جددت مصر رفضها، إرسال رسائل قوات إسرائيلية إلى حدودها مع قطاع غزة الفلسطيني، عارضة رؤيتها عن شكل الحكم في غزة، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع.

ووفق القناة "12" العبرية، فإن مصر بعثت رسالة إلى إسرائيل، تتعلق باليوم التالي لشكل الحكم في قطاع غزة بعد الحرب.

وأشارت القناة إلى أن "قضية اليوم التالي في غزة لم تتم مناقشتها في إسرائيل، لكن رسالة مثيرة للاهتمام حول الموضوع وصلت إلى إسرائيل من مصر في الأيام الأخيرة".

وأضافت: "تؤكد الرسالة أن نقطة البداية بالنسبة للمصريين هي بأن من سيحل محل حماس هي السلطة الفلسطينية المطورة أو المتجددة وهي التي ستدخل القطاع".

وأفادت بأن الرسالة تؤكد عدم اعتراض مصر على إرسال قواتها إلى قطاع غزة، إذا طلبت السلطة الفلسطينية من القاهرة القيام بخطوة كهذه.

كما قالت الرسالة: "مصر مستعدة للقيام بذلك، لكنها لن تفعل ذلك بناء على طلب إسرائيلي"، مشيرة إلى أنها ستقبل بذلك إذا كان "طلب المساعدة من جار عربي".

اقرأ أيضاً

تقارير عبرية: مصر تضغط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة قبل رمضان

واعتبرت القناة أن "تدفق الأموال السعودية والمساعدات والقوات المصرية على الأرض وعناصر (فتح) قد يخلق واقعاً جديداً، لكن كل هذا مرهون بالموافقة الإسرائيلية التي لم تصل بعد".

وعقب عملية "طوفان الأقصى"، بدأت إسرائيل بتطويق قطاع غزة من جميع الجهات وتشديد الخناق على المقاومة، وأصبح "محور فيلادلفيا" (محور صلاح الدين) المحاذي للحدود المصرية أحد أهم المناطق الإستراتيجية المستهدفة في الخطة الإسرائيلية لعزل القطاع، وبدأت التساؤلات حول مصير هذه المنطقة في ظل وجود اتفاقات دولية تحكم التحرك فيها.

وفي هذا السياق، استعرض مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" مخاوف الجهة المصرية من عملية عسكرية إسرائيلية في هذه المنطقة.

وقال الكاتب يهودا بيلانغا وهو خبير في شؤون العالم العربي في قسم الدراسات اليهودية في جامعة "بار إيلان"، إن "مصر غضت الطرف وسمحت لصناعة التهريب خاصة الأسلحة بأن تصل إلى أبعاد فظيعة، وهي الآن تنكر وجود الأنفاق وتشعر بالإهانة من الاتهامات الموجهة إليها".

واعتبر بيلانغا أن "احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفي والسيطرة عليه هو وحده الذي سيؤدي إلى سد الثغرات من سيناء، وسيقطع خطوط إمداد حماس بالأسلحة، وسيساهم بشكل كبير في انهيار الحركة".

لكن الموقف المصري حسب الكاتب الإسرائيلي، أتى مغايراً، وقال: "نظام (الرئيس المصري عبدالفتاح) السيسي غير مهتم بهذا النقطة، رغم عدائه للإخوان المسلمين بشكل عام وحماس بشكل خاص، فقد حافظ المصريون على علاقة وثيقة مع القيادة في غزة".

اقرأ أيضاً

وول ستريت جورنال: حرب غزة تدفع العلاقات المصرية الإسرائيلية نحو الانهيار

وأضاف: "من وجهة نظر القاهرة، فإن حماس يشكل رادعاً ضد إسرائيل، ومن شأن القضاء عليه أن يقلل من درجة النفوذ المصري على الفلسطينيين، ولهذا السبب فإن الموافقة المصرية على عودة إسرائيل إلى محور فيلادلفيا تعني إعطاء الضوء الأخضر للإطاحة بحماس، ومساعدة إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، وهي خطوة لن يتسامح معها الرأي العام المصري، ونتيجة لذلك فإن القيادة لن تقبل".

ومحور فيلادلفيا، هو شريط حدودي عازل يبلغ طوله 14 كيلومترا، يفصل بين الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ويمثل منطقة إستراتيجية أمنية خاضعة لاتفاقية ثنائية مصرية إسرائيلية، وتتنازع السيطرة عليها 3 قوى: إسرائيل ومصر وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس).

وترفض السلطات المصرية وجود أي قوات إسرائيلية بمحور فيلادلفيا المتاخم للحدود المصرية، حيث لا يحق لإسرائيل -حسب الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين- مخالفة الترتيبات الأمنية القائمة من دون موافقة مصر، التي أكدت أنها دمرت جميع الأنفاق التي كانت تُستخدم للتهريب بينها وبين القطاع، ومنعت إدخال المواد المحظورة إلى داخل القطاع، ونفت مزاعم إسرائيل باستخدام المقاومة الخط الحدودي لتنفيذ عملياتها وتهريب الأسلحة للداخل.

كما عززت مصر قواتها عقب الاستهدافات الإسرائيلية لمحور فيلادلفيا، وفي ظل اتجاه كثير من النازحين إلى مدينة رفح والمناطق الحدودية، زادت من الحواجز وحصنت محيط أبراج المراقبة والمواقع العسكرية المختلفة في المنطقة العازلة.

وفيما يخص خطة تهجير الغزيين، قال بيلانغا: "هناك نقطة أخرى تتعلق بتخوف مصر من انتقال المسؤولية عن غزة إلى أبوابها، ومن موجة اللاجئين التي ستغمر محور فيلادلفيا وتخترق الحدود باتجاه مصر ورفح سيناء.

وفي نظر المصريين فإن مثل هذه الخطوة ستكون نتيجة جهد إسرائيلي متعمد، ولذلك أعلن السيسي أن أي محاولة إسرائيلية لاقتلاع الفلسطينيين من غزة من أجل توطينهم في سيناء ستكون سبباً للحرب، وفق الكاتب الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً

هل يقترب تهجير سكان غزة؟.. 3 عواقب خطيرة على مصر وإسرائيل

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: مصر غزة حرب غزة إسرائيل حماس السلطة الفلسطينية رسالة محور فیلادلفیا قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

خلفيات الحملة الإسرائيلية على قطر جراء دورها في مساندة غزة ووقف الحرب

في وقت تضطلع فيه دولة قطر بدور الوسيط الرئيس في المفاوضات الجارية لتبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية « حماس »، وإنهاء الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يتعرض الدور القطري لتشويه متواصل في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، ويُستخدم مادةً للتجاذبات السياسية بين القوى والأحزاب المتصارعة، خصوصًا بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وخصومه في المعارضة، وتستخدمه أيضًا قوى يمينية تدور في فلك اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية.

ويجري التركيز، تحديدًا، على دور قطر في دعم قطاع غزة خلال السنوات التي تلت سيطرة حماس على السلطة في حزيران/ يونيو 2007، فضلًا عن استضافتها أعضاءً من القيادة السياسية للحركة، وكونها المانح الأكبر للمساعدات الموجهة إلى القطاع، وكل ذلك في مسعى إسرائيلي للتهرب من تبعات سياسات الاحتلال والتغطية على المماطلة الإسرائيلية في التوصل إلى اتفاق تبادل، ولتشويه صورة قطر والضغط عليها من أجل التخلي عن التمسك بالحل العادل لقضية فلسطين، والانخراط في التطبيع.

أولًا: قطر وغزة: تاريخ العلاقة والوساطة

بدأت علاقة قطر بغزة تزداد متانةً، عقب الحصار الإسرائيلي الذي فرض على القطاع، في إثر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.

وفي وقت تراجعت فيه دول عديدة عن تقديم المساعدة لأكثر من مليونَي فلسطيني محاصرين في القطاع، برزت قطر – إلى جانب تركيا وماليزيا وبعض المنظمات الدولية، فضلًا عن الأمم المتحدة – طرفًا رئيسًا في جهود التخفيف من تبعات الحصار؛ وذلك لإخلال الاحتلال بواجباته تجاه السكان المدنيين المحاصرين.

وازداد دور قطر في إغاثة القطاع إنسانيًا أهميةً، بعد سلسة من الحروب الإسرائيلية على غزة خلال الأعوام 2008-2009، و2012، و2014، و2019، 2021، خصوصًا في إطار جهود إعادة الإعمار.

وكانت قطر قد أنشأت بعد حرب عام 2012 هيئة خاصة لهذا الغرض، وهي اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة. إضافة إلى ذلك تكفلت، خلال الفترة نفسها، بدفع رواتب الموظفين في الدوائر الحكومية، وتزويد قطاع غزة بالوقود اللازم لتوليد الطاقة.

وقد وافقت كل الحكومات التي تعاقبت في إسرائيل منذ ذلك الوقت، بما في ذلك حكومات نتنياهو، ونفتالي بينيت، ويائير لبيد، على تحمّل قطر المسؤولية الرئيسة في مساعدة أهالي غزة؛ ليس من منطلق التضامن مع شعب عربي شقيق على غرار ما يدفع قطر إلى ذلك، بل استنادًا إلى حسابات سياسية تتلخص في منع انفجار الوضع الإنساني، وضمن ترتيبات دعم الاستقرار فيه، وتهرُّب إسرائيل من تحمل المسؤولية عن الحياة اليومية للسكان المحاصرين.

فلا بد من أن يقوم طرف ما بإغاثة السكان أثناء الحصار، وإعادة الإعمار بعد الحروب. وفي الفترة 2012-2021، خصصت قطر 1.49 مليار دولار مساعدات لقطاع غزة، بما في ذلك الغذاء والدواء والكهرباء، ودعم الخدمات المدنية، مع دفعات شهرية لـ 100 ألف أسرة، وتمويل عمل المعلمين والأطباء، والمساعدة في استقرار البنية التحتية في القطاع. وقد جرى كل ذلك بالتنسيق مع إسرائيل بوصفها الدولة المحتلة، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة.
سياسيًا، استضافت قطر القيادة السياسية لحركة حماس بعد خروجها من سورية عام 2012، بسبب موقف الحركة المتعاطف مع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد. تمَّ ذلك بالتنسيق مع حكومة الولايات المتحدة، ولا سيما أن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، التي أرادت أن تكون ثمّة قناة اتصال بحركة حماس.

وقد جاء الطلب الأميركي حينئذ متسقًا مع مساعٍ غربية لتشجيع الحركة على تبني مواقف سياسية « أكثر اعتدالًا » بخصوص عملية التسوية. وشارك في تلك الجهود رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، بصفته ممثل الرباعية الدولية، المكلفة بمتابعة الملف الفلسطيني، وهي تضم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة.

وفي ذلك الوقت، زار بلير قطاع غزة، والتقى قيادات في الحركة، ودعا إلى تبنّي برنامج سياسي فلسطيني على أساس دولة فلسطينية في حدود سنة 1967 حلًّا نهائيًّا للصراع مع إسرائيل. واعترف بلير حينئذ بأن حماس هي حركة فلسطينية تسعى لتحقيق أهداف فلسطينية، وليست جزءًا من حركة إسلامية ذات امتدادات دولية.

وبعد ذلك، انتقل من غزة إلى الدوحة، حيث قابل رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك، خالد مشعل، وأجرى لقاءات أخرى محورها هذه المسائل. وفي 1 أيار/ مايو 2017، أطلقت حماس برنامجها السياسي الجديد من الدوحة، كرّست فيه نفسها حركةً وطنية فلسطينية، وأعلنت للمرة الأولى قبولها طرح « حل الدولتين ».

وأصبح لقطر دور مؤثر في كل ما يتعلق بأزمة حصار غزة والمصالحة الفلسطينية، ولا سيما أنها دعمت السلطة الفلسطينية في رام الله أيضًا. ففي عام 2012، تم التوصل إلى اتفاق الدوحة، وقد نصّ على تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنه لم يُنفّذ.

وفي عام 2016 جمعت قطر ممثلين عن حركتي فتح وحماس في محاولة جديدة للمصالحة، لكن هذا المسعى لم يُثمر اتفاقًا عمليًا.

وفي عام 2020، استضافت جولات تفاوضية غير رسمية لتقريب وجهات النظر بين الحركتين بشأن الانتخابات الفلسطينية، لكن التقدم في هذا الشأن كان محدودًا أيضًا بسبب تدخلات إقليمية ودولية.

وعلى صعيد وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، أدت قطر دورًا مهمًا في وقف حرب عام 2014 التي استمرت زهاء 50 يومًا (8 يوليو/ تموز-26 آب/ أغسطس). وفي آب/ أغسطس 2020، قادت قطر وساطة بين حماس وإسرائيل لخفض التصعيد في أعقاب « مظاهرات الإرباك الليلي » قرب السياج الحدودي مع إسرائيل.

وفي أيار/ مايو 2021، عملت قطر مع مصر والأردن والأمم المتحدة على التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل.

ثانيًا: الدور القطري بعد عملية طوفان الأقصى

بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبعد أن تبيّن أن إغاثة قطاع غزة لم تغير مواقف حماس السياسية وفهمها لدورها تجاه الحصار والاحتلال والاستيطان وتهويد القدس، وأنها لم تهدف إلى ذلك، وأن حسابات إسرائيل كانت خاطئة في هذا الشأن، وفي إطار الصراع الحزبي الداخلي، شُنَّت في إسرائيل حملة إعلامية ودبلوماسية محورها قطر ودورها في مساعدة قطاع غزة، وكان التركيز فيها خصوصًا على المعونات المالية التي قدمتها قطر لسكان القطاع، وزعمت أن بعضها استخدم في بناء شبكة الأنفاق التابعة لحركة حماس.

والحقيقة أن الدعم المالي المخصص لدفع الرواتب، والمخصص لدعم الأسر المحتاجة إلى الإعانات أيضًا، كان يمرّ من خلال إسرائيل، متضمنًا قوائم أسماء متلقي الدعم الذي لا يكاد يَكفي تلبية احتياجات الأسر الأساسية إلا بصعوبة.
وعلى الرغم من ذلك، تحركت قطر سريعًا لاحتواء حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة، واستخدمت علاقاتها بحماس بغرض التوصل إلى اتفاق يسمح بإطلاق سراح محتجزات إسرائيليات مدنيات، وأسرى يحملون جنسيات أجنبية مختلفة، منها الجنسية الأميركية.

وقد جاءت الوساطة بدعم كامل من إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن. وحددت قطر ثلاثة أهداف رئيسة لمساعيها السياسية في غزة هي: منع توسع الصراع، وإيصال المساعدات، وإطلاق المحتجزين.

وأكدت الولايات المتحدة توافقها مع قطر في تحقيق هذه الأهداف. ولهذه الغاية، استضافت قطر جولات تفاوضية منتظمة بمشاركة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين حضرها رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، ديفيد برنيع، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز.

وزار برنيع الدوحة عدة مرات، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لبحث مسألة إطلاق المحتجزين، واستمرت اللقاءات لاحقًا في أوروبا ومناطق أخرى بمشاركة قطر وإسرائيل والولايات المتحدة.

وفي 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، نجحت الوساطة التي كان لقطر فيها دور مركزي، في التوصل إلى هدنة مؤقتة، تم بموجبها الإفراج عن نحو 100 محتجز لدى حماس وفصائل فلسطينية أخرى في مقابل 240 أسيرًا فلسطينيًا، ووقف إطلاق النار لمدة 4 أيام، جرى تمديدها بوساطة قطرية ثلاثة أيام أخرى.

وعلى مدى الشهور الـ 15 التالية، قادت قطر جهودًا دبلوماسية مكثفة ومضنية للتوسط لإنهاء الحرب في قطاع غزة وإطلاق سراح بقية المحتجزين.

وفي 15 كانون الثاني/ يناير 2025، أعلنت وزارة الخارجية القطرية عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس. وتقرر أن يبدأ سريان الاتفاق يوم الأحد 19 كانون الثاني/ يناير.

ويشمل الاتفاق تبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين، وتحقيق هدوء مستدام يمهد لوقف دائم لإطلاق النار في غزة.

وتنص المرحلة الأولى من الاتفاق على أن يستمر وقف إطلاق النار، ما دامت المفاوضات مستمرة بشأن تنفيذ المرحلة الثانية، على أن يتعهد الضامنون (قطر، ومصر، والولايات المتحدة) بمواصلة الجهود لإنجاح الاتفاق.

برهن الاتفاق على أهمية الدور الذي اضطلعت به قطر وسيطًا لا يمكن الاستغناء عنه لوقف الحرب في غزة؛ فموقعها الفريد يسمح لها بالتواصل مع جميع الأطراف، بما في ذلك حماس وإسرائيل، والولايات المتحدة التي صارت تعتمد كليًّا على قدرة قطر على التواصل مع قيادة حماس، وإقناعها بجدوى قبول اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين.

ثالثًا: الصراع داخل إسرائيل ودور قطر في غزة

سلكت قطر، خلال أدائها دور الوسيط في حرب غزة بين حماس وإسرائيل، طريقًا واجهت خلاله حملة تشويه إسرائيلية ممنهجة، غرضها ابتزازها للضغط على حماس من أجل إطلاق المحتجزين على نحو يتوافق مع مواقف نتنياهو، إضافة إلى الزج باسمها في الصراعات الحزبية الإسرائيلية الداخلية.

وكانت قطر قد تبنت خلال العقد الماضي جملة من السياسات والمواقف التي تحمِّل الاحتلال تبعات سياساته، وتتمسك بالحل العادل لقضية فلسطين؛ ما دفع إسرائيل إلى اتخاذ مواقف سلبية منها، أخذت تعبر عن نفسها بصورة متزايدة، حتى وصلت إلى حد التحريض المباشر ضد قطر.

لقد أرادت المعارضة الإسرائيلية إدانة نتنياهو بتحميله مسؤولية استمرار حماس أثناء الحصار، بسبب سماحه لقطر بتقديم المساعدات لغزة التي صُوِّرت ديماغوجيًا على أنها مساعدات لحماس.

أمّا نتنياهو، فقد أراد التهرب من الدفاع عن سياساته القاضية بأولوية الحرب على تحرير المحتجزين الإسرائيليين، بالتحريض على قطر التي زعم أنها قادرة على إجبار حركة مقاومة – مثل حماس – على القيام بما هو في غير مصلحتها. وهي حركة لا يتردد قادتها في مواجهة الموت دفاعًا عن مواقفهم.

في 24 كانون الثاني/ يناير 2024 مثلًا، في سياق دفاع نتنياهو عن نفسه، وللتغطية على تقصيره في فعل ما يلزم للتوصل إلى صفقة تبادل، انتقد خلال اجتماع مع عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة دور قطر وسيطًا في النزاع مع حماس، واصفًا إياه بأنه دور « إشكالي »، وزعم أنّ قطر لديها القدرة على الضغط على الحركة من أجل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، لكنها لا تفعل ذلك.

وأعرب عن خيبة أمله في عدم ممارسة الولايات المتحدة المزيد من الضغوط على قطر التي تستضيف قادة حماس وتدعمهم ماليًا. وانضم أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة إلى جملة الضغوط، مطالبين قطر بتكثيف ضغطها على حركة حماس للوصول إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين، وطالب النائب الأميركي، ستيني هوير، في بيان منشور، في 15 نيسان/ أبريل 2024، الولايات المتحدة بإعادة « تقييم علاقاتها مع قطر »، إذا فشل الضغط القطري على حماس في تحقيق اختراق في المفاوضات الجارية.
وكانت مجموعة من 113 مشرعًا أميركيًا من الحزبين قد وجّهت، في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، رسالة إلى بايدن، تطلب منه الضغط على الدول « التي تدعم حماس »، بما فيها قطر. وطلبوا من قطر طرد قيادة حماس. وجاء هذا الموقف متناغمًا مع سلسلة ادعاءات، لا أساس لها من الصحة، أُطلقت في إسرائيل، منها تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، قال فيها إن « قطر هي الراعية الرئيسة لحركة حماس »، وإن موقف الغرب تجاه قطر منافق ومبني على المصالح. واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، إيلي كوهين، قطر بدعم حماس وإيواء قادتها، وقال إن قطر « يمكن أن تحقق الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزين لدى الإرهابيين ».
علاوة على ذلك، اتهمت المعارضة نتنياهو بأنه كان يشجع قطر على تقديم المساعدة لقطاع غزة، ومن ثم تمويل حماس. لكن الواقع أن المساعدات المالية القطرية المقدمة للقطاع تمَّت بتنسيق مع جميع الحكومات التي تعاقبت في إسرائيل منذ عام 2009، حيث كانت عملية نقل الأموال تجري دائمًا بواسطة حقائب تحرسها قوات الأمن الإسرائيلي، تعبر الحدود الفلسطينية البرية والمطارات الإسرائيلية إلى غزة. وبينما كانت قطر تقدّم المساعدات لغزة لأسباب إنسانية أو للتضامن مع شعب عربي شقيق، كانت حكومات نتنياهو، وبينيت، ولبيد، تسهل وصول هذه المساعدات، وتشجع عليها، لاعتقادها أنها تحافظ على الهدوء في غزة، وتسهم في تركيز حماس على الحكم، لا على المقاومة. وكان هذا معروفًا على نطاق واسع ويُناقش في وسائل الإعلام الإسرائيلية طوال سنوات، باعتباره جزءًا من استراتيجية « شراء الهدوء »، التي اتخذها القادة السياسيون الإسرائيليون والضباط العسكريون ومسؤولو الاستخبارات؛ وكلها تستند أساسًا إلى تقييم مفاده أن حماس مهتمة بالحكم أكثر من مقاومة إسرائيل.

وقد ثبت خطأ هذه السياسة. والحقيقة أن بعض المصطلحات، حتى من قبيل مصطلح « شراء الهدوء »، هي مصطلحات تبريرية، فلا يمكن حصار شعب كامل سنوات طويلة، والامتناع عن تقديم أي دعم له للبقاء، ومنع الآخرين من فعل ذلك. ثمّ إن تقديم المساعدات التي تكفي للعيش، والبقاء على قيد الحياة، لا تدفع شعبًا إلى قبول الحصار والاحتلال وتهويد القدس. فهذه حسابات وتفسيرات خاطئة لدور المساعدات، تتحمل إسرائيل مسؤوليتها.
وإذا كان هذا الشعب محكومًا من حركة سياسية ما، فإن أي دعم لهذا الشعب يمكن أن يفسر على أنه إسهام في بقاء هذه الحركة. وينطبق ذلك على عمل أي جمعية خيرية أممية في قطاع غزة، وعلى دخول الوقود من إسرائيل إلى قطاع غزة والبضائع عبر إسرائيل. وفي هذا السياق، لم تكتفِ إسرائيل بحصار القطاع وعدم القيام بواجباتها بوصفها دولة محتلة، بل أرادت أيضًا الاستفادة اقتصاديًا من بيع بضائعها هناك.
خاتمة
تواجه قطر حملة تشويه ممنهجة، تشنها القوى السياسية في إسرائيل، بزعم أنها كانت تمول حركة حماس، وأنها لا تستخدم نفوذها للضغط بما يكفي على الحركة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين. لكن قطر لم تمول حماس في أي مرحلة، وكانت المساعدات القطرية التي تسهم في دعم الصمود الفلسطيني، وبقاء الفلسطينيين في أرضهم، وتقطع الطريق على المخططات الإسرائيلية لتهجيرهم، تعامل في إسرائيل باعتبارها ضرورة لا بد منها لأن إسرائيل تفرض الحصار ولا تقوم بواجباتها تجاه المحاصرين، وتبرر السماح بالمساعدات والتنسيق مع من يقدمها بأنها تمنع انفجار قطاع غزة المحاصر في وجهها، وبأنها تساهم كذلك في تكريس واقع الانقسام الفلسطيني. لكن استمرار إسرائيل في حصار القطاع وفي سياساتها التوسعية في الضفة الغربية نسف حساباتها فيما يتعلق بالقطاع. ولا علاقة للمساعدات القطرية بذلك. وحاليًا تحاول حكومة نتنياهو التهرب من المسؤولية عن سياساتها التي همشت قضية الرهائن طوال خمسة عشر شهرًا، لصالح استمرار الحرب، من خلال التحريض على قطر التي تقوم بدور لا غنى عنه في جهود وقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل.

 

كلمات دلالية إسرائيل تقدير موقف غزة قطر

مقالات مشابهة

  • خلفيات الحملة الإسرائيلية على قطر جراء دورها في مساندة غزة ووقف الحرب
  • أصداء إيجابية.. ماذا قالت الصحف اليابانية عن زيارة وزير التربية والتعليم المصري؟ |تفاصيل
  • ماذا قالت رئيسة وكالة الأمن السيبراني عن إدارة ترامب قبل تنحيها؟
  • تمهيدًا لإطلاق سراحهم.. وسائل إعلام إسرائيلية: الأسرى الفلسطينيين بدأوا في صعود الحافلات
  • فتح: الخوف يعتري أهل غزة من انقطاع الهدنة وعودة آلة الحرب الإسرائيلية
  • موقف صعب.. لاعبة تنس تختبئ خلف كرسي الحكم| ماذا حدث؟
  • اعتقال 3 أشخاص قرب سفارة إسرائيل في ستوكهولم
  • مصدر خاص للجزيرة: القسام تسلم جثمان الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس
  • «شخصية مش مفهومة».. ماذا قالت بسنت شوقي عن دورها في مسلسل وتقابل حبيب
  • معاريف: جهات إسرائيلية استخدمت الإعلام السعودي لإيصال رسائلها