مشكلتنا كمصريين أننا نتعامل مع التكنولوجيا الحديثة كمستهلكين وليس منتجين، ولهذا فدائمًا نكون رد فعل أو متأخرين كثيرًا فى استثمارها، وربما معرفة كل فوائدها، وننتظر أن يأتى إلينا هذا كله من الخارج، ولهذا أيضاً فهناك استخدامات كثيرة لهذه التكنولوجيا لا نعرفها أو لم نستخدمها لأنها لم تصل إلينا ولم نجتهد فى الوصول إليها، ورغم أن هذه الاستخدامات متاحة وليست حكرًا على مبتكر التكنولوجيا بل متاحة للجميع، وغيرنا كثيرون يصلون إليها، ويتنافسون عليها لكننا نفضل أن نظل مجرد متلقين دون أى محاولة للاجتهاد والإبداع حتى فى نطاق الاستخدام فقط،
وعلى سبيل المثال الذكاء الاصطناعى أصبح الآن فى كل المجالات والجميع يتسابقون على تطوير استخداماته، ليس فقط فى المجالات العلمية بل فى كل القطاعات والتخصصات، والأسبوع الماضى اكتشفت أن الذكاء الاصطناعى أصبح جزءًا مهمًا من العمل الدبلوماسى أيضاً، ويسهم بشكل كبير فى نجاح الرسالة الدبلوماسية للبعثات التى تستخدمه، وهذا كان مفاجئًا بالنسبة لى، فخلال مؤتمر تحديات الذكاء الاصطناعى الذى عقده المجلس المصرى للشئون الخارجية برئاسة السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق رئيس المجلس، توقفت عند الورقة المهمة التى قدمها الدكتور عزت سعد مدير المجلس وكشف فيها أبعادًا جديدة للذكاء الاصطناعى واستخدامه وتأثيره على السياسة الدولية وفى ممارسة الدبلوماسية، بل وتأثيره على شكل العلاقات الدولية والصراع العالمى فى المستقبل.
كان السفير سعد حريصًا على التفرقة بين الذكاء الاصطناعى كموضوع دبلوماسى، أو كأداة دبلوماسية، والذكاء الاصطناعى كعامل يشكل البيئة التى تمارس فيها الدبلوماسية.
وتوقفت أمام عدد من الحقائق التى كشفتها الدراسة ويجب أن نلتفت إليها جميعا، وأولها أن الذكاء الاصطناعى أصبح يمثل مصدرًا للقوة والنفوذ للدول التى تمتلك القدرة على تطويره ونشر أنظمته واستثمارها بالشكل الأنسب.
الثانى أن الذكاء الاصطناعى قادر على تعزيز القوة العسكرية والاقتصادية والمجتمعية لأى دولة، وأيضاً خلق فرص للتعاون ومنح إمكانات للتنافس، فالدولة التى تمتلك خبرة أكبر فى استخدامات الذكاء الاصطناعى هى الدولة الأوفر حظا فى التنافسية والتفوق.
الثالث أن العالم كله يدرك أن الذكاء الاصطناعى مع حلول عام ٢٠٣٥ سيكون فى كل مكان وكل مجال من المستشفيات إلى الجامعات وقاعات المحاكم إلى المؤسسات العسكرية وسترتفع بسببه الإنتاجية إلى مستويات غير مسبوقة وستتوسع الأعمال بشكل غير متوقع مثلما ستزيد مساحات الرفاهية، وكذلك مساحات السيطرة وفرض التحكم على الآخرين.
الرابع أن الذكاء الاصطناعى بات بمثابة موضوع مهم فى مجال الدبلوماسية، من خلال استثماره فى المفاوضات الدولية وإدارة الأزمات وصياغة الوثائق وترجمتها وتحليل الاتجاهات واستخلاص الأفكار ومعرفة توجهات الأطراف الأخرى كما يتم استخدامه فى تقديم الخدمات القنصلية.
ولكل هذا نجد سباقًا مشتعلًا من الآن بين الدول الكبرى على تطوير أساليب استخدام الذكاء الاصطناعى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وأوروبا وروسيا، بل أن الذكاء الاصطناعى أصبح جزءًا من الصراع الدولى ولهذا لم يكن غريبًا أن نجد الصين تتحدث عن ضرورة إيجاد آلية دولية تمنع بعض الدول من تحقيق الهيمنة التكنولوجية وتقصد بذلك أمريكا، كما دعت دول عديدة إلى ضرورة الحد من الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعى ووضع قواعد حاسمة وملزمة لتطوير استخداماته لأنه سيكون خطرًا داهمًا.
وخلصت الورقة إلى أن التحدى واضح والتنافس الدولى حول احتكار الذكاء الاصطناعى أصبح واقعًا وقد يمثل سببًا مباشرًا فى توسيع مجالات التوتر فى السياسة الدولية وتحديدًا بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وبين روسيا والصين من جانب آخر.
والسؤال: أين نحن من كل هذا؟ هل سنظل ننتظر ما سيأتينا من الخارج وهو فتات التكنولوجيا أم سنتحرك ليكون لنا موطئ قدم فى ساحة التنافس العالمى على أدوات المستقبل؟ التطور التكنولوجى لا ينتظر أحدًا ولا يخدم إلا المبادرين وأصحاب القدرة على الإنجاز، أما المتكاسلون الذين يقبلون بمقعد المشاهد فلا مكان لهم فى المستقبل ولا مجال لهم فى امتلاك القوة بل سيظلون تابعين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تحديات الذكاء الاصطناعي التكنولوجيا الحديثة الوصول إليها الاستخدامات الذكاء الاصطناعي
إقرأ أيضاً:
«ترامب» يصعّد.. رسوم جديدة تلوح في الأفق على رقائق التكنولوجيا الصينية
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “نيّة إدارته فرض رسوم جمركية جديدة على واردات رقائق أشباه الموصلات خلال الأيام المقبلة”، في خطوة تمثل تصعيدًا جديدًا في الحرب التجارية مع الصين، وتستهدف واحدة من أكثر الصناعات حساسية في سلاسل التوريد العالمية.
وفي تصريحات أدلى بها على متن الطائرة الرئاسية أثناء عودته إلى واشنطن، أوضح ترامب “أن فرض الرسوم سيكون مصحوبًا بـ”قدر من المرونة”، مشيرًا إلى “مشاورات ستُجرى مع شركات تصنيع الإلكترونيات مثل “أبل” لتحديد المنتجات التي قد تُستثنى من الرسوم”.
ورفض ترامب تحديد المنتجات التي قد تشملها الاستثناءات، مكتفيًا بالقول إن “المرونة ستُطبق على بعض المنتجات”.
وبحسب موقع “axios”، “يأتي هذا التحرك بعد أيام من قرار البيت الأبيض إعفاء الهواتف الذكية وأجهزة الحاسب الآلي من رسوم جمركية كبيرة بلغت 125%، وهو ما اعتُبر آنذاك محاولة لتخفيف الضغط عن الشركات الأميركية الكبرى التي تعتمد بشكل كبير على سلاسل الإمداد الصينية”.
لكن وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، أكد لاحقًا أن “هذه الإعفاءات مؤقتة، وأن هناك نية لإعادة النظر في كامل سلسلة التوريد الخاصة بالتكنولوجيا، بما في ذلك رقائق أشباه الموصلات”، مشيرًا إلى أن ذلك يأتي ضمن “مراجعة أمنية قومية شاملة”.
إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي
وفي منشور على منصته الخاصة “تروث سوشيال”، شدد ترامب على أن إدارته “لا تفكر في أي استثناءات دائمة”، موضحًا أن “الهدف الأساسي من هذه السياسة هو إعادة تصنيع الرقائق والمكونات التكنولوجية الحيوية إلى داخل الولايات المتحدة”، في محاولة لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الخارج.
قلق في الأوساط الاقتصادية
وحذر خبراء ومراقبون اقتصاديون من أن “هذه الإجراءات المتقلبة قد تزيد من حالة الغموض في الأسواق، وتؤثر سلبًا على شركات التكنولوجيا الأميركية التي تعتمد على التصنيع في الصين ودول أخرى آسيوية”. كما أشاروا إلى أن فرض رسوم على أشباه الموصلات قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الإلكترونية على المستهلكين.