أمثالي من الباكستانيين يفقدون الإيمان بالديمقراطية
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
هذا أسبوع حاسم للباكستانيين. ففي يوم الخميس «اليوم» سوف نصوِّت في الانتخابات الفيدرالية والمحلية، ومن ثم فإن نظامنا الديمقراطي كله على المحك. ولسنا البلد الوحيد الذي يواجه هذه اللحظة خلال العام الحالي. فسوف تقام انتخابات في أكثر من ستين بلدا تشكل قرابة نصف سكان الكوكب.
لكنني أستبعد أن يكون ملايين الناخبين في العالم مثلي في أنهم باتوا يتساءلون عما لو أنهم لا يزالون يؤمنون أصلا بوعد الديمقراطية.
إن هذه المشاعر تستولي على الباكستانيين منذ عقود. في عام 1977، حينما كنت فتاة صغيرة، أطيح برئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بانقلاب عسكري هوى بالبلد إلى هوة الدكتاتورية والأحكام العرفية. شنقوه بعد عامين، ولم تبارحني قط ظلمة ذلك اليوم، حينما خويت الشوارع خواء مخيفا، وأعلنت الصحف اليوم يوما أسود بحروف سوداء في صدر صفحاتها الأولى. انتهى الحكم العسكري في عام 1988، وأعقبه مجيء سعيد لعقد من حكم الديمقراطية وإن وسمته الفوضى السياسية ثم جاءت فترة أخرى من الدكتاتورية العسكرية. واستؤنفت تجارب الديمقراطية في عام 2008، ولكن السطو الصارخ على السلطة مرة تلو الأخرى أصابنا بالصدمة.
وها نحن هنا من جديد.
سوف تقام انتخابات اليوم بغير وجود عمران خان، رئيس الوزراء السابق ذي الشعبية الذي صدر بحقه الأسبوع الماضي حكم قضائي في اتهامات مشكوك فيها بتسريب أسرار الدولة والفساد. (وصدر عليه حكمان بالحبس عشر سنوات وأربع عشرة سنة). عند انتخابه في عام 2018، وعد بتحرير باكستان من السياسات الأسرية الفاسدة. لكن ولايته انتهت بعد أربع سنوات بمثل ما انتهت به تقريبا فترات الحكم الديمقراطي السابقة. إذ أدارت الولايات المتحدة عينيها بعيدا فيما أطيح بحكومته المنتخبة من السلطة.
ويواجه حزب خان، (حركة الإنصاف الباكستانية)، تحديات جسيمة في انتخابات الأسبوع الحالي، منها حملة القمع الاستبدادية التي تستهدف أعضاءه. حتى بات لزاما على شخصيات الحزب السابقة أن تخوض السباق الحالي ضمن المستقلين. بل إن المحكمة العليا حظرت على الحزب استعمال رمزه الانتخابي الشهير وهو قبعة الكريكيت. (فقد كان خان بطل كريكيت وطنيا قبل أن يتحول إلى السياسة).
وإذن فإننا نتوجه إلى صناديق الاقتراع هذا الأسبوع بإحساس بالإحباط والعقم. فالباكستانيون، وخاصة الشباب المؤهلين للتصويت للمرة الأولى، يسألون أنفسهم: لماذا نصوت لسياسيين يبدو أن غايتهم الوحيدة هي الوصول إلى السلطة لاستغلالها ضد خصومهم؟
إحساس الكآبة مستشر في الشوارع. فالحملات الانتخابية تم إسكاتها، والغناء السياسي تضاءل بنسبة كبيرة وكذلك الرايات واللوافت وغيرها من مظاهر الانتخابات السابقة. وكانت هذه الأمور تحدث على أقل تقدير بعض الإثارة والمناخ الاحتفالي فتكسر روتين الحياة الفوضوية الضاغطة الذي يعيشه في أغلب الأحيان كثير من الباكستانيين البالغ عددهم مئتين وخمسة وأربعين مليون نسمة.
كآبة الانتخابات تضاهي المصاعب التي يواجهها الباكستانيون. وتؤدي الأزمة الاقتصادية -ويسِمها ارتفاع التضخم والبطالة- إلى تفاقم التحديات التي يواجهها بلد يصارع بالفعل مشكلات في توفير السكن والتعليم والرعاية الصحية اللائقة لخامس أضخم البلاد سكانا في العالم.
تصدر حكومة رعاية الأعمال التي تولت الحكم بعد الإطاحة بخان إعلانات على نحو شبه يومي عن اعتزامها إقامة عملية انتخابية سلمية: فسوف يجري توظيف الجيش، وإغلاق المدارس طوال ثمانية أيام، وينكر المسؤولون شائعات بأنه سوف يتم إغلاق مواقع الإعلام الاجتماعي وقطع الإنترنت. لكن يبقى التوتر قائما، والإحباط، والسؤال المحتوم: ما الغاية أصلا من هذه الانتخابات؟
لقد كنت في الفترة الأخيرة أناقش فكرة الديمقراطية مع زملاء دراسة سابقين معنيين بالأمر منذ أيام دراستنا في الولايات المتحدة. بعضهم من بلاد مثل بلدي، تألف دورة الديمقراطية والدكتاتورية. والآخرون أمريكيون خائفون مما قد تأتي به الانتخابات في الولايات المتحدة. لقد ظلت البلاد الغربية تبيع للباكستانيين فكرة تفوق الديمقراطية على جميع الأنظمة السياسية منذ أبعد وقت يمكنني أن أتذكره. ولكن في الولايات المتحدة، رأينا رئاسة ترامب والهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في السادس من يناير 2021، فجعلنا ذلك نحار ونتساءل: هل يحاول الباكستانيون أن يصبحوا أكثر ديمقراطية مثل الأمريكيين، أو أن الأمريكيين دونما قصد أو في طيش يصبحون أقل ديمقراطية مثلنا نحن؟
في انتخابات باكستانية سابقة -منها الانتخابات التي فاز بها خان سنة 2018- كانت الإثارة دائما ما تصل إلى عنان السماء، برغم أننا كنا نعلم أننا على الأرجح لن نحظى بديمقراطية على الطراز الغربي. ولكنها اليوم تهوي إلى الحضيض حيث قد لا نحقق أي شيء يتجاوز المزيج الغريب من القيادة المدنية العسكرية الذي نحظى به الآن معرضين على الدوام لمجيء قوة تقضي على الديمقراطية.
الديمقراطية أفضل بلا حدود من الفاشية الصريحة أو الاستبداد. ومع ذلك، ربما نصل حاليا إلى حيث تقيِّم البلاد مدى الفعالية الذي يمكن أن تبلغه الديمقراطية أمريكية الطراز بالنسبة لها وما لو أن الديمقراطية أصلا دواء ناجع لجميع البلاد والأوضاع الوطنية. فلقد رأينا عيوب الديمقراطية وكيف يمكن استعمالها لتقويض النظام الديمقراطي نفسه.
والانتخابات الباكستانية يعيبها تزوير الأصوات والمتاجرة السياسية والفساد. ومهما يكن من يفوز، فإنهم يحبطوننا حتما لأنهم دائما ما يكونون أكثر تركيزا على البقاء في السلطة لا على خدمة الشعب. فتبدو الديمقراطية السليمة أشبه بسراب يلوح في الأفق مع كل انتخابات.
لكن على الرغم من هذا كله، من الصعب التخلي تماما عن فكرة الديمقراطية. لذلك يظل القطار ماضيا في باكستان، ويُقِلُّ كل حين رُكَّابا جددا متفائلين. فقد شهدت الانتخابات الحالية طفرة في تسجيل الناخبين، و44% منهم تقل أعمارهم عن خمسة وثلاثين عاما، والمرشحات من النساء ازددن.
وإذن فسوف ندلي بأصواتنا هذا الأسبوع، وإحساس التشاؤم العميق الذي يعترينا مصحوب ببصيص أمل في أن شيئا ما قد يتغير. ولسوف يقال هذا العام للناخبين في أنحاء العالم إن أصواتهم لها قيمة. أما في باكستان، فنحن لا نزال ننتظر دليلا على أن ثمة من ينصت إلينا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی عام
إقرأ أيضاً:
الجمهوريون يحققون الأغلبية في مجلس الشيوخ.. والديمقراطيون يفقدون السيطرة
أعلنت قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، الأربعاء، عن فوز الحزب الجمهوري بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، بعدما حصد 51 مقعداً، مما أفقد الديمقراطيين السيطرة التي كانوا يتمتعون بها في المجلس خلال السنوات الأخيرة.
ويأتي هذا الفوز ليضع الجمهوريين في موقع قوي داخل الكونغرس، خاصة مع توقعات تقدمهم في انتخابات مجلس النواب أيضا.
في التكوين الحالي لمجلس الشيوخ، كان الديمقراطيون يمتلكون 51 مقعدا، مقابل 49 للجمهوريين.
ووفقا للقانون الأمريكي، يمنح هذا التوزيع نائب الرئيس سلطة حسم أي تعادل في التصويت على المبادرات التشريعية، مما أعطى الديمقراطيين ميزة استراتيجية سابقا.
لكن مع تحقيق الجمهوريين للأغلبية، يصبح لهم اليد الطولى في القرارات التشريعية المستقبلية.
انتخابات الكونغرسفي سباق انتخابات مجلس النواب، تظهر التوقعات تقدم الجمهوريين بـ 159 مقعدا من أصل 435، مقابل 103 مقاعد للديمقراطيين.
هذه النتائج المبدئية تشير إلى احتمال أن يتمكن الجمهوريون من السيطرة على المجلسين في الكونغرس، مما يعزز تأثيرهم في السياسة الأمريكية ويزيد من قدرة الحزب على تمرير أجندته دون عقبات كبرى من الديمقراطيين.
انتخابات رئاسية شرسةجرت في 5 نوفمبر الانتخابات الرئاسية، التي يتنافس فيها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس عن الحزب الديمقراطي. وتعد هذه الانتخابات حاسمة، ليس فقط لاختيار الرئيس، بل أيضا لتحديد التوجه العام للحكومة الأمريكية، في ظل التنافس الحاد بين السياسات المحافظة والجديدة.
كيف ستؤثر سيطرة الجمهوريين على السياسة الأمريكية؟يطرح فوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلس الشيوخ احتمالات متعددة لمستقبل السياسة الأمريكية. إذ من المتوقع أن يشهد المجلس تحركات تشريعية قوية من الجمهوريين، تتعلق بقضايا الهجرة، والسياسة الخارجية، والضرائب.
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com)
وسام نصر الله كاتب وصحفيكاتب وصحفي متخصص في الشؤون السياسية والدولية، وعضو في نقابة الصحفيين الأردنيين واتحاد الصحفيين العرب. يعمل محررا في قسم الأخبار في "البوابة" منذ عام 2011، حيث يتابع ويحلل ويغطي أبرز الأحداث الإقليمية والدولية.
الأحدثترند سعر الدولار اليوم في لبنان الأربعاء 6 نوفمبر 2024.. الليرة الآن الجمهوريون يحققون الأغلبية في مجلس الشيوخ.. والديمقراطيون يفقدون السيطرة إيلون ماسك يحذر من جيفير لوبيز .. "لا يمكن الوثوق بها" بسام كوسا.. ديانته وأصله وحياته الخاصة سعر الريال السعودي اليوم في مصر الأربعاء 6 نوفمبر 2024 Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter