مجال الأبحاث الخاصة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقه واستثمار إمكاناته لدفع عجلة الابتكار، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق التقدّم المجتمعي.
ونوه إلى أن البرنامج سيسهم أيضا في تزويد الجيل القادم بالمهارات التقنية المتقدّمة والفهم الشامل لدور الذكاء الاصطناعي، مما يعزز قدرة الدولة على بناء قوة عمل مؤهلة ومتخصصة تقود التحولات المستقبلية في الذكاء الاصطناعي بما يحقق مصلحة الدولة والمنطقة والعالم أجمع. وإلى جانب تزويد الطلاب بالمهارات التقنية الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي، تكرّس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي جهودها لإعداد الجيل القادم من المبتكرين، والمطورين، والمديرين، والقادة في هذا المجال.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، يعزز هذا البرنامج الشامل مهارات الطلاب القيادية، ويُكسبهم أساسيات الشؤون المالية والقانونية والإدارية، بالإضافة إلى مهارات التواصل والتفكير النقدي، ما يؤهلهم لدفع عجلة تطوير الذكاء الاصطناعي واعتماد تطبيقاته في المستقبل.
ويعتمد البرنامج على نموذج التعليم التعاوني الذي يتمحور حول التعاون بين المعلمين والطلاب ويدمج الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب التجربة الأكاديمية، ليؤدي دوراً محورياً في عملية التعلّم.
وتشمل مساقات البرنامج محاور متقدمة، مثل التعلّم العميق، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والذكاء الاصطناعي في مجال العلوم، بالإضافة إلى التدريب في مجالات الأعمال وريادة الأعمال.
من جهته، أكد البروفيسور «إريك زينغ»، رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والبروفيسور الجامعي أن البرنامج يأتي ضمن الرؤية المستقبلية للجامعة.
وأشار إلى أن البرنامج يجمع تعليم الذكاء الاصطناعي مع ريادة الأعمال، واستكشاف المشكلات، واكتساب المهارات الأساسية لتطوير المنتجات وأكد الحرص على إعادة تعريف مفهوم التعليم في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ لا يقتصر البرنامج على إعداد مهندسين فحسب، وإنما يعد أيضاً رواد أعمال، ومصممين، ومؤثرين، ومديرين، ومبتكرين قادرين على قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات، وفي جميع المراحل.
ويجمع البرنامج ما بين التدريب متعدد التخصصات والتعلّم العملي ويطّلع الطلاب من خلاله على مجالات متنوّعة، تشمل العلوم الإنسانية، والأعمال، والفنون الحرة، ليمنحهم منظوراً أوسع يتجاوز نطاق علوم الحاسوب والتخصصات العلمية التقليدية وليكتسبوا خبرة عملية من خلال فترات تدريب تعاونية في القطاع الصناعي، إلى جانب برامج تدريبية وإرشادية، وشراكات مع كبرى الجهات الفاعلة في مجالات الصناعة والبحث في الذكاء الاصطناعي.
يشمل البرنامج مسارين أكاديميين متميّزين هما مسار الأعمال، الذي يركز على التكامل التجاري وريادة الأعمال، ومسار الهندسة، الذي يركز على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ونشرها، وتعزيز استخدامها في مختلف القطاعات.
ويتوافر للطلبة الملتحقين بالبرنامج بيئة متكاملة تضم موارد حاسوبية متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، وفصولاً دراسية ذكية، ومساحات مخصصة للحاضنات إلى جانب تلقي علومهم على أيدي هيئة تدريسية عالمية تتمتع بخبرة واسعة في الأوساط الأكاديمية والصناعية.
يُذكر أن التقدّم للالتحاق بهذا البرنامج الرائد متاح أمام الطلاب المحليين والدوليين، ويهدف لاستقطاب ألمع المواهب وأكثرها طموحاً، ما يعزز مكانة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي جهة رائدة في التعليم الجامعي بمجال الذكاء الاصطناعي.

أخبار ذات صلة الذكاء الاصطناعي نجم معرض برشلونة للأجهزة المحمولة ميزات جديدة لمساعد الذكاء الاصطناعي "Gemini" المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي
  • الشراكات الدولية وتعزيز الريادة الإماراتية في الذكاء الاصطناعي
  • %92 من الطلاب يستخدمونه.. الذكاء الاصطناعي يهدد جوهر التعليم الجامعي
  • الدماغ البشري يتفوّق على الذكاء الاصطناعي في حالات عدّة
  • الذكاء الاصطناعي يقود ثورة في الأسواق.. فرص استثمارية واعدة بمبلغ 200 دولار
  • «إي باي» تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسريع عمليات الشراء والشحن
  • حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية
  • أبوظبي.. أول برنامج بكالوريوس في مجال الذكاء الاصطناعي
  • الجزائر في طليعة تبني الذكاء الاصطناعي في إفريقيا
  • سامسونج تطلق Galaxy A56 مع دعم ميزات الذكاء الاصطناعي