حمد الحضرمي **

وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعدما مرت على النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة؛ حيث فَقَدَ عمه أبي طالب وزوجته خديجة بنت خويلد، وأذية أهل قريش له، وما أسفرت عنه محاولته إلى الطائف من مشاق ونتائج أليمة، ثم ما لقيه من أهل قريش عند عودته إلى مكة من عنتِ وصلفِ أثرت على النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد توجه نبينا الكريم إلى الله تعالى شاكيًا همومه ومعاناته، ملتمسًا النصر والتمكين، مجددًا العزم على المضي قدمًا في تحمل مسؤوليته في نشر الدعوة الإسلامية، مستهينًا بكل الصعاب ما دام هذا الأمر يرضي الله عنه، وقد جاءت بعد كل هذه المآسي والأحزان حادثة الإسراء والمعراج تسلية عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم ومواساة له وتكريمًا وتثبيتًا، وقد وقعت هذه الحادثة في السنة العاشرة من البعثة وقبل هجرة النبي إلى المدنية بأكثر قليلًا من السنة، وبعد وفاة عمه أبي طالب.

إن الإسراء والمعراج حادثتان متلازمتان؛ وهما ثابتتان بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقد نص الكتاب العزيز أن معجزة الإسراء قد تمت ليلًا، حيث انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف بأرض فلسطين "سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء: 1).

أما حادثة المعراج فهو الانتقال بالرسول صلي الله عليه وسلم إلى السماوات وتجواله في ملكوت الله في رحلة تتجاوز حدود التصور المادي وتصل إلى حدود الإعجاز الإلهي، لتصل به إلى سدرة المنتهى، وليطلع بحواسه ودون شك على آيات الله الكبرى، قال الله في كتابه الكريم "وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ (13) عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰٓ (15) إِذۡ يَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا يَغۡشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ" (النجم: 13- 18).

وقد صحت الرويات عن قيام المَلَك جبريل- عليه السلام- بشق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة وغسله لقلب الرسول بماء زمزم، وإفراغه الحكمة والإيمان في صدره، وبعد الإنتهاء من شق الصدر وغسله، أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، وهو راكب ظهر البراق، فقد ذكر أنس قول النبي صلى الله عليه وسلم "أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، فسار بي حتى أتيت بيت المقدس"، وفي بيت المقدس صلى الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض الأنبياء، ووصف هيئاتهم، ثم عرج إلى السماء السابعة مارًا بما قبلها من السماوات، حيث التقى بالأنبياء آدم ويوسف وإدريس وعيسى ويحيى وهارون وموسى وابراهيم- عليهم السلام- وقد رأى خلال هذه الرحلة السماوية الفريدة الجنة ونعيمها ووصف أنهارها وخاصة الكوثر، كما رأى النار ومن يعذب فيها، وسمع صريف أقلام الملائكة الكاتبين، ورأى البيت المعمور في السماء السابعة وما يدخله من الملائكة، كما وصف سدرة المنتهى، ووصف جبريل- عليه السلام- الذي قدم له خمرًا ولبنًا فاختار اللبن، فقال جبريل هي الفطرة، وفرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة في اليوم والليلة، ثم خفضت إلى خمس صلوات، قبل أن ينزل إلى بيت المقدس ليعود منه إلى مكة.

وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث له في تلك الليلة المباركة وكان مشفقًا أن يكذبه قومه، وقد صدقه المؤمنون وكذبه المشركون، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكرُبت كربة ما كربت مثلها قط، قال: "فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به".

ولقد افتُتِنَ المشركون بأخبار الإسراء متعجبين، واستنكروا أن يذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثم يعود في ليلة واحدة، في الوقت الذي يقتضيهم ذلك فترة شهرين، ورغم ذلك فقد اضطروا للاعتراف بصحة وصفه لمسجد بيت المقدس، وعندما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر بخبر الإسراء والمعراج صدقه دون تردد، وكلما وصف الرسول شيئًا لأبو بكر عن بيت المقدس قال صدقت، أشهد أنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأنت يا أبا بكر الصديق".

ويُستحب إحياء ليلة السابع والعشرين من رجب بفرضية الصلاة والذكر والتسبيح، وغيرها من أشكال الطاعات كقضاء حوائج الناس وإخراج الصدقات، ومن المهم الإطلاع وقراءة سيرة النبي العطرة، والصلاة والسلام على النبي، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشرًا". والصلاة على الحبيب من ذكر الله تعالى، فهي تشرح الصدر وتريح القلب وتكفر الذنوب.

اللهم صلى على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وندعو الله في هذه المناسبة العظيمة أن ينصر إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين المرابطين المجاهدين الأحرار، ويكتب لهم الغلبة والتمكين والنصر المبين.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أدعية الرقية الشرعية.. كلمات من السنة النبوية للحماية والشفاء

حسم الشيخ خالد الجمل، الداعية الإسلامي والخطيب بوزارة الأوقاف، خلال حديثه عن أدعية الرقية الشرعية الجدل حول حكم الرقية، ومدى مشروعيتها، مؤكدا أن الرقية الشرعية أمر ثابت بالوحي الشريف في مواضع عدة منها ما جاء في القران كقوله تعالي: «قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ» ومنها ما جاء توضيحا وتفصيلا في السنة النبوية المطهرة منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ جِبْرِيلَ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟» فَقَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: «بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ».

أدعية الرقية الشرعية

وأضاف الداعية الإسلامي خلال حديثه عن الرقية الشرعية، عن أدعية الرقية الشرعية أن الشفاء بالرقية أمر مباح و ثابت بالكتاب والسنة، موضحا أنها لا تعني الاستغناء عن التداوي والعلاج كما يتوهم بعض الناس، مضيفا أن الرقية جزء من أجزاء التداوي والتي أولها العلاج بالعقاقير والعلاجات التي يسرها الله للناس بالعلم والطب، متابعا: «من ظن أن الرقية فقط قد تشفي المريض دون عرضه علي الطبيب لوصف العلاج اللازم فهو إما واهم أو مخادع أو مدلس والدين منه براء».

أدعية الرقية الشرعية عن النبي

وبخصوص أدعية الرقية الشرعية، صَح أَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ» أخرجه البخاري، ويقول أيضًا: «أعوذ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» أخرجه البخاري.

وعن أدعية الرقية الشرعية، فقد جاء في حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي لما شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعًا يجده في جسمه منذ أسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» رواه مسلم، وغير ذلك من نصوص الرقية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الرقية الشرعية

وفي أدعية الرقية الشرعية روى مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ»، مؤكدة أن الرقية الشرعية تُعد وسيلة لتعزيز الإيمان والاعتماد على الله في جميع الأمور، بما في ذلك الصحة والعافية، فعندما يلجأ المسلم إلى الرقية، فإنه يظهر توكله الكامل على الله وثقته في قدرته على الشفاء، هذا الاعتماد الروحي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على النفس، مما يساعد على تحقيق الراحة النفسية والطمأنينة.

وأشار الخطيب بوزارة الأوقاف في تصريح لـ«الوطن»، إلى أن الرقية كانت معروفة عند العرب حتى قبل الإسلام، حيث كانت جزءا مما كان يعرف قديما بالطب البدوي والذي كان فيه أهل البادية يستعملون الرقية أيضا باعتبارها جزءا من التداوي المعروف وقتها حتى قبل الإسلام والدليل على ذلك حديث الإمام مسلم الذي روي فيه أن الصحابي عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نَرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ) لذلك أقر رسول الله ما كان يفعله أهل الجاهلية من رقية ولكن بالضوابط اللازمة التي يجيزها الإسلام.

الرقية الشرعية والعلاج بالأعشاب

ولفت «الجمل» إلى أن ما نسعه من بعض الناس عن أن الرقية والعلاج بالأعشاب والعسل وغيرها هو أمر ديني خاص بالإسلام فقط ليس صحيحا، وتسمية هذا النوع من التداوي باسم الطب النبوي هو أمر غير صحيح، إنما هو طب بدوي أقره رسول الله باعتباره لا يتعارض مع مصلحة الإنسان بشرط ألا يكون فيه محرم، موضحا أنه من السنة أن يرقي الشخص نفسه وأن يقرأ هو على نفسه أو على أهل بيته الآيات والأدعية المعروفة التي تشفي بإذن الله بعد الاستعانة بأسباب الشفاء التي يصفها الطبيب المعالج، مؤكدا أنه لا وجود لمن أسموا أنفسهم معالجا بالقرآن أو راقيا شرعيا أو مثل ذلك فكل هذه ما هي إلا أسماء لا علاقة لها بالقرآن أو السنة في عصرنا الحديث.

مقالات مشابهة

  • موعد صيام يوم عاشوراء 2024.. لماذا سمى بهذا الاسم؟
  • حكم قراءة القرآن بصورة جماعية.. الإفتاء توضح
  • موعد صيام عاشوراء 2024 وفضله وحكمه في الإسلام
  • علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية في السنة النبوية
  • موعد صيام عاشوراء.. «الإفتاء» توضح فضله وحكم صيامه
  • حكم صيام أول العام الهجري الجديد وما يتعلق به
  • سنة مهجورة كان يفعلها النبي بعد الانتهاء من الضيافة.. احرص عليها
  • أدعية يُستجاب لها في لمح البصر.. منها دعاء يونس عليه السلام
  • «الإفتاء» تكشف فضل سورة يس وحُكم السحر في الشرع (فيديو)
  • أدعية الرقية الشرعية.. كلمات من السنة النبوية للحماية والشفاء