مقال بواشنطن بوست: نهاية الإجماع القديم للأميركيين على السياسة الخارجية لبلادهم
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post) الأميركية مقالا للكاتب فريد زكريا يقول فيه إن إجماع الأميركيين على السياسة الخارجية لبلادهم لم يعد موجودا، وإن ذلك هو أكبر الأخطار على النظام العالمي القائم.
واستهل زكريا مقاله بالإشارة إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن كشف له أن إصراره على الترشح لفترة رئاسية ثانية يتعلق بالسياسة الخارجية، إذ إنه يرى أن العالم يواجه تغيرا جذريا، وأن أميركا لديها فرصة فريدة للتقريب بين الديمقراطيات في العالم، مؤكدا أنه سينجح في ذلك وأنه يريد إكمال هذه المهمة.
وأضاف الكاتب أن الأهم في رؤية بايدن هو اعتقاده بأن العالم اليوم يتشكل عبر الكيفية التي ترد بها الديمقراطيات على التحديات التي تمثلها الدول الاستبدادية "روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية".
المخاطر على النظام العالمي تتفاقموقال زكريا إن المخاطر، فيما يتعلق باستقرار النظام العالمي، كبيرة وما فاقم الأمر هو أنه ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، أصبحت القضية الأساسية لانخراط أميركا مع العالم قضية حزبية. فبينما تشن روسيا اليوم حربا "وحشية" في أوروبا، هناك انقسام عميق في أميركا حول هذه الحرب.
وأورد أرقاما تظهر أن 79% من الديمقراطيين يؤيدون مساعدة أوكرانيا على استعادة أراضيها المفقودة، حتى لو كان ذلك يعني إطالة أمد الصراع، بينما نجد أن 49% فقط من الجمهوريين يرغبون في إنهاء الصراع بسرعة حتى لو كان ذلك يعني السماح للروس بالاحتفاظ بالأراضي التي استولوا عليها بالقوة.
عضوية أميركا بحلف الناتو
وحول عضوية أميركا في حلف الناتو يوافق 76% من الديمقراطيين عليها بينما يعارضها 22% فقط. أما الجمهوريون فنجدهم منقسمين بهذا الشأن، مع موافقة 49% ورفض نفس النسبة، وفقا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث في مارس/آذار الماضي.
وفيما يتعلق بالمسألة الأوسع للتواصل مع العالم، قال 60% من الديمقراطيين في نفس الاستطلاع إنهم يعتقدون أنه "من الأفضل لمستقبل بلادهم أن تكون نشطة في الشؤون العالمية، بينما يرغب 39% فقط في إيلاء اهتمام أقل بالمشاكل في الخارج والتركيز على المشاكل الداخلية. ووسط الجمهوريين تم عكس هذه الأرقام تماما، حيث يريد 71% التركيز على الداخل و29% فقط يؤمنون بدور عالمي نشط للولايات المتحدة".
ومع ذلك، يقول زكريا إن هناك بعض الشخصيات البارزة في الحزب الجمهوري، بمن فيهم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ونائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس، يبذلون قصارى جهدهم لانخراط أميركا بنشاط في الشؤون العالمية، لكن يبدو أن قاعدة الحزب مع الانعزاليين، كما يتضح من مواقف رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، ودونالد ترامب وحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، وأقوى أيديولوجي إعلامي للحزب تاكر كارلسون.
التعامل مع الصينوعن التأييد القوي للجمهوريين لمواجهة الصين، يؤيد زكريا رأي الكاتب بواشنطن بوست ماكس بوت من أن هذا التأييد لا يعني اهتمام الجمهوريين بالشؤون الدولية، بل بالعكس فهو يأتي لأن الصين هي خصم اقتصادي يديره الحزب الشيوعي ولأن العديد من المحافظين يركزون على بناء الحواجز والجدران وأسباب العزلة عبر الرسوم والجمارك ودعم الصناعة المحلية، وإثارة الشكوك المعادية للأجانب بشأن الطلاب الصينيين والأميركيين الصينيين، وإعطاء البنتاغون ميزانيات كبرى.
وختم زكريا مقاله بالقول إن أكبر خطر على النظام الدولي لا يكمن في حقول القتل في أوكرانيا أو عبر مضيق تايوان، بل في مسار الحملة الانتخابية بالولايات المتحدة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
السياسة.. طبخة تحتاج لطباخ ماهر
بقلم : جعفر العلوجي ..
السياسة ليست مجرد قرارات وخطابات ، بل هي فن بحد ذاته تمامًا كالفنون الأخرى ، لكنها تختلف في طريقة عرضها ، هناك ما هو علني يُصقل ليبدو براقًا وجذابًا ، وهناك ما هو مخفي يُطبخ على نار هادئة خلف الكواليس ، حيث لا يرى الناس سوى النتائج ، بينما تظل الوصفات والأسرار حبيسة الغرف المغلقة .
السياسة كأي طبخة تحتاج إلى طباخ ماهر يعرف ماذا يضع في القدر ويدرك جيدًا التوقيت المناسب لإضافة كل مكون ، ويفهم النكهات التي ستروق للذوق العام .
القائد السياسي هو ذلك الطباخ الذي لا يستعجل نضوج الطبخة ، بل يتأنى، يقرأ المواقف جيدًا ، ويختار ما يخدم شعبه ، حتى وإن اضطر لتجرّع المرارة مرحليًا
ولعل تاريخ العراق الحديث يقدم درسًا واضحًا ، فبعد حربٍ ضروس استمرت لثمان سنوات مع إيران في عهد النظام البائد ، وسقوط نظام صدام حسين ، عادت العلاقات العراقية الإيرانية أكثر قوة ، ولم تكن هذه العودة نتيجة انصياع أو ضعف بل ثمرة لقراءة سياسية عميقة أدركت أن المصالح المشتركة والجغرافيا والتاريخ تحتم على البلدين تجاوز الماضي والانطلاق نحو المستقبل ، رغم ما سال من دماء وما خلفته الحرب من جراح .
ومع ذلك لم يخلُ المشهد من أصوات نشاز ، اعترضت واحتجت لكنها كانت في الغالب أصوات من فقدوا امتيازاتهم ومواقعهم ، أولئك الذين يرتزقون من الأزمات ، ويقتاتون على بقايا الخلافات
واليوم ، تتكرر المعضلة السياسية لكن مع جار آخر ، سوريا فزيارة وزير الخارجية السوري إلى بغداد ولقاؤه برئيس الوزراء والتأكيد على التعاون في كافة المجالات تطرح أسئلة جريئة ومؤلمة هل سيغلق العراق صفحة الماضي ، رغم الجراح النازفة جراء العمليات الإرهابية التي عصفت بأبناء شعبنا ، والتي لم يكن للشارع السوري يدٌ مباشرة فيها ، لكنها جاءت كجزء من حرب بالوكالة فرضتها الظروف السياسية والأمنية؟
هل سيكون العراق قادرًا على تجاوز الأحزان والبدء بمرحلة جديدة من العلاقات مع الحكومة السورية ، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية؟
القرار هنا يتطلب حكمة سياسية لا تعني النسيان ، بل تعني التطلع للمستقبل ، فالمواقف لا تُبنى على العواطف وحدها ، بل على المصلحة الوطنية العليا ، وعلى استيعاب أن الشعوب لا تختار دائمًا حكامها ، وأن الشعوب سواء في العراق أو سوريا دفعت أثمانًا باهظة بسبب صراعات تتجاوز حدودها .
السياسة لا تعني التنازل عن الحقوق، لكنها أيضًا لا تعني البقاء أسرى الماضي والمصلحة الوطنية قد تتطلب أحيانًا فتح صفحة جديدة دون أن يُمحى ما كُتب في الصفحات السابقة .
إن العراق اليوم بحاجة إلى سياسة تجمع لا تفرق ، تبني لا تهدم ، تقرأ المتغيرات لا تتجاهلها فهل سنشهد عراقًا يطوي جراح الأمس ليرسم خارطة جديدة من العلاقات الإقليمية ، أم سنظل ندور في ذات الدائرة ، نحمل أوزار الماضي ونعجز عن المضي قدمًا؟
الجواب مرهون بمهارة الطباخ السياسي الذي عليه أن يحسن اختيار المكونات ، ويدرك متى يضع الملح ، ومتى يطفئ النار ، ومتى يقدم الطبق لشعبه .