ما علاقة الشيوعيين العراقيين بالإمام علي، وبالأديان السماوية.. ولماذا لم يتسلموا الحكم في العراق ؟!
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
بعد أن انتهت زوجتي من أداء الصلاة، نظرت إليّ بعينين مغرورقتين بالدموع، دون أن تنطق بكلمة واحدة..
قلت لها : ما بك، ولماذا تبكين؟
قالت: بصراحة كنت أبكي عليك، فكلما أفكر بيوم القيامة وساعة الحساب، يوجعني قلبي خوفاً عليك..
قلت : لماذا ؟
قالت: لأنك لا تصلي ولا تصوم ولا تحج إلى بيت الله، وأخاف عليك من نار جهنم .
ابتسمت لها، وانا أحاول أن اخفف من تراجيدية الموقف، فهذه المرأة الجنوبية الطيبة والنقية، تذرف دمعاً حاراً من أجلي لذا يجب أن أقول لها شيئاً لطيفاً.. فقلت لها ممازحاً: لقد حججتي بيت الله مرتين، اعطني واحدة من هاتين الحجتين إن أردتِ مساعدتي .. ؟!
قالت: ليتني أستطيع ذلك، فهذا الشيء الوحيد الذي لا أستطيع مساعدتك فيه. ثم ابتسمت وكأنها تذكرت شيئاً لتقول مستدركة: صحيح أنا خائفة عليك، لكن هناك أشياءً تبدد مخاوفي، وتجعلني مطمئنة بعض الشيء، ومن هذه الأشياء، أن الله غفور رحيم، وأنك إنسان طيب جداً، تحب الناس جميعاً، وتساعد الفقير والمحتاج، ورجل نزيه، لا تسرق، ولا تأكل المال الحرام، ولم تقتل أو تؤذِ إنساناً أبداً، وثالثاً، وهذا أمر في غاية الأهمية، أنك محب للإمام علي بن أبي طالب، ولك عين تبكي على الحسين بمناسبة وغير مناسبة، وهذه كلها تشفع لك عند الله يوم الحساب..
قلت لها: الحمد لله، وثقي أنا في غاية السعادة الان.. لملمت زوجتي سجادتها، وقالت لي بلهجة مؤثرة : -هل تعرف يافالح اننا، رغم مرور أربعين سنة على زواجنا، لم نتحدث في أمورنا الخاصة، بل ولم أطرح عليك سؤالاً واحداً من الأسئلة المهمة التي ظلت في رأسي حتى هذه اللحظة بدون اجوبة، حيث كنت احاول تأجيلها خوفاً من ان تسبب لك إزعاجاً أو حرجاً !!
قلت لها: وهل مازلتِ راغبة بطرح تلك الاسئلة ؟
قالت : بلى ..
قلت: إذن تفضلي واسألي.
قالت: إذا لم يزعجك ذلك
، لماذا صرت شيوعياً ؟
قلت لها: لأني ابن عائلة فقيرة، لم أجد غير الحزب الشيوعي صوتاً وفكراً يعبر بصدق عن آمال عائلتي، وطموحات وتطلعات طبقتي الكادحة.
قالت: وهل إن الشيوعييين جميعاً طيبون مثلك ياترى؟
قلت لها: نعم كلهم طيبون، وأطيب مني إذا كنت طيباً حسب ظنك.
قالت: أنا أعرف أن أغلب الشيوعيين العراقيين يحبون الإمام علي بن أبي طالب .. أليس كذلك ..؟
قلت لها: نعم بالتأكيد ..
قالت: لماذا يحبونه وهم ليسوا ( إسلاميين) ؟!
قلت لها: إن لهذا السؤال جوابين .. الأول، أن قيم وافكار وسيرة ونهج الإمام علي هي ملك عام ومشاع للإنسانية كلها – ولم يكن أبو الحسن حصة لهذا الدين، او لذلك الشعب قط، لذلك تجدين محبيه واتباعه ينتشرون بين مختلف الأديان والأقوام والملل. أما الجواب الثاني على سؤالك، فالشيوعيون يلتقون مع الإمام علي في طريق العدل والمساواة، والنزاهة، ونصرة المظلوم وعمل الخير دون انتظار الجزاء ،والحق، والوقوف مع الفقراء في نضالهم وجهادهم ضد مستغليهم، كما يلتقون معه في طريق المظلومية التاريخية التي تعرض لها الطرفان-مع الفارق طبعاً- ..
قاطعتني زوجتي قائلة:-هل صحيح أن الشيوعيين لايؤمنون بالله عزوجل ؟!
قلت لها: هذا غير صحيح، وهي دعاية تسقيطية معادية استخدمها سابقاً الرجعيون والبعثيون لعزل الجماهير الشعبية عن الحزب الشيوعي، وقطعاً فإنهم لن يتوقفوا عن استخدامها اليوم وغداً، وكلما تطلبت (الحاجة) ..!
إن الشيوعيين يا عزيزتي هم أقرب من غيرهم إلى الله الجميل الذي نعرفه ..
ولو بحثتِ العمر كله لن تجدي في جميع أدبيات وتراث وثقافة الحزب الشيوعي، سطراً واحداً يقول إن الشيوعي لا يؤمن بالله.. إنما هناك منظومة واسعة من الرؤى العلمية والمفاهيم والنظريات المتعلقة بالكون والطبيعة والمادة، والنشوء والخلق والإنسان والتطور وغير ذلك.. وكل هذه المنظومة تسبح في مياه المحيط العلمي فحسب، أي أنها لاتخوض في الشأن الديني او العبادات.. وطبعاً فإن الشيوعيين حالهم حال الآخرين، قد يختلفون مع بعض هذه النظريات، ويتفقون مع بعضها الآخر، وليس هناك جواب حاسم حول هذه القضايا الاختلافية والبحثية..
قالت: لديٌ سؤال سياسي لماذا لم يتسلم الحزب الشيوعي الحكم في العراق، بينما تسلمها حزب البعث مرتين، رغم أن البعث تأسس بعد الحزب الشيوعي بسنوات كما أعتقد ؟!
قلت لها: لأن الشيوعيين أناس شرفاء !!
قالت باستغراب: نعم ؟!!
قلت: سأوضح لك هذه النقطة: لقد كانت هناك فرص كثيرة وسهلة أمام الحزب الشيوعي لاستلام السلطة في العراق، لكن هذه الفرص لم تكن (نظيفة)، بمعنى أن استغلالها يتقاطع مع مبادئ واخلاق الشيوعيين وقيمهم، وهنا سأذكر واحدة من هذه الفرص: في عهد الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، اقترح أحد الضباط الشيوعيين على قيادة الحزب، اعتقال الزعيم عبد الكريم، وتسفيره إلى أي بلد يختاره، واستلام السلطة، علماً أن اعتقال الزعيم كان وقتها سهلاً، بخاصة وأن أغلب الضباط والمرافقين للزعيم كانوا أعضاءً في الحزب الشيوعي، او من أنصاره المخلصين.. لكن قيادة الحزب الشيوعي رفضت ذلك المقترح، رغم علمها أن البعثيين والقوميين كانوا يخططون للإنقلاب على ثورة تموز، وقد قال سكرتير الحزب وقتها: لسنا الذين يخونون حليفهم، ولا نحن الذين يغدرون بشريك نضالهم الوطني.. والزعيم قاسم حليفنا وشريكنا الوطني، فضلاً عن كونه قائد ثورة تموز، وأحد رموز الثورة وحركة التحرر.. لقد رفض الشيوعيون ذلك، لانهم يملكون قيماً وأخلاقاً ترفض الأفعال الغادرة.. أما البعثيون فقد غدروا وخانوا بأقرب الناس اليهم حين وصلوا الى السلطة مرتين، الأولى في شباط عام 1963، يوم جاؤوا بقطار أمريكي – حسب اعتراف أمين عام حزبهم علي السعدي- وكانت دماء المناضلين الشيوعيين، والوطنيين الأحرار، وقوداً لذلك القطار الأنگلو أمريكي.. أما المرة الثانية، فكانت بتموز عام 1968، وقصة الخيانة والغدر التي أوصلتهم إلى السلطة وقتها معروفة للجميع، بدءاً من خيانتهم لحليفهم النايف وجماعته، مروراً بغدر صدام حسين للرجل الذي رعاه وحماه وأوصله إلى ما هو عليه، وأقصد به الرئيس أحمد حسن البكر، أو الأب القائد كما كان يسميه صدام، ولم يكتف (الابن) بخلع ( أبيه ) من الرئاسة، إنما قام بتسميمه وقتله أيضاً، ولعل الصفحة الأكثر غدراً ودموية، ما قام به صدام من فعل غادر أيضاً بحق رفاقه أمثال عبد الخالق السامرائي وعدنان حسين
وغيرهم، في قاعة الخلد !
إن وصول البعث للسلطة بوسائط خسيسة ودموية، أمر يأنف منه الشيوعيون، ويرفضونه جملة وتفصيلاً مهما كانت المبررات لها.. إن المقدمات الصحيحة تفضي كما معروف إلى نتائج صحيحة، والعكس صحيح أيضاً. وبناءً على تلك الوسائل والمقدمات غير الشريفة التي وصل بها البعث إلى دفة الحكم في العراق، جاءت النتائج قاسية، بل وكارثية جداً، دفع الشعب العراقي ثمنها الباهض للأسف، وسيبقى يدفع هذا الثمن الفادح جيلاً بعد جيل ..!
قالت: بقي سؤال أخير .. بعد أكثر من خمسين عاماً على ارتباطك بالحزب الشيوعي (شحصلت) منه، وماذا ربحت ؟
قلت: لقد ربحت نفسي .. إذ ماذا سيستفيد المرء لو ربح العالم كله، وخسر نفسه؟!
فالح حسون الدراجي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الحزب الشیوعی فی العراق قلت لها
إقرأ أيضاً:
عن العشق المغربي لفلسطين.. حالة عشق لا تتكرر يا عبد الله!
"حالة عشق لا تتكرر يا عبد الله فلسطين" (الشاعر مظفر النواب)(1)
في ساحة "الفنا" الشهيرة في مدينة مراكش السياحية يقف عدد من بائعي العصائر الشعبية الفقراء الكرام، يبيعون العصير البارد الرخيص لري العطاشى في الساحة التي لا تعرف الهدوء، وفي نفس الوقت يروون عطشهم الشخصي لفلسطين، من خلال رفع أعلامها فوق العربات البالية، فالعطش قد يرويه العصير، أما فلسطين فلا ارتواء منها لمغربي!
وفي محلات الملابس الشعبية في السويقة في الرباط وغيرها من الأسواق الشعبية في المدن المغربية الأخرى، ترى الكوفية الفلسطينية إلى جانب القفطان والجلابية المغربية، وتلمح "تي شيرت" المنتخب الفلسطيني للكرة -الذي لم يحقق يوما أي إنجاز!- إلى جانب "تي شيرت” حكيم زياش أحد أبطال "أسود الأطلس" الحاصلين على المركز الرابع في كأس العالم 2022، والمعروف بمواقفه الداعمة لفلسطين.
يحب المغاربة فلسطين دون تكلف، ودون ادعاء، حتى أنهم لا يتحدثون عن هذا الحب عندما يعلمون أنك فلسطيني، ربما لأنهم لا يرون في هذا الحب منّة أو فضلا على فلسطين، أو لأنهم يعتقدون أن الحب لهذه الأرض، ومقدساتها، وقضيتها، هو شعور لا يحتاج إلى شرح، وأنه يستدعي الصمت أكثر من الكلام، خصوصا في ظل المجزرة المستمرة في قطاع غزة.
يبعد المغرب جغرافيا عن فلسطين حوالي 4000 كلم، لكن المغرب موجود في فلسطين. يشهد على هذا "باب المغاربة" في القدس، وتشهد على هذا علامات تركتها عروق دم أقدام الحجاج المغاربة الذين مروا في حواري القدس القديمة أثناء رحلة حجهم
(2)
في قاعة المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية المغربي، يقف مئات الشباب والشابات والرجال والنساء يغنون لفلسطين. يرفعون أعلامها إلى جانب أعلام المغرب. يهتفون بأصوات عالية، ولكنة مغربية لا تخطئها فلسطين: الشعب يريد إسقاط التطبيع!
ثمة آلاف من العرب المغاربة، والأمازيغ المغاربة في القاعة، كلهم يلوحون بعلم فلسطين. لا يفرّق العرق هنا بين المغاربة في الانتماء لما يعتبرونه قضية وطنية تماما مثل قضيتهم الأولى، "وحدة التراب المغربي".
يشغل الـ"دي جي" النشيط أغاني فلسطينية إلى أجانب أغاني الحزب قبيل الافتتاح الرسمي للمؤتمر. لا غضاضة هنا أو مزاحمة بين الشأن الوطني المغربي والشأن الوطني المغربي الفلسطيني. يحفظ المؤتمرون عن ظهر قلب أناشيد "حسام الأحمد" و"أبو راتب" وأسماء أخرى لا أعرفها تغني لفلسطين، يرددونها بحماسة كبيرة لا تقل عن حماستهم لأغاني بلادهم وحزبهم.
تقف فرقة "الحسام" المغربية الملتزمة بآلاتها الموسيقية، وطبولها الكبيرة وشغفهم الذي لا يحده سقف سوى السماء، يغنون لفلسطين والمغرب ووحدته الترابية بلهجة جميلة وألحان تحلق بنا مع التراث المغربي والأندلسي، يرددون كلمات صادقة، بصدق عشقهم لفلسطين.
تغني فرقة السماح لمحمد الدرة. هل لا يزال أحد يتذكر أيقونة الدم الفلسطيني "الدرة" بعد كل هذه الجرائم والإبادة؟ نعم، يتذكره المغاربة، ويغنون له كما غنوا له عند أول قطرة دم سقطت من جسده الغض، الذي لم تستطع يدا أبيه النحيلتان حمايته من رصاص الغدر الصهيوني، فالعشق الحقيقي لفلسطين -كما هو في المغرب- لا يقدَم أبدا.
(3)
يبعد المغرب جغرافيا عن فلسطين حوالي 4000 كلم، لكن المغرب موجود في فلسطين. يشهد على هذا "باب المغاربة" في القدس، وتشهد على هذا علامات تركتها عروق دم أقدام الحجاج المغاربة الذين مروا في حواري القدس القديمة أثناء رحلة حجهم من المغرب إلى الحرمين الشريفين مرورا بالأقصى. يا الله! ما أقبح القوة والسياسة، فكيف يصدق العالم القوي كله "دولة" عمرها أصغر من عمر علامات أقدام المغاربة في حارات القدس العتيقة؟!
لم يترك المغرب في فلسطين حارة وبابا مغربيا فقط، بل ترك على تخومها أفضل ما فيها، شهداء كثيرين قضوا على طريق النضال الفلسطيني الطويل للتحرير والكرامة، من بينهم الشهيد عبد الرحمن أمغار، والرفيق الكراكي بنعلال النومري، والأمازيغي مصطفى علال صديق قزيبر المدفون في منطقة أرفود، والرفيق الحسين بن يحيى الطنجاوي الذي دفن أولا في فلسطين قبل أن ينقل جثمانه في عملية تبادل عام 2008 ليدفن في الرشيدية، ليكون جسده العظيم ودماؤه النازفة رابطا بين أرض فلسطين وأرض المغرب.
(4)
يبعد المغرب عن فلسطين آلاف الكيلومترات، ولكن فلسطين -على الحقيقة- موجودة في كل شوارع ومدن وقرى المغرب. لا يمر أسبوع دون أن تمتلئ شوارع المغرب من أقصاه إلى أقصاه دعما لفلسطين وتنديدا بالمجزرة التي ترتكب في غزة ورفضا للتطبيع بين المغرب ودولة الإجرام.
في كل أسبوع تتوشح شوارع طنجة، والدار البيضاء، وعشرات المدن والنواحي المغربية بالعلم الفلسطيني. لم تهدأ هذه المظاهرات رغم طول زمن الإبادة واعتياد الكثيرين للمجزرة، ويأس الكثيرين أيضا من جدوى المظاهرات، ولكن المغاربة لم يسمحوا لأنفسهم باعتياد قتل إخوانهم الفلسطينيين، ولم يسائلوا أنفسهم عن جدوى نشاطهم، بل قرروا أن يدافعوا عن أنفسهم وكرامتهم من خلال الوقوف في المكان الصحيح، ومن خلال اتخاذ الموقف الذي لا يصح للمغربي إلا أن يكون في صفه.
وحتى قبل المجزرة والإبادة الأخيرة، كانت فلسطين دائما حاضرة في أغاني ألتراس الأندية المغربية، من الرجاء الرياضي إلى الوداد البيضاوي، حيث كانت فلسطين إلى جانب الهموم الشعبية مادة للهتافات والغناء في الملاعب، حتى أصبحت أغنية مدرجات ألتراس الرجاء "رجاوي فلسطيني" أغنية عربية تجوب البلاد جميعها، تتحدث بلهجة مغربية صار العرب يبحثون فيها ليفهموها أكثر، والأهم، ليفهموا أن هموم هذه الأمة واحدة، فسبحان رب فلسطين الذي جعلها مادة للوحدة بين كل المتضادين!
تحدث عشرات السياسيين المغاربة قبل أيام في المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية المغربي، أم أقول الفلسطيني؟ وكل الأحزاب المغربية فلسطينية! بدون استثناء واحد، لم تغب فلسطين عن كلمة أي متحدث منهم. كانت فلسطين حاضرة في الكلمات جنبا إلى جنب مع المغرب
يالي عليك القلب حزين.. وهادي سنين.. تدمع العين.. لحبيبة فلسطين.. آه يا وين العرب نايمين.. آه يا زينة البلدان قاومي… ربي يحميك.. من ظلم الإخوة العديان، ومن الطامعين فيك.. ما نسمح فيك يا غزة… مالكي بعيدة علي (رغم بعدك عني).. يا رفح ورام الله.. أمتنا راها مريضة.. مرضوها بالمشاكل.. وفساد الحكومات.. والعربي عايش الويل.. مستقبل كلو ظلمات.. والراوي صوت الشعوب المقهورة.. والحرية لفلسطين.. وإن شاء الله في القدس الفرحة تدوم.. رجاوي فلسطيني.. حبيبت نمشي شكون يديني (أحب أن أمشي.. فمن يأخذ بيدي؟).
(5)
تحدث عشرات السياسيين المغاربة قبل أيام في المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية المغربي، أم أقول الفلسطيني؟ وكل الأحزاب المغربية فلسطينية!
بدون استثناء واحد، لم تغب فلسطين عن كلمة أي متحدث منهم. كانت فلسطين حاضرة في الكلمات جنبا إلى جنب مع المغرب. كانت مأساة غزة، وصمودها، وحق الفلسطيني في المقاومة، مادة أساسية في كل الكلمات: من متحدثي العدالة والتنمية، إلى الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله، إلى الاستقلالي العريق والوزير السابق محمد الخليفة، إلى رئيس الحركة الشعبية الأمازيغية محمد أوزين. لم تسقط "فلسطين" ولو سهوا من كلام أي متحدث صعد إلى المنصة. ولعلك إذا شاهدت هذا المؤتمر تساءلت: هل هذا مؤتمر حزب مغربي؟ أم فلسطيني؟ ولا حاجة حقيقة للتساؤل هنا، ففلسطين هي قضية مغربية.. هذه حقيقة لن تغيرها أي سياسة أو تحولات.
كان جميع المتحدثين فلسطينيين تماما، مثل الضيوف الذين تحدثوا من فلسطين: الدكتور مصطفى البرغوثي، والأستاذ فوزي برهوم، اللذين لم يكن وجودهما إلا بروتوكولا، لأن فلسطين كانت قضية المؤتمر، حتى قبل أن يلقيا كلمتيهما.
في المؤتمر، تشعر بثقل قضية التطبيع على قيادات ومناضلي حزب العدالة والتنمية، كأن مشاركة رئيس الحكومة ورئيس الحزب السابق في التوقيع على اتفاق التطبيع بين المغرب ودولة الاحتلال جبل ثقيل على الجميع، على العثماني نفسه، وعلى بنكيران رئيس الحزب الحالي، وعلى كل مناضل في الحزب. تحدث بنكيران عن هذا التوقيع، ورفضه وأكد أن الحزب لم ولن يوافق على التطبيع، وكان موقفه واضحا في هذا، وإن كان قد تلطف بالعثماني بقوله إنه وضع في موقف حرج، و"ناور" من خلال تأكيده أن الحزب يرفض التطبيع ولكنه لا يدين الدولة!
لم يكن موضوع التطبيع في حديث رئيس الحزب الذي يشبه الدخول في حقل ألغام إلا لأن الحزب يشعر بثقل التاريخ عليه، ولو لم يكن هذا الموضوع مغربيا بامتياز لاختار بنكيران أو أي رئيس آخر للحزب السكوت عن هذا التاريخ الذي يعتبر أي كلام فيه صعبا، ولكنك في المغرب لا تستطيع أن تهمل شأنا فلسطينيا، تماما كأي شأن مغربي!
x.com/ferasabuhelal