لماذا تُحاصَر لغتنا العربية في بعض المؤسسات؟!
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
مع التطورات العلمية الحديثة وزيادة وسائل التواصل الاجتماعي، وتقدُّم التقنيات واكتسابها القبول في التعامل اليومي، ومن خلال اللغات الأجنبية التي أصبحت عند الكثير من الدول، قد نجد اللغة العربية محاصرة في طرق ووسائل عديدة، من اللغات الأخرى الأكثر تداولًا في العالم، ففي بعض مؤسساتنا البنكية والفنادق أيضًا في بلادنا، أصبح التعامل باللغات الأجنبية بارزًا في القطاع الخاص، خاصة اللغة الإنجليزية، وهذه ستسهم في تقليل عدد العاملين العمانيين بهذه المؤسسات التجارية من الباحثين عن وظائف، ويجب تدارك هذا الأمر من الجهات المسؤولة عن التعمين، مع استثناء المصارف بسلطنة عُمان الذي أصبح التعمين بعد تطبيقه ساريًا بنجاح كبير، لكن الإشكال في اللغة الأجنبية أنها فرضت تعاملها في الكثير من المؤسسات البنكية وفي الفنادق.
والأمر الآخر الذي فاجأني أنني طلبت بعد فترة من الدمج بين بنك عماني وأحد البنوك الأجنبية، حيث تم هذا الدمج أو التنازل في أن يكون الاسم الجديد باسم البنك العماني، ويختفي اسم المصرف الأجنبي تماما، فقلنا هذا شيء إيجابي أن تبرز المصارف العمانية، وبعد أسابيع قليلة شاهدت كل الرسائل التي تصلني باللغة الإنجليزية، مع أن البنك الوافد سابقًا، كان يرسل الكثير من الرسائل باللغة العربية مع اللغة الإنجليزية! فذهبت لأحد فروع هذا البنك في صلالة، فطلبت من أحد العاملين أن تكون بعض الرسائل باللغة العربية التي ترسل لنا، فجاء الرد بالرفض القطعي!
لذلك نرجو أن تكون اللغة العربية حاضرة في بعض الرسائل، خاصة للزبائن العرب، والموظفون بالبنك يستطيعون أن يميزوا بين الزبائن، من خلال حساباتهم البنكية، ولا شك أن إقصاء اللغة العربية تماما أمر سلبي في جوانب عديدة؛ لأن اللغة العربية هوية ناطقة أيضًا مثلها مثل الثقافة والقيم والعادات والتقاليد الطيبة، ومحاولة تقديم اللغات الأجنبية في المعاملات لها أثر سلبي ليس بسيطًا، خاصة اللغة الأم، مع مخاطر الاختراق الكبير للثقافة الوطنية، والكل يحذر منها.
ففرنسا قبل سنوات كانت تحذر من الخطر على ثقافتها ولغتها الفرنسية، من الاختراق الثقافي الأمريكي، وكندا أيضًا على لسان رئيس وزرائها آنذاك، حذّر من الغزو الأمريكي على ثقافتها، بالرغم أنهم ينتمون إلى ثقافة وحضارة وقيم واحدة، لكن اللغة الذاتية هي التي خُصت بالخطر، ونحن بلا شك نواجه صراعًا ثقافيًا في عالم اليوم، ليس عاديًا، ومن المهم النظر إليه نظرة خطر على الثقافة والهوية الوطنية.
وهذا يعد مؤشرًا سلبيًا على عدم فرض التعمين، كما تم فرضه في المصارف كما أشرت آنفًا قبل أكثر من عدة عقود مضت، ويفترض أن تكون الأولوية لأبناء الوطن في التوظيف، بحيث يتم اختيار من الشباب الذي يقبلون بالوظائف وفق مؤهلاتهم الدراسية، وقد لا يكونون من حملة الشهادات العالية. وبما أننا نواجه أعدادا متزايدة من الباحثين عن عمل، ربما تزيد على مائة ألف باحث عن عمل -كما نسمع- فلا بد من تحديد النسب من العاملين العمانيين، بما لا يقل عن 70% من عدد العاملين. وهذا يفترض أن يطبق ولو بالتدريج بعد أن يؤدي التدريب قدرته على التأهيل لبعض الوظائف. واللغة العربية قادرة على أن تؤدي دورها في العمل المالي والإداري، ولا حاجة لنا أن نستعير اللغات من بعض الدول، ثم لماذا تفرض، كما قال د. أحمد الضبيب: «إن تعليم أبنائنا منذ المراحل الأولى للدراسة باللغة الإنجليزية؟ ونضيف إلى مجهودهم في المواد المختلفة باللغة العربية، لغة أجنبية! ونلزمهم حفظ مفرداتها وقواعدها في كل المراحل، وهذا ما يشتت مدارك الطلبة، ويلقي عليهم أعباء أخرى تشتت أذهانهم ومداركهم، وهو ما يعرف بسلبيات الازدواجية اللغوية على المتلقي، فمن ناحية نجعل هذه اللغة الأجنبية تنافس اللغة العربية، اللغة الأم، ومن ناحية نربك الطالب ونشتت ذهنه، فلا هو أتقن لغته الأم إتقانا كاملا، ولا هو استوعب هذه اللغة الأجنبية استيعابا جيدا، فنجعله مثلما تقول الأمثال، كفعل الغراب يوما، عندما أراد أن يقلّد طائر الطاؤوس، فلا هو أتقن مشية الطاووس، ولا استطاع إتقان مشية الغربان، مشيته الأصلية! وهذه مشكلة خطيرة تستوجب المراجعة الجدية من جهات الاختصاص، لذلك نود من هذه الجهات».
وقد كتبت عن قضية اللغة العبرية في إسرائيل، وكيف أن هذه اللغة كانت الميتة وتم إحياؤها مرة أخرى وأصبحت لغة العلم والإدارة في الكليات والجامعات في إسرائيل، وهذا تم بعد وعد بلفور، واحتلال فلسطين بعد حرب 1948، فأحيوا هذه اللغة الميتة مرة أخرى، وصارت لغة العلم والصناعات والعلوم الإنسانية المختلفة كما أشرت آنفًا، مع أن علماء اليهود في العصر العباسي وما بعده من العصور العربية الإسلامية، كانوا يكتبون ويؤلفون كتبهم باللغة العربية، ويذكر المفكر عزمي بشارة في إحدى الندوات في بلد عربي: «أنني زرت كل مناطق عاصمة الكيان الإسرائيلي كلها (تل أبيب)، ولم أجد مدرسة خاصة تدرس اللغة الإنجليزية، أو أي لغة أجنبية، كل المدارس باللغة العبرية، فالعبرية لغة اندثرت منذ قرون، تم إحياؤها من جديد، مع أنها كانت لغة ميتة، وكان اليهود في العصور الوسطى وما بعدها، وفي فترة الحضارة الإسلامية، كانوا يكتبون باللغة العربية، لا باللغة العبرية».
فاللغة العربية تفوق في قدرتها الكثير من اللغات الأخرى، من حيث سعة مفرداتها اللغوية، وقدرتها على التعاطي مع كل العلوم الحديثة، وهذا ما ظهر مع العلوم المختلفة التي ازدهرت مع الحضارة العربية الإسلامية في العصر الأموي والعباسي، وبعض العصور التالية. وقد كانت اشتغالهم وعلومهم ومؤلفاتهم من خلال اللغة العربية، وليس باللغات الأجنبية. صحيح أنهم استفادوا من الترجمة في مجال العلوم المختلفة، لكنهم ترجموها للعربية، وأضافوا وأبدعوا فيها، والحضارة الغربية أيضًا، استفادت من الحضارة العربية الإسلامية، وهذا باعترافهم بفضلها على حضاراتهم منذ القرن السابع عشر،وما بعدها، فلذلك فإن الانبهار باللغة الأجنبية، والاعتقاد أن تفضيلها يجلب التقدم والنهضة، ليس صحيحًا أبدًا، تراجعنا ليس بسبب اللغة، لكن الأصح أننا نحن أصابنا التخلف، لأسباب سياسية وفكرية، وظروف تاريخية، ونتحملها نحن بالذات، حتى لا نلقي بأخطائنا على المؤامرات الخارجية، صحيح أن الصراع بين الأمم والحضارات حاصل لا محالة، وهذا ما يسميه القرآن الكريم (بالتدافع)، وتلك سنة إنسانية، لكن لماذا نحن نتراجع وهم يتقدمون؟ الخلل إذن فينا، وهذا يحتاج إلى مراجعة من أهل الاختصاص، فالذي أريد قوله أن اللغة العربية ليست ضعيفة أمام التحدي الحضاري، لكن الضعف في الأمة نفسها وليس في لغتها.
ونحن للأسف نهمل لغتنا العربية في الكثير من جامعاتنا وكلياتنا، ونجعل اللغات الأجنبية تنافسنا في الوظائف الوطنية في أحايين كثيرة! وهذا للأسف مجازفة كبيرة وخطيرة لهوية الأمة، ذلك أن اللغة الإنجليزية ليست ضرورة في كل المهام في الوظائف حتى العلمية منها، حتى نجعل منها اللغة الأساسية في مدارسنا وكلياتنا، بل إنها قد تكون مطلوبة في بعض المهن الفنية الدقيقة التي تستلزم نوعية من الأجهزة ذات الطابع التقني المتقدم، لكن وجود الأجنبي غير العربي، يكون مؤقتًا، حتى يأتي من هو في خبرته بعد تأهيله، لذلك يجب أن نعزز اللغة الوطنية من خلال مناهجنا في التعليم، وفي الجامعات والكليات، ونجعلها أساسية في كل تعاملاتنا الإدارية والفنية، وهذا يتطلب أن نركز على التعريب بدلًا من اعتماد اللغات الأجنبية في بعض جامعاتنا، فالمهم أن اللغة العربية تستطيع أن تواجه التحديات، إذا ما جعلنا اهتماماتنا بهذه اللغة والتركيز عليها في كل أوجه العلوم المختلفة، وليست العلوم الإنسانية فقط، على الأقل كما أحيا اليهود لغتهم الميتة في العصر الحديث، مع أن لغتنا لم تكن ميتة، منذ أكثر من 15 قرنًا حية وقوية وما تزال، وأقامت منها حضارة عالمية، شهد لها الأعداء قبل الأقرباء، لذلك يجب ألا نهمل لغتنا ولا نضعف أمام اللغات الأجنبية، مثلما ضعف البعض أمام اللغات الغربية، فهي وإن كانت لغة الهوية فهي لغة العلم والأدب والفكر، كما عرفتها أمام كل شعوب العالم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللغة الإنجلیزیة اللغات الأجنبیة اللغة الأجنبیة باللغة العربیة اللغة العربیة الکثیر من هذه اللغة أن اللغة من خلال فی بعض
إقرأ أيضاً:
مجمع الملك سلمان العالمي" يختتم مؤتمر "اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية"
اختتم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بالشراكة مع جامعة القصيم، فعاليات مؤتمر (اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية)، الذي أُقيم برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، في مركز المؤتمرات بجامعة القصيم، وسط حضور نوعي من المسؤولين والأكاديميين والمختصين والمهتمين باللغة والثقافة الوطنية، ومشاركة أكثر من 20 جهة.
وثمَّن الأمين العام للمجمع الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي الدعم الذي يحظى به المجمع من صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، مؤكدًا أن هذا المؤتمر يمثل إحدى المبادرات الحيوية لتعزيز حضور اللغة العربية في المؤسسات والمجتمع، وربطها بمسارات التنمية والهوية الوطنية وفق مستهدفات رؤية 2030.
وفي كلمته الافتتاحية قدم الوشمي شكره وتقديره لسمو أمير منطقة القصيم على رعايته لأعمال المؤتمر، ولجامعة القصيم دعمها المتواصل لقضايا اللغة العربية.
وأكَّد أن المجمع يعمل على مدّ الجسور مع جميع الجهات المعنية؛ لدعم اللغة العربية، وحمايتها، وترسيخ مكانتها عالميًّا؛ انطلاقًا من الدور المحوري الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في تعزيزها.
وهدف المؤتمر إلى إبراز دور اللغة العربية في تعزيز الهوية الوطنية السعودية، ومناقشة التحديات التي تواجه هذا الدور الحيوي، واستعراض التجارب العالمية في تعزيز اللغات الوطنية، إضافةً إلى طرح المبادرات والمشروعات التي تدعم اللغة العربية، وتربطها بمسارات التنمية والهوية في المملكة العربية السعودية.
وتناول المؤتمر أربعة محاور علمية رئيسة؛ حيث ناقش المحور الأول دور الجهات الحكومية وغير الحكومية في تعزيز الهوية اللغوية، مع عرض جهود مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومبادرات دعم العربية. وناقش المحور الثاني السياسات اللغوية وأثرها في الهوية الوطنية، مستعرضًا مشروع (منظومة بيانات السياسات اللغوية العربية)، وأثر التشريعات والسياسات السعودية، مع تسليط الضوء على دور الإعلام في تمكين اللغة ضمن رؤية المملكة 2030.
في حين بحث المحور الثالث قضايا الأمن اللغوي ومهددات تمكين اللغة العربية، متضمنًا الحديث عن دور الأسرة، والتحديات المرتبطة باللغة الهجينة، ومزاحمة اللغات الأجنبية، واستعرض المحور الرابع تجارب دولية في تعزيز الهوية الوطنية، مع عرض نماذج من التجارب الإنجليزية والفرنسية والعربية عامة والسعودية خاصة، إضافةً إلى الإسبانية والصينية.
وصاحب المؤتمر معرض تعريفي بأبرز جهود المجمع والجهات المشاركة في دعم اللغة العربية، وربطها بالهوية الوطنية، استمر مدة يومين، وسط تفاعل واسع من المشاركين والزوار.
ويؤكد تنظيم المؤتمر التزام المجمع بدوره الإستراتيجي في قضايا اللغة والهوية، والحفاظ على اللغة العربية، وتعزيز حضورها في شتى مجالات التنمية والثقافة، ويبرز أيضًا الدور المحوري لجامعة القصيم في خدمة اللغة العربية تدريسًا وبحثًا؛ بواسطة برامج أكاديمية متخصصة، ومبادرات علمية تسهم في تطوير الدراسات اللغوية، وترسيخ الهوية الوطنية