في السنوات الأخيرة من حياته، نهل الشاعر بدر شاكر السيّاب (1926م البصرة -1964م الكويت) من الموروث الديني، ليؤثّث نصوصه بالروحانيّات التي غمرته في رحلة المرض والألم، فاستحضر شخصية النبي (أيوب) (عليه السلام) ليسقط عليه معاناته، مقتديا بصبره على المرض، في قصيدته (سفر أيّوب) المنشورة في ديوانه (منزل الأقنان) ويعود تاريخ كتابته لها إلى السادس والعشرين من ديسمبر 1962 أي قبل وفاته بعامين، ولو دقّقنا في النص لوجدنا الشاعر يبتهل به في المقطع الأول إلى الخالق بروح مطمئنة:
لكَ الحمدُ مهما استطال البلاء
ومهما استبدَّ الألم
لكَ الحمدُ إن الرزايا عطاء
وإن المَصيبات بعض الكرَم
وكلّما توغّلنا في النص نرى فيضًا من روحانيّات أعطت للنص بعدًا فنّيًّا، يقول الشاعر خزعل الماجدي «يصبح الشاعر عظيمًا كلما اقترب من المعنى الروحي الذي يغذّي الدين والشعر والفن»، وقد اقترب السيّاب كثيرًا من هذا المعنى، خصوصًا أنه نشأ في بيئة لم تكسر نخيلها رياح الأفكار الوافدة من الغرب في توجهاته اليسارية، آنذاك، وأعني أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ورغم الشهور الطوال التي ظلّ السيّاب يعاني خلالها من المرض، لم يجزع ولم يتذمّر، بل عدّ تلك الآلام هدايا الرب التي ينبغي على الإنسان أن يتقبّلها منتصرًا على الألم:
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضم إلى الصدر باقتها
هداياكَ في خافقي لاتَغيب
هاتها .
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
هذا الحسّ الإيماني ليس بالغريب على السيّاب، الذي كتب قصيدة في المديح النبوي، ألقاها في أحد مساجد بغداد عام 1961 حملت عنوان (مولد المختار) في مرحلة شهد بها تحوّلًا فكريًا، فانتقل من التوجّهات اليسارية إلى التوجهات القوميّة، جاء في مطلعها:
دموع اليتامى في دجى الليل تقطر
ونوح الثكالى عاصف فيه يصفر
نبيّ الهدى يا نفحة الله للورى
ويا خير ما جاد الزمان المقتّرُ
وهي قصيدة من حوالي أربعين بيتا، عاد فيها للكتابة وفق نظام الشطرين، بما يتناسب مع المناسبة، ولم يكتفِ بالروحانيّات والمديح النبوي، بل تطرّق إلى قضايا عربية كثيرة كانت تشغل الشارع العربي والعراقي، ومن بينها القضية الفلسطينية، والمسجد الأقصى:
فيا صخرة المعراج قد سدّ بالدجى
وبالإثم منا فيك شقّ ومعبر
فما عاد بين الله والناس منذ
كأنْ حلّ بالأرض العذاب المسعّر
وعاث ببيت الله فدمٌ مشرّدٌ
كأن فلسطين المدمّاة خيبر
كأن لم يسر طه إليها ولا دحا
أبو حسن من بابها فهي تصفر
ومازال في وهران والأرض حولها
علوج أباحوا واستباحوا ودمّروا
وفي المقطع الأخير، يطلب السيّاب فيها من نبي الرحمة الشفاعة، ويتكلّم بلغة من يشعر بعظم الذنوب، كما قال أبو نوّاس:
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً
فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ
بل أن السيّاب يقرّ بأنه «تمرّس بالآثام» وها هو يطلب الشفاعة من سيّد الأنام في يوم مولده الأغرّ:
نبيَّ الهدى، كنْ لي لدى الله شافعا
فإني، ككلِّ الناس، عانٍ محيرُ
تمرَّسْتُ بالآثامِ حتى تهدَّمتْ
ضلوعي، وحتى جنَّتي ليس تثمرُ
ولكنّ من ينجدْه طه فقد نجا
ومن يهدِه -والله- هيهات يخسرُ
ولو دقّقنا في شعر السيّاب، في تلك الفترة، لوجدناه غزيرًا بالمعاني الروحية، مع علمنا أن المرض يجعل الإنسان لا يجد ملاذا يحتمي به سوى الإيمان بالله، فقصيدته (مولد المختار) كتبها قبل دخوله في دوّامة المرض، فقد عاد فيها لفطرته الإنسانيّة وقد عزّز التحوّل الفكري الذي مرّ به، ذلك، فتجلّت حروفه وهو يرتقي صخرة المعراج.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي أودت بحياة مئات الآلاف
استحضارا لما حدث قبل 20 عاما، قرر الإندونيسيون إحياء ذكرى تسونامي الذي ضرب دولا آسيوية، وراح ضحيته أكثر من 230.000 شخص. وخشية من تكرار الكارثة، باتت السلطات تهتم بالتوعية، ولا تكتفي بعرض لافتات كُتب عليها (باللغة الإندونيسية) "أنت في منطقة معرضة للتسونامي"
اعلانشاركت مجموعة متنوعة من طلاب المدارس الثانوية في تدريبات التأهب للزلازل، ضمن الأنشطة المخلدة لذكرى واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البشرية. وخرج الطلاب والطالبات من المدارس، وكأنهم يستجيبون فعلاً لتحذير داعٍ ينذرهم بوقوع تسونامي جديد، فمثلوا الدور وكأن الحادث وقع فعلا.
فنانون يؤدون عرضا فنيا خلال عرض مسرحي يصور كارثة تسونامي خلال إحياء ذكرى مرور 20 عاما، في أتشيه في باندا أتشيه بإندونيسيا، السبت 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/APويستحضر السكان هناك تلك الطامة الكبرى، حينما هاجت الأمواج العاتية في المحيط الهندي، إبان عيد الميلاد، عام 2004، ووقع زلزال تجاوز قوته 9 درجات على مقياس ريختر، ضرب سواحل جزيرة سومطرة الأندونسية، وهاجت الأمواج، وحلقت في الهواء، في ارتفاع تجاوز 17 مترا، واجتاح المد شواطئ دول عديدة في المنطقة، كان أكثرها تضررا، بعد إندونيسا: تايلاند والهند وسريلانكا.
لقطة جوية باستخدام طائرة بدون طيار، تُظهر مسجد رحمة الله في قرية لامبوك، إحدى أكثر المناطق تضررا من تسونامي 2004، في أتشيه بيسار، إندونيسيا، الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/Copyright 2024 The AP. All rights reserved.وتُظهر الصور مدى تمسك السكان بأرضهم ووطنهم، واستعدادهم للعيش في تلك المناطق، رغم أن قرى بكاملها قد سُويت بالأرض جراء الأمواج العاتية التي قتلت أكثر من 150 ألفا في أندونيسيا وحدها.
Relatedزلزال بقوة 7.1 درجة يهز جنوب اليابان: تحذيرات من تسونامي وتفتيش للمفاعلات النوويةفيضانات وانهيارات أرضية في إندونيسيا.. وفاة 27 واستمرار عمليات الإنقاذتغير المناخ أحدث موجات تسونامي هزت الأرض 9 أيامإندونيسيا: عمليات إجلاء مستمرة مع استمرار ثوران بركان جبل ليوتوبي "لاكي لاكي"كما تظهر الفيديوهات مناطق أعيد بناؤها، وصارت تتزين بعشرات آلاف المباني السكنية والتجارية والحكومية، فضلا عن بناء المدارس في المنطقة التي شهدت فعليا دمارا شاملا في 2004.
واستذكارا لذلك اليوم الأليم، تقول السيدة تريا أسناني، مدرسة ثانوية في إندونيسيا: ”عندما يسألني الناس كيف نجوت، أقول لهم: الله وحده يعلم. فأنا لا أجيد السباحة. وكان اعتمادي على الدعاء وذكر الله، لأنني آمنت بأننا إذا كنا مع الله فالله أكبر“.
ومن اللافت أن الكارثة تسببت في توحيد الناس، بغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم، فصار إحياؤها يشمل الصلوات عند كثير من أتباع الملل والنحل، وخصوصا: المسلمين والمسيحيين والبوذيين.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعية خلابة إل ألتو البوليفية: "المنازل الانتحارية" مهددة بالانهيار والسكان يصرون على البقاء احتفال بالريادة في مجال الاستدامة في إندونيسيا.. شركات في خدمة المجتمع والبيئة عيد الميلادإندونيسياتسوناميذكرىاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next إسرائيل تواصل قصف غزة موقعة قتلى وجرحى والحوثيون يستهدفون تل أبيب بصاروخ باليستي يعرض الآن Next ألمانيا: الشرطة تفتش منزل المشتبه به في تنفيذ هجوم سوق الميلاد بماغديبورغ يعرض الآن Next صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة يعرض الآن Next هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار مادية يعرض الآن Next من التشويق إلى الدراما.. أفضل أفلام عام 2024 عليك أن تشاهدها قبل نهاية العام اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل عاجل. ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. هل تعلم أن للأسد 348 اسمًا؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحاياسورياهيئة تحرير الشام قطاع غزةبشار الأسدألمانياأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلقصفإسرائيلروسياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024