الرباط- للأسبوع الثاني على التوالي يغلق عبد الله طريح (صاحب حمّام شعبي في الدار البيضاء) محله أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء امتثالا لقرار السلطات المحلية التي أمرت بإغلاق الحمامات التقليدية والعصرية ومحلات غسيل السيارات لمدة 3 أيام في الأسبوع، في إطار خطتها لترشيد استهلاك المياه، إلى جانب منع تنظيف الشوارع والساحات بالمياه، ومنع سقي المناطق الخضراء والملاعب بالماء الصالح للشرب أو مياه الآبار، ومنع ملء المسابح العمومية والخصوصية إلا مرة واحدة في السنة.

يقول طريح للجزيرة نت إنه يعي الأزمة التي تواجهها البلاد في ما يتعلق بتراجع الموارد المائية، لكنه لا يفهم كيف يكون ذهاب المواطن مرة في الأسبوع إلى الحمام الشعبي سببا في تبذير الثروة المائية.

ويضيف "فوجئنا بالقرار، لم يتم التشاور معنا ولم يُطلب منا تقديم مقترحات للاقتصاد في الماء قبل اللجوء إلى الإغلاق"، مشيرا إلى أن هذا القرار سيكون له انعكاس سلبي على العاملين في الحمامات، وكلهم من الفئات الهشة.

واتخذت السلطات المحلية في معظم مناطق المملكة هذا القرار ضمن خطتها للتعامل مع تحديات الإجهاد المائي، وبينما يرى البعض أن الحمامات التقليدية -التي يبلغ عددها 12 ألف حمام في المغرب- ليست مسؤولة عن الوضع الخطير الذي وصلت إليه الموارد المائية وليست وراء الاستهلاك غير الرشيد للمياه يرى آخرون أن مثل هذه القرارات المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين ستنبههم إلى خطورة الوضع، وستدفعهم إلى تغيير عاداتهم في التعامل مع "الذهب الأزرق".

تراجع الموارد

بدورهم، يتداول المسؤولون والخبراء على وسائل الإعلام المغربية مصطلحات مثل "أزمة حقيقية" و"وضعية حرجة" و"وضعية مقلقة" عند الحديث عن وضع الموارد المائية بعد سنوات الجفاف المتتالية، ورسم تقرير قدمه وزير التجهيز والماء في مجلس النواب صورة قاتمة عن الوضع المائي بعد سنوات من انحباس المطر.

وكشف التقرير أن مستوى المياه الجوفية انخفض خلال عامي 2022 و2023 بسبب الاستغلال المفرط لها، وسجل أهمها في مناطق تادلة (-5 أمتار) وبني عمير (-4 أمتار) وسوس (-4 أمتار).

ولم يتجاوز حجم الواردات المائية الإضافية 646 مليون متر مكعب في الفترة بين الأول من سبتمبر/أيلول و22 يناير/كانون الثاني 2024، وبلغ إجمالي المخزون المائي في السدود يوم 5 فبراير/شباط الجاري 3.71 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 23.1% كنسبة ملء، مقابل نسبة 31.9% سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية.

ويتوفر المغرب على 153 سدا كبيرا، بسعة إجمالية تصل إلى 20 مليار متر مكعب، و141 سدا صغيرا ومتوسطا، و15 محطة لتحلية مياه البحر، بقدرة إنتاجية 192 مليون متر مكعب، و17 منشأة لتحويل المياه، لكن هذه البنية التحتية المائية لم تنجح في التخفيف من حدة الأزمة، مما استوجب اتخاذ تدابير طارئة أخرى.

واتخذت المملكة عددا من الإجراءات ضمن مخطط عمل استعجالي أعلن عنه وزير التجهيز والماء خلال لقائه مع البرلمانيين في لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، وتضمن المخطط عددا من التدابير، من بينها: تسريع إنجاز سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وإنجاز آبار وأثقاب استكشافية لاستغلالها في دعم التزويد بالماء الصالح للشرب.

وتضمن المخطط أيضا إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر لتزويد المدن الساحلية، ومواصلة برنامج إعادة استعمال المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف، وتكثيف الاقتصاد بالماء وتوزيع الماء الصالح للشرب، والتقييد في استعمال مياه السقي، إضافة إلى تجهيز محطات متنقلة لتحلية مياه البحر، وإنجاز مشروع الربط بين سد وادي المخازن وسد خروفة، ودراسة مشروع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع.

الاستغلال المفرط

بدوره، يرى رئيس لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة في مجلس النواب محمد ملال أن الوضع الحالي هو نتيجة التأخر في تنفيذ عدد من البرامج والتدابير، لذلك يؤكد على "ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة ومتوازنة تستهدف بشكل مباشر المجالات التي تشهد استهلاكا مفرطا وغير عقلاني للمياه".

وأوضح ملال للجزيرة نت أن الاستعمال المنزلي للموارد المائية لا يتجاوز 15%، فيما يستهلك القطاعان السياحي والفلاحي نسبة كبيرة، مشيرا إلى أن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لوقف استنزاف المياه في الفلاحة غير كافية.

وقال "تم تدمير المياه الجوفية في بعض المناطق بسبب الاستعمال المفرط للمياه في زراعات تستهلك الكثير من المياه ومردوديتها ضعيفة أو متوسطة".

وأضاف "في منطقة الغرب تتم زراعة منتجات تستنزف الموارد المائية بإفراط مثل الأفوكادو الذي لا يدخل في المائدة المغربية بل يوجه كله للتصدير، وهناك مناطق أخرى تنتج زراعات مستهلكة للمياه مثل البطيخ الأحمر، في حين يمكن الاستغناء عنها أو زراعتها بكميات محدودة".

ويؤكد البرلماني أن "الخروج من هذه الأزمة يبدأ باتخاذ تدابير فورية توقف الاستنزاف المفرط للموارد المائية في المجال الفلاحي الذي يستهلك 85% من الثروة المائية"، مشددا على ضرورة المنع الفوري للزراعات المستنزفة للمياه، وإعادة النظر في خطط التصدير، وتوظيف التكنولوجيا في المجال الفلاحي لاقتصاد المياه واستعمالها بشكل عقلاني.

ويدعو ملال إلى إنشاء مؤسسة تقوم بالتتبع والمراقبة لحماية المياه الجوفية من التلوث والاستعمال العشوائي، مشيرا إلى ضرورة تفعيل دور شرطة المياه في ضبط ومنع أي تهديد أو استنزاف للموارد المائية.

معالجة المياه العادمة

من جهته، يرى الأستاذ الجامعي والخبير في الماء والبيئة عبد الحكيم الفلالي أن "الاستمرار في تنويع وتعبئة الموارد المائية قد لا يكون مجديا إذا لم يوازِه تطبيق سياسة للاقتصاد في الاستهلاك، خاصة في القطاع الفلاحي".

وأشار الفلالي إلى ضرورة إعادة النظر في السياسة الفلاحية بإعطاء الأولوية للزراعات الإستراتيجية الأقل استهلاكا للمياه، مشيرا إلى أهمية تشجيع البحث العلمي لتطوير القطاع الفلاحي.

وقال للجزيرة نت "لا جدوى من تعبئة الموارد المائية وفي الوقت نفسه نقوم باستنزافها، هذا هدر للماء وللمال العام"، ويرى أن "الأزمة التي نعيشها اليوم لا ترتبط فقط بالتغيرات المناخية الموسومة بالجفاف، بل بالاستعمال المفرط للموارد المائية المتاحة".

ويؤكد الخبير نفسه على أهمية توسيع استعمال المياه العادمة المعالجة، ويرى أن البرنامج الوطني للتطهير "لم يحقق الحد الأدنى من الأهداف المسطرة"، مشيرا إلى أن "الفرصة لا تزال متاحة لرفع حجم المياه العادمة التي يمكن معالجتها، وإعادة استعمالها في سقي المناطق الخضراء في مرحلة أولى، ثم في الشرب بعد توفير التقنيات اللازمة".

كما يؤكد الفلالي على أهمية توسيع شبكة الربط بين الأحواض المائية، بهدف تشجيع التوزيع المتوازن للموارد المائية، ونقل الماء من المناطق الساحلية نحو المناطق الداخلية، ثم العمل على التعبئة الصناعية للسدود والمياه الجوفية من خلال قنوات نقل الماء، وهو ما سيشجع على استقرار السكان، ويدعم سوق الشغل، خصوصا في القطاع الفلاحي.

أما الخبير في الماء والبيئة محمد بنعطا فيقترح تعميم إنشاء محطات تحلية المياه في كل المدن الساحلية، ففي نظره "ستساعد هذه التقنية في تزويد هذه المدن بحاجتها من الماء الصالح للشرب، وأيضا تزويد المدن الداخلية أيضا".

وأكد بنعطا في حديثه مع الجزيرة نت على ضرورة التسريع في تنفيذ الخطط المرسومة لأن التأخير سيفاقم الوضعية.

ولفت إلى أهمية إعطاء الأولوية لمعالجة المياه العادمة، وإعادة استعمالها في سقي المناطق الخضراء، مشيرا إلى أن نجاح توظيف هذه التقنية في العاصمة الرباط يستدعي تعميمها على باقي المدن، وقال "نعيش سابع سنة جفاف في 11 عاما، لقد أصبح الجفاف مسألة هيكلية، وينبغي التكيف معها بوضع تدابير مبتكرة، واتخاذ قرارات جادة وحازمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الماء الصالح للشرب الموارد المائیة للموارد المائیة المیاه العادمة المیاه الجوفیة مشیرا إلى أن متر مکعب

إقرأ أيضاً:

العدالة المائية.. كيف فقدتها فلسطين منذ 1948؟

بوجود الاحتلال الإسرائيلي، طالما واجه الفلسطينيون تحديات عدة عرقلت سير حياتهم الطبيعي، وتُمثل وفرة المياه واحدة من أهم هذه التحديات التي لم تزدها الأعوام المتتالية إلا تفاقما.

وفي هذا السياق، اجتمع عدد من الخبراء ذوي الخلفيات العلمية المختلفة لمناقشة قضية "العدالة المائية في فلسطين"، في ندوة أقيمت بمعهد "آي إتش إي دِلفت" لعلوم المياه التابع لمنظمة يونسكو بمدينة أمستردام الهولندية في يونيو/حزيران الماضي، ليصلوا إلى نتيجة مفادها أن فلسطين افتقدت للعدالة المائية منذ 1948.

بدأت الجلسة باستعراض التغيرات الجذرية الحادثة بالخريطة الفلسطينية، حيث تضاءلت الرقعة الجغرافية التي يتحكم فيها الفلسطينيون منذ "قدوم الحركة الصهيونية إلى فلسطين بغرض إنشاء دولة يهودية"، على حد تعبير المهندسة المتخصصة في علوم المياه ميشيل رودولف التي شاركت في الجلسة، وهو ما أدى بالضرورة إلى حرمان الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية.

رقعة الأراضي الفلسطينية الجغرافية تقلصت كثيرا خلال ثلاثة أرباع قرن (الجزيرة)

وأوضحت رودولف أن الفلسطينيين يعانون أزمة مائية حقيقية أسهمت السياسات الدولية في استفحالها، منها اتفاقية أوسلو المبرمة في العام 1993 والتي أدت إلى تقسيم أرض فلسطين إلى ثلاث مناطق تقع أغلبها تحت سيطرة سلطات الاحتلال.

الفلسطينيون ممنوعون من استغلال مواردهم المائية

وأيدت المتخصصة في مجال البيئة بكلية الاقتصاد في جامعة لندن منى دجاني الطرح السابق، وأكدت أن فلسطين تمتلك موارد لا يحق للفلسطينيين استخدامها، حيث إن دولة الاحتلال هي المسؤول الوحيدة عن البنية التحتية المائية في فلسطين، فهي تؤسس شبكات المياه بما يخدم مصالحها الخاصة، وتحرم المواطنين الأصليين من إدارة هذه الشبكات، خاصة في منطقتي غزة والضفة الغربية، بل إنها قد تفرض عقوبات إذا أنشأ الفلسطينيون بنى تحتية مائية غير خاضعة لقواعد الاحتلال.

وفي إشارة واضحة لغياب العدالة المائية المطلق، ذكرت رودولف أن منظمة الصحة العالمية أقرّت سلفا أن نصيب الفرد الواحد من المياه في اليوم ينبغي أن لا يقل عن عن 100 لتر، بينما يحصل المواطن الفلسطيني على نحو 73 لترا فقط. وفي تناقض رهيب، يحصل كل قاطن في المستوطنات بمنطقة وادي الأردن على 487 لترا من المياه يوميا.

 

وبما أن المياه القادمة من نهر الأردن تقع تحت سيطرة الاحتلال الكاملة، يعتمد الفلسطينيون على مياه الآبار الجوفية التي يقع نحو 66% منها تحت أيدي الاحتلال أيضا، إضافة إلى الإمداد المائي القادم من حكومة الاحتلال.

ومع ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه الآبار وحدها في بعض المناطق مثل قطاع غزة، فقد أشارت المختصة في دبلوماسية المناخ والمياه لميس قديمات إلى أن 97% من المياه الجوفية في القطاع غير صالحة للشرب.

علوم لا تناسب منطقتنا

وفي محاولة لفهم الأسباب القابعة خلف غياب العدالة المائية في فلسطين وفشل متخصصي علوم الماء في تقديم حلول جذرية للمشكلة، تقول قديمات التي تقيم حاليا في الضفة الغربية بعد  تخرجها من آي إتش إي دِلفت في حديث مع الجزيرة نت: "المجتمع الأوروبي الأبيض لا يُدرك كنه مشكلاتنا، لذا فإنه يطرح سياسات وحلولا نظرية غير قابلة للتنفيذ".

وتضيف: "بعد عودتي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وجدت أن المفاهيم التي تعلمتها غير واقعية، وإنما ابتكرها العالم البحثي الأوروبي الذي يعيش في عالم مثالي".

وأكدت قديمات أن فلسطين لا تعاني مشكلة مياه فحسب، إنما تعاني سيطرة المحتل على أغلب مصادرها، وهذا وضع يستدعي تطوير المناهج البحثية المتعلقة بالمياه، والتي عادة ما تتبنى آراء باحثين متخصصين لكنهم ليسوا من أبناء المناطق المنكوبة.

ولذا تقترح قديمات ضرورة مشاركة باحثين من المناطق قيد الدراسة مثل فلسطين ودول الشرق الأوسط التي تواجه مشكلات عدة مع المياه في كتابة هذه المناهج، إضافة إلى إشراك المجتمع المحلي المعني بالمشكلة.

دور العلماء

وبسؤالها عن دور العلماء والباحثين في حل مشكلة غياب العدالة المائية في فلسطين، أقرّت قديمات بمحدودية دور الأكاديميين، لأن المشكلة "سياسية بحتة"، وتتعلق بمحاولات الاحتلال التحكم في حياة الفلسطينيين.

ورغم هذه الحقيقة، يُمكن للأكاديميين الإسهام في حل المشكلة عبر تصحيح المفاهيم المغلوطة عن هذه الأزمة، فالأمر "ليس صراعا بين دولتين متكافئتين على مجموعة من مصادر المياه، لذا لا يُمكن أن نستخدم لفظ صراع في عرض المشكلة، مما يستدعي استخدام المصطلحات المناسبة"، كما توضح قديمات للجزيرة نت.

وتضيف قديمات أنه لا بد للباحثين في مجال المياه من الإشارة الدائمة إلى الأزمة الفلسطينية بوجه عام، فهي مشكلة تتفاقم تراكميا، وتؤدي بالضرورة إلى تردي كافة أحوال الفلسطينيين، بما في ذلك انعدام العدالة المائية.

من ناحية أخرى، ترى قديمات أن المؤسسات الدولية المختلفة المعنية بدعم الفلسطينيين لم تقدم لهم سوى "بعض المسكنات" لتخفيف آلامهم وجراحهم، ولكنها تتخاذل عن حل المشكلة الأصلية، وهو ما يشكل بصورة ما تواطؤا مع سلطات الاحتلال.

مقالات مشابهة

  • مصر ترد على تحركات إثيوبيا حول سد النهضة
  • الموارد المائية: الخزين المائي ارتفع بنسبة ثلاثة أضعاف عما كان عليه
  • "مياه الفيوم": خطوط جديدة لحل مشكلة الضعف ببعض مناطق سنورس
  • العدالة المائية.. كيف فقدتها فلسطين منذ 1948؟
  • وزير الري: نعمل على تطوير المنشآت المائية ومنظومات الري ووصول المياه لكل مزارع دون مشاكل
  • بعد الموافقة عليه.. ما أهداف دراسة تطبيق نظم الري الحديث؟
  • عاجل:- وزير الري بعد أداء اليمين الدستورية: لدينا خطة محكمة للتعامل مع التحديات والتغيرات المناخية
  • وزير الري بعد أداء اليمين الدستورية: لدينا خطة محكمة للتعامل مع التحديات والتغيرات المناخية  
  • “الموار المائية الليبية” تستورد شحنة مواد لمحطة تحلية طبرق
  • من هو هاني سويلم وزير الري للمرة الثانية؟