الاتحاد يهزم الطائي بثلاثية نظيفة
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
ماجد محمد
حقق فريق الاتحاد اليوم الأربعاء، الفوز على نظيره الطائي، بثلاثة أهداف نظيفة، في اللقاء المؤجل من الجولة التاسعة عشر من دوري روشن للمحترفين.
وافتتح المغربي عبدالرزاق حمدالله التسجيل بهدف مبكر في الدقيقة الثامنة من عمر الشوط الأول، ثم سجل فيصل الغامدي الهدف الثاني في الدقيقة 42، ورمارينهو سجل الثالث في الدقيقة 87.
ويحتل الاتحاد المركز الخامس في رتيب الدوري برصيد 31 نقطة، بينما يقبع الطائي في المركز 16 برصيد 17 نقطة.
ومن جهة أخرى يستعد الاتحاد لمواجهة نافباخور الأوزبكي، في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال آسيا يوم 15 فبراير الجاري.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الاتحاد الطائي روشن
إقرأ أيضاً:
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (28)
تحقيق: ناصر أبوعون
يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وَأَكْثَرُ ثَرْوَةِ أَهْلِ ظَفَارِ مِن الْحَيَوَانِ؛ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ لَأَنَّ بِالْجَبَلِ مَنْ يَمْلُكُ مِائَةَ بَقَرَةٍ وَأَكْثَرَ وَدُوْنَ ذَلِكَ، وَيُوْجَدُ بِظَفَارِ الْحَمَامُ الْمُطَوَّقِ، وَهُمْ يُسَمُّوْنَهُ (الْمُعَوْنَچ)، وَهُوَ كَثِيْرٌ جِدًا إِلَّا أَنَّ سَجْعَهُ خِلَافَ سَجْعِ الْحَمَامِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَّا سَجْعُهُ يُشْبِهُ سَجْعَ الْحَمَامِ الْعَرَاقِيّ. وَمِمَّا يُمْدَحُونَ فِيْهِ وَيُغْبَطُوْنَ عَلَيْهِ حَبْسُ نِسَائِهِمُ الْحَرَائِرِ فِي قَعْرِ الْبُيُوتِ فَهُنَّ دَوْمًا إِحْلَاسِ الْبُيُوْتِ؛ فَقلَّ مَا تَقَعُ الْعَيْنُ عَلَى اِمْرَأَةٍ حُرَّةٍ مُشْرَفةً مِنْ كُوَّةٍ أَوْ بَارِزَةٍ فِي طَرِيِقٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَكُوْنُ نَادِرًا، وَالنَّادِرُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وِعِنْدَهُم الْعَبِيْدُ والإمَاءُ يَبْرُزُونَ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَهِيَ عَادَةٌ حَسَنَةٌ تُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِهِمْ الْجَمِيْلَةِ.
*****
الأبقار أكثر ثروة أهل ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَأَكْثَرُ ثَرْوَةِ أَهْلِ ظَفَارِ الْحَيَوَانِ؛ من الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ لَأَنَّ بِالْجَبَلِ مَنْ يَمْلُكُ مِائَةَ بَقَرَةٍ وَأَكْثَرَ وَدُوْنَ ذَلِكَ)].
في قول شيخنا عيسى الطائي [(لَأَنَّ بِالْجَبَلِ مَنْ يَمْلُكُ مِائَةَ بَقَرَةٍ وَأَكْثَرَ)] استطراد لأحاديثه السابقة في أكثر من موضع من المخطوطة عن (جبل القرّا-Gerrha) الذي يتوسط ما بين جبلي:(سمحان) شرقًا، و(القمر) غربًا. وملاحظة الشيخ الطائي في هذا المقام يعضدِّها ما ذكره ويلفريد ثيسيجر بقوله: إن (أهل القرا) يعيشون في شبه جماعات عائلية، على سفوح الجبال، وهم يملكون ماشية من جمال وبقر وقطعان الماعز، وملكية أكثر العائلات فيها تتراوح ما بين العشرين والثلاثين بقرة، وقد قرأت في كتاب (برترام توماس) أنّ من عادة أهل (القرا) أن تضحي الأسرة بنصف أبقارها عندما يموت عائلها"([[1]])، و"تُعد الثروة الحيوانية من روافد الاقتصاد القومي للإقليم؛ إذ تعيش نسبة كبيرة من السكان على تربية الماشية والانتفاع بلحومها وألبانها وجلودها، كما إنّ بعض منتجات هذه الثروة مثل السمن والجلود تدخل ضمن السلع التي تُصدّر من ظفار"([[2]])
أطماع الإغريق والرومان في القرا
وباستقراء الوقائع التاريخية والتحولات الديموغرافية فإنّ (جبل القرا) لم يكن مجرد جبل بل مدينة قديمة زالت أو مطمورة، وهو ما تؤكده كتب الرحالة والجغرافيين القدماء؛ فقد ذكر الإغريقي (سترابون) أنها تقع في أرض سبخة، وبيوتها حجارة من الملح، وتُرشّ جدرانها بالماء عند ارتفاع درجة الحرارة لمنع قشورها من التساقط، وهي على مسافة 200 استاديا Stdia من البحر، وأهلها يتاجرون بالطيب والمر والبخور، وتحملها قوافلهم التي تسلك الطرق البريّة. ويذكر أرسطوبولوس Aristobulus أنّ سُكانها كانوا ينقلون تجارتهم بالبحر إلى بابل ثم إلى مدينة Thapascus. وقد أشار إلى (جرّه/قرا/ Gerrha) مؤرخّون آخرون عاشوا بعد زمن (ايراتوستيس)؛ إذ كانت حينئذٍ سوقا من أسواق التجارة البحرية تستقبل تجارة أفريقية والهند وتُعيد تصديرها إلى مختلف الأسواق على طريق القوافل البريّة؛ حيث تُرسل من طريق (حائل – تيماء) إلى موانيء مصر والبحر المتوسط أو من الطريق البريّ إلى العراق ومنه إلى الشام، فقد كانت (سوق وساطة) والوسيط يُصدر ويستورد وبعمله هذا يكنز الثروة والمال. وذكر الجغرافيون القدماء أن سكان (القرا) تاجروا مع حضروت، فكانت قوافلهم تصل إليها، ثم تعود محمّلة بحاصلاتهم، وحاصلات أفريقية، وتاجروا أيضًا مع (النبط) بإرسال قوافلهم قاطعة الفيافي مارَّة بمواضع الماء والآبار إلى حدود (دومة الجندل)، ومنها إلى (البتراء) عاصمتهم. وقد اكتسبت مدينة (قرا/جرّه) شهرة بعيدة في عالم التجارة في ذلك الزمان بسبب مركزها التجاريّ الممتاز، وذاع خبر ثراء أهلها وغناهم، و زعموا أنهم كانوا يكنزون الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وأنهم اتخذوا من الذهب آنية وكؤوسا وأثاثا، وجعلوا سقوف بيوتهم وأبواب غُرفهم من الذهب والأحجار النفيسة الغالية، وهذا أثار أطماع الملك (إنطيوخس الثالث Antiochus)، فقاد أسطوله عام 205ق.م للاستيلاء على المدينة الغنية الكانزة للذهب والفضة واللؤلؤ"(03)
الحمام المطوَّق الظفاريّ (الْمُعَونچ)
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَيُوْجَدُ بِظَفَارِ الْحَمَامُ الْمُطَوَّقِ، وَهُمْ يُسَمُّوْنَهُ (الْمُعَوْنَچ)، وَهُوَ كَثِيْرٌ جِدًا إِلَّا أَنَّ سَجْعَهُ خِلَافَ سَجْعِ الْحَمَامِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَّا سَجْعُهُ يُشْبِهُ سَجْعَ الْحَمَامِ الْعَرَاقِيّ)]
وجاء تعريفُ لفظِ الحمام في مادة (سفع)، (وَالسَّفْعاءُ: الحَمامَةُ، وَسُفْعَتُها فِي عُنُقِها، دُوَيْنَ الرَّأْسِ وَفُوَيْقَ الطَّوْقِ"(04)، وقال ابنُ قتيبة:"الحمامَ عندَ العربِ ذواتُ الأطواقِ"([[3]])، وقال الكسائيِّ: "الحمامُ هو البريُّ الَّذي لا يألفُ البيوتَ، فأمَّا الَّتي تألفُ البيوتَ فهيَ اليمامُ، وقال الأصمعيُّ: "اليمامُ ضربٌ مِنَ الحمامِ بريٌّ، فأمَّا الحمامُ فكلُّ ما كان ذا طَوْقٍ، مثلُ القُمْرِيِّ"([[4]])والفاخِتَةِ، وأشباهِهِما([[5]]) والحمام المطوّق الذي نشاهده في إقليم (ظّفار) يكون على ثلاثة أنواع: فالنوع الأول ويسمّى (الفاخِتَةِ Collared Dove)، والنوع الثاني هو(القُمْرِيٌّ الشرقي أو القُمْرِيٌّ الأَصْهَبُ Streptopelia orientalis)، والنوع الثالث هو(الحمامة الخضراء Bruce’s Green Pigeon)؛ فأما (الفاخِتَةِ Collared Dove)، وهي حمامة مطوقة بحلقة سوداء، و"طائر خجول لاينشد صحبة الإنسان كثيرا، وتغريده متكرر ذو ثلاثة مقاطع كالآتي: (تو – هووه – هوه)، مع تركيزه على المقطع الثاني وتكراره بصورة متواصلة، ويشاهد في معظم الأحيان في أسراب كبيرة تتغذى من على الأرض في المزارع والأراضي القاحلة، كما يمكن العثور عليه أيضا في أشجار المنجروف شمال عمان"، وأما القُمْرِيٌّ الشرقي أو القُمْرِيٌّ الأَصْهَبُ Streptopelia orientalis، فهو طائر شائع عابر مهاجر ويرسو في ظَفار لبضعة أسابيع فقط، في فصلي الربيع والخريف، ويسهل تمييز (القمري) برقبته البيضاء والسوداء وأجنحته الضاربة في الحمرة، وتغريده طويل فاتن كالآتي: (ترررررر)، ويتغذى من على الأرض. وأما الحمامة الخضراء Bruce’s Green Pigeon، فلونها رمادي مُخْضَرٌّ في الأعلى وبطنها أصفر لامع، وتعتلي أشجار التوت الخضراء، وصوتها مستمر كالآتي: (ويييوو)، وعندما تطير فإن أطراف أجنحتها تصدر ضجيجا عاليا ورفرفة حين تصفق بهما"([[6]]) [(وَهُمْ يُسَمُّوْنَهُ (الْمُعَوْنَچ)، وَهُوَ كَثِيْرٌ جِدًا)]، و(الْمُعَوْنَچ)، معناها (المطوّق) الذي في عنقه حلقة سوداء وغيرها من الألوان. وكلمة (الْمُعَوْنَچ) انقلبت فيها (القاف) إلى (جيم) وتُنطق كالجيم المقلقلة (g)؛ "كما يشيع في بعض القبائل اليمنية، فنسمع بعضهم يقول: (الجِبلة) بدلا من (القبلة)، وهي لهجة عربية قديمة من أمثلتها: قولهم: (الجص) بدلا من (القص)"([[7]])، وفي المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة العربية كـ(ظَفار) "تحولت القاف إلى صوت الجيم المهموسة (چ)، مثل قولهم: (كوسچ) بدلا من (كوسق)، وعند قياس نطقها على برنامج (طول الموجة الصوتية) اتضح أن لفظة (كوسق) تستغرق 679م/ث، في حين تستغرق لفظة (كوسچ) 817م/ث. ويتضح هنا أنّ قانون الجهد الأقل هو الحالكم"([[8]])، والحمام المطوق الظّفاريّ كما يقول شيخنا عيسى الطائيّ: [(وَإِنَّمَّا سَجْعُهُ يُشْبِهُ سَجْعَ الْحَمَامِ الْعَرَاقِيّ)]؛ويقصد هنا شيخنا الطائيّ الحمامة العراقية التي تُسمى (الفاخِتَةُ):واحدة الفَواخِتِ، من ذوات الأطْوَاقِ، وهي عراقيَّة، وليست بحِجَازيّة، وفيها فصاحةٌ، وحسن صوتٍ"(11). و[(سَجْعَ الْحَمَامِ)] معناه: ترديد الصوت على وتيرة واحدة، ونقرأ شاهده اللغوي في شعر ابن الحُداديّة الخُزاعيّ وهو يُعرِّض فيه بقومه: [ألا وَذْتُمُ حَتَّى إِذَا مَا أَمِنْتُمُ/تَعَاوَرْتُمُ (سَجْعًا) كَسَجْعِ الْهَدَاهِدِ(12)].
حبس حرائر ظفار في البيوت
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَمِمَّا يُمْدَحُونَ فِيْهِ وَيُغْبَطُوْنَ عَلَيْهِ حَبْسُ نِسَائِهِمُ الْحَرَائِرِ فِي قَعْرِ الْبُيُوتِ فَهُنَّ دَوْمًا إحْلَاسِ الْبُيُوْتِ؛ فَقَلَّمَا تَقَعُ الْعَيْنُ عَلَى اِمْرَأَةٍ حُرَّةٍ مُشْرَفةً مِنْ كُوَّةٍ أَوْ بَارِزَةٍ فِي طَرِيِقٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَكُوْنُ نَادِرًا، وَالنَّادِرُ لَايُعْتَدُّ بِهِ، وِعِنْدَهُم الْعَبِيْدُ والإمَاءُ يَبْرُزُونَ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَهِيَ عَادَةٌ حَسَنَةٌ تُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِهِمْ الْجَمِيْلَةِ)]. أمَّا قوله: [(وَيُغْبَطُوْنَ عَلَيْهِ)] فهو مأخوذٌ من (الغِبْطَة) ومعناها تمني ما على المرء من النعمة دون تمني زوالها، وشاهدها اللغوي نقرأه عند الحارث بن أسد المُحَاسبيّ يصف موقفًا من مواقف يوم القيامة"فَتَوَهَمْ نَفْسَكَ، وَأَنْتَ تَتَخَطَّى الْخَلَائِقَ، وَكِتَابُكَ فِي يَمِيْنُكَ بِجَمَالِ وَجْهِكَ وَنُوْرِهِ، وَقَدْ شَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ إِلَيْكَ (غِبْطَةً) لَكَ، وَتَأَسُّفًا عَلَى أَنْ يَنَالُوا مِنْ اللهِ -عَزَّ وَ جَلَّ- مَا نِلْتَ"(13). وفي قوله: [(حَبْسُ نِسَائِهِمُ الْحَرَائِرِ فِي قَعْرِ الْبُيُوتِ)] و(حَبْسُ النساء) معناه: ألزموا نساءهم البيوت، وقاموا على خدمتهن، وكفاهنّ مؤونة الخروج لغير حاجة شرعيّة، ومقصود الشيخ عيسى الطائيّ منه الإشارة إلى خصيصة إسلاميّة تطبيقًا لقول الله -عَزَّ وجلّ-:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ}(14) وقال ابن كثير - رحمه الله- في تفسيرها: اِلْزَمْنَ بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاةُ في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن وهن تفلات" وفي رواية: "وبيوتهن خير لهن"، ودلّ عليها حديث من طريق آخر رواه أنس بن مالك: "أتتِ النساءُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقالوا: ذَهَبَ الرجالُ بالفَضْلِ بِالجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ، فَمَا لَنَا عَمَلٌ نُدْرِكُ بهِ عَمَلَ الْمُجَاهِدينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: مِهْنَةُ إحداكُنَّ في بيتِها تُدْرِكُ بِهَا عَمَلَ الْمُجَاهِدينَ فِي سَبيلِ اللهِ"(15). والشاهد اللغوي لكلمة (حَبْسُ) نقرأه في قول الخليفة أبي بكر الصدّيق يوصي فيه القائد يزيد بن أبي سفيان وجيشه:"وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا (حَبَسُوا) أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ فَدَعْهُم وَمَا (حَبَسُوا) أَنْفُسَهُمْ لَهُ"(16)، وقوله: [(الْحَرَائِرِ)] جمعٌ مفردُه:(حُرَّة) ومعناه: المُؤَصَّلاتُ صريحاتُ النَّسَب في قَبَائِلهن وكرائمُ النُّفوس. وشاهدها اللغوي نقرأه عند تأبط شرًّا الفهميّ في قوله: [لَئِنْ ضَحِكَتْ مِنْكِ الْإِمَاءُ، لَقَدْ بَكَتْ/عَلَيْكِ فَأَعْوَلْنَ النِّسَاءُ (الْحَرَائِرُ)(17)]، وقوله: [(فِي قَعْرِ الْبُيُوتِ)] تفصيلٌ بعد إجمال؛ وشيخنا الطائي في هذا المقام ذكر لنا إحدى الخِصال الحميدة عند أهل ظفار ويُغبطون عليها، وهي (حَبْسُ نِسَائِهِمُ الْحَرَائِرِ) بلون بلاغيّ يُسمى (إجمالٌ بعد تفصيل)، فبشكل (مجمل) أتى بكلمة (حَبْسُ) ثُمَ تدرج في تبيان معناها، بـ(التفصيل) في صورة متدرجة وغايته من ذلك تحقيق الإدارك الذهنيّ عند القارئ؛ فقد أتى بالإجمال أولا في قوله:(حَبْسُ نِسَائِهِمُ الْحَرَائِرِ)، ثُم فَصَّلَ المُجمل بذكر مكان الحبس في قوله:(فِي قَعْرِ الْبُيُوتِ)، وأتبعه بقوله: [(فَهُنَّ دَوْمًا إحْلَاسِ الْبُيُوْتِ) و(قَعْر البيت) أقصاه ونهاية أسفله، والمقصود به المبالغة والتّحوّط في الحماية والعناية بنسائهن. و(قَعْر) مفرد وجمعه: (أَقْعَار، قِعَار)، وشاهده اللغوي نقرأه عند المُتَنَخَّل الهُذليّ في قوله: [أَوْ شَنَّةٍ يَنْفَحُ مِنْ (قَعْرِهَا)/عَطٌّ بِكَفَّي عَجِلٍ مُنْهِلِ(18)]، ومعنى قوله: [(إحْلَاسِ الْبُيُوْتِ)]، أي: ذوات الخدور المحتجبات الملازمات في بيوتهن لايخرجن إلا لحاجة شرعية. وشاهدها اللغوي نقرأه في شعر الفرزدق: [وَمَا كُنْتُ أَخْشَى الدَّهْرَ (إِحْلَاسَ) مُسْلِمٍ/ مِنَ النَّاسِ، ذَنْبًا جَاءَهُ، وَهُوَ مُسْلِمَا(19)]. ومازال شيخنا عيسى الطائيّ ماضيا في تفصيل المجمل بالتدريج وغرضه المباشر التعبير عن المبالغة في التحوّط، ثم أتبعه بتفصيل أكثر دقّة في قوله: [(فَقَلَّ مَا تَقَعُ الْعَيْنُ عَلَى اِمْرَأَةٍ حُرَّةٍ مُشْرَفةً مِنْ كُوَّةٍ أَوْ بَارِزَةٍ فِي طَرِيِقٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَكُوْنُ نَادِرًا، وَالنَّادِرُ لَايُعْتَدُّ بِهِ)] مراعاةً لتحقيق الإدراك الذهني عند القاريء. وأمّا قوله: [(فَقَلَّ مَا تَقَعُ الْعَيْنُ)]، (قَلَّ) فعل لازم أصله الثلاثيّ (قَلَلَ) ومعناه:(نَدَرَ)، ونقرأ شاهده اللغوي في قول بشر بن عُليق الطائي: [قُبَيْلَةٌ دَقَّتْ وَ(قَلَّ)عَبِيْدُهَا/ وَذَلَّتْ، فَمَا كُنْتُمْ تُفِيْئُونَ مَغْنَمَا]، وأمّا قوله: [(مُشْرَفةً)] اسم فاعل أي: (مُطِلَّة)، وشاهدها نقرأه عند امريء القيس بن حُجْر الكِنديّ: [سَلِيْمِ الشَّظَى، عَبْلِ الشَّوَى، شَنْجِ النَّسَا/لَهُ حَجَبَاتٌ (مُشْرِفَاتٌ) عَلَى الفَالي(20)]، وقوله: [(مِنْ كُوَّةٍ)]، وهي مفرد ويُجْمَع على (كُوًى)، و(كِوَاء)، ومعناها: الفتحة في الحائط، يدخل منها الهواء والضوء، وبالمعنى المِعْماريّ الحديث (الشُرفة، أو النافذة، أو الموضع العالي يُشرِفُ على ما حوله)، وشاهدها نقرأه في موضعين؛ أمّا الشاهدُ الأول من السُّنَّةِ المُطَهَّرة في الحديث النبويّ:(لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ، لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا (كُوَّةٍ) لَخَرَجَ عَمَلُهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ)(21) ، وأمّا الشاهد الثاني فنقرأه في قول خليفة الحُصينيّ"لِلْبَيْتِ (كِوَاءٌ) كَثِيْرَةٌ، وَهَوَاءٌ كَثِيْرَةٌ"(22)، وفي قوله: [(بَارِزَةٍ فِي طَرِيِقٍ)] مصطلحٌ فِقْهيّ؛ فـ(البارزة) من النساء: العفيفة التي تخرج فتلاقي الرجال، وتقضي حوائجها بنفسها). ونقرأ شاهدها عند ابن البرّاج في قوله:"وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً بَارِزَةً فَهِي كَالرَّجُلِ، فَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً، بَعَثَ إِلَيْهَا مَنْ يَقْضِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا فِي مَنْزِلِهَا"(23)
قاعدة فقهية: النَّادِرُ لَايُعْتَدُّ بِهِ
[(وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَكُوْنُ نَادِرًا، وَالنَّادِرُ لَايُعْتَدُّ بِهِ)]، وفي هذه العبارة الموجزة ساق لنا شيخنا عيسى الطائيّ قاعدةً فقهيةً اشتغل عليها الفقهاء القدماء والمعاصرون، وأسهبوا التفصيل فيها، حتى إنهم دبَّجوا فيها رسائل وأبوابا، وأنجز فيها المحدثون المعاصرون بُحوثا رصينة. فقوله: [(لَايُعْتَدُّ بِهِ)]، أي: لا يُعوّل عليه، وهذه القاعدة الفقهية تأتي تحت عنوان عريض هو: (القواعد الدالة نفي الاعتبار)، وأصل القاعدة ينطلق من مقولة:"لاعبرةَ بالنادر"(24)، أي: لا اعتداد به)، و"النادر هو ما قلّ وجودُه، وإن لم يخالف القياس"(25)، و"هذه القاعدة الفقهية لها أثر في أدلة الفقه، وهي من هذه الناحية تعدُّ قاعدة أصولية، ولها أثر في أفعال المكلفين، وقد وردت بصيغة عامة وبصيغٍ خاصة في موضوع العُرْف والعادة عند الفقهاء"(26)، ومعنى القاعدة: أنه لا اعتبارَ ولا اعتدادَ بالشيء النادر الذي يقلُّ وقوعه، ويكون في حُكمه ملحقًا بما غَلَبَ وعَمَّ"(27)، وإنه يمكن أن الاستدلال لهذه القاعدة بأنّ (إفرادَ النادر بحُكْمٍ يخصّه ممَّا يَشُقُّ على الناس)، والشرع جاء بما يدفع المشقةَ ويرفعَها. ومما يؤكد هذا أنّ إِعمالَ النادر والحُكْمَ بهِ إذا كان فيه تيسيرٌ ودفع مشقةٍ فإن الشرع يحْكُمُ به"(28)
يُتبع
...
المراجع والمصادر:
([01]) الرمال العربية، ويلفريد ثيسيجر(مبارك بن لندن)، ترجمة: إبراهيم مرعي، دبي للنشر ، 2001م، ص: 32
([02]) تاريخ ظفار التجاري (1800- 1950)، حسين بن علي المشهور باعمر، 2009م، ص: 32، نقلا عن الصناعات التقليدية في ظفار للمعشني، ص: 38
([03]) بلاد العرب وأفريقيا في خرائط الإغريق والرومان، عبد العظيم أحمد عبد العظيم، بحث مقدم للندوة الدولية: العرب في أفريقيا قبل الإسلام، جامعة الحسن الثاني، 2015م، ص ص: 18-19
([04]) مجمل اللّغة، ابن فارس 1/ 465، مقاييس اللّغة، ابن فارس، 3/ 83
([05]) أدب الكاتب، ابن قتيبة، 25.
([06])[7] القُمْرِيُّ: طائر مشهور، حسنُ الصوت، والأنثى قُمْرِيَّةٌ، والذَّكر ساقُ حرٍّ، والجمع قَمَارِيُّ. حياة الحيوان الكبرى، الدّميريّ، 2/ 351.
([07]) الجراثيم المنسوب لابن قتيبة 2/292
([08]) الطيور الشائعة في عمان(دليل تعريفي)، هنا وينس أريكسون، ترجمة: راشد الذهلي، وزارة السياحة – مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، 2008م، ص ص: 31، 32، 232
([09]) أصول نطق القاف عند العرب، د.حليمة عمايرة، جامعة البلقاء التطبيقية، كلية إربد الجامعية، 2016
([10]) في علم الأصوات المقارن، التغيُّر التاريخيّ للأصوات في اللغة العربية واللغات السامية، آمنةصالح الزعبي، دار الكتاب الثقافيّ، إربد، الأردن، 2008م، ص ص: 16، 19
([11]) حياة الحيوان الكبرى، 2/ 267- 268.
([12]) عشرة شعراء مُقلُّون، صِنْعَة: حاتم الضامن، جامعة بغداد، 1990م، ص: 34
([13]) أدب النفوس ويليه كتاب التَّوهم: الحارث بن أسد المحاسبيّ(ت، 243هـ)، دراسة وتحقيق: عبد القادر أحمد عطا، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط2، 1991م، ص: 170
([14]) سورة الأحزاب، الآية: 33
([15]) الراوي: أنس بن مالك، المحدث: ابن القيسراني، المصدر: ذخيرة الحفاظ، الصفحة أو الرقم : 1/221، أخرجه: أبو يعلى (3416)
([16]) ديوان أبي بكر الصديق وجمهرة خُطبه ووصاياه، صِنْعَة: محمد شفيق البيطار، مجمع اللغة العربية السعيدة، صنعاء، ط1، 2020م، ص: 358
([17]) ديوان تأبط شرًا وأخباره، جمع وتحقيق وشرح: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، 1984م، ص: 82
([18]) ديوان الهُذليين، تحقيق: أحمد الزين وآخرين، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1995م، 2/2
([19]) كتاب الأمالي: أبو علي القالي (ت، 356هـ)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعيّ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1976م، 1/250
([20]) ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1990م، ص ص: 35-36
([21]) مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت، 241هـ)، حققه، وأخرج أحاديثه وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2001م، 17/330، رقم: 1123
([22]) أبو تراب اللغويّ وكتابه الاعتقاب(ت، 175هـ)، إعداد: عبد الرزاق بن فرّاج الصاعديّ، مجلة الجامعة الإسلاميّة للعلوم الشرعية، المدينة المنورة، مج 34، ع 114، 2002م، ع115، 2/437
([23]) المهذَّب، ابن البرّاج (ت، 481هـ)، تحقيق وإعداد: مؤسسة سيد الشهداء، إشراف: جعفر السبحانيّ، مؤسسة النشر الإسلاميّ، قُمْ، 1046هـ، 2/584
([24]) المبسوط(1/122)، ونفائس الأصول في شرح المحصول(4/1895)، و(الذخيرة للقرافي (5/240)، وفتح القدير للكمال ابن الهمام (6/149)
([25]) التعريفات(239)
([26]) القواعد الفقهية الدالة على نفي الاعتبار، د. علي المطرودي، مجلة البحوث الإسلامية الفصلية، العدد (113)، ص: 173
([27]) موسوعة القواعد الفقهية (11/1165)
([28])القواعد الفقهية الدالة على نفي الاعتبار، ص: 175
([[1]]) الرمال العربية، ويلفريد ثيسيجر(مبارك بن لندن)، ترجمة: إبراهيم مرعي، دبي للنشر ، 2001م، ص: 32
([[2]]) تاريخ ظفار التجاري (1800- 1950)، حسين بن علي المشهور باعمر، 2009م، ص: 32، نقلا عن الصناعات التقليدية في ظفار للمعشني، ص: 38
([[3]]) أدب الكاتب، ابن قتيبة، 25.
([[4]])[7] القُمْرِيُّ: طائر مشهور، حسنُ الصوت، والأنثى قُمْرِيَّةٌ، والذَّكر ساقُ حرٍّ، والجمع قَمَارِيُّ. حياة الحيوان الكبرى، الدّميريّ، 2/ 351.
([[5]]) الجراثيم المنسوب لابن قتيبة 2/292
([[6]]) الطيور الشائعة في عمان(دليل تعريفي)، هنا وينس أريكسون، ترجمة: راشد الذهلي، وزارة السياحة – مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، 2008م، ص ص: 31، 32، 232
([[7]]) أصول نطق القاف عند العرب، د.حليمة عمايرة، جامعة البلقاء التطبيقية، كلية إربد الجامعية، 2016
([[8]]) في علم الأصوات المقارن، التغيُّر التاريخيّ للأصوات في اللغة العربية واللغات السامية، آمنةصالح الزعبي، دار الكتاب الثقافيّ، إربد، الأردن، 2008م، ص ص: 16، 19
رابط مختصر