الجزيرة:
2025-04-17@12:48:39 GMT

معرض القاهرة للكتاب.. كان مرآة قبل تكسير المرايا

تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT

معرض القاهرة للكتاب.. كان مرآة قبل تكسير المرايا

في البرنامج الثقافي، للدورة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب (24 يناير/ كانون الثاني ـ 6 فبراير/ شباط 2024)، ندوةٌ عنوانها: «حصاد المرحلة الأولى من الحوار الوطني.. الحوار الوطني المستمر»، لعلها ليست ندوة بالضبط.

ففي البرنامج المطبوع متحدث وحيد هو المستشار محمود فوزي، ووجود عبارة: «بالتعاون مع تنسيقية شباب الأحزاب» يوحي بأطراف منظِّمة، في جلسة «يديرها أحمد عبد الصمد»، إدارة لا محاورة، مع مستشار عرفت اسمه كرئيس للحملة الانتخابية للسيسي، في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2023، حين سألته المذيعة: لماذا تأثر «بشدّة وبإنسانية كبيرة في ذكر منجز السيد الرئيس؟»، فأجاب: «الأرقام.

. الأرقام مفزعة.. إذا أحد نظر للأرقام دي بإنصاف، مش هيلاقي كلام». ومسح طيف دمعة.

شوائب قديمة

كان في بلدنا بائع خَضراوات، وتصادف أن الثمار غلب عليها الفلفل الحرّاق، وفي السوق ظلّ المسكين يقضم قرن الفلفل، وتدمع عيناه ويحلف بالله العظيم؛ إنه طيب، بدليل أنه يأكله عيانًا بيانًا، ثم يقضم ويحلف ويمسح الدموع.

ما أسهل الحلف والدموع على بائع الفلفل الكذوب!. فما الصلة بين الفلفل ومعرض للكتاب؟ كل شيء موجود في المعرض إلا الفلفل، ولن تدرج مثل جلسة المستشار في أي معرض للكتاب في العالم، ليس لأن أحدًا لم يأخذ حكاية ذلك الحوار بجدية ولا انتباه، ولا لطمس ملامح الأحزاب، ولا لأن «التنسيقية» مصطلح مستعار منزوع من دلالاته، وإنما لانعدام الصلة بين هذا كله وبين صناعة النشر.

لكن معرض القاهرة للكتاب، والحق يقال، تخلّص كثيرًا من شوائبه القديمة. وقد كتبتُ كثيرًا عن تحويل المعرض إلى باللو. ما علاقة الكتاب بندوات عن كرة القدم، واستعراض عَرّابي جمال مبارك، وأولهم علي الدين هلال أيام ملفَّ استضافة مصر لكأس العالم، وعروض السيرك والأراجوز، ومشكلات الفرق المسرحية المستقلة، وتراجع الأغنية الفصحى، وأزمة السينما، والمضحكين الجدد، ومأزِق الدراما المصرية أمام اكتساح الدراما السورية.. ما علاقة ذلك، وغير ذلك، بصناعة النشر؟

في مِهرجان الموسيقى تناقش قضايا الموسيقى، وفي مهرجان المسرح التجريبي لا تناقش قضايا السينما ولا الفن التشكيلي ولا الأغاني. أما معرض الكتاب فهو مِهرجان يطغى فيه الصخب على قضايا صناعة النشر المهدَّدة.

اختفى الكثير من ذلك الصخب القديم، وهدفه جلب الجماهير، وبقيت آثاره التي تتجاهل مسألة السياق، مثل ندوة عنوانها: «استثمر صح»، لأحمد الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة البورصة المصرية، بحضور مجموعة من رؤساء مجالس إدارة الشركات، واحتفالية " 110 أعوام على عضوية مصر بالمنظمة الكشفية العالمية".

إعادة تأهيل

ويظلّ المعرض مرآة للحالة المصرية صعودًا وانتكاسًا، قبل كسر المرايا، واستدراج الحدث السنوي الكبير بعيدًا، هناك حيث تسهل السيطرة، ولا صوت يُسمع في الصحراء.

تأمّل عناوين معرض الكتاب عام 2012، حين كانت الآمال تبلغ السماء: «الدولة المدنية»، «شهادات ميدان التحرير»، «المدونات بين السياسة والأدب»، «شعراء الميدان»، قبل تجريم الميدان، ومحاكمة أبرياء، وتحميل الثورة خطايا الثورة المضادة.

علاقتي قديمة بمعرض الكتاب، قبل سنوات من دخوله. وأنا في الصف الأول الثانوي أعلنت المدرسة، في يناير/ كانون الثاني 1982، عن رحلة إلى المعرض، باشتراك قدره جنيه واحد، ولم يكن ذلك الجنيه متاحًا.  وتأجل الحلم حتى دخلت جامعة القاهرة، ورأيت نزار قباني، ومحمد حسنين هيكل، وعبد الرحمن الأبنودي، ويوسف إدريس، ومحمد عمارة، وغيرهم، حضورهم منح المعرض قيمته.

وبعد التخرج سكنت في غرفة فوق السطوح بميدان العباسية، وكنت أتمشى إلى أرض المعارض. وظل هذا التقليد، الذهاب لا المشي، حتى بدأت عملية التصحير، وتفريغ القاهرة وتحويلها إلى مدينة للغربان، وتجريفها لتظل الأطلال محل تفاوض على البيع فقط، بأقل سعر، وأرض المعارض واحدة من الأطلال.

شغلتني هذه القضية، هي صلب روايتي: «2067». لو خلصت النية، يمكن بهامش من تأسيس كيان جديد إعادة تأهيل القائم، أرض المعارض والقاهرة نفسها، بدلًا من إهمال المريض، وتركه لمصيره، والتشفي بمراقبته انتظارًا لبيع أعضائه.

وقررت ألا أدخل المعرض في منفاه الحالي، باستثناء مرة في يناير/ كانون الثاني 2020، لأشارك أصدقاء فرحهم بكتاب جديد، أخذوني وأعادوني. موقفي صامت، شأن شخصي خاص لم أعلنه، فالمعرض موسم للفرح، للجمهور قبل الكتّاب، ومصر سوق كبرى، وأستسخف من يروّج مقولة؛ إن معرضًا عربيًا بيع فيه 100 ألف ساندوتش، وأقل من ألف كتاب. لا سيدي، في معرض القاهرة تباع مئات الألوف من الكتب، هو أكبر من مجرّد «معرض».

صفعة إخوانية

قبل ثورة يناير/ كانون الثاني بسنوات، شاركت مرة وحيدة بمناقشة روايتي: «أول النهار». ثم رفضت المشاركة، فلا صلة للندوات بالكتاب ولا الكتابة.

وتفاءلت بالثورة، وقدمتْ دار النشر كتابي: «الثورة الآن» لجائزة المعرض، وقبل إعلان نتيجة الجوائز طلب مسؤولون بهيئة الكتاب من دار النشر صورة بطاقتي الشخصية، وقيل لي إن هذا الإجراء يخص الفائزين، لترتيب الأمور الخاصة بالجائزة، يا أهلًا بالفلوس.

وفاجأني فوز كتاب "توبة من الإخوان"، ضمن تصعيد إخوان تائبين تلقوا مئة صفعة إخوانية على القفا على سهوة، وضحكت، ولا ألوم خرتية من المحكمين المزمنين، فقراءة السياق تريح، ونحن في بلد يمكن لمن يقول إن سيد قطب إرهابي أن يصبح وزيرًا للثقافة.

لا أتفاعل مع المعرض. واستبقت نقله إلى موقعه الحالي بمقال غاضب عنوانه: «تفريغ القاهرة.. معرض الكتاب وداعًا»، في صحيفة «العرب» اللندنية في 7 أغسطس/ آب 2018. وفي دورة هذا العام استثناء شخصي يستوجب إيضاحًا، إذ أشارك في ندوة: «كتابات يون فوسه بين الباطنية والروحانية»، عن أدب الكاتب النرويجي الفائز بجائزة نوبل 2023.

دعوة من الجانب النرويجي، ضمن أنشطة النرويج ضيف الشرف، ولا أعرف الداعين، وكنت في عام 2018 نشرت مقالًا عن رواية: «صباح ومساء»، ولعله أول كتابة عربية عن يون فوسه قبل أن يتنوبل. كاتب استثنائي، كأنه بلا آباء، وتأكد لي ذلك بقراءة روايته: «ثلاثية». رحلتي إلى المعرض تُحتمل مرة واحدة.

تواصل مثير للريبة

في مصر، على العكس من أوروبا والدول المتقدمة، غرام بالحالة المِهرجانية، والفخر بأفعل التفضيل، والتباهي بالأرقام، والإعلان عن أعداد الزائرين، هم زائرون، عابرون لا يتفاعلون، ضيوف في مهمة محددة، غرباء في معزل، أرض غريبة توفر النظام والإجراءات المحسوبة في ماكيت أو ديكور فيلم.

أما مكان المعرض السابق فيحقق التواصل مع محيطه البشري والجغرافي، وهذا غير مرغوب فيه، مثير للريبة، بقدرة قادر يستطيع المعرض خلق حالة تجمهر قد تطلق شرارة، ولعل هذا سرّ مطاردته من القلب إلى الأطراف، من الجزيرة إلى مدينة نصر إلى الخلاء. ولن أكفّ عن الحلم بمعرض نموذجي للكتاب، في حديقة قصر عابدين وساحته، أو ساحة دار الأوبرا.

حلمٌ بالرهان على رمزية ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ووعودها بدولة المواطنة. ساعتها تعاد طباعة الكتب التي وثقت وقائع الثورة، ومنحت الشهداء لقب الشهداء، وسجلت أشواق الحرية برسوم الغرافيتي على الجدران. ساعتها لن نرى سيارات الشرطة تطوّق قصر عابدين أو دار الأوبرا والساحات القريبة.

في أوروبا والدول المتقدمة لا يشاهدون جنودًا في الشوارع. تحضر هيبة القانون؛ فيطمئنون إلى العدالة، وتختفي مظاهر الخشونة.

دعونا نحلم، لا قيودَ على الأحلام، وفي البدء كان الخيال طليقًا، وفي النهاية يكون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: معرض القاهرة کانون الثانی معرض الکتاب معرض ا

إقرأ أيضاً:

"احتواء وتمكين".. معرض يجمع 25 جهة لدعم ذوي الإعاقة بالدمام

افتتح صباح اليوم الأربعاء، معرض ”احتواء وتمكين“ الذي تنظمه ”شمعة التوحد للتأهيل الشامل“، وذلك في مقر جمعية مشاعل الخير لتنمية المرأة بمدينة الدمام.
وتستمر فعاليات المعرض على مدار ثلاثة أيام متتالية، حتى مساء يوم الجمعة المقبل.
أخبار متعلقة رئيس بلدية النعيرية يتفقد أعمال التطوير والمشاريع التنموية بالمحافظة”معاذ“ يعزز ثقافة السلامة الإسعافية في جسر الملك فهد بفرضية وتدريبويشهد المعرض مشاركة واسعة لأكثر من 25 جهة متنوعة متخصصة وداعمة لقضايا احتواء وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تعرض هذه الجهات خدماتها ومبادراتها، بالإضافة إلى عرض منتجات قام بإعدادها أشخاص من ذوي الإعاقة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } معرض يجمع 25 جهة لدعم ذوي الإعاقة بالدمامأركان هادفة
يضم المعرض عدداً من الأركان الهادفة والمشوقة التي تخدم أهداف الشمولية والتوعية التي يسعى المعرض لتحقيقها.
وشهد اليوم الأول لافتتاح المعرض إقبالاً جيداً من الزوار والمهتمين، ومن المتوقع أن تتزايد أعداد الحضور خلال الفترات القادمة، وخاصة الفترة المسائية، حيث يستقبل المعرض زواره يومياً حتى الساعة السابعة مساءً من يوم الجمعة.
وأوضحت فيحاء الفيحاني، مديرة مركز شمعة التوحد للتأهيل الشامل، أن جميع البرامج والمعارض التي تندرج ضمن الخطة التشغيلية للمركز تضع في مقدمة أولوياتها تحقيق جانبي الاحتواء والتمكين للأشخاص ذوي الإعاقة.
وأشارت إلى أن من أبرز الخدمات التي يقدمها مركز ”شمعة التوحد“ تشمل العلاج المائي، والاستشارات الأسرية، والعلاج السلوكي، وعلاج النطق والتخاطب، والعلاج المهني، بالإضافة إلى الدورات التدريبية المتخصصة، والعلاج الوظيفي والحسي، والعلاج الطبيعي.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } معرض يجمع 25 جهة لدعم ذوي الإعاقة بالدمامدعم مبادرات المرأة
فيما أكدت مريم اليحيى، المدير التنفيذي لجمعية مشاعل الخير لتنمية المرأة، على الحرص الدائم الذي توليه صاحبة السمو الملكي الأميرة جواهر بنت نايف بن عبدالعزيز، رئيسة مجلس إدارة الجمعية، لدعم مختلف القطاعات والمبادرات التي تُعنى بتنمية المرأة وتمكينها في المجتمع.
وأشارت إلى أن التعاون البناء مع مركز شمعة التوحد هو أحدث صور هذا الدعم.
وأضافت اليحيى أن جمعية ”مشاعل الخير“ أصبحت، بفضل الله ثم بدعم سمو رئيسة مجلس الإدارة، بيئة جاذبة ومحفزة لشركاء النجاح، سواء لتنظيم الفعاليات والمعارض أو للمشاركة فيها، مما يعزز دور الجمعية كمنصة رائدة للتنمية المجتمعية.
وأشارت إلى أن الجمعية بصدد إطلاق عدد من البرامج النوعية وذات الأثر المستدام في المستقبل القريب.

مقالات مشابهة

  • بهي الدين :معرض الشلاتين للكتاب يعكس الاهتمام بكافة ربوع الوطن
  • محمد عبد المنعم:معرض الشلاتين للكتاب يعكس اهتمام الدولة بوصول الثقافة للجميع
  • حضور مميز للثقافة المصرية في الدورة 34 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب
  • "احتواء وتمكين".. معرض يجمع 25 جهة لدعم ذوي الإعاقة بالدمام
  • بمشاركة 640 دار نشر من 34 دولة.. الكشف عن تفاصيل الدورة الـ 29 من معرض مسقط الدولي للكتاب
  • غدًا .. مسرح الإعلام يشهد الكشف عن تفاصيل الدورة 29 لمعرض مسقط الدولي للكتاب
  • إقبال كبير على معرض طعام المصري القديم بـمتحف القاهرة
  • بنسعيد: سنحتفي هذا العام بمغاربة العالم في معرض الكتاب الدولي بالرباط بمشاركة 51 دولة
  • إصدارات جديدة للنادي الثقافي في معرض مسقط الدولي للكتاب
  • افتتاح معرض الكتاب الدائم بمقر جامعة الأزهر.. صور