هذا أسبوع حاسم للباكستانيين. ففي يوم الخميس «اليوم» سوف نصوِّت في الانتخابات الفيدرالية والمحلية، ومن ثم فإن نظامنا الديمقراطي كله على المحك. ولسنا البلد الوحيد الذي يواجه هذه اللحظة خلال العام الحالي. فسوف تقام انتخابات في أكثر من ستين بلدا تشكل قرابة نصف سكان الكوكب.

لكنني أستبعد أن يكون ملايين الناخبين في العالم مثلي في أنهم باتوا يتساءلون عما لو أنهم لا يزالون يؤمنون أصلا بوعد الديمقراطية.

وفي حين أن باكستان لم تتمكن قط من ممارسة الديمقراطية على النحو الصحيح، ففي الهند المجاورة -وهي أضخم بلد ديمقراطي في العالم- يرجَّح أن تؤدي الانتخابات التي ستقام خلال شهرين إلى مزيد من إحكام قبضة حكومة ناريندرا مودي القائلة بالسيادة الهندوسية، ودونالد ترامب صاعد مرة أخرى في أمريكا التي تشهد انتخاباتها في نوفمبر. والعالم مضطرب مزعزع الاستقرار -بصراعين مستعرين في غزة وأوكرانيا- وذلك جزئيا بسبب فوضى العملية السياسية الحديثة وقصر نظر القادة الذين يستغلونها.

إن هذه المشاعر تستولي على الباكستانيين منذ عقود. في عام 1977، حينما كنت فتاة صغيرة، أطيح برئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بانقلاب عسكري هوى بالبلد إلى هوة الدكتاتورية والأحكام العرفية. شنقوه بعد عامين، ولم تبارحني قط ظلمة ذلك اليوم، حينما خويت الشوارع خواء مخيفا، وأعلنت الصحف اليوم يوما أسود بحروف سوداء في صدر صفحاتها الأولى. انتهى الحكم العسكري في عام 1988، وأعقبه مجيء سعيد لعقد من حكم الديمقراطية وإن وسمته الفوضى السياسية ثم جاءت فترة أخرى من الدكتاتورية العسكرية. واستؤنفت تجارب الديمقراطية في عام 2008، ولكن السطو الصارخ على السلطة مرة تلو الأخرى أصابنا بالصدمة.

وها نحن هنا من جديد.

سوف تقام انتخابات اليوم بغير وجود عمران خان، رئيس الوزراء السابق ذي الشعبية الذي صدر بحقه الأسبوع الماضي حكم قضائي في اتهامات مشكوك فيها بتسريب أسرار الدولة والفساد. (وصدر عليه حكمان بالحبس عشر سنوات وأربع عشرة سنة). عند انتخابه في عام 2018، وعد بتحرير باكستان من السياسات الأسرية الفاسدة. لكن ولايته انتهت بعد أربع سنوات بمثل ما انتهت به تقريبا فترات الحكم الديمقراطي السابقة. إذ أدارت الولايات المتحدة عينيها بعيدا فيما أطيح بحكومته المنتخبة من السلطة.

ويواجه حزب خان، (حركة الإنصاف الباكستانية)، تحديات جسيمة في انتخابات الأسبوع الحالي، منها حملة القمع الاستبدادية التي تستهدف أعضاءه. حتى بات لزاما على شخصيات الحزب السابقة أن تخوض السباق الحالي ضمن المستقلين. بل إن المحكمة العليا حظرت على الحزب استعمال رمزه الانتخابي الشهير وهو قبعة الكريكيت. (فقد كان خان بطل كريكيت وطنيا قبل أن يتحول إلى السياسة).

وإذن فإننا نتوجه إلى صناديق الاقتراع هذا الأسبوع بإحساس بالإحباط والعقم. فالباكستانيون، وخاصة الشباب المؤهلين للتصويت للمرة الأولى، يسألون أنفسهم: لماذا نصوت لسياسيين يبدو أن غايتهم الوحيدة هي الوصول إلى السلطة لاستغلالها ضد خصومهم؟

إحساس الكآبة مستشر في الشوارع. فالحملات الانتخابية تم إسكاتها، والغناء السياسي تضاءل بنسبة كبيرة وكذلك الرايات واللوافت وغيرها من مظاهر الانتخابات السابقة. وكانت هذه الأمور تحدث على أقل تقدير بعض الإثارة والمناخ الاحتفالي فتكسر روتين الحياة الفوضوية الضاغطة الذي يعيشه في أغلب الأحيان كثير من الباكستانيين البالغ عددهم مئتين وخمسة وأربعين مليون نسمة.

كآبة الانتخابات تضاهي المصاعب التي يواجهها الباكستانيون. وتؤدي الأزمة الاقتصادية -ويسِمها ارتفاع التضخم والبطالة- إلى تفاقم التحديات التي يواجهها بلد يصارع بالفعل مشكلات في توفير السكن والتعليم والرعاية الصحية اللائقة لخامس أضخم البلاد سكانا في العالم.

تصدر حكومة رعاية الأعمال التي تولت الحكم بعد الإطاحة بخان إعلانات على نحو شبه يومي عن اعتزامها إقامة عملية انتخابية سلمية: فسوف يجري توظيف الجيش، وإغلاق المدارس طوال ثمانية أيام، وينكر المسؤولون شائعات بأنه سوف يتم إغلاق مواقع الإعلام الاجتماعي وقطع الإنترنت. لكن يبقى التوتر قائما، والإحباط، والسؤال المحتوم: ما الغاية أصلا من هذه الانتخابات؟

لقد كنت في الفترة الأخيرة أناقش فكرة الديمقراطية مع زملاء دراسة سابقين معنيين بالأمر منذ أيام دراستنا في الولايات المتحدة. بعضهم من بلاد مثل بلدي، تألف دورة الديمقراطية والدكتاتورية. والآخرون أمريكيون خائفون مما قد تأتي به الانتخابات في الولايات المتحدة. لقد ظلت البلاد الغربية تبيع للباكستانيين فكرة تفوق الديمقراطية على جميع الأنظمة السياسية منذ أبعد وقت يمكنني أن أتذكره. ولكن في الولايات المتحدة، رأينا رئاسة ترامب والهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في السادس من يناير 2021، فجعلنا ذلك نحار ونتساءل: هل يحاول الباكستانيون أن يصبحوا أكثر ديمقراطية مثل الأمريكيين، أو أن الأمريكيين دونما قصد أو في طيش يصبحون أقل ديمقراطية مثلنا نحن؟

في انتخابات باكستانية سابقة -منها الانتخابات التي فاز بها خان سنة 2018- كانت الإثارة دائما ما تصل إلى عنان السماء، برغم أننا كنا نعلم أننا على الأرجح لن نحظى بديمقراطية على الطراز الغربي. ولكنها اليوم تهوي إلى الحضيض حيث قد لا نحقق أي شيء يتجاوز المزيج الغريب من القيادة المدنية العسكرية الذي نحظى به الآن معرضين على الدوام لمجيء قوة تقضي على الديمقراطية.

الديمقراطية أفضل بلا حدود من الفاشية الصريحة أو الاستبداد. ومع ذلك، ربما نصل حاليا إلى حيث تقيِّم البلاد مدى الفعالية الذي يمكن أن تبلغه الديمقراطية أمريكية الطراز بالنسبة لها وما لو أن الديمقراطية أصلا دواء ناجع لجميع البلاد والأوضاع الوطنية. فلقد رأينا عيوب الديمقراطية وكيف يمكن استعمالها لتقويض النظام الديمقراطي نفسه.

والانتخابات الباكستانية يعيبها تزوير الأصوات والمتاجرة السياسية والفساد. ومهما يكن من يفوز، فإنهم يحبطوننا حتما لأنهم دائما ما يكونون أكثر تركيزا على البقاء في السلطة لا على خدمة الشعب. فتبدو الديمقراطية السليمة أشبه بسراب يلوح في الأفق مع كل انتخابات.

لكن على الرغم من هذا كله، من الصعب التخلي تماما عن فكرة الديمقراطية. لذلك يظل القطار ماضيا في باكستان، ويُقِلُّ كل حين رُكَّابا جددا متفائلين. فقد شهدت الانتخابات الحالية طفرة في تسجيل الناخبين، و44% منهم تقل أعمارهم عن خمسة وثلاثين عاما، والمرشحات من النساء ازددن.

وإذن فسوف ندلي بأصواتنا هذا الأسبوع، وإحساس التشاؤم العميق الذي يعترينا مصحوب ببصيص أمل في أن شيئا ما قد يتغير. ولسوف يقال هذا العام للناخبين في أنحاء العالم إن أصواتهم لها قيمة. أما في باكستان، فنحن لا نزال ننتظر دليلا على أن ثمة من ينصت إلينا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی عام

إقرأ أيضاً:

“انتخابات الآن”.. حملة من أجل حقبة لبنانية جديدة

تشهد لبنان انطلاق حملة تحمل عنوان “الانتخابات الآن”، وتكتسب زخما كبيرا في أنحاء البلاد سواء عبر الانترنت أو في الأماكن العامة، في ظل العملية الإسرائيلية الكبيرة في البلد، وإضعاف حزب الله، بعد الضربات القوية التي تعرض لها، ومقتل قائده، حسن نصر الله.
وبحسب موقع “إل بي سي” اللبناني، فإن حملة “الانتخابات الآن”، تدعو إلى المشاركة الفورية في الانتخابات المقبلة، وتتمحور الحملة حول فكرة أن الانتخابات تمثل شكلًا من أشكال الاستقلال الجديد للبنان، ووسيلة للتحرر من الأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة.
وبين الموقع أن الشعب اللبناني وغالبية الفصائل باتت تؤمن أن الحل في انتخابات جديدة تغير من شكل البلد والقوى المهيمنة، وتمنح البلد حكومة مستقلة، لا سيما بعد عامين من انتهاء المدة الرئاسية للرئيس السابق، ميشيل عون، وعدم التمكن من اختيار حكومة حتى الآن، والقبول بحكومة مؤقتة تحت قيادة نجيب ميقاتي.
وبين الموقع أن الحملة تعمل على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مستخدمةً صورًا قوية تسلط الضوء على دور الناخبين الشباب، وخاصةً النساء، في تشكيل مستقبل لبنان.
وبين الموقع أن الحملة تحمل رسالة بسيطة لكنها قوية: ”الحل الوحيد هو الانتخابات“، إذ تشجع الحملة المواطنين على التحكم في مصيرهم من خلال عملية التصويت.
إلى جانب الحملة على الانترنت، فقد انتشرت عشرات اللافتات الكبيرة الموضوعة على الطرق السريعة وتحمل عبارات جريئة مثل أن يوم 28 سبتمبر يمكن أن يكون يوم استقلال ثاني جديد للبنان، ويربط هذا التاريخ الرمزي الانتخابات المقبلة بسردية وطنية أوسع عن الاستقلال، مما يشير إلى أنه من خلال التصويت، يمكن للشعب اللبناني تحقيق مستوى جديد من السيادة على مستقبله.
وبين الموقع أن الصور المستخدمة في الحملة، بما في ذلك صور الناخبين، من الشباب والنساء، تلقى صدى قويا لدى الجمهور، وتسلط الضوء على أهمية الشمولية والمشاركة الجماهيرية، مع التشديد على أن كل صوت مهم في التغلب على أزمات لبنان.
كما تخلق الحملة قويًا بالإلحاح حول الانتخابات المقبلة. فمن خلال ربط الانتخابات بالانتعاش الاقتصادي والسياسي في لبنان، تدفع الحملة إلى التأكيد على أن التصويت ليس مجرد واجب مدني بل خطوة حاسمة نحو الإصلاح والاستقرار الوطني.
بينما تقرّ الحملة بالصعوبات التي يواجهها لبنان، إلا أنها في الوقت نفسه تبعث الأمل، وتشير إلى أنه من خلال الانتخابات يمكن للبلاد أن تبدأ من جديد وتتجه نحو مستقبل أكثر إشراقًا. وتهدف الحملة إلى إشراك الناخبين الذين خاب أملهم من خلال تقديم مسارٍ نحو تغييرٍ حقيقي.
واختتم الموقع بالقول إن حملة الانتخابات الآن هي دعوة لجميع المواطنين اللبنانيين للمشاركة في الانتخابات والمساعدة في خروج بلدهم من الأزمة الحالية، ويجعل من الانتخابات على أنها لحظة حاسمة لاستعادة استقلال لبنان ومستقبله وبدء صفحة جديدة.
ومن جانبها، أوضحت وكالة رويترز الأمريكية  أن الهجوم الإسرائيلي على حزب الله في لبنان أدى إلى قيام بعض الساسة اللبنانيين البارزين بمحاولة جديدة لملء الفراغ الرئاسي المستمر منذ عامين، في محاولة لإحياء الدولة المشلولة التي تواجه صراعًا متصاعدًا.

لم يكن للبنان رئيس أو حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة منذ أكتوبر 2022 بسبب الصراع على السلطة الذي لعب فيه حزب الله دورًا كبيرًا. وأصرت الجماعة الشيعية المدججة بالسلاح، إلى جانب حلفائها، على نقل المنصب المخصص للمسيحي الماروني إلى حليفهم المسيحي سليمان فرنجية.

مقالات مشابهة

  • اليوم..انتخابات الرئاسة التونسية
  • انتخابات رئاسية في تونس للاختيار بين سعيّد ومؤيد ومسجون
  • إيلون ماسك: ترامب هو المرشح الوحيد القادر على حماية الديمقراطية
  • ماسك يعتبر ترامب المرشح الوحيد القادر على حماية الديمقراطية
  • بدء حملة التطعيم ضد جدري القردة في الكونغو الديمقراطية
  • الكونغو الديمقراطية تطلق أول حملة تطعيم ضد جدري القردة
  • بايدن يحذر من احتمال رفض ترمب لنتائج الانتخابات حال خسارته
  • معركة صعبة مرتقبة للسيطرة على الكونغرس الأميركي
  • “انتخابات الآن”.. حملة من أجل حقبة لبنانية جديدة
  • ما هي الأزمات التي تواجه المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس؟